تقدم القراءة:

ليس كفاطمة ذكَر

5 فبراير، 2018

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

عظم الله أجر النبي الأعظم والأئمة المعصومين ومراجعنا العظام بشهادة الصديقة الطاهرة بضعة النبي الأعظم صلوات الله وسلامه عليهم جميعا .

لقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون نسل النبي الأعظم باق وممتد من خلال أنثى، وهذا المعنى واضح وصريح من قوله تعالى: ﴿ إنَّا أَعْطَيْنَاك * الْكَوْثَر فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَك هُوَ الْأَبْتَر ﴾ سورة الكوثر فإن مقتضى التقابل بين كون شانئ رسول الله أبتراً وإعطاء الله الكوثر للنبي أن يكون الكوثر نافيا صفة الأبتر عن رسول الله (ص) .

وإذا بحثنا موضوعيا عن عطية ربانية للنبي الأعظم (ص)، فسنجد أنها وردت في القرآن على نحو الوعد الإلهي مرة واحدة وهي قوله تعالى: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى  الضحى: 5 

وقبل أن ندخل في صلب المطلب علينا أن نلتفت إلى أن هذه العطية الإلهية – وهي الزهراء (ع) – أراد بها الله إرضاء النبي الأكرم (ص)، وكم في ذلك رحمة وفيض عظيم حيث أن الله هو الذي يرضي رسوله (ص)، لأن مقتضى منطق الربوبية والعبودية أن يكون العبد هو الذي يسعى لإرضاء مولاه، ولكن الله سبحانه يتلطف هنا بنبيه ويعطيه حتى يرضيه. ولا يخفى علينا أن لهذه المعاملة الخاصة لنبينا الأعظم نظير في القرآن في سورة الإسراء إذ يقول تعالى: ﴿ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا  الإسراء: 1 ففي حال هم وجدّ وجهاد كل نبي وولي أن يجعل حياته سيرا وسلوكا خالصا لله؛ إلا أن محمد بن عبد الله (ص) يسري به الله إليه فهذا امتياز خاص له صلوات  الله عليه وآله.

قد يقال إنه ورد في الروايات أن مصداق العطية التي يرضى بها النبي هي مقام الشفاعة، ونجيب بأن ذلك صحيح، فمقام الشفاعة أحد مصاديق هذه العطية، ولكن هذا لا يتنافى مع إعطاء الله رسوله عطية أخرى ترضيه خصوصا بعد نص القرآن على قوله: ( إنا اعطيناك الكوثر ) فلا تعارض بينهما لأن هناك قاعدة لغوية ومنطقية وأصولية بعدم تعارض الأصلين المثبتين، أو بمعنى آخر: تعتبر الآيات القرآنية والأحاديث قطعية الصدور والدلالة هي بمثابة قول متحدث واحد. من هنا نقول أن الله أعطى نبيه الشفاعة والكوثر الذي هو مصدر لكل خير يمكن أن نتصوره. وربما يساعد على هذا المعنى ما نقرؤه في الزيارة الجامعة ( إن ذكر الخير كنتم أصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه )

وإذا كان مقام الشفاعة العظمى يعطى لرسول الله في الآخرة وقد قال صلوات الله عليه وآله: ( إني ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ) ويعلم أن الغاية من الشفاعة دخولهم الجنة، والزهراء سلام الله عليها كائن نزل من الجنة، والجنة كما نعلم هي دار الرضوان، ولا نعلم موجودا غيرها نزل من جنة الرضوان، ومن هنا يتضح معنى أن الكوثر نهر يجري في الجنة.

وهذه التعابير القرآنية كانت واضحة عند المسلمين لكونهم يفهمون مداليل هذه الألفاظ ويربطون بينها وبين سلوك النبي مع الزهراء وتلك العطية الربانية بلا تكلف، خصوصا مع ما رأوا وسمعوا من رسول الله (ص) من أقوال ومواقف تؤكد أن وعد الله لنبيه بالترضية قد تحقق وظهر في فاطمة عليها السلام فقد ورد بسند قطعي عند المسلمين قاطبة عنه صلوات  الله عليه وآله قوله: ( فاطمة بضعة مني، يرضيني ما يرضيها )، وقوله:( من أرضى فاطمة فقد أرضاني ) .   

وهنا ألفت لمسالة: إن مارواه أهل السنة بطرق صحيحة على مبانيهم في شأن الزهراء (ع) كله يتسم بتسليط الضوء على المقام والموقع الملكوتي للصديقة الطاهرة كروايات أنها بضعة من رسول الله، وأنه كمل من الرجال كثير وكمل من النساء أربع وفاطمة منهن، وأنها روح رسول الله (ص)، وأنه يرضى لرضاها وأنها سيدة نساء العالمين… إلى الكثير من الروايات التي ليس هذا محل ذكرها، و بغض النظر عن ترتيبهم أثرا لذلك من عدمه.

مما سبق يتحصل: أن الله هو الذي يرضي النبي، وأنه أعطاه ما وعده في فاطمة التي يرضيه ما يرضيها، وبها يجد النبي نفسه راضية وطيبة وهذا مطلقا فيها وبرضاها.

ليس كفاطمة ذكَر

إن عطية الله الزهراء لنبيه من مظاهر الحكمة الإلهية، فعطية الزهراء (الأنثى) للنبي تتطابق مع مقتضى الطبيعة الأبوية، فقد تجسد رضا الله وعطيته للنبي في أنثى هي ابنته فاطمة. وللأنثى – كما هو معلوم – جاذبية خاصة للذكَر، فالأب يتعلق بابنته بنحو خاص يختلف عن تعلقه بالأبناء الذكور، وهو مقتضى الطبيعة ويدعمه الدليل العرفاني، ومن جهة أخرى – وفيما يخص النبي والزهراء (ع) – فإن امتداد وجود النبي وسعته لا يحدث إلا بأنثى تحمل جينه وتكون روحه التي بين جنبيه، تلك الروح المتكاملة المتصلة بعوالم الأسرار. ولم يكن لأي ذكَر أن يحمل هذه الخصوصيات الجمالية في النبي ولا أن يكون امتدادا له بهذا النحو، ولعله يشبه ما قاله العلماء حول نبي الله عيسى (ع) حيث لم يكن يحقق طموح أم مريم إلا امرأة، ولم يكن ليربي عيسى (ع) ليكون بهذه الخصوصيات ويحمل رسالته إلا أنثى بدون ذكر.  

من منطلق فهم خصوصية هذه العطية الإلهية للنبي، نستوعب جيدا ما زخرت به السيرة من سلوكيات خاصة كان يتعاطى بها النبي مع الزهراء (ع)، منها أنه (صلى الله عليه وآله) حين يعود من معركة – والتي من طبيعتها التعب والعناء والجد والكدح ومناطحة الأمم وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب – يلقي بتعبه وعنائه عند ابنته، ومن المعلوم أن للحرب تبعات وآثار روحية ومعنوية ضرورية، فهو طريق ذات الشوكة، وهذه الآثار لا ترفع إلا بالدعاء والتوسل للوصول إلى رضا إلهي مطلق، ومن الذي يستغنى عن تسديد الله وتأييده عبر الطرق التي أمر الله بها؟ وفي مقام النبي خاصة كان يرى رضا الله عبر رؤية إرضاء الله له وإغداقه عليه من الكوثر، ورؤية فاطمة هي رؤية عطايا ربانية تقر به عينه مما لم تره عين ولم تسمع به أذن، وبهذا تزال عنه آثار الحرب وتبعاتها.

كما كان حين يريد أن يسافر تكون فاطمة (ع) آخر من يودعه ليشيّع مرضيا مملوءا برحمة ربه فيتوكل على الله راضيا مرضيا، وهذا مقام أخلاقي عال جداً. وكان من سنته صلوات  الله عليه وآله أن يشمها حين يشتاق للجنة، وغير ذلك مما ورد من سيرته في التعاطي الخاص مع فاطمة، ففاطمة أنثى من دار الرضوان ليس مثلها ذكَر.

ولوضوح هذا المعنى وعمقه وعظمته عند المسلمين حيث لا يشك أحد منهم فيه – كما يبدو – هذا من جهة، ولأن فيه مكنوزا من العاطفة الإلهية والرحمة الربانية والخصوصية للنبي الأكرم من جهة ثانية، فإنه يصعب على أي إنسان مهما كان قاسي الطبع غليظ الذات خشنا يكثر العثار والاعتذار أن يتجاوز ويتعدى عن هذا المعنى والواقع الظريف الذي رسّخه النبي بينهم، والموهبة الإلهية والغرق في الكوثر الإلهي الذي أكدت الآيات القرآنية على أنه عطية الله الفريدة في القرآن لنبيه، وليس لهذه الآية (إنا اعطيناك) لفظ يشبهها كما ليس للزهراء أختا تشبهها. وهذه حقيقة ينعطف أمامها  كل من له أدنى علقة بالنبي الأكرم، ويستسلم لها كل موحّد ويذعن بعظم عطية الله لنبيه.

ولربما  لأجل هذا التأسيس القرآني الواضح والسيرة النبوية المؤكدة المكررة جرت الزهراء عليها السلام في احتجاجها؛ فبعد أن أقامت الصديقة الزهراء (ع) كل الأدلة والبراهين والحجج النقلية والعقلية والعرفية على حقها ولم تفلح في التأثير على القوم بالحجة والبرهان، لجأت للوعي العاطفي وللمؤثرات الطبيعية الروحية والوجدان الأخلاقي. ولأن المعاني الأخلاقية يدركها كل أحد، فتأثيرها يفوق البراهين والحجج لأنها بسيطة لاتتركب من مقدمات، فقالت وهي في آخر محاولة للتأثير: ( نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم ) (1)

فهي هنا تفجّر مخزنا أخلاقيا ووجدانا تركه النبي بين أظهرهم لا يرتابون فيه أبدا، ولهذا فإن تذكيرها للقوم بهذه الرواية والتي هي مستودع مشحون بالذخائر القيمية وتفجيرها في هذا الظرف ومع كل هذه المقدمات التي ذكرناها  يفترض أن يكون سببا فاعلا للردع والتراجع، إذ إن أصعب شيء على كل إنسان أن يصطدم بكل هذا الزخم الروحي ويخترق كل هذه اللوامع والوجدانيات البينات سيما وهي خصوصية إلهية وعطية لنبيه لم تعط لأحد أدنى الله بها نبيه منه وحباه وأرضاه فمن ذا يقاوم هذا البرهان المعنوي الباهر؟! ومن ذا يقاوم هذا الوضوح والجلاء والشفافية؟! ومن ذا يغمض عينه عنه؟؟!! 

هكذا ذكرت فاطمة وقالت بما يمس شغاف قلب كل مسلم، إذ في فاطمة لا يكون الذكر كالأنثى، بل ينكسر أمامها نظر كل بشر حجة بالغة فما تغنى النذر.


1. سنن البيهقي

 

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬126 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).

جهاد السيدة زينب ﴿؏﴾ وأخلاقيات الصراع بين الحق والباطل 0 (0)

﷽ توطئة  مما لا شك فيه أن الصراع بين الحق والباطل ولد مع ولادة الإنسان؛ وذلك لاختلاف الناس في القوى والصفات والأفعال، وأن سلسلة هذا الصراع لم تبدأ بنزول آدم ﴿؏﴾ إلى الأرض  حاملًا في أصل جينات وجوده العداوة لإبليس، وكذا إبليس أيضًا؛ بل كانت في عالم الأصل منذ الخلقة...

مقام المنصورة في السماء 0 (0)

﷽ وأفضل الصلاة والسلام على خير الأنام المصطفى ﷺ وعترة الطاهرة ﴿؏﴾ أبارك لرسول الله ﷺ ولآل بيته ﴿؏﴾، ولمراجعنا العظام والأمة الإسلامية، المولد الأطهر للصدّيقة الطاهرة ﴿؏﴾، ويوم المرأة العالمي، ولا يفوتنا هنا أن نبارك بالتبع ميلاد ابنها بالحقّ مفجر الثورة الإسلامية...