تقدم القراءة:

السراج المنير

السبت 29 ربيع الثاني 1440هـ 5-1-2019م

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

عظيم الأجر لرسول الله وأمير المؤمنين وأهل بيت العصمة وللمسلمين قاطبة بشهادة بضعة النبي الأعظم. *

‏‎إذا تأملنا في مواقف الصديقة الزهراء عليها السلام مقايسة بما أنزل القرآن في شأنها، مما توافق عليه الفريقان وجدناها كأبيها.. شاهدة ومبشرة وداعية لله بإذنه وسراجا منيرا(1)….، لا يخطأ ولا يعثر من عرف قدرها.

‏‎ومن بين المسائل التي نوقشت في أبعاد حياة الصديقة الزهراء هي مضامين الخطبة الفدكية. 

‏‎والملفت في فدك _كما يتضح لمن قرأ التاريخ واطلع على السيرة _ أنها كانت لأكثر من مرة ترد لأبناء فاطمة ثم تؤخذ منهم وهكذا، ‏‎وهذا يفيدنا أنها لم تكن صرف مزرعة؛ بل كانت حرفا لمسير الخلافة، ثم محاولة تصحيح _كما يعبر السياسيون_ ثم انحرافات وهكذا. 

‏‎وقد استفادت الصديقة الزهراء (ع) من هذا الحدث التأسيسي لرد الواقع الاجتماعي إلى الصراط  المستقيم مفهوما ومصداقا،‏‎ فقد قالت على سبيل المثال وهي تصف دور القرآن في تنظيم الحياة )به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة) (2)

‏‎وهنا نذكر أحد الأمور التي طرحتها الصديقة الزهراء (ع) وهي أصل الدين .. النظرة للدين .. ماهو الدين؟

‏‎وهذا البحث يعد الآن من أهم الأبحاث الكلامية، فقد راج نوع من التدين والاعتقاد بالله، ولكن مع فصله عن الشريعة، إذ يصر القائلون بذلك  أن كل الشريعة قابلة للنقاش، فهؤلاء يقبلون أصل الإيمان بالله، ولكنهم يريدون إلها بلا فعالية، يريدون ربا لا يخشونه ليس له تأثير في حياتهم، يريدون ربا  يتفاهمون معه؛ ولذا فهم يستبدلون كثيرا من المفاهيم مثل الموت والحياة، العز والذل..؛ بل يستبدلون الأحكام الشرعية الثابتة بما يروق لهم. 

‏‎وبإمكاننا أن نأخذ من كلام الصديقة الزهراء مقطعا يختصر لنا هدف الدين من كل هذه الأحكام، هذا المقطع يشير إلى  عناصر ثلاثة هي محتوى الدين، مقاصد الدين وإذا كان تديننا ناقصا في أحد هذه الأبعاد أو الأضلاع كما يمكننا أن نصطلح على تسميتها فيجب أن نصححه لنكون متدينين بحق، وهذه العناصر هي:

‏‎١- فرائضه المكتوبة:

لا شكّ أن كل دين يحوي إلزامات، فمن ‏‎مميزات هذا الدين هو هذه الضوابط، وهذه الضوابط ليست  ذوقيّة وتتغير فالصلاة، والصوم و…. لا تتغير، ومن هنا تأتي أهمية البحث في السنة والبدعة، وتحديد السنة من البدعة، فالسنة تعني ما قام به النبي والأئمة، قولهم و فعلهم… ‏‎وآيات سورة الحاقة تؤكد أن النبي لم يكن يحكم بشئ قبل أن ينزل عليه الوحي‏‎ (لو تقول علينا بعض الأقاويل) الحاقة: ٤٤ ‏‎فكل ما قاله كان وحيا. 

‏‎ونلاحظ أن هناك أحكاما حكومتية وثانوية وليست من ماهية الدين، فقد شاع الآن اختراع الصلوات واختراع الأعمال واختراع القربات، من هنا يظهر أن ضرر البدع هو إبعاد العقلاء عن الدين، لذلك فإن الروايات والآيات شددت على النهي عن الاجتهاد قبال النصوص؛ لذا لاحظوا الصديقة الزهراء طالبت الخليفة: في أي آية من كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! وليس الكلام فقط عن الإرث، وإنما الكلام في النهج، والإضافات بلا دليل. 

‏‎إن إبقاء الأحكام سماوية هو ما يجذب العقلاء إليها، حيث أن أي إضافة من غير الوحي تحرفها، بالتالي لن يتوقف هذا الاعوجاج وهذا الخلل، وسيحدث تشوش في عقلانية الدين. 

‎٢- فضائله المندوبة:

المستحبات كثيرة، ففي مقابل كل واجب توجد أعمال مستحبة يؤتى بها للتحبب لله، فأنت مثلا يمكنك أن تقدم لصديقك ومن تحب أي شيء إعرابا عن حبك، ولكنك تشريفا له تنوع في إكرامه، وهكذا الإسلام فهو مليء بالآداب والمستحبات، ‏‎حتى في تفاصيل التعامل مع الحيوانات؛ بل حتى الشراء والبيع  يتضمنان العشرات من الآداب، ومعنى ذلك أن أرجاء الكون قد ملئت بالطاعات. 

‏‎٣- ورخصه الموهوبة:

المباحات تعطي الإنسان مقدارا كبيرا لأن يفهم نفسه، فما دام الإنسان غير مقيد بموقف ومرخص في ذلك، فيمكنه أن يعرف نفسه: ماهي؟ هل تميل إلى اللهو؟ تملّ  من مجالس البطالة؟…‏‎ فكل هذه العناصر بالطبع تكشف الإنسان، وفلسفة هذه المباحات أن يبقى الإنسان مطلق العنان، وإذا تحرر الإنسان من أي إلزام عرف نفسه. 

‏‎ويقال في هذه المحطات الثلاث التي تقدمت أن بها يتمكن الإنسان من مراقبة نفسه وهي المحكمات التي يوصي بها العرفاء الصادقون. 

‏‎إذن الزهراء كلها خير وبركة وسراج منير، وفي مثل هذا اليوم يطفأ هذا السراج ‏‎ويعفى ثراه وأثره، وقد عبّر أمير المؤمنين عليه السلام -كما نقل عنه- حين دفنها صلوات الله عليها: (قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ، وَأُخْتلِسَتِ الزَّهْرَاءُ، فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ وَالْغَبْرَاءَ)(3).


* كلمة بمناسبة ذكرى استشهاد الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (ع) لعام ١٤٤٠هـ

١. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ  شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} الأحزاب 45 – 46

٢. الخطبة الفدكية، شرح نهج البلاغة ج16، ص: 211-213

٣. بحار الأنوار ج43، ص:211

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 135٬613 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاطميون بالانتماء لها ﴿؏﴾ 4.5 (2)

فالمقصود من أهل قم هم الحاملون لفكر وثقافة ومبادئ وأخلاق قم وربما لم يصلوا لها ولم يدخلوها أبدًا، وأما من سكن قم ولم يراعي حرمة السيدة المعصومة ﴿؏﴾ فكان يكذب ويسرق ويهين ويستهين بالمؤمنين، ولا يهتم بأمور المسلمين الكبرى؛ فهو ليس من أهل قم.

فزت ورب الكعبة ٢ 0 (0)

نلاحظ أن أمير المؤمنين ﴿؏﴾ قد أولى مسألة الاهتمام والانشغال بالمظاهر اهتمامًا كبيرًا، وعالج هذه الظاهرة علاجًا يقطع التكاثر تمامًا من النفس، لأن التكاثر يسلب اليقين القلبي العرفاني العملي، أي أن يعمل الإنسان بما يتيقن،