تقدم القراءة:

الحج تشييد للدين ٦

5 أغسطس، 2018

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

5
(1)

لرسول الله (ص) وللصديقة الطاهرة ولأمير المؤمنين(ع) والأئمة المعصومين سيّما خاتمهم، ولمراجعنا بشكل عام ولقائد الأمّة الإسلاميّة، للحضور المؤمنين وللموالين قاطبة حارّ العزاء بشهادة سيدنا ومولانا أبي جعفر محمد بن علي الباقر(ع)، الذي لا تعدّ مناقبه ولا تحصى فضائله، وما نقله أعداءه ومبغضيه وشانئيه من الشرف والعلوّ والرفعة والانقطاع لله سبحانه وتعالى والصدق والإخلاص والتفاني في خدمة هذه الأمّة أكثر من أن يذكر وأكثر من أن يحصى. ونحن نقول في الزيارة الجامعة: (مواليّ لا أحصي ثناءكم ولا أبلغ من الوصف قدركم) فمن ذا يبلغ وصفه سلام الله عليه؟!

تماشيا مع حديثنا (الحجّ تشييد للدين) نعرف عن كلّ من الفريقين أنّ الروايات الواردة في شأن الحجّ هي غالبا عن الإمام الباقر(ع)، فرسول الله(ص) لم يحجّ إلّا حجّة واحدة، وبعد وفاته (ص) اختلف المسلمون في كثير من التفاصيل، لأنّ الكثير من تفاصيل الحجّ لم ترد في القرآن الكريم ـ وليس هذا المطلوب والمتوقّع من القرآن ـ وأيضا لم ترد عن رسول الله (ص)، وكلّ ما لدينا في الحجّ وآلاف المسائل في كتاب الصلاة والصوم إلى الديات…كلّها غالبا عن الإمام محمد بن علي الباقر(ع).

ورد عن أمير المؤمنين(ع) وعن الصادق(ع): (أوّلنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد)(1). الرواية فيها معاني كثيرة ولكننا نسلط الضوء على بعد واحد من أبعادها. إذا ضممنا هذه الرواية إلى الواقع التاريخيّ والأحداث التاريخيّة وإلى ما صدر عن الإمام(ع) فإنّنا سوف نستخرج منها معنى هو أوضح وأظهر معنى يتناسب مع دور رسول الله (ص) الذي هو البداية (أوّلنا محمد…).

الدور المحمّديّ المشترك: الظهور

هذه المحمّديّة ليست صرف تسمية، بل هي دور واضح. أوضح دور لمحمد بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف ويتبادر إلى أذهاننا هو مسألة الظهور، ونحن المسؤولون والمخاطبون بشأن الظهور.

هناك جامع مشترك بين المحمدية الأولى لمحمد بن عبد الله (ص) والمحمدية الثانية الباقريّة والمحمدية الثالثة التي هي القيام التام الشامل، ويمكن أن نسمّيه بالظهور أو البقر أو البروز، كل هذه العبائر نريد منها معنى واحدا. ويتّضح هذا المعنى بضمّ الرواية (أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد) إلى الرواية الواردة عن جابر بن عبد الله الأنصاري وهو ينقلها عن رسول الله(ص): (إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا)(2) . الرسول (ص) يقول أوّلا: (رجل مني) ولم يقل: ابني، نعرف أنّه ليس كل أبناء الأنبياء هم (من الأنبياء)، (مني) يعني من ذاتي، (شمائله شمائلي) الشمائل هي الخصائص والصفات الذاتيّة للإنسان التي تعكس نفس الأفعال ونفس الأقوال. فإذا قلنا: (أولنا محمد وأوسطنا…) فنحن نشير إلى حقيقة الظهور المحمدي في هؤلاء الثلاثة المحمّديّون.

ظهور رسول الله (ص)

إذا رجعنا إلى أوّل البعثة النبويّة سنرى أنّ رسول الله (ص) بعث في أمّة مات فيها العلم ومات فيها الفكر والمعرفة، وأحيي فيها الجهل والظلم والقهر والجور والاستبداد والغضب، وكانت تعيش على الغارات وسلب الحقوق. لاحظوا القرآن ماذا يقول في شأن رسول الله (ص) وقد انمحت عن قومه كل آثار التوحيد وكل آثار العلم والأخلاق والقيم: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ يس: 6 هم غافلون مطلقا! ما جاءهم من قبلك من نبيّ ولا رسول ولا نذير، من بعد إبراهيم (ع) إلى رسول الله (ص) كم من القرون مرّت على هذه الأمة ليس فيهم نبي؟! نعم كان فيهم بنو هاشم، كان فيهم عبد المطلب وأبو طالب ولكنهم كانوا أوصياء ولم يكونوا رسلا، لم يكونوا مأمورين بالإنذار وإبلاغ الرسالة، لأنّهم لو أبلغوا الرسالة وأنذروا قومهم للزم أن يتحمّلوا كل ما مرّ على رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) من ظلم وجور وإبعاد وبغض وكره وسلب لأهل بيته…وهذا لا يتحمّله عبد المطلب ولا أبو طالب ولا عبد الله، هذا لا يتحمّله إلّا رسول الله (ص) وعلي (ع) وأبناء علي (ع).

أنتم تعرفون أنه في الجاهليّة كانت الأصنام تعبد في الكعبة وعلى ظهر الكعبة، في مرأى ومسمع من عبد المطلب وأبو طالب ولم يتحدثوا في هذا الأمر، لأنّ المسألة كانت ستنتهي إلى ما انتهت إليه من عداء لرسول الله (ص). إذن الظرف الذي بعث فيه رسول الله (ص) كان ظرف ظهور وظرف انبثاق وانفجار نورانيّ وظرف بقر ـ إن صحّ التعبير ـ للحقائق كلّ الحقائق، لأن الناس لم تكن غافلة في الجانب الأخلاقيّ فقط أو غافلة في الجانب العقائديّ أو الجانب العلميّ والعقليّ، بل حتى في السلوكيات العاديّة، حتى في مأكلهم ومشربهم، لم يكونوا يعرفون أحكام الطهارة ولا أحكام النجاسة ولا ستر العورة… لذلك هم غافلون مطلقا!

عندما بعث رسول الله (ص) بهذه الشمائل والخصائص والملكات التي لا توجد إلا في رسول الله (ص) عند ذلك كشف وظهر الواقع، ليس هناك فرق بين ظهور الحقيقة وبقر الحقيقة، من حيث المصداق لا فارق.

بعث رسول الله (ص) فأحيى العقول والقلوب، والتفّت حوله فئة خيّرة واعتقدت به، ثمّ انتقل من مكّة إلى المدينة. في المدينة استقبل رسول الله (ص) واستقبلت رسالته، الأنصار كانوا أوعى وأفهم وأصدق، ثم جرى التاريخ بحيث تقدّم البعض وتأخر آخرون والقرآن يتحدّث عن هذه التفاصيل. ثم حدث ابتلاء وامتحان كبير وعسير جدا، وهو وفاة رسول الله (ص) وحدث السقيفة.

يمكنكم أن تتصوّروا جبلا عاليا والبعض كان متخلّفا لا يقدر على الصعود، والبعض كان مضرّا وسيّئا ولكنه موجود، ومن حول المدينة من قد مردوا على النفاق لا يستطيعون تسلق جبال الإيمان ولا يصعدون إلى الله ذي المعارج، هم من تحت ويشاهدون الواقع. حينما توفي رسول الله (ص) صار الانحدار والنزول عن رسول الله (ص) انحدارا مروّعا ومدوّيا، ولم يبق مع أمير المؤمنين والصديقة الزهراء (ع) إلا خمسة بعدد أصابع اليد ممّن أدرك شيئا من الحقّ وبقي على الحقّ. حتى تدهورت الأمور أكثر فأكثر وحدث الانقلاب الكامل، فحكم الأمويّون ما يقارب القرن. خلال قرن من الزمن استطاع الأمويّون أن يدمّروا ويهدموا البنى التحتيّة للدين. في مقابل تشييد الدين على يدي الرسول (ص) والباقر(ع) حفر أولئك من تحت، فاستطاعوا أن يزيلوا أصل عقيدة التوحيد ويغيّروها، كما يعبّر أمير المؤمنين(ع): (لم يبق من الإسلام إلّا اسمه ومن الحقّ إلّا رسمه) لم يبق من الحقائق شيء. بل أشدّ من ذلك! أنقل لكم شاهدا عن أستاذنا السيد مرتضى العامليّ، يقول: في زمن الإمام الباقر(ع) كان بنو هاشم ـ الذين هم أقرب الناس إلى الأئمة (ع) ـ ومع أن الصلاة كانت عمود الدين ويؤدّونها في اليوم خمس مرات إلّا أنهم كانوا يسألون الباقر(ع) في البديهيّات من أحكام الطهارة وأحكام الصلاة وفي الممارسات اليوميّة التي يمارسها المسلم العاديّ! هؤلاء كانوا يجهلون أبسط الأحكام فما بالك إذن بسائر الأمّة؟!

غابت تماما كل سبل المعرفة للدين والأخلاقيّات والسلوكيّات، وحرّف الدين والتوحيد والسنن وسائر الأحكام، الحج، الصلاة، الصوم …فحدث غياب تامّ كما حدث تماما في أيّام الجاهليّة.

الإمام الباقر(ع) العدوّ المشترك للأمويّين والعبّاسّيين

عاصر الإمام الباقر(ع) ظرفا هو أشدّ الظروف على أيّ شخص يريد أن يؤدّي رسالة، وهو الصراع الدمويّ الشديد الذي بدأ بين الأمويّين والعبّاسيّين، الكثير من الناس يظنّ بأنّ هذا الظرف أعطى الفرصة الأساسيّة للإمام (ع) لينشر علومه ومعارفه. الحقيقة أنّ هذا الكلام ليس خطأ من أصله ولكن ـ بحسب ظنّي ـ هناك خطأ في تصويره. الطرفان المتنازعان بنو العباس وبنو أميّة كلاهما مختلفان على كلّ شيء وأعداء ودمويّون، ولكنّهما متفقان على شيء واحد وهو أنّ الإمام الباقر(ع) هو العدوّ الواقعيّ الحقيقيّ المشترك لكلّ منهما. لأنّ كلا الطرفين يقطع بأنّ الإمام الباقر (ع) هو الخليفة الواقعيّ والمنصّب لرسول الله (ص)، وهو الذي له الاستحقاق والجدارة والأهليّة، ويرون فيه كامل الاستعداد لإدارة هذه الأمّة. كلاهما أكثر ما يرهبهما هو أن تكتشف الأمّة كفاءة الإمام الباقر (ع). لا تتصوّروا أنّهم تقاتلوا وانشغلوا وتركوا الإمام الباقر (ع)في حاله. لو تركوا الإمام في حاله لما كان الإمام يعمل بالتقيّة وبالأحكام الثانويّة. كلاهما يعلم بأنّ المسند الذي يتكؤون عليه، والمنبر الذي يعتلونه، والقصر الذي هم فيه والإمكانيّات التي تحت أيديهم وهذه الارض الواسعة والعالم الإسلاميّ الذي يديرونه…يعرفون بأنّ الأحقّ بذلك كلّه والأجدر به هو الإمام الباقر(ع).

ولكن كون هذين العدوّين الشرسين في صدد الفتك بالإمام الباقر(ع) بأيّ طريقة ليس هو العنصر الاساسيّ الذي استفاد منه الإمام الباقر(ع) في أداء وظيفته، بل يوجد عنصر آخر يمكننا إدراكه عبر التحليل لفلسفة تاريخ المجتمعات.

حاجة الناس إلى الحقّ ودور الباقر(ع)

عندما يكون الصراع بين طرفين يدّعي كلّ منهما أنّه الأقرب للدين وأنه الأقرب لرسول الله (ص)، وكلّ منهما يدّ عي بأنّه خليفة الله وخليفة رسول الله (ص)، ومع ذلك يخطئون ويظلمون ويسفكون الدماء ويفترون على الله ورسوله، وكلا الطرفين يجهلون حقيقة الدين ولا يعرفون ولا يكشفون شيئا من حقيقة الدين للناس. في مثل هذه الحالة ماذا يكون حال الناس في المجتمع؟! في هذا الحال يبحث الناس عن طرف أصدق يكون خارج هذا الصراع ليروا فيه الحقّ. الظرف الذي استفاد منه الإمام الباقر(ع) هو حاجة الناس للحقّ وبحثهم عن الحقّ والحقيقة.

تيه الناس وضياعهم أمر طبيعيّ لم يصنعه الإمام(ع)، ولكن هذه الطبيعة الموجودة في الناس تعين الإمام (ع) على أن ينتخب دورا يتناسب مع مجموع هذا الظرف.

فعندما يبحث الناس عن الحقّ فالإمام (ع) هو العامل المساعد لإيصال الجميع إلى الحقّ والمعرفة والدين وإظهار الواقع، بل لبقر الواقع!

الذين يبحثون عن البترول يضربون الأرض ويستخرجون كنوزها بنحو لم نكن نتصوّره، فلم نكن نتصوّر أن يكون منها الكهرباء والتدفئة و … الإمام الباقر(ع) لم يضرب الأرض فقط، بل ضرب وبقر عقل وقلب وفكر كلّ إنسان وأراه النور المضيء الذي يكاد يضيء ـ كما يقول الصاق (ع) ـ ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ﴾ النور: 35. فكان الإمام الباقر(ع) يكلّم النصرانيّ بنصرانيّته فيهديه، ويكلّم اليهوديّ بيهوديّته فيهديه، ويكلّم الدهريّ بدهريّته فيهديه، ويجيب كل من حاجّه صلوات الله عليه من كلّ فئة ومن كلّ طائفة بما يهديه للحقّ. ولهذا إذا راجعنا تاريخ الإمام الباقر(ع) عرفنا أنّ حقيقة ظهور الإمام الباقر(ع) تماما تشبه ظهور الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف. المشكلة هي أنّنا لا نستطيع تصوّر الظلمات التي كان يعيش فيها الناس في زمن بني أميّة.

مثلا: في العراق التي هي موطن الحوزة العلمية والعلماء والمتديّنين من الأصل، تنقل إحدى الأخوات من بيت علميّ متديّن أنّهم كانوا أيّام البعثيّين في أيّام مواليد الأئمّة (ع) يستمعون إلى الأغاني والمغنّيات! كيف وصلوا إلى هذا المستوى؟! إذا كان أهل الحقّ مبعدين مسجونين مطرودين مشرّدين فماذا يبقى للناس حتى تعرف الحقّ والحقيقة، أو تعرف كيف تحزن لأهل البيت (ع) أو تفرح لهم ؟! بنو أميّة أوصلوا الناس إلى ما هو أسوء من ذلك.

إذن ما قام به الإمام الباقر(ع) هو دور تشييديّ للدين بحيث كل من له شمّة ومقدار من الاهتداء فهو ببركته (ع). لم يبق فقيه في المدينة ولا في الكوفة ولا في البصرة ولا في أيّ منطقة من المناطق الإسلاميّة إلّا وقد استفاد من الإمام الباقر(ع).

وبهذا يمكن أن نصوّر دور الإمام الباقر(ع) في بعدين فقط ـ لا مجال للكلام أكثر من ذلك ـ :

1. بناء وتشييد الإنسان.

2. تشييد المجتمع المؤمن المتديّن.

تشييد الدين يبدأ من الحكمة

تشييد الدين داخل المجتمع يعتمد على بناء الحكمة. وإذا بني الإنسان بناء حكميّا ومحكما فبلا شك بعد هذه المرحلة لا يكون هناك إلّا التغيير والانقلاب والظهور التام والقيام بالأمر.

يقسّمون الحكمة إلى: العدالة، الشجاعة، العفّة.

الحكمة هي معرفة الذات الإلهيّة وأسمائه وصفاته وأفعاله، وكل ما يجري في هذا الكون هو أفعاله سبحانه.

كان الإمام (ع) يجيب كلّ سؤال بما يفهمه السائل.

أضرب لكم مثالا سريعا، حينما سأل أحد كبار الرهبان المسيحيّين الإمام الباقر(ع): من أين أنت أمن علمائها أم من جهّالها؟ فقال (ع): “لست من جهّالها. ثم سأله: من أين ادعيتم أنّ أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يحدثون…؟ فقال (ع): الجنين في بطن أمّه يأكل ولا يحدث. فاضطرب النصرانيّ اضطرابا شديدا…ثم سأله: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة غضّة طريّة موجودة غير معدومة عند أهل الجنّة؟ فقال (ع): دليل ما ندّعيه أن السراج أبدا يكون غضّا طريّا موجودا غير معدوم عند أهل الدنيا لا ينقطع أبدا. فاضطرب اضطرابا شديدا، ثم قال: هلّا زعمت أنّك لست من علمائها؟ فقال(ع): ولست من جهالها…”(3) لاحظوا الإمام (ع) لم يستدل بأدلة غيبية، بل بتجربة خارجيّة يشهدها كل إنسان.

إذا قرأنا الروايات في البحث عن الحكمة نجد أنّ ما ورد عن الإمام الباقر(ع) عن صفات الله وأسمائه وعن أقوال الله وأفعاله لم يكن ليقوله أو ليبيّنه غير الإمام (ع).

وأمّا في الشجاعة فإن الإمام (ع) على الرغم من أنه بنى سلوكه وحمله للرسالة على التقيّة، ولكن ذلك لا يعني محو وطرد كل عناصر الشجاعة.

أنقل لكم هذه الرواية، عن أحد أصحاب الإمام الباقر(ع) وكان من الرواة الثقاة، عبد الغفار بن القاسم، كان يسأل الإمام الباقر(ع) عدّة أسئلة وفي المجلس ثلّة من الناس، وقد كان تاجرا، ومن عادة التجار الكبار أن يمرّوا السلاطين ويدخلون بيوتهم جلبا لمنافعهم وربح تجارتهم، والسلطان ليس بالضرورة أن يكون هو الخليفة، بل كل والٍ في مدينة أو مسؤول يسمّى بحسب منطقته سلطانا. فسأل الإمام الباقر(ع): “يا سيّدي فما تقول في الدخول على السلطان؟ قال (ع): لا أرى لك ذلك. قلت: إنّي ربّما سافرت إلى الشام فأدخل على إبراهيم ابن الوليد. قال: يا عبد الغفار إن دخولك على السلطان يدعو إلى ثلاثة أشياء: محبّة الدنيا، ونسيان الموت، وقلّة الرضا بما قسم الله. قلت: يا ابن رسول الله فإنّي ذو عيلة وأتّجر إلى ذلك المكان لجرّ المنفعة فما ترى في ذلك؟ قال: يا عبد الغفار إنّي لست آمرك بترك الدنيا بل آمرك بترك الذنوب”(4) 

إذا دخلت على السلطان فإنّك ستحبّ الدنيا وستحبّ بقاءه شئت أم أبيت، حتى لا تخسر، بينك وبينه بيع وشراء ومصلحة. والمصيبة الأخرى أنك بالدخول عليهم والنظر إلى بيوتهم والتعامل معهم ستنسى الموت، ومصير من ينسى الموت ﴿الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا﴾ الجاثية: 34! وأما المصيبة الثالثة فهي قلة الرضا بما قسم الله. ألا ترى الناس في توتر دائم وعدم ارتياح؟! لأنهم من حيث لا يشعرون ينساقون مع الدنيا وهم على دين ملوكهم. هذه موبقات ثلاث وخطايا كبيرة ستقع فيها عندما تدخل عليهم وتعمل معهم.


1. كتاب الغيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، ص88

2. بحار الأنوار، المجلسي، ج46، ص225، ح9

3. دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري، ج1، ص230

4. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج36، ص359

 

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬353 زائر

1 تعليق

  1. ام هاشم

    نشكر الله على هذه النعمه وهي تلقي العلم من الاستاذه الفاضله أطال الله عمرها وعأدام عطائها

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).

جهاد السيدة زينب ﴿؏﴾ وأخلاقيات الصراع بين الحق والباطل 0 (0)

﷽ توطئة  مما لا شك فيه أن الصراع بين الحق والباطل ولد مع ولادة الإنسان؛ وذلك لاختلاف الناس في القوى والصفات والأفعال، وأن سلسلة هذا الصراع لم تبدأ بنزول آدم ﴿؏﴾ إلى الأرض  حاملًا في أصل جينات وجوده العداوة لإبليس، وكذا إبليس أيضًا؛ بل كانت في عالم الأصل منذ الخلقة...

مقام المنصورة في السماء 0 (0)

﷽ وأفضل الصلاة والسلام على خير الأنام المصطفى ﷺ وعترة الطاهرة ﴿؏﴾ أبارك لرسول الله ﷺ ولآل بيته ﴿؏﴾، ولمراجعنا العظام والأمة الإسلامية، المولد الأطهر للصدّيقة الطاهرة ﴿؏﴾، ويوم المرأة العالمي، ولا يفوتنا هنا أن نبارك بالتبع ميلاد ابنها بالحقّ مفجر الثورة الإسلامية...