تقدم القراءة:

الحمزة أسد الله وأسد رسوله ﷺ 

السبت 17 شوال 1442هـ 29-5-2021م

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

5
(7)

عمومية التفاخر لدى المعصومين ﴿؏﴾ بأن الحمزة منهم

ورد في الرواية عن النبي الأكرم m أنه قال: “ومنا أسد الله وأسد رسوله”(١)، ولو تأملنا في ورود هذا الوصف والتفاخر به من قبل أهل بيت العصمة والطهارة ﴿؏﴾ تقريبًا إن لم يكن كلهم فجلهم، كما ورد هذا الوصف في زيارة الحمزة ﴿؏﴾ وقد أوردها المراجع في المناسك؛ إذ ليس هناك أيّ استيحاش من هذه الكنية أو هذا اللقب وهذه الإضافة -إن صح التعبير- كما افتخر بها أمير المؤمنين ﴿؏﴾ في الموارد الحساسة كالشورى لإظهار أولويته في الصدارة للقيام بإدارة شؤون الأمة في الشأن الاجتماعي والسياسي والروحي والفكري(٢)، وقد وردت في خطبة الإمام الحسين في يوم العاشر من محرم، كما وردت في خطبة الإمام السجاد ﴿؏﴾ في الشام(٣)؛ وكل هذه المواقف الحساسة وهي كثيرة ولربما لو كان لهم الأمر أو فلنقل لو أحسن الرواة النقل فلربما نقل عن سائر المعصومين ﴿؏﴾ ذات العبارة، إذن هذه الرواية وهذه النسبة هي في الحقيقة مفخرة لأهل البيت ﴿؏﴾ أجمعين؛ كما هي لرسول الله m هي لأمير المؤمنين ﴿؏﴾ وأبنائه ﴿؏﴾، وبالإمكان عد (عمومية هذه المفخرة) النقطة الأولى البارزة في بيان بعض مداليل مقام أسد الله وأسد رسوله الذي نود الحديث عنه.

 

الإضافة الإشراقية مدار التفاخر

النقطة الثانية والتي يجب البحث فيها هو قولهم عليهم السلام: “منا أسد الله وأسد رسوله”: فيعرف أنه “منا” ليس بمعنى أنه من أسرتهم، وإلا لم يصح التفاخر، فالتفاخر بالنسب بمعنى الإضافة النسبية ليست مفخرة اختيارية، إذ لا يكون التفاخر إلا بأمر انتخابي واختياري؛ فعلم من ذلك أن هناك وحدة وجودية بينهم وبينه، وبينه وبينهم ﴿؏﴾ كذلك، فهذا الأمر هو ما استحق التفاخر، بمعنى أن ما قام به الحمزة ﴿؏﴾ هو أثر من آثارهم وما يقومون به ﴿؏﴾ هو أثر من آثار الحمزة، وهذا النوع من نسبة أفعال شخص لشخص باختياره وردت عندنا في موارد كثيرة -وليس هذا محورية ومدار البحث الذي نريد أن نصب التركيز ونضيء عليه-، وإلا فإن الإنسان إن أحب عمل إنسان ورضي به فسيشرك ويتشارك فيه، وإنما يجمع الناس الرضا والسخط خاصة في مجال التفاخر، فهناك نقطة وخصوصية مرتبطة بالفضائل، إن الله ﷻ حينما خلق الخلق خلقهم وهو غنيًا عن طاعتهم؛ فوضعهم من الدنيا في مواضعهم، وقسم بينهم أرزاقهم، وقد قسم ﷻ الفضائل كما قسّم المعائش؛ فإذا أحب ورضي ولم يسخط الإنسان على رزق معنوي لشخص ما، بل عشقه وأصبح من المؤيدين والمحبين له؛ فهذا الأمر سيحدث اتصالًا ووحدة بينه وبين من قام بذلك العمل، إذ أن الحب نشاط وعمل قلبي وروحي؛ وهذا النشاط القلبي والمحبة هي التي تجعل وحدة بين أسد الله وأسد رسوله وبين الأئمة المعصومين ﴿؏﴾؛ فيحق لهم التفاخر بأمر هو منسوب لهم، ولقلوبهم، ومحبتهم وإرادتهم ورغبتهم ﴿؏﴾؛ إذ أن الإنسان يثاب على ما يحب ويكره، وهو أقوى عرى الإيمان.

إضاءات في مداليل لقب أسد الله وأسد رسوله m

وهنا نأتي إلى بيت القصيد والجزء الهام في هذا اللقب: “أسد الله وأسد رسوله” فماذا تعني هذه الإضافة؟ وما مدلول أن يلقب الحمزة ﴿؏﴾ بـِ “أسد الله”؟

كما هو معلوم في الفلسفة كما في اللغة العربية الإضافة لها أشكال وأنواع، وقد حلل العقل أنواع الإضافة فكثرت، فتارة قد تكون الإضافة صرف اعتبارية؛ كما نقول: هذا بيتي، وتارة قد تكون اعتبارية ذات بُعد تشريفي كما نقول: “هذا بيت الله”، فهذه الإضافة تشريفية لكنها صرف اعتبار؛ إذ ليس هناك بين الحجر والبيت وبين الذات الإلهية أدنى مراتب الاتصال أو ارتباط حقيقي، فإبراهيم ﴿؏﴾ اختار من أحجار مكة العادية لتصبح بيتًا لله ﷻ، وليس الحديث هنا عن التدخل الإلهي، وأن الله ﷻ قد علمهم وأراهم مناسكهم، فهذا أمر آخر؛ فأنواع الحجر شيء وإرائة المناسك شيء آخر، فهذا الحجر مثله ككل الأشياء الموجودة في هذا الكون كونها آية من آيات لله ﷻ ومنسوبة له سبحانه، فكون الحمزة “أسد الله” هذه ليست مجرد نسبة اعتبارية إذ أن النسبة الاعتبارية لا يُتفاخر بها، ولا يكون لها واقعًا إلا بمقدار ما يشرفها الله ﷻ؛ ولذا نقول مكة المكرمة والكعبة المشرفة أيّ إن الله ﷻ قد شرفها.

ومما يلزم الالتفاف إليه؛ من هو القائل والناحل هذه النحلة للحمزة ﴿؏﴾؟! إذ ليس هو من أدعى ذلك فقال: “أنا أسد الله وأسد رسوله”، كما إنه ليس أباه من أسبغ عليه هذا اللقب ولا أيّ أحد من المسلمين؛ بل جاء على لسان رسول الله m؛ ومن هنا ننتهي وندرك إلى كون هذا اللقب هو مقام من مقامات الحمزة ﴿؏﴾.

وعلى نحو الاختصار نقول: أن هذه النسبة تسمى نسبة إشراقية؛ فأصحاب القلوب الطاهرة يشرق الله ﷻ عليهم ويهبهم جلت قدرته من أسمائه، فإسم الله المقتدر المنتقم -وغيرها من أسماء الله الجلالية والجمالية- والتي تظهر على أولياء الله؛ تارةً تظهر في أيديهم كقوله ﷻ: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ التوبة:١٤

فالذي يعذبهم هو الله ﷻ لكن تعبير التعذيب في الآية الشريفة جاء عبر الواسطة التي يجريه الله ﷻ على يد هؤلاء المقاتلين، وهذه تسمى نسبة إشراقية جزئية، وأحيانًا تكون هذه النسبة ليست جزئية ومتضمنة لعضو من أعضاء الإنسان فحسب؛ وإنما هذا الإنسان كله هو “أسد الله” هو “أسد رسول الله”، أيّ: أشرقت عليه الأسماء الجلالية، فالأسد وإن كان جميلًا، لكنه ليس جميل في كل موقع؛ وإنما هو جميل في “موقع النكال والنقمة”،ونضرب لذلك مثالًا: قد زار سماحة السيد قبل ست سنوات أحد العرفاء، وعندما خرج منه سأل: كيف وجدته ورأيته؟ -يقصدون سماحة السيد-، قال: رأيته أسد فقيل له أسد فقط، فالسيد فيه الكثير؛ فهو عطوف ورؤوف ورحيم ومؤثر، ذو إحساس عميق، قال لهم: هل تعتقدون أن الأسد فيه خصلة واحدة فحسب؟ فالأسد وإن ظهرت منه الشجاعة، لكن ذات الشجاعة  قد تضافرت فيها صفات كثيرة؛ ومعرفة الله ﷻ ووحدانيته ﷻ، كما الحلم والجود والشهامة وعلو الهمة؛ وإذا ما وعينا وأدركنا ذلك نستطيع أن نتوجه ونلتفت كيف يصبح الحمزة أسد الله!

فهو “أسد الله وأسد رسوله” لأن هناك خصائل جمّة قد اجتمعت فيه وفضائل عدة قد تجلت وظهرت على يديه، كقادرية الله ﷻ؛ إذ لم يكن أسد رسول الله وأسد آل بيت محمد ﴿؏﴾ فحسب -وإن كان هذا شرف عظيم-؛ لكنه رقى إلى أن أصبح “أسد الله”، والعطف (بحرف الواو) هنا إشارة للمظهرية؛ إذ لم يكن ليظهر هذا التجلي لأسماء الله ﷻ وهذه القادرية إذا لم يمر عبر أخذ هذه الصفة من رسول الله m؛ ومن أجل ذلك هدت شهادته رسول الله m حيث أظهر الحزن عليه، حتى ورد عنه m“وأما الحمزة فلا باكي عليه”(٤)، وهذا بنفسه دليل استحباب لإقامة مجالس العزاء على روح الحمزة كما البكاء عليه استجابة لطلب رسول الله m وأهل بيته الطيبين الطاهرين، وهذا يجرنا إلى أن هناك شهيد وشهادته هي التي أحيت الأمة، وهذا البكاء عليه هو الذي أحيا كل بكاء في الحق ومن أجل الحق، فكون الحسين ﴿؏﴾ “قتيل العبرات”(٥) أيّ: كل عبرة نستعبرها هو باب الاستعبار على الحسين ﴿؏﴾، كونه الأجدر والأحق بها “لو كنت باكيًا فابكي على الحسين ﴿؏﴾”(٦).

“مَا غَسَّلُوه وَلاَ لَفُّوه في كَفَن، عَار تَجُولُ عليه الخيلُ عاديةً، يومَ الطفوفِ وَلاَ مَدُّوا عليه رِدَا”، وقد قتل الحمزة كما قتل الحسين ﴿؏﴾، فندائنا: يا رسول الله هذا حسينك بالعراء مقطوع الرأس من القفى وبناتك سبايا، وإلى الله المشتكى، عظم الله أجوركم.

 


  1. الحديث مروي من حديث مسلم كتاب الإيمان ومسند الإمام أحمد بن حنبل، ويكفيهم فخرا بأن منهم سيدة نساء أهل الجنة وهي فاطمة الزهراء أم أبيها ومنهم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ومنهم أسد الله وأسد رسوله الحمزة سيد الشهداء ومنهم مهدي هذه الأمة الإمام المهدي الذي يملئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. [موجز مناقب الرسول وأهل بيته (ع) – عبد الله علي مطهر الديلمي – ص٣].
  2. في احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على أهل الشورى: نشدتكم بالله هل فيكم أحد له أخل مثل أخي جعفر المزين بالجناحين في الجنة، يحل فيها حيث يشاء، غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: أنشدتكم هل فيكم أحد له عم مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء، غيري؟ قالوا: اللهم لا. [بحار الأنوار – ج٣٥ – ص١٣٨].
  3. أيّها الناس أُعطينا سِتّاً وفُضّلنا بسَبع أُعطينا العِلْم والحِلْم والسماحةَ والفصاحةَ والشجاعةَ والمحبّةَ في قُلوب المُؤمنين وفُضّلنا بأنَّ منّا النبيّ المُختار مُحمَّداً ومنّا الصدّيق ومنّا الطيّار ومِنّا أسدُ اللهَ وأسدُ رسولهِ ومنّا سِبطا هذهِ الأُمّة ومِنّا مهديّها..) [بحار الأنوار – ج٣٥ – ص١٣٨].
  4. ” لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا وبكاء ولم يسمع من دار حمزة عمه فقال صلى الله عليه وآله لكن حمزة لا بواكي له، فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى يبدؤا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه، فهم إلى اليوم على ذلك “. [من لايحضره الفقيه – ج١ – ص١٨٣].
  5. ورد في زيارة الإمام الحسين (اللهم صل على محمد وآل محمد، وصل على الحسين المظلوم الشهيد قتيل العبرات، وأسير الكربات…).
  6. (… يا ابن شبيب ان كنت باكيا لشئ فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فإنه ذبح كما يذبح الكبش…) [عيون أخبار الرضا (ع) – ج٢- ص٢٦٨].

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 7

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 7

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 135٬781 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاطميون بالانتماء لها ﴿؏﴾ 4.5 (2)

فالمقصود من أهل قم هم الحاملون لفكر وثقافة ومبادئ وأخلاق قم وربما لم يصلوا لها ولم يدخلوها أبدًا، وأما من سكن قم ولم يراعي حرمة السيدة المعصومة ﴿؏﴾ فكان يكذب ويسرق ويهين ويستهين بالمؤمنين، ولا يهتم بأمور المسلمين الكبرى؛ فهو ليس من أهل قم.

فزت ورب الكعبة ٢ 0 (0)

نلاحظ أن أمير المؤمنين ﴿؏﴾ قد أولى مسألة الاهتمام والانشغال بالمظاهر اهتمامًا كبيرًا، وعالج هذه الظاهرة علاجًا يقطع التكاثر تمامًا من النفس، لأن التكاثر يسلب اليقين القلبي العرفاني العملي، أي أن يعمل الإنسان بما يتيقن،