تقدم القراءة:

فلسفة دعاء وداع شهر رمضان ١

الأربعاء 30 رمضان 1442هـ 12-5-2021م

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

5
(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين

إلتزامًا بطلب السيد القائد من المؤمنين بقراءة دعاء وداع شهر رمضان للإمام زين العابدين عليه السلام قبل نهاية الشهر، وهذا المعنى محتف بعدة قرائن سوف تتضح في طيات البحث إن شاء الله.

هذا الدعاء لا توجد فيه مغلقات وغوامض ومطالب تحتاج إلى فتح وبسط وشرح، فالطرح سيكون بما يتناسب والفكرة حول بيان فلسفة هذا الدعاء.

هناك مسألتين :

المسألة الاولى:

لتكامل الفكرة والخروج بمنتج رصين ممنهج سنجعل رواية “للصائم فرحتان”(١) متكًأ ومنطلقًا لما بينهما من ترتب زماني وحالي ومقالي بل حتى وعلّي ومعلولي؛ فاللقاء هو الذي يعين الوداع لأن الوداع عندما يكون بين العقلاء يتوقف على العلاقة القائمة بين الطرفين المودِع والمودَع والوداع له ارتباط بطبيعة العلاقة وعمقها وطبيعة متعلقها فالرواية تتحدث عن لقاء الصوم والفرح المتولد عنه، ومنطقيًا يأتي الحديث عن الوداع بعد معرفة اللقاء.

المسألة الثانية:

سنوجه الحديث لنقطتين لم يتناولهما شرح الدعاء (٢)

الأولى: مسألة الوداع بشكل عام، والثانية معنى وداع شهر رمضان.

شبهة ورد:

حتى يأتي الحديث في قالبه العلمي ويكون فيه نوع من المعالجة لشبهة واقعية. في الآونة الأخيرة أثيرت شبهة وأخذت بالاتساع والانتشار والتطور والذي أثار الشبهة هو الدكتور سروش(٣). وتعتبر تطويرًا وتحديثًا لنظريته حول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والنصوص الدينية نلخصها في الآتي:

١- أن القرآن عبارة عن مفادات إلهية وحيانية صاغها النبي الأكرم صلوات الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين باللسان العربي متأثراً ببيئته وثقافته، فمحمد (ص) في نظر سروش خالق الوحي ومنجز لدور محوري فيه، ودوره يشبه الاستعارات الشعرية، وكأي شاعر هناك قوة خارجية غامضة تسيطر عليه وهو ينجز ما تملي عليه هذه القوة، وهي مصدر الإلهام سواءً كان داخليًا أو خارجيًا المناخ والبيئة والمكان الذي يعيش فيه النبي. فليس هناك وحي مستقل وإنما هي روح محمد صلى الله عليه وآله التي خرجت من القوة إلى الفعلية، واتصلت بالله، وفي اتصاله بالله يرى حقائق ثم هو يعبر عن هذه الحقائق للناس بما يتناسب وقدرات الناس وإدراكاتهم العقلية.

٢- امتياز النبي صلى الله عليه وآله عن الشعراء والعباقرة في سعة إدراكه وقدرته على الارتباط بعالم الغيب ربطاً فعليًا، فتتحد نفسه مع الله سبحانه وتعالى اتحادًا معنويًا. اتحاد المحدود باللا محدود كاتحاد موجة الماء بالماء في البحر مثلاً، وهو بذلك لا يخرج عن مستواه البشري.

٣- ليس هناك وحي والنبي هو الذي يخلق الوحي: فهناك وجود إلهي مطلق وهناك روح النبي التي تصل إلى حالة وحيانية والنبي يحصل على هذه المضامين الوحيانية باتصاله بالله سبحانه وتعالى، ومن خلال هذا الاتصال يرى أمورًا تفوق مستوى فهمه وإدراكه. وتعجز الكلمات والألفاظ أن تترجم ما رآه باتصاله بالله سبحانه.

٤- القرآن حقائق رآها رسول الله وعبر عنها بألفاظ عربية، ونقلها بمنطقه وطريقته.. وأن هذا لا ينقص من مقام النبوة، فالنبي لا يمكن أن يخاطب الناس بلغتهم ووفق معارفهم وتصوراتهم، بل بما يمتلك من معارف راقية. وحتى يقرب لهم الفكرة تأتي صياغة الآيات والنصوص الدينية وفق قوالب تتناسب والبيئة التي يعيشونها، وحسب مايتبناه سروش من رأي أن هذا ما يفسر التفاوت في الخطاب القرآني وبياناته، فتارة هي قمة الفصاحة والجدل وتارة مفعم بالملل، يتحدث عن المرأة وزواج الأربع -مقولب ما رآه باتصاله بالله بواقعه وتأثراته البشرية .

بناءً على هذه النظرية التي يتبناها سروش لا يمتنع على النبي الخطأ، فلا قدسية للوحي ولا عصمة للقرآن.

الطرح الجديد في نظرية سروش:

ثمة تأثير للبيئة الخارجية والخصوصيات الذاتية للنبي صلى الله عليه وآله وأثرها بالتالي على البيانات الدينية، بل أن شخصيته شخصية محبة للقدرة والسلطان وللقيادة والإرهاب.. وهذا انعكس على خطاب القرآن المتأثر بأخلاق وخصائص النبي في حديثه عن علاقة الله سبحانه وتعالى بالإنسان. فهو يواعد من يطيعه بجنة عرضها السموات والأرض.. ويتوعد من يخرج عن دائرة هيمنته ولا ينقاد له بالزقوم والحميم .

العرفاء الخرسانيون وكمال الإسلام!!

الإسلام ذو جناحين جناح حقق للنبي الدولة والتمكن -الجناح السلطوي- وجناح آخر أوجده وخلقه العرفاء وهو يوازي نفس الدور الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأهمية لا يقل عنه درجة بتطعيمهم النص الديني ثقافة الحب والعشق وبهذا كمل الإسلام.

الشبهة لا تصمد والكلام مردود عليه:

هذه الشبهة قد تنطلي على الإنسان الذي ليس دراية بالقرآن ومضامينه.. ولم يقرأ ملامح شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يتعرف على الأئمة وآثارهم الفكرية وأبرزها الصحيفة السجادية زبور آل محمد مثال واحد يقطع هذه الشبهة من دابرها “دعاء وداع شهر رمضان” إذا وضعنا نصب أعيننا الفاصلة الزمنية بين مجيء العرفاء الخرسانيين وزمن صدوره من الإمام زين العابدين عليه السلام! وما هو إلا امتداد للقرآن.

كم يكتنز هذا الزبور من المعاني العرفانية الراقية و فيه من جواهر العشق العميق الذي لا يوجد إلا عند المتيمين الوالهين الذين أخذ بهم الحب والعشق والتعلق والتلطف والجوى والشغف صبابة وغراماً وكلفًا، وأصبح له لواعج في أرواحهم وود وصال للتعلق بكل مايذكرهم بمحبوبهم وقد أنهكهم احتجاب محبوبهم عنهم فهم يتعلقون بكل مايمت له بصلة.

دعاء وداع شهر رمضان فيه هذا المقدار المكتنز من العرفان العميق والتوله الذي لا يمكن أن يفسر إلا في إطار العشق.. هذا الدعاء أشبه بحكاية عن حالات من يفارق رائحة المحبوب و بالدقة العلمية نسأل: كيف يودع العاشق الشهر الشريف؟!

أصل الوداع يكون بين مدرِك و مدرَك، عاقل يحب عاقل، ذي شعور متعلق بذي شعور،يريد أن يظهر حبه له.

مامعنى وداع شهر رمضان؟!

  شهر رمضان ليس موجود مدرك ذو شعور  على الأقل بالنظرة الأولية ،لكن هناك مسألة لدى كل العاشقين الوالهين وهي تعلقهم بكل مايمت لمعشوقم بصلة وإظهار العشق والحب له. والحب له أحكام لا يفهمها إلا من ذاق طعم الحب، وبذلك يكون وداع شهر رمضان لأن هذا الشهر رائحة المحبوب، نفس المحبوب.

هذه اعتبارات معنوية عقلائية، شهر رمضان شهر الله، العاقل يحب الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى قد احتجب في كل شيئ “اللهم إني أسألك بأسمائك التي ملأت أركان كل شي” هذا الشهر باعتباره منسوب لله لذلك العاشق لله سبحانه و تعالى يحب هذا الشهر يتعلق به لهذه النسبة..

وهذا ما يفسر لنا استحباب تقبيل الكعبة والحجر الأسود حال الوداع.. وكذا وضع الخد على الضريح، الضريح والكعبة ليس إلا لقاء المحبوب.

هذا يعود الى مطلب حكيم دقيق وهو أن الله سبحانه وتعالى احتجب بحجاب غير محجوب. شهر رمضان شهر الله سبحانه و تعالى، شهر رمضان شهر المعشوق ،شهر رمضان شهر اللطيف شهر الخبير شهر من بسط يده بالعطاء والرحمة “باسط اليدين بالعطية”.

عندما يأتي النص الديني و يعلمنا ويوجهنا.كيف نفسر توجيه هذه المعرفة؟ هل نقول هذا الدين متأثر بخصوصيات محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه التي كلها سلطة و قوة وهيمنة؟!

 وليس في القرآن إلا الأحكام والأوامر والنواهي؛ هذه رؤية بعين عوراء ورؤية لزاوية ضيقة. يجب أن نأخذ الإسلام كما هو دين كامل من ابتدائه الى امتداداته..

وبعد ذلك!!

هل يمكن أن نقول العرفاء هم الذين أضافوا على الإسلام جناحًا حتى يقبله العقلاء حتى تقبله الفطرة وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما هو سلطان وحاكم وقائد لا كمال له إلا بهؤلاء العرفاء!!

نظرة واحده فقط لأحوال الأئمة صلوات الله و سلامه عليهم مع الجمادات التي ليست إلا وسائط تنقل وتعكس صورة المحبوب.

 هذه الشبهة لا نحتاج في حلها لأكثر من الرجوع إلى مثل هذا الدعاء؛ دعاء وداع شهر رمضان هذه هي الجهة التي تعالج كل الشبهات التي يمكن أن تتصور نقصاً في  رسول الله وآل بيته ونقصاً في النص الديني تأتي تتمة الحديث وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

 


  1. إشارة للرواية مدار البحث للموسم الرمضاني عام ١٤٤٢هـ
  2. شرح لدعاء وداع شهر رمضان بلسان الشيخ مصباح قدس الله سره وهو مترجم بالعربية على اليوتيوب وممكن  الاستفادة منه.
  3. طرح المسألة في عشرين محاضرة – ثم  حدثها – يمكن الحصول عليها بالفارسي بعنوان (دين وقدرت) وقد تكون مترجمة

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 135٬876 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاطميون بالانتماء لها ﴿؏﴾ 4.5 (2)

فالمقصود من أهل قم هم الحاملون لفكر وثقافة ومبادئ وأخلاق قم وربما لم يصلوا لها ولم يدخلوها أبدًا، وأما من سكن قم ولم يراعي حرمة السيدة المعصومة ﴿؏﴾ فكان يكذب ويسرق ويهين ويستهين بالمؤمنين، ولا يهتم بأمور المسلمين الكبرى؛ فهو ليس من أهل قم.

فزت ورب الكعبة ٢ 0 (0)

نلاحظ أن أمير المؤمنين ﴿؏﴾ قد أولى مسألة الاهتمام والانشغال بالمظاهر اهتمامًا كبيرًا، وعالج هذه الظاهرة علاجًا يقطع التكاثر تمامًا من النفس، لأن التكاثر يسلب اليقين القلبي العرفاني العملي، أي أن يعمل الإنسان بما يتيقن،