تقدم القراءة:

في الزهراء لا تتعدّد القراءات

5 فبراير، 2016

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

قدم لكم بشهادة الصديقة الطاهرة حارّ العزاء، وأسأله أن يوفقنا وإياكم لخدمة سيدة النساء (ع).*

للزهراء عليها السلام مقامات علمية كثيرة زخرت بها كتبنا العلمية، بل إن العارف بطبيعة المنهج الحديثي لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام يجزم بأن الأصل في مكانتها الواقعية هو مكانتها العلمية، وما مقامها السلوكيّ إلا ظهور وتجلّ وشعاع أرضي من كوكبها الدرّي الواقعي.

وفي هذه الوقفة سنشير إلى لفتتين من مقاميها العلمي والسلوكي:

1- مقامها العلمي :

سأتوسل لبيان الفكرة هنا بمقارنة مقام الزهراء العلمي بالقرآن الكريم:

نحن نقرأ القرآن وندرسه ونحفظ ألفاظه، ونبالغ في دراسة تفسيره؛ ولكننا نعلم في قرارة أنفسنا أننا لا يمكن أن ندرك مغازي معانيه؛ على خلاف كتب سائر الديانات الإبراهيمية، فمع أن أحكام هذه الكتب إلهية؛ إلا أن قوالبها أرضية إنسانية تتغذى وتنمو من قدرات البشر، فتتنوع في الدلالات وتتعدد في القراءات بتكثر هذا البعد الناسوتي.

أما القرآن فهو كتاب سماويّ صرف، وزرع ونماء وتكثرّ كلماته وعباراته إنما هو أمر إلهيٌ، وهو لم يمتزج بكلمة؛ بل ولا بحرف أرضي، فالقرآن هو كلام الله، وهو ذو مقصد واحد، ومهما تعددت دلالات معانيه فإننا نذعن أن هناك معنى ومقصدا إلهيا واحدا يراد منها ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا  النساء: 82 ونذعن أن الخلاف في تفسيره وتأويله، والاختلاف في معرفة مقاصده، والتكثّر والتعارضالظاهري بين مداليل بعض آياته لا يعني تعدد قراءاته؛ بل هو راجع لنقص في فهمنا وقدرتنا على استنطاقه، فنحن مزيج بين مركب ذي بعد روحي ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي  الحجر: 29 وبعد أرضيّ ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى  طه: 55 وعلومنا ومعارفنا تسانخ وجودنا.

الزهراء عليها السلام في مقامها العلمي تسانِخ القرآن الكريم، فالروايات التي تتحدث عن نشأتها تحكي بأن أصلها تفاحة من الفردوس أعطيت للنبي من السماء، لم يخالطها شيء، ولم تخرج من زرع ولا نبت ولا شجر شرقي أو غربي، إنها ليست من عالم الأرض، هذا العالم الذي هو قطع متجاورات، ويفضل الله بعضها على بعض في الأكُل وفي الآثار والنتاج. هذا التفاوت في نبات الأرض لا ينبغي أن يظلل حقيقة الزهراء سلام الله عليها، فمنبتها وزرعها ونماؤها من نور واحد وبقوة واحدة. لذا كانت فضائلها العلمية كالقرآن لم يخالطها شيء، يشهد على ذلك اعتزال النبي أمها خديجة الكبرى وانقطاعه إلى الله حتى رزق بالزهراء، تماما كما كان ينقطع في غار حراء لتلقي القرآن الكريم.

وكما أن القرآن وجود إلهي كامل لم يخالطه حرف أرضي، ومقصده واحد لا يتعدّد؛ كذلك وجود الزهراء (ع) سماوي، ولاتتعدد فيها القراءات، ومن هنا لا يُعذر في رضاها وسخطها وحبها وبغضها أحد، ولامعنى أن نلتمس عذرا لمن أغضبها.

2- مقامها السلوكي العملي :

يتّضح علوّ مقام الزهراء (ع) السلوكي بالالتفات إلى أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وآله قد بُعث ليزكي الناس ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها؛ فكيف نتصور أداءه لهذا الدور في شأن ابنته وحبيبة قلبه وثمرة فؤاده ؟!!

وإذا كان من أدوار رسول الله صلى الله عليه وآله تحريض المؤمنين على القتال والجهاد وقول الحق، فيستجيب له من يستجيب ويتخلّف من يتخلّف.. فكيف نتصور جهادها واستجابتها لتحريض النبي (ص) للدفاع عن الدين والجهاد لإعلاء الحق؟! إنني لأحسب أن كل ما نقرؤه في مجالسنا حول استماتتها سلام الله عليها في سبيل الحق هو نقطة في بحر جهادها وصبرها وتحملها.

لقد جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله في حق أمير المؤمنين(ع) الكثير الكثير.. ولكن من أبلغه قوله صلى الله عليه واله: ( لو تمثل الحلم رجلا لكان عليّا )(1) فكل مواقف علي عليه السلام هي منتهى الحلم، ولكنه حينما جرى على الزهراء عليها السلام ما جرى ، ووضعها في ملحودتها، وجّه وجهه نحو قبر رسول الله (ص) وقال: ( قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، ورقّ عنها تجلدي ) لم يخرج عليّ هنا عن وصف النبي في أنه المثال الأكمل للحِلم، ولا مبالغة في حديث علي ، فكيف لعارف أن يدفن القرآن ويحثو عليه التراب؟!!

ولعل هذا مادعاه لأن يقول بعد دفن الزهراء عليها السلام “إنا لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء”(2).  

أعظم الله أجوركم


* استشهاد الصديقة الزهراء عليها السلام

1. الحمويني: فرائد السمطين، ج 2، ص 68.

2. الكافي: 1 / 459

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬440 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فزت ورب الكعبة ٢ 0 (0)

﷽ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين. السلام عليك يا رسول الله، السلام على أمير المؤمنين، وعلى الصديقة الطاهرة، وآل بيت العصمة والطهارة سيما خاتمهم صلوات الله وسلامه عليه، وهو المعزى في هذه الليلة التي يصارع...

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).