تقدم القراءة:

عندما تخرج يد الإمام الرضا (ع) من كم المأمون

5 نوفمبر، 2017

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

السلام على الإمام الهمام، الغريب والبعيد عن الأهل والأوطان، بضعة الرسول الأعظم علي بن موسى الرضا عليه السلام. وعظّم الله أجوركم جميعا بشهادته.*

للإمام الرضا (ع) من الكرامات والفضائل ما لا يحصيه الأنام سالفًا وآنفا، ويعرف ذلك من قصده في حاجة أو لاذ به في مهمة، ويتأكد له حينذاك أنه فرع من الدوحة الهاشمية.

وأحد مظاهر هذه الفضائل أخْذ الله له من عدوّه وإظهار مقامه ومكانته، فكأن يد الرضا (ع) خرجت من كمّ المأمون. وكل ذلك بكيد وتدبير وأخذ إلهي لتعريف الأمة بما لعلي بن موسى (ع) من الفضل والعلم والرفعة والولاية الكاملة. وهو بطش الله ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ البروج/ 12 وهذا التدبير الإلهي هو سنّة من سنن الله في هذا الكون، حيث يدبرّ الله ظهور أهل الحق على أهل الباطل لتيسير سبل الهداية للناس وإنقاذهم من التيه والضلال.

لقد عاش الشيعة حالة التقيّة المغلّظة في زمن الإمام الكاظم (ع)، وقد تعرض الإمام (ع) في ظل تلك الظروف الخانقة إلى المتابعة له ولأصحابه، وانتهت المرحلة بسجن الإمام وتعذيبه وشهادته. ولا يمكن مع استمرار الحال على هذا المنوال أن تقوم للمذهب قائمة، لأن عمل عدة أجيال متعاقبة بالتقيّة سوف يكون سببًا قويًا في تمييع المعتقدات وعاملًا في تذويب المفاهيم والفقه الحق. وحول ذلك يتحدث الشهيد المطهري فيقول إن أحد أسباب تنصّر المسلمين في المناطق التي واجهت الحملات الصليبية هو ممارسة أجيال متعاقبة للتقية بحيث نسي الأبناء ما كان عليه الآباء. لأن الإسلام كان عقيدة خفية في الجيل الأول ثم أصبح مجهولًا في الجيل الثاني ثم أُنكر في الجيل الثالث. من هنا كان هذا التدبير الإلهي بعد الإمام الكاظم (ع) وظروف التشيّع العصيبة لينعش الله دينه ويظهره عبر الرضا (ع) ولو كره المشركون.

وهذا الإظهار الإلهي لتعريف الناس بالمقدسات من الأماكن والمواقع والأشخاص له سابقة في تدبير الله وتقديره، فحينما أراد الله إظهار موقعيّة الكعبة وتجديد مقامها القدسي في واقع الأمر مكر بأبرهة وأصحاب الفيل في حادثة إعجازية لا نظير لها ﴿ ألَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ*أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ*وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ ﴾ إن ما يبدو من ظاهر القصة هو أن أبرهة المتغطرس الجاحد أراد هدم بيت الله وصرف أنظار الناس عنه ليحجوا إلى قصره، ولكن في باطن التدبير الإلهي كانت إرادة أبرهة سببًا في إظهار عظمة هذا البيت، فجعل كيد أبرهة وقومه وقوته وسلطانه في تضليل، وبهذا الكيد والأخذ الإلهي بأبرهة وجيشه ثبت للناس بالدليل الحسي قدسية الكعبة المشرفة.

هذا التدبير الإلهي الذي به نصب بيته للناس وأظهر مقامه وقدسيته يجري وبنفس النحو لإظهار علم وقدسية ومقام إنسان نصبه الله جلت قدرته، وهو الإمام الرضا (ع). فقد أراد المأمون صرف أنظار الناس التائهة في البحث عن الحقيقة المتمثلة في الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، فأحضره إلى بلاطه ليزيل مكانته من القلوب الوالهة إلى الحق الطالبة للمعرفة والمشتاقة للقيادة الإلهية النظيفة من الأغراض والأمراض والأهداف الشخصية والمراوغات السياسية. ولكن حيث أنه لا مبدل لسنة الله ولا محوّل لها كانت إقامة الإمام علي بن موسى المفروضة عليه من قبل المأمون سببًا لإظهار فضله وعلمه ومقامه وزهده وكل ما يدل على أنه منصب من قبل الله تعالى. ففعل الله بالمأمون كما فعل بأبرهة وهذا ما قاله الإمام الرضا (ع) حين أخذ مجبورًا إلى خراسان: ” يا نوفلي أفتخاف أن يقطعوا على حجتى؟ قلت: لا والله ما خفت عليك قط، وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله تعالى. فقال (ع): يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت: نعم. قال: إذا سمع احتجاجي عليَّ أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون الموضع الذى هو بسبيله ليس بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة منه ولا حول ولا قوة الا بالله “(1) فهل كان سيتسنى للأمام الرضا (ع) جمع أهل التوراة والإنجيل وسائر الملل والنحل والفلاسفة والحكماء والاحتجاج عليهم ونشر الرسالة بل والولاية والدعوة للإمامة ببراهين واضحة وحجج بينة في ذلك الظرف السياسي الخانق والمتابعة لكل صوت يطلب الحق أو يرصد الحقيقة؟!!

لقد أحيا الإمام الرضا (ع) بأخذ الله له من المأمون الدين ليعود غضًّا طريا، واخضرّ به الجناب وردّ الفروع للأصول، ووجدت فيه الأمة ضالتها. هذا بطش الله لأوليائه، وإن بطش ربك لشديد.


* ذكرى استشهاد الإمام الرضا (ع)/ صفر 1439هـ

1- قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبى الحسن الرضا – عليه السلام – إذ دخل علينا ياسر [ الخادم ]، وكان يتولى أمر أبى الحسن الرضا – عليه السلام -، فقال له: يا سيدى إن أمير المؤمنين يقرؤك السلام ويقول: فداك أخوك إنه اجتمع إليَّ أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من جميع الملل، فرأيك في البكور إلينا إن أحببت كلامهم، وإن كرهت ذلك فلا تتجشم، وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا. فقال أبو الحسن – عليه السلام -: أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله تعالى. قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لى: يا نوفلي أنت عراقى ورقة العراقى غير غليظة، فما عندك في جمع ابن عمك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان، وبئس والله ما بنى. فقال لى: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن أصحاب الكلام والبدع خلاف العلماء، وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، إن احتججت عليهم بأن الله تعالى واحد قالوا: صحح وحدانيته، وإن قلت: بأن محمدًا رسول الله – صلى الله عليه وآله – قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل بحجته، ويغالطونه حتى يترك قوله، فاحذرهم جعلت فداك. قال: فتبسم – عليه السلام – ثم قال (لي): يا نوفلي أفتخاف أن يقطعوا عليَّ حجتى؟ قلت: لا والله ما خفت عليك قط، وإنى لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله تعالى. فقال لي: يا نوفلى أتحب أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت: نعم. قال: إذا سمع إحتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى [ أهل ] الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون (أن) الموضع الذى هو بسبيله ليس بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة منه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.” مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬165 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).

جهاد السيدة زينب ﴿؏﴾ وأخلاقيات الصراع بين الحق والباطل 0 (0)

﷽ توطئة  مما لا شك فيه أن الصراع بين الحق والباطل ولد مع ولادة الإنسان؛ وذلك لاختلاف الناس في القوى والصفات والأفعال، وأن سلسلة هذا الصراع لم تبدأ بنزول آدم ﴿؏﴾ إلى الأرض  حاملًا في أصل جينات وجوده العداوة لإبليس، وكذا إبليس أيضًا؛ بل كانت في عالم الأصل منذ الخلقة...

مقام المنصورة في السماء 0 (0)

﷽ وأفضل الصلاة والسلام على خير الأنام المصطفى ﷺ وعترة الطاهرة ﴿؏﴾ أبارك لرسول الله ﷺ ولآل بيته ﴿؏﴾، ولمراجعنا العظام والأمة الإسلامية، المولد الأطهر للصدّيقة الطاهرة ﴿؏﴾، ويوم المرأة العالمي، ولا يفوتنا هنا أن نبارك بالتبع ميلاد ابنها بالحقّ مفجر الثورة الإسلامية...