تقدم القراءة:

نشيد أهل الجنّة ٣- الوجه الجماليّ في وظيفة رسول الله (ص)

29 يونيو، 2014

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

شعبان شهر الاستنان بسنّة رسول الله (ص) وهذا متوقّف على معرفة سيرة رسول الله وسلوكه، وقد قلنا أنّ سورة (يس) انعكاس لصورة رسول الله (ص) .

وصل بنا الحديث إلى قوله جلّ وعلا: ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ إذا حلّلنا مفهوم الرسالة يتبيّن لنا البعد الغيبيّ الربّانيّ لهذه الرسالة الخالدة، وخصوصيّة هذه الرسالة في بعدها الخاتميّ، والخاتميّة معناها أنّه لن يأتي كرسالة محمّد بن عبد الله (ص) في بعدها الغيبيّ. فالجانب الغيبيّ للرسالة وللمرسِل (وهو الله) يفيضان على بشريّة رسول الله صفة البقاء والدوام والخاتميّة.

خاتميّة رسول الله (ص) ليست صرف مفردة أو مفهوم، وإنّما هي مقام يمثّل مدرسة ومنهجا كاملا يشكّل نظرتنا للدين وللوحي وموقعهما: هل الوحي قبل العقل أم بعده؟ هل يتفوّق العقل البشريّ على الوحي في معرفة الحقائق؟ هل انتهى زمن الوحي وبدأ زمن العقل والعلم والتجربة؟ لقد بنيت على مثل هذه الأسئلة مدارس، بينها اختلافات منهجيّة كبيرة على المستوى الكلاميّ والعقائديّ والسياسيّ والاجتماعيّ(١).

﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ • تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾

لاحظوا أنّ الله سبحانه على صراط مستقيم ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ هود: 56. ومحمّد بن عبد الله (ص) تمثّلت فيه هذه الفوقيّة على الصراط المستقيم.

الصراط المستقيم له موقعيّة في حياة الإنسان(٢)، نحن في صلواتنا الخمس نقرأ سورة الحمد ونطلب من الله سبحانه أن يهدينا الصراط المستقيم، هذا الطلب الذي نطلبه عشر مرّات في اليوم نستطيع أن نقول أنّه بيت القصيد في سورة الحمد.

الوجه الجماليّ في وظيفة رسول الله (ص):

﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾

التنزيل أمر تدريجيّ مقابل الإنزال الذي هو أمر دفعيّ، التنزيل، التعليم، التزكية، كلّها على وزن (تفعيل) وهو يشير إلى سلوك تدريجيّ. فثمّة فرق بين التعليم والإعلام مثلا، الإعلام يعني إبلاغ الخبر بشكل دفعيّ، لكنّ التعليم مرحليّ تدريجيّ .

هذا التدريج غير معهود في بقيّة الرسائل السماويّة، لذلك قال المشركون ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾  الفرقان: 32. آخر الأنبياء موسى بن عمران دعاه الله سبحانه فذهب إلى الطور أربعين يوما ثم نزلت عليه الألواح بشكل دفعيّ، وفيها وصايا وأحكام وتشريعات.

أين النكتة في التنزيل التدريجيّ؟ وأين الحالة الاستثنائيّة؟

الآية التالية تجيب﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾

فرق كبير بين أن تبلّغ في قوم قد سبقك إليهم غيرك بالإرشاد والتعليم التهذيب والتوجيه، فأنت تعمل على واقع اجتماعي معدّ سابقا، وقد تهيّأت المقدّمات والشرائط، ثمّ تأتي أنت وتكمل بقيّة الإعدادات. أمّا أن تأتي إلى بيئة هي الجاهليّة الجهلاء ليس مثلها جاهليّة، ولم يسبق أن جاءها مرشد؛ بيئة كانت تعيش فترة من الانقطاع الكامل عن النبوّات، فبعد إبراهيم الخليل (ع) وولديه كانت النبوّة في أبناء نبي الله إسحاق (ع) قبل أن تنتقل إلى رسول الله الذي هو من ولد إسماعيل (ع). وخلال هذه الفترة عاش مجتمع شبه الجزيرة العربيّة فترة طويلة جدّا بعيدا عن الثقافة والعلم والمعرفة، وعن أيّ اتّصال بحقيقة التوحيد. فكان مجتمعا غارقا في الجهل .

عندما يضع الإنسان بذرة في أرض فيها استعداد: التربة صالحة، المناخ مناسب، الماء قريب، شروق الشمس وغروبها متوازن.. هذه الاستعدادات سوف تعين بشكل طبيعيّ وتلقائيّ على نمو البذرة بشكل سليم وسريع، دون أن يتكلّف الزارع جهدا كبيرا. ولكن عندما تكون الأرض سبخة، فلا التراب ولا المناخ ولا الفصول الأربعة متوازنة.. فليس ثمّة ما يعين الزارع على إنبات هذه البذرة، وعليه أن يقوم بجميع الأدوار بنفسه، فهو الذي يبحث عن أفضل تربة متوفّرة ويستصلحها، وهو الذي يجلب الماء من مكان آخر قد يكون بعيدا، فيكون هو الفاعل المؤثّر في نتاج هذه البذرة ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ لا معين لك، ولا أحد سبقك وهيّأ لك المقدّمات.

مثال تقريبيّ من الواقع: الإمام الخميني (قده) بدأ حركته وكلّ الظروف ضدّه، وسار وحده عكس التيّار، حتّى التيارات الدينيّة كانت معارضة له. لو فرضنا أنّه أتى بعد الإمام شخص قياديّ، وقدّم خدمات كانت في نظرنا أكبر ممّا قام به الإمام وأكثر فائدة للإنسانيّة، فإنّ مجهوده يبقى أقلّ ممّن قام بالدور الأوّل وهو السيّد الإمام (قده)، لأنّه لم يعتمد على شيء غير جهوده. وهذا معنى ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ • أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ الواقعة: 10-11. فالسبق هنا ليس من حيث الزمان، السابقون هم الذين يضعون البذرة والنواة الأساسيّة حيث لا يُتصوّر نماء هذه البذرة.

أيّ إنسان حكيم عنده مشروع فكريّ ثقافيّ أخلاقيّ اجتماعيّ سياسيّ ينظر أوّلا إلى الإمكانيّات الموجودة: المستوى الفكريّ للناس، الواقع الاجتماعيّ المحيط بهم، يبحث عن أيّ جهة تعينه على القيام بالدور المطلوب منه. يبحث عن رأس مال يمكن أن يطوّعه، عن جهود سابقة يمكنه الاتّكاء عليها. لكن من بعث في أمّة لم يمرّ على آبائهم مصلح فعليه أن يتحمّل وحده العبء كاملاً.

أمير المؤمنين صلوات الله عليه يثني على رسول الله صلّى الله عليه وآله فيقول :(أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ) يعني بعد انقطاع كامل. العمل الذي سوف يقوم به رسول الله يعتمد فقط وفقط على رسول الله، على حكمته وعلمه ومعرفته وأخلاقه وحلمه ونصحه، لا يوجد ما يعينه غير صفاته وغير أخلاقه، لا أحد ترك لرسول الله تراثا يعتمد عليه.

كثير من الناس يتصور أن زيارة رسول الله صلّى الله عليه وآله كلماتها بسيطة: (وَاَشْهَدُ اَنَّكَ رَسُولُ اللهِ وَاَنَّكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَاَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسالاتِ رَبِّكَ وَنَصَحْتَ لأُمَّتِكَ وَجاهَدْتَ في سَبيلِ اللهِ وَعَبَدْتَ اللهَ حَتّى أَتاكَ الْيَقينُ) هذه المعاني ليست بسيطة كما يظنّ البعض، إنّها كليّات وأصول تحتاج إلى تفصيل.  

(وَاَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسالاتِ رَبِّكَ) تبليغ هذه الرسالة يحتاج من الرسول (ص) أن يكون مربيّا ومعلّما ذا لون خاصّ، لأنّه أمام مجتمع لا يتحمّل التعاليم الدفعيّة، ولا يصل إلى نتيجة إلّا بالتدريج. كما تعلّم الأمّ طفلها صعود السلّم، تمسكه من يده وتضع يدها وراء ظهره، تعلّمه بالتدريج وبكلّ التفاصيل كيف يتخطّى العقبات، ومن دون ذلك لا يمكنه تعلّم الصعود. لقد نزل القرآن بالتدريج، ولو نزل دفعة واحدة على هؤلاء لما رشدوا واهتدوا وخرجوا من الظلمات إلى النور.

(وَنَصَحْتَ لأُمَّتِكَ) لقد جاء النبيّ صلّى الله عليه وآله في أمّة كادت فيها الفطرة أن تموت، وكان عليه أن يبعث الحياة في أعماق جذورها؛ هذا درس يحتاجه كلّ مربّ، وسنّة عليه أن يسير عليها، لأنّ التربية من التربيب التدريجيّ. يحتاج المربّي أن يفكّر وأن يُحكم أموره، ويعرف من أين يبدأ، متى يتكلّم ومتى يسكت، متى ينفعل ومتى يهدأ، من أجل أن يخرج هؤلاء من (الجاهليّة الجهلاء) كما يعبّر لسان زيارات أهل البيت (ع)، فلم تكن جاهليّة عاديّة، بل حتّى الأكل يحتاجون من يعلّمهم آدابه (وتَقتاتون القِدّ والوَرق أذلّةً خاسئين).

لقد كان على رسول الله الذي كان في قمّة الجمال والكمال والفضيلة أن يُخرج هؤلاء من واقعهم المزري إلى واقع آخر .هذا التدرّج لا يتحمّله إلا حلم رسول الله صلّى الله عليه وآله. التعليم والتزكية والتربية التي تتضمّنها هذه الرسالة لا يتحمّلها إلا محبّة رسول الله وناصحيّته، ولذلك يصف الأمير صلوات الله عليه رسول الله بأنّه قد بالغ في النصيحة.

كانت مهمّة محمّد بن عبد الله (ص) أن يُخرِج قومه من الإنكار والجحود إلى السعادة، ولكي يصل إلى ذلك عليه أن يبتعد عن التعقيد وأن يوصل إليهم الحقائق تدريجا. فالعالِم لا يمكن أن يكشف علمه لكلّ الناس دفعة واحدة، لأنّهم سيقابلون ذلك بالإنكار. لم يكن ممكنا لرسول الله أن يكلّم ذلك المجتمع الجاهليّ بلغة الفيلسوف أو الحكيم الإلهيّ، أو أن يدخلهم في متاهات الحديث عن أسرار الغيب العميقة. هذه الحقائق النازلة من عند العزيز الرحيم يجب أن يحملها إنسان صلب الإرادة قويّ العزيمة، استثنائيّ في صبره، عزيز لا ينكسر، وفي الوقت نفسه رحيم. كانت خصوصيّات محمّد بن عبد الله (ص) هي علّة انتشار كلّ هذه الأنوار في العالم.

(لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ)

ألا يكفي أنّ آباءهم لم ينذروا ليكونوا غافلين؟ ما النكتة في (غَافِلُونَ)؟ 

المسألة الأولى/ أنّ الجهل نوعان: جهل بسيط وجهل مركب.

الجهل البسيط: صاحبه مستعدّ لبذل الوقت والمال وتقديم الإمكانيّات من أجل أن يتعلّم. لأنّه يعرف أنّه جاهل، ويعرف أنّه ليس ثمّة نقص أكثر من الجهل، فهو يريد أن يرفع عن نفسه هذا النقص. 

الجهل المركّب: صاحبه جاهل ويجهل أنّه جاهل. أكثر الجهال لا يشعرون بجهلهم، مشكلة الناس أنّهم صاروا يتعلّمون حتّى يحصلوا على وظائف جيّدة تدر عليهم دخلا جيّدا، وهذا أخرج العلم من دائرته الواقعيّة إلى دائرة مادّيّة. مثل هذه الغفلة عن ضرورة العلم وعن خطورة الجهل تؤدّي بالإنسان إلى الجهل المركّب ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾.

وبسبب جهلهم المركّب هذا بذل رسول الله جهده وبالغ في النصح وتحمّل المشقّة حتّى أنزل الله تعالى عليه (ص) ﴿طه • مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ طه: 1-2 وبالمقابل نرى الصورة القبيحة لهؤلاء ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُون﴾ تقول هذه الآية أنّ هذه الرحمة التي لا توجد إلّا عند رسول الله (ص) يقع في مقابلها قبح الصورة في التعاطي مع ما يصدر عنه (ص).

لكن ما معنى إخبار القرآن الرسول وبهذا النحو من القطع أنّ أكثرهم لا يؤمنون؟! كأنّ القرآن يدفع بالرسول نحو اليأس ويقول له: جهدك وصدقك وأخلاقك كلّ هذا لن يؤثّر! وما هو القول الذي حقّ عليهم؟ ونحن نعرف من التاريخ أنّ رسول الله (ص) لم يرحل عن الدنيا إلّا وأغلب الجزيرة العربيّة كانت قد أسلمت، فلماذا قالت الآية أنّ أكثرهم لا يؤمنون؟

الجواب: هو نفس الحقّ في قول الله سبحانه وتعالى لإبليس: ﴿فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ص: 84-85. وذلك لأنّ طموح رسول الله (ص) كان تطهير هؤلاء الناس، وليس مجرّد إسلامهم. في عقيدتنا نحن الشيعة نؤمن أنّ الذين آمنوا إيمانا واقعيّا كانوا معدودين، وأنّ الشريحة الكبيرة كانت من المنافقين، فالذين دخلوا الإسلام لأسباب غير صادقة وغير نظيفة كانوا كثيرين لذا انقلب الأكثريّة. ولهذا تقول الآية: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُون﴾ يا رسول الله جهدك لن يثمر في هؤلاء، فاخفض سقف طموحك، لكنّه سيثمر في وقت آخر.

﴿إنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾

لماذا أخّر المفعول به (سدّا) ولم تأت الجملة على الصيغة المعتادة (إنا جعلنا سداً من بين أيديهم)؟

شبيه بهذه الآية آية أخرى وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا﴾  الإنسان: 4 مقتضى الخطاب أن يقول إنّا أعتدنا سلاسل وأغلالاً وسعيراً للكافرين. لكن لأنّنا تعودنا على قراءتها بهذه الصورة فنتصوّر أنّ هذا النظم هو الجري الطبيعيّ في اللغة، والحقيقة ليست هكذا. والنكتة في هذا أنّ أصل الكلام كان عن كفرهم وليس عن مجازاة الله لهم، فلذلك قدّم ما حقّه التأخير، وأخّر ما حقّه التقديم، وهكذا جعلهم هم الأصل والسبب فيما يحصل لهم من عذاب.

هذا نفسه ما حدث في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ مقتضى اللغة أن يقول: إنا جعلنا سداً من بين أيديهم ومن خلفهم، لكنّه أخّر وقدّم حتّى تنتفي من أذهاننا شبهة أنّ لله تعالى دخالة في إضلالهم، فهم من أضلّوا أنفسهم. لذلك مصبّ الخطاب عليهم وليس على نوع العذاب الذي سيسلّط عليهم.

حتّى نكتشف جمال رسول الله (ص) يضعنا القرآن أمام مقارنة بين فعل رسول الله (ص) وبين ردّة فعلهم. فيقول: رسول الله تحمّل العبّء وحده، لم يعتمد على شيء غير أخلاقه وصبره وحلمه. هذا جمال رسول الله (ص)، هذا كماله، هذه فضائله. ثمّ من جهتهم يقابلون كلّ هذا الفضل بأنّ أكثرهم لا يؤمنون! هذه الصورة تفجّر لنا بُعدا جماليّا وينبوعا من خصوصيّات جمال رسول الله صلّى الله عليه وآله. 

يوجد في الفلسفة نظريّة في الجمال ومباني الجمال. مفادها أنّه في هذا الكون لا أحد يشكّ في وجود حقيقة واقعيّة اسمها الجمال. ووقع بين الفلاسفة خلاف في كثير من المسائل في هذا المبحث، لكنّنا لن نتعرّض لها. ما يهمّنا هو أن نبيّن أنّ الجمال يتجلّى في ثلاثة مواطن:

  1. الجمال الخياليّ: كما في البيان والشعر والإبداع.
  2. الجمال المادّيّ: في الشكل والهيئة.
  3. الجمال العقليّ: في الفكر والفهم.

ويمكن أن يتجاوز الإنسان الجمال المادّيّ والخياليّ إلى مرحلة الجمال العقليّ، حتّى يصل إلى غاية الجمال وهو الجمال المطلق. فنقول: (اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ مِنْ جَمالِكَ بِاَجْمَلِهِ وَكُلُّ جَمالِكَ جَميلٌ، اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ بِجَمالِكَ كُلِّهِ)  دعاء البهاء.

ما هو مِلاك الجمال؟ 

الناس قد يحبّون الإنسان لشكله (الجمال المادّيّ) أو يحبّونه لمنطقه (الجمال الخياليّ) وقد يحبّونه لعلمه (الجمال العقليّ)، هذا الامتياز الأخير في التعقّل هو ما تحتاج إليه الإنسانيّة، فهو في الحقيقة ما يشبعها ويرويها. لنتأمّل جمال رسول الله (ص) أين تألّق؟

هو العقل الأوّل، الصادر الأوّل. هذا الموجود الذي يباشر جمال الله تعالى لا يعتمد على شيء غيره ليبرز جماله سبحانه، ولا حتّى على تاريخ نبوّات قدّمه أسلافه، بل هو بنفسه يبرز جمال الله، بحلمه ورأفته ورحمته. لكن أمام كلّ هذا الجمال تبرز صورة قبيحة ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ هؤلاء المعاصرون لك ليسوا هم ثمرة جهودك، هؤلاء إسلامهم ظاهريّ وسينقلبون بعدك، الصادقون حولك قلّة، أمّا الأكثريّة فهم غير مؤمنين.

﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ 

رغم كلّ الامتيازات العميقة في رسول الله (ص)؛ ومهما بذل رسول الله من جهد فهو لا يؤثر فيهم، بل سيثمر في وقت آخر، في أقوام سيأتون بعدك، هم من بُعثتَ من أجلهم، وهم الذين سينفعهم الإنذار.



١. في كتاب النبوّة للشهيد مطهري مقالة مفيدة ينصح بقراءتها، ناقش فيها الشهيد مطهري الدكتور شريعتي والدكتور صادق أحد المفكّرين الإيرانيّين حول حقيقة نبوّة رسول الله (ص) ورسالته، وهذه الشبهة مازالت آثارها موجودة.

٢. أحيلُ الأخوات إلى كتاب تسنيم لأستاذنا الشيخ جوادي آملي، وهو يبحث في حقيقة الصراط المستقيم. بما لا يقلّ عن 50 أو 60 صفحة تقريبا، ومراجعته مفيدة في هذا المجال.

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬365 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).

جهاد السيدة زينب ﴿؏﴾ وأخلاقيات الصراع بين الحق والباطل 0 (0)

﷽ توطئة  مما لا شك فيه أن الصراع بين الحق والباطل ولد مع ولادة الإنسان؛ وذلك لاختلاف الناس في القوى والصفات والأفعال، وأن سلسلة هذا الصراع لم تبدأ بنزول آدم ﴿؏﴾ إلى الأرض  حاملًا في أصل جينات وجوده العداوة لإبليس، وكذا إبليس أيضًا؛ بل كانت في عالم الأصل منذ الخلقة...

مقام المنصورة في السماء 0 (0)

﷽ وأفضل الصلاة والسلام على خير الأنام المصطفى ﷺ وعترة الطاهرة ﴿؏﴾ أبارك لرسول الله ﷺ ولآل بيته ﴿؏﴾، ولمراجعنا العظام والأمة الإسلامية، المولد الأطهر للصدّيقة الطاهرة ﴿؏﴾، ويوم المرأة العالمي، ولا يفوتنا هنا أن نبارك بالتبع ميلاد ابنها بالحقّ مفجر الثورة الإسلامية...