انقلاب الأمة لم يكن مفاجئاً
لقد كانت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وغيابه عن الأمة كاشف واضح عن الوضع الداخلي الذي كانت عليه الأمة في وعيها ومعرفتها وإيمانها واتضاح معالم الرسالة بالنسبة إليها. ويكفينا شاهداً على ذلك قول القرآن (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) [آل عمران: 144] حيث جاءت الآية في مورد التوبيخ وهو دليل على الوقوع.
لكن هذا الانقلاب لم يكن مفاجئا لأن الخلل الموجود في الأمة لم يكن خللا في البنى الفوقيّة – للأسف – بل في المباني التحتيّة والأساسيّة، ولذا كان الانحلال والتفرّق مصير طبيعي للأمّة التي كان الوجود الأقدس للنبي صلوات الله عليه هو علّة وحدتها والمرجع في تلاحمها الظاهري.
وفي هذا تقول السّيّدة الزّهراء عليها السلام: (فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها. فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ .
هكذا كانت الأمم غارقة في أوحال الظلام مع علمها وعرفانها ووضوح فطرتها ولكنها مع ذلك لم تهتد، ثم حدّدت الزّهراء (ع) مركز دائرة التّغيير (فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ظُلَمَها) فعلّة الانقلاب النوري الحادث في واقع الأمّة بل كل عوالم الإمكان هو إخراج محمّد صلوات الله عليه وآله للنّاس من الظلمات الى النور وهذا دور لا يضارع محمّد وآله فيه أحد.
وقد كان الواقع الخارجيّ للأمّة شاهد حيّ على تراكم الظلمات، فقد اختلفوا في أكثر الأمور بديهيّة مما يرونه يوميّا من ممارسات وسلوكيّات النّبيّ الأعظم صلوات الله عليه من الوضوء والصّلاة إلى المعتقد والأمور الكلّيّة والمفصليّة، ومن ذلك أمر الخلافة والولاية والتي لا يحتاج من عاش الوحي مع النّبيّ عشر سنوات إلى دليل وبحث وتنقيب لإثباتها، بل إنّ الانقلاب عليها هو العجيب.
0 تعليق