تقدم القراءة:

رسالة إلى الحسن ﴿؏﴾ ١

22 سبتمبر، 2020

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك يارسول الله، السلام على أمير المؤمنين وعلى الصديقة الطاهرة وعلى الحسن بن علي، السلام عليك يا أبا عبدالله.
لرسول الله (ص) وللأئمة المعصومين ﴿؏﴾ سيما خاتمهم (عج) مراجعنا بشكل عام، قائد الأمة الإسلامية، بناتي أخواتي المؤمنات حار العزاء بذكرى شهادة الإمام أبي محمد الحسن بن علي ﴿؏﴾ المسموم المظلوم المهضوم.
عظم الله أجورنا وأجوركم جميعًا.
الحديث بعنوان رسالة إلى الحسن”
تقديم (وصية الأمير لابنه الحسن ﴿؏﴾ أحد المعالم التربوية الإلهية) 
لا يشك مسلم معتدل أنه قد ظهرت على يديّ الإمام الحسن ﴿؏﴾ صفات تتطابق وموقعه المرموق، ونسبه الحسيب؛ فقد اعتنى به كبار الخلق وخاصتهم وخلاصتهم النجباء محمد (ص) وعلي وفاطمة ﴿؏﴾، وهذا النهج التربوي الإلهي آتى ثماره الحسنية وعكسه لنا صورًا من سلوكه وأقواله وأفعاله وسيرته من ظاهر حياته وبعد وفاته، وأحد هذه المعالم التربوية الإلهية هو ما وصلنا من هذه الوصية التي كتبها الإمام علي ﴿؏﴾ لأبنه الحسن ﴿؏﴾ وقد نقل لنا هذه الوصية وهذه الرسالة الشريف الرضي في نهج البلاغة، وكذلك الحراني في تحف العقول، كما نقلها الكليني وهي مشهورة ومنقولة حتى عن كتب صحاح السنة مع تعدد مصادرها.
هذه الرسالة أو ما تسمى بالوصية تعدّ أطول وصية كتبها أمير المؤمنين ﴿؏﴾ بعد وصيته السياسية لمالك الأشتر من حيث الطولوعدد الصفحات، وقد كانت وصية مالك الأشتر اجتماعية سياسية، وهذه -إن صح التعبير- تعدّ تربوية شمولية؛ فهي تمثل نظرةمتكاملة للمنهج التربوي الذي تدعو له الآيات والأدلة العقلية والنصوص الدينية الإسلامية، وباعتبار أن هذه الوصية لم تصدر عنأمير المؤمنين ﴿؏﴾ من موقع كونه إمام معصوم، ولم يُخاطب بها الإمام الحسن ﴿؏﴾ من موقع الإمامة والعصمة؛ بل ربمانستغرب من بعض العبائر الموجودة فيها ونتصور أنها لا تتناسب وشأن العصمة والإمامة.
فالوصية تعدّ منهجًا تربويًا شموليًا يستفيد منه كل مربي يشعر بالمسؤولية والإحساس بالدور الخطير لهذه الوظيفة، وكما ينقل عن أحد المراجع أنه لو لم يكن في نهج البلاغة أو فيما صدر عن أمير المؤمنين ﴿؏﴾ في شأن التربية إلا هذه الوصية لكفتنا في إعطاء العناصر الأساسية للتربية.

الظروف والسياقات التي كتبت فيها الوصية

إذا أخذنا بعين الاعتبار الزمان والمكان والسياقات التي كتبت فيها هذه الوصية سوف تضيف لنا علاوة على فهم المحتوى أبعادًا اجتماعية وفكرية وثقافية، هذه الوصية لها قيمة كبيرة في محتواها وتزداد أهميتها وقيمتها إذا عرفنا أن الإمام صلوات الله وسلامه عليه كتب هذه الرسالة عند رجوعه من معركة صفين، ومن يطّلع على السيرة يعرف أن حرب صفين كانت لها صعوباتها الخاصة، فالأمير ﴿؏﴾ قد خاض حروبًا وغزوات عدّة، فمعركة الجمل كمثال: كانت مليئة بالفتن والشبهات، ولكن الأمير ﴿؏﴾ انتصر فيها بحكمته وفطنته وقدرته على إدارة الواقع الاجتماعي بالرغم من صعوبة الموقف.
في حين أن حربه في صفين كانت مليئة بالمكر والخداع والتزييف والكذب -كما ينقل التاريخ- للحدّ الذي امتد وبلغ فيه عداء معاوية لأمير المؤمنين ﴿؏﴾ حتى شمل الحسن والحسين وأهل البيت ﴿؏﴾ وعلى طول التاريخ وإلى الآن من -اتباعهم وأشياعهم-، حيث كانت صفين مرحلة صعبة جدًا؛ قتل فيها ما يقارب من مائة ألف، فكان الظرف الاجتماعي والسياسي والروحي حساسًا جدًا؛ بحيث تطلّب من أمير المؤمنين ﴿؏﴾ أن يضع بناءً لإنسان سليم يستوعب الماضي، ويهضم الحاضر، ويصنع المستقبل؛ وهذا لا يتم إلا بوضع مبادئ أولية يبتنى عليها أو فلنقل يثبت عليها بناء الإنسان في رؤيته واستراتيجته لهذه الحياة، إذ يجب أن لا يكون هذا البناء متأثرًا بالأحداث المقطعية الآنية، فهناك بعض أساليب التربية تؤثر وبشكل مقطعي وآني ولحظي، والإمام ﴿؏﴾ في هذه الوصية يضع مبادئ وخطوط تصنع أرضية لإنسان لا تؤثر عليه صولة الباطل؛ بل هو قادر على أن يصنع دولة الحق؛ فالأيام دول والعاقبة للتقوى، والكرامة والعزة والواقعية للبناء السليم. كان الأمير ﴿؏﴾ وأهل بيته كما الواقع الاجتماعي يستقبلون وضعية جديدة فتحت الأبواب للخوارج ولبني أمية ليكون لهم نفوذًا في داخل المجتمع الإسلامي، بما يعدّ ظاهرة هي أشدّ مما سبقها من ظواهر وانحرافات؛ أشدّ من السقيفة، وفي ظلّ هذه الظروف بدأ سلام الله عليه وصيته بترسيخ رؤية لحقيقة النفس الإنسانية والتي تُعدّ أهم عنصر للتربية الإسلامية؛ لذا فقد بدأ رسالته بقوله: “من الوالد الفان المقر للزمان، المدبر العمر، المستسلم للدهر، الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها إليهم غدًا إلى المولود المؤمل ما لايدرك”(١)

بعض مما تنطوي عليه هذه الوصية

نلاحظ أن أول عنصر في التربية الإسلامية والذي يختلف عنه في التربية الغربية وما سواها من حيث أن الرؤية لحقيقة النفس هي مسألة أساسية تبتني عليها سائر السلوكيات؛ فإذا ما عرف الإنسان واقعه وحقيقته وظرفيته وهويته من مربٍ كأمير المؤمنين ﴿؏﴾ يفتح له كل النوافد ليطلّ على ما حوله من الثوابت؛ سيعرف أين هو؟ وكيف يجب أن يكون؟ وكيف عليه أن يتعامل مع الناس؟ -كما سوف يأتينا- وكيف أن الأمير ﴿؏﴾ عندما يتحدث عن الدائرة والمحيط الاجتماعي؛ يوصي الإمام الحسن ﴿؏﴾ بأن يرضى من الناس ما يرضاه لنفسه، ويحب ما يحب لنفسه، وهذا لا يتحقق إلا في ظلّ عملية تربوية تبدأ وتنشأ من معرفة هوية الإنسان؛لأن عملية التربية تختلف عن التعليم؛ فالمربي دائمًا يهدف إلى تزكية المتربي، وأن يكون المتربي عادلًا  وليس عالمًا فحسب؛ فالعلم يمكن أن يؤخذ من أي منفذ، ولكن لا يمكن أن يقبل المتعلم أن يكون المربي -من يربيه ويزكيه- لا يذكره بالله ﷻ عند رؤيته، ولا يريه حجمه الواقعي، كما لا يُقبل منه -المربي- أن يكون واهنًا، ضعيفًا، وقليل الحيلة؛ فحينها كما يتعين عليه أن يكون في ذات الوقت متواضعًا؛ وإلا فلن يكون مؤثرًا، ولن يربي إنسانًا مستقلًا عاقلًا، فلا أحد يقبل الانقياد لشخص آخر غير مؤهل على نحو الطاعة العمياء، ولو كان ذلك الآخر نبيًا؛ فمن يربي إنسانًا مستقلًا  متوكلًا  على الله ﷻ وحده لا يمكنه أن يطلب من الآخرين أن يكونوا عبادًا ومطيعين ومنقادين له ﷻ ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ آل عمران: ٧٩.
  • (من الوالد الفان
إن إفراط المربي في الملامة؛ يشب نيران اللجاجة؛ فيتعين على المربي أن يعرف حجم نفسه وظرفه الذي يحيط به ويُعرّف المتربي عليه؛ لأنه سوف يمر بنفس ما مر به، وهذا الظرف هو المحيط والدنيا والآخرة والزمان وتأثيره على الإنسان؛ وكل هذه العناصر تعلّم الإنسان هويته؛ لذا فإن الأمير صلوات الله عليه في أول وصيته يتكلم عن هذه الهوية (من الوالد الفان)؛ فهذه الحقيقة الكونية تعدّ أول عامل يحرك الإنسان نحو التزكية؛ لأنه إذا عرف المتربي هذه الحقيقة ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ الرحمن: ٢٦، ومن بين ما عليها نفسه؛ من هنا سيتلاشى وجوده، إذ أن الشاب عادة ما يكون قليل التجربة والخبرة، لا يرى إلا مابين عينيه، وتكون رؤيته محدودة؛ فهو لا يفهم معنى الفناء إلا بعد أن يكبر، ويضعف فتأتي تلك الأخلاقيات متأخرة عن سني بلوغه(٢).
ولكن عندما يشعر الإنسان بالانسجام مع كل هذا الكون الفاني؛ فإنه سينتفض وتسقط عيوبه.
  • (المقرّ للزمان)
(الزمان) هو التجارب التي ينقلها الكبار والعقلاء؛ فقد يتصور الإنسان بأن الزمن واقف، وأن حركته كإنسان هي التي تحدث الوقت وتحرك الزمان؛ وهذا تصور خاطئ؛ بل ينبغي للإنسان أن يلتفت لحقيقة واقعية؛ وهي أنه مع الزمان كالراكب على مطية هي من تسير به.
يقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه: “من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به، وإن كان واقفًا”(٣)، فعلينا أن نقربفاعلية الزمان؛ لأنه سوف يترك آثار نشاطه علينا، فغبار الزمان يظهر بياضًا في مفرق الإنسان، وهذا المعنى وإدراكه له تأثيركبير، وثمار كثيرة على الإنسان.
  • (المدبر العمر)
فعمر الإنسان مثل الشمس تظهر ومن ثم تبدأ في الغروب تدريجيًا حتى تأفل، وإدراك هذا المعنى يجعل المتربي خاضعًا مستعدًاليسمع الفقرة التي تليها (الساكن لمساكن الموتى)
  • (الساكن لمساكن الموتى)
قد نتصور أن الأشياء التي حولنا من ماديات هي التي تفنى وتنتهي؛ لكننا وبما يكشف عنه الواقع الخارجي؛ نجد أن الإنسانينتهي ويفنى والماديات هي من تبقى. وهناك رواية مفادها كون الإنسان غير مكلف بالعمل فيما يستقبل، فلماذا ينشغل برزقالغد وما بعده(٤).

ثمار تبني الرؤية الواردة في الوصية

وثمرة هذه الوصية هي ما جاء في قوله ﷻ: ﴿وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعمَلُونَ﴾ التوبة: ١٠٥، فهذا المقطع من الوصية يعالج في الإنسان طول الأمل والذي يعدّ أكبر عدو للإنسان، والذي يستتبعه ضعف الهمة، وعدم القدرة على الإنجاز وتسويف الأعمال، وهذه المعالجة هي ما تعرف في المنهج التربوي والأخلاقي باليقظة وتصحيح الرؤية، وهي أول خطوة نحو التزكية؛ فإذا استطاع المربي أن يعطي المتربي فرصة لأن يتبنى هذه الرؤية فسوف يجني ثمارها.
فهذه المعالجة التي ترفع عن الإنسان الكسل وإذا ما جمعناها مع الروايات والوصايا الصادرة عن أمير المؤمنين ﴿؏﴾ والتي تأمر بالنشاط والعمل الصالح؛ فإنها تضع أمامنا المعيار والمبدأ الذي يجعل الإنسان نشيطًا وفاعلًا  وعاملًا؛ ولذلك  من الخطأ والمعيب أن يصور الإمام الحسن ﴿؏﴾ ويشاع أنه إنسان سلبي وانهزامي، وهذا من أقوى السهام التي وجهت نحو شخصية الإمام الحسن ﴿؏﴾ إذ أنه صلوات الله عليه لم يقعده ولم يقصر به عن المضي في مشروعه وغايته تجاسر الآخرين عليه ممن عدّوا في ضمن أصحابه.
يقول علماء التربية إن الكرامة والكرم تنشآن من الحرية؛ فالإنسان الكريم يكون حرًّا وشجاعًا، فكون الإمام ﴿؏﴾ لا يحسب للخسائر أي حساب؛ لأن الحرية والكرامة والشجاعة وليدة النظرة الواقعية للحياة الدنيا.
وكما قيل: كانت شهادة الطف حسنية أولًا  وحسينية ثانيًا، وكان يوم ساباط (الصلح مع معاوية) أعرق بمعاني الشهادة والتضحية من يوم الطف عند من تعمق واعتدل وأنصف(٥).

الحرية والكرامة والشجاعة تجليات حسنية 

إن من تكون رؤيته الاجتماعية نابعة ومنبثقة من وظيفته الدينية في هداية الناس وايصالهم مبلغ الكمال؛ لزمه أن يجعل له عند الآخرين قبولًا؛ فرغم كونه مقيدًا بهذه الوظيفة إلا أنه متحرر على صعيد آخر وغير مقيد بالرؤية الاجتماعية؛ فهو حرّ وكريم؛ بحيث يتخذ الموقف الذي قد يلومه عليه حتى أصحابه ممن لم تنكشف لهم الصورة؛ بحيث يتطلب منه ذلك أن يتحمل سهام الجسارة والجرأة والتعدي وتجاوز الحدود وهذه هي عين الشجاعة.
إن هذا المقدار من الشجاعة والحرية ومن عزة النفس والتي منبعها ومنشأها أن يُلجأ الإنسان نفسه إلى الله ﷻ ويتوكل عليه توكلًا  كاملًا؛ كما جاء في تتمة هذه الرسالة يوصي الأمير ﴿؏﴾ الإمام الحسن ﴿؏﴾ “وَأَلْجِىءْ نَفْسَكَ فِي أُمُوركَ كُلِّهَا إِلَى إِلهِكَ، فَإِنَّكَ تُلجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيز”.
وكهف حريز؛ تعني كهف تحرز فيه وتطمئن به إلى النتيجة، وروح هذا الإلجاء وحقيقته هو دعوة إلى التوكل على الله ﷻ في أرفع الدرجات، ونحن نعلم أن القرآن الكريم قد ذكر موارد مهمة في التوكل يتجلى فيها أظهر وأجلى مراتب التوحيد؛ لأن الإنسان في تلك الحال يكون قد تخلى عن الناس وتخلى عنه الناس ولا يعطي الذلة من نفسه يقول ﷻ(٦): ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران: ١٥٩.
هناك توكل مهم أيضًا ركز عليه القرآن الكريم في حال الصلح يقول تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ الأنفال: ٦١، وهي إلتفاتة مهمة: فمن المعلوم أن كل المسلمين يريدون السلم ويريدون الراحة والدعة، فلماذا يقول ﷻ: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾؟ لأن الناس غير صادقين مع أنفسهم، فهم يكرهون الحرب والقتال، حتى إذا كان هذا القتال لله ﷻ وفي سبيله؛ هم يفرون منه ويتخلون عنه، وقد حدث ذلك في حياة رسول الله ﷺ، فكيف لا يكون في زمن الإمام الحسن ﴿؏﴾!، لقد اضُطر الإمام ﴿؏﴾ وهو القائد؛ لاختيار أهون الشرين وجنح للسلم؛ لأنه لو دعاهم للحرب؛ فإن الناس سوف تخذله وتتركه ولذا قال ﷻ: ﴿فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾، وهو الواقع الذي نقله لنا التاريخ؛ إذ اختار الإمام الحسن ﴿؏﴾ السلم وانقطع لله ﷻ وتوكل عليه وتحمل لومة اللائمين؛ حتى هجموا عليه في مصلاه وطعنوه بالمدائن صلوات الله عليه. ينقل زيد بن وهب الجهني يقول: “لما طعن الإمام الحسن ﴿؏﴾ بالمدائن أتيته وهو متوجع صلوات الله وسلامه عليه فقلت: ما ترى يا بن رسول الله (ص) فإن الناس متحيرون. فقال: أرى والله أن معاوية الذي هو شرّ خيرًا لي”(٧). يقول ﴿؏﴾ معاوية خيرًا لي من هؤلاء وإن كان معاوية لا يوجد فيه خير بتاتًا، وهنا لا يقصد الخير التعييني، فمالذي يجعل الإمام الحسن ﴿؏﴾ يقول أن معاوية خير لي من هؤلاء؟!
يجيب الإمام ﴿؏﴾: “لأنهم يزعمون أنهم شيعة ولكنهم ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي واخذوا مالي، وولله أن آخذ من معاوية عهدًا أحقن به دمي وأومن به على أهلي خيرًا من أن يقتلوني فيضيع أهلي وبيتي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سالمًا، ووالله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ثم يمن علي”فخيار الأسر هو الخيار الذي لا يمكن أن ينتخبه الإمام الحسن ﴿؏﴾ بحال من الأحوال؛ لذا سالم الإمام ﴿؏﴾ كي يبقى حرًّا عزيزًا كريمًا؛ خير له من أن يأخذه معاوية أسيرًا.
ألا لعنة الله على الظالمين.

١. تحف العقول للحراني ص 68.
٢. أكثر علماء الأخلاق المؤثرين يكونون كبارًا في السنّ؛ فالتجربة لها دور كبير في ذلك.
٣. شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١٦ – الصفحة ٩٣.
٤. قال ﴿؏﴾: “الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك فلا تحمل هم سنتك على هم يومك، كفاك كل يوم ما فيه”. [نهج البلاغة، ج4، ص91].
٥. صلح الإمام الحسن، ص16.
٦. ذكر التوكل في القرآن الكريم في تسع موارد.
٧. الإحتجاج: عن زيد بن وهب الجهني قال: لما طعن الحسن بن علي عليهما السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت: ما ترى يا ابن رسول الله فان الناس متحيرون؟
فقال: أرى والله معاوية خيرا لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية عهدًا أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي، وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلمًا، فوالله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسيره أو يمن علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت. [بحار الأنوار، ج44، ص20] .

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬150 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).

جهاد السيدة زينب ﴿؏﴾ وأخلاقيات الصراع بين الحق والباطل 0 (0)

﷽ توطئة  مما لا شك فيه أن الصراع بين الحق والباطل ولد مع ولادة الإنسان؛ وذلك لاختلاف الناس في القوى والصفات والأفعال، وأن سلسلة هذا الصراع لم تبدأ بنزول آدم ﴿؏﴾ إلى الأرض  حاملًا في أصل جينات وجوده العداوة لإبليس، وكذا إبليس أيضًا؛ بل كانت في عالم الأصل منذ الخلقة...

مقام المنصورة في السماء 0 (0)

﷽ وأفضل الصلاة والسلام على خير الأنام المصطفى ﷺ وعترة الطاهرة ﴿؏﴾ أبارك لرسول الله ﷺ ولآل بيته ﴿؏﴾، ولمراجعنا العظام والأمة الإسلامية، المولد الأطهر للصدّيقة الطاهرة ﴿؏﴾، ويوم المرأة العالمي، ولا يفوتنا هنا أن نبارك بالتبع ميلاد ابنها بالحقّ مفجر الثورة الإسلامية...