تقدم القراءة:

السيدة زينب (ع) والمرجعية التاريخية

12 يناير، 2019

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)
بسم الله الرحمن الرحيم
نبارك للنبي الأعظم (ص) وأهل البيت (ع) سيما خاتمهم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ولكل المسلمين والمؤمنين بميلاد عقيلة الطالبيين زينب بنت أمير المؤمنين (ع)… وتيمنًا بميلادها، وفي سياق الدّور العظيم الذي قامت به أُطلق على هذا اليوم اسم (يوم الممرضة)، ولهذه التسمية دورها الكبير في تغيير البناء الكامل للمجتمع الديني، بدمج المفاهيم القيميّة العالية الفوقية وإنزالها إلى الممارسات واليوميات التّحتية.
فإن أي عملية إصلاح اجتماعية إنما تنجح إذا كانت شمولية ..
ونحن نعيش متغيرات ثقافية واجتماعية واقتصادية متسارعة، لا نكاد نستوعب مفهوم ونحلّله، ونعرف المراد منه، ومن ثمّة الموقف العقلائي والإسلامي منه، إلا ويظهر مفهوم ونهج آخر جديد، وكأننا نصبح ونمسي ونحن نلهث وراء دراسات ومفاهيم ودعاوى واستنتاجات تحتاج إلى متابعات، وملابسات تحتاج إلى حلول، ودراسات تحتاج معالجات واتخاذ مواقف حيالها. ومن أهمها ما يخصّ  شأن المرأة في المكانة والامكانيات والمُكنة والدور.
وكلّما تزايدت واختلفت واختلطت هذه المفاهيم حقها بباطلها، وشعاراتها بواقعها، احتجنا إلى مرجعية صالحة تكون معيارًا وميزانًا نؤمن به، ونقبله بعقولنا وقلوبنا.. ونركن إليه..
ومن غير جوهرية العقل، وعقيلة الطالبين زينب بنت أمير المؤمنين (ع).. وكيف لا تكون كذلك وهي عقيلة بيتها وأسرتها وعشيرتها والذي ما منهم إلا عالم حبر، أو عارف كامل، أو كريم جواد. وهم بيت الفضيلة والشجاعة والعدالة والحكمة والحق والحقيقة.
إن هذا الموقع للسيدة زينب (ع) يوسّع لنا من مفهوم معنى الممرضة، بل دورها الذي قامت به، ويفسّر لنا المفهوم الواقعي للتمريض.
فأولًا: لنحدد معنى المرض والمريض، لغويًا وقرآنيًا، لنعرف أيّ ممرضة زينب بنت علي (ع).
فقد جاء في معجم المعاني الجامع:
المَرَضُ: كلُّ  ما خرجَ بالكائن الحيّ عن حدِّ الصِّحَّة والاعتدال، من علَّة أَو نفاقٍ أَو تقصير في أَمر.
أما قرآنيًا: استخدم مفهوم المرض في أوسع مما ينال البدن من خلل واعتلال وفتور.
  • فأطلق على انحراف القلوب عن فضيلة العفّة مرض ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً الأحزاب/ ٣٢
  • وأطلق المرض على ضعف الشّك في قدرة القيادة الإلهية على تحقيق الوعود الإلهية الانتصار والغلبة ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً الأحزاب/ ١٢
  • وأطلق المرض على الجبن والخوف من لقاء العدو ومواجهته ﴿فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى‏ لَهُمْ محمد/ ٢٠
  • كما سمّى القرآن الانهزاميين الذين ما إن تظهر لهم أمارات غلبة الكافرين إلا ويسارعون في إعادة العلاقات والروابط، يلقون بأنفسهم في أحضان الرجاسة والشرك، سمّاهم بالمرضى ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى‏ أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى‏ ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِين المائدة/ ٥٢
إذن مفهوم المرض أوسع من المرض الجسمي، وعليه يتوسع مفهوم الممرضة ووظيفتها ودورها.
وإذا عرفنا أن هناك أمراض مُعدية، تنتقل من الفرد إلى المجتمع، بل قد تتناقل عبر أجيال؛ عرفنا لماذا ينسب القرآن خطايا وذنوب وعيوب وأمراض اليهود الذين عاصروا الأنبياء إلى اليهود الذين عاصروا النبي (ص). فالأمراض الروحية والأخلاقية والمعنوية بعضها مُعٍد وبشكل غير محسوس ربما. وهنا يتجلى لنا بوضوح الارتباط بين إطلاق هذا اليوم (يوم الممرضة) على السيدة زينب (ع)، لأنه ظهرت وبرزت على أرض كربلاء من الأوبئة والأمراض والآفات والإصابات، والإعاقات، والاعتلالات، والتوعكات، والأسقام والضَنى، الضّر والعاهات والهزال .. إلخ، الروحية والمعنوية والأخلاقية والعقائدية أكثر من ألسنة الأسنة والرماح والسيوف، والخيول، وبرزت جنود الجهل في أقوى مظاهرها. وهذه الأمراض مهلكة ومعدية، ولابُدّ من اجتثاثها من أصولها.
ونحن إذا سمعنا خطبة السيدة زينب (ع) في الكوفة عرفنا أنها في مقام وصف هذه الأمراض واجتثاثها؛ فقد قالت لهم “ألا وهل فيكم إلا الصّلف النّطف؟ والصدر الشّنف؟ وملق الإماء؟ وغمز الأعداء؟ أو كمرعى على دمنة”
وأما علاجها لهذه الأمراض صلوات الله وسلامه عليها، إنك إذا تدبرت بإنصاف في سعة دائرة تأثير خطابها، وجدته لا ينحصر في بقعة جغرافية معيّنة، أو لجيل معين، أو لأفراد معينين.. بل هو كالقرآن، شفاء وهدىً، ولكن للمتقين المتحرزين عن الخطايا والقذارات والآثام.
وإن الناس بطباعها الأولى تنفر من الصّلف النّطف، والمصدور بالشنف، والمتملّق، إلى آخر ما وصفتهم به. والإنسان الطبيعي يحتمي عن الارتباط بالمصابين بهذه الأمراض، وهذا قطع الطريق فعلًا  على انتشار هذه الأوبئة لمن اعتصم ولجأ إلى كنفها، وتطبّب على يديها.
وإذا رأينا انتشار هذه الأمراض، التي تنتهي بنا إلى حالة العجز عن الحركة وتبديل وضعنا.. لإن أهم أمارات المرض هو العجز عن الحركة، والانبطاح والاستسلام والعجز.
إن كل هذا مؤشر إلى أننا قصُرنا في قصدها، ومعرفتها، والاتصال بها. ورفضنا الممرضة والدواء والعلاج. وإلا فأنه لا أنفع من علاجها، ولا أشدّ تأثيرًا من طبّها، ولا أبلغ في قصد الإصلاح من كلماتها (وكأنها تفرغ من وعاء أبيها) خطبها تحرق العيوب والذنوب، ولذا الدمعة على الإمام الحسين (ع) تُطفىء النّيران، وهل النّار إلا مرض القلوب؟!.. لولاها ما مستنا مياسم الحب.

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬103 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).

جهاد السيدة زينب ﴿؏﴾ وأخلاقيات الصراع بين الحق والباطل 0 (0)

﷽ توطئة  مما لا شك فيه أن الصراع بين الحق والباطل ولد مع ولادة الإنسان؛ وذلك لاختلاف الناس في القوى والصفات والأفعال، وأن سلسلة هذا الصراع لم تبدأ بنزول آدم ﴿؏﴾ إلى الأرض  حاملًا في أصل جينات وجوده العداوة لإبليس، وكذا إبليس أيضًا؛ بل كانت في عالم الأصل منذ الخلقة...

مقام المنصورة في السماء 0 (0)

﷽ وأفضل الصلاة والسلام على خير الأنام المصطفى ﷺ وعترة الطاهرة ﴿؏﴾ أبارك لرسول الله ﷺ ولآل بيته ﴿؏﴾، ولمراجعنا العظام والأمة الإسلامية، المولد الأطهر للصدّيقة الطاهرة ﴿؏﴾، ويوم المرأة العالمي، ولا يفوتنا هنا أن نبارك بالتبع ميلاد ابنها بالحقّ مفجر الثورة الإسلامية...