تقدم القراءة:

عندما تنتصر جنود العقل

السبت 15 رمضان 1435هـ 12-7-2014م

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

5
(1)
أرفع أسمى آيات التباريك والتهاني لهذا العيد الأغر ميلاد سبط رسول الله الأكبر الحسن ابن علي عليه السلام للأئمة المعصومين ولرسول الله وللصديقة الزهراء عليهم السلام، ولمراجعنا وخاصة لقائد الأمة الإسلامية آية الله الخامنائي حفظه الله.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: [ لو كان العقل رجلا لكان ولدي الحسن ] سنتحدث حول العقل وقيمة العقل وموقع العقل وكيف يمكن أن يتجسد في الإمام الحسن عليه السلام بشكل موجز كمدخل لبحث أيام وفاة الإمام الحسن عليه السلام كما تعودنا في كل عام(1).
ميلاد الإمام الحسن عيد من الأعياد الإلهية:
قبل أن ندخل في الحديث عن معنى الرواية أحب أن أشير لهذا المعنى المهم وهو: لماذا نفرح بميلاد الإمام الحسن عليه السلام، وكيف يجب أن نفرح ؟
يمكن أن نقول أن ميلاد الإمام الحسن هو عيد من الأعياد الإلهية الكبيرة، وينبغي أن تكون له طقوس الأعياد، فللعيد مراسم عبادية خاصة كالصدقة وقراءة الأدعية وغيرها. هذه المراسم التي نراها في ميلاد الإمام الحسن (ع) لها أصول وبواعث ومناشيء دينية أصيلة.
ولكن يجب أن نشير إلى أن كل حالة فرح وانبساط عند الإنسان لابدّ أن تتناسب والمناسبة التي تحدث، فنحن نرى أن هناك كثيرا من أنحاء الفرح والانبساط والسعادة هي أشبه بحالات طفولية، والحال أن ميلاد الإمام الحسن فرحة ولذة(2) ومتعة، الباعث لها جذور وأصول في المباني القرآنية والدينية، فما هو سبب الفرح بميلاد الإمام الحسن عليه السلام ؟
الإمام الحسن مبدأ تجسّم المنّة الإلهية:
القرآن يحدثنا عن سير الأنبياء وسلوكهم الروحي فيقول في قصة النبي ايراهيم (ع) : ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾(3) المعنى الظاهري لهذه الآية هو أن إبراهيم كان لا يريد أن يخرج في عيد قومه الذين كانوا يعتقدون بالتنجيم، فقال إني سقيم أي سأمرض فلن أستطيع الخروج معكم. لكن هناك معنى آخر وهو أن الآيات تتحدث عن إبراهيم في سيره الملكوتي وفي رؤيته لملكوت الله ﴿كَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾(4) فنبي الله إبراهيم في مسيره الروحي رأى النجوم في حالة من الكشف والشهود، والنجوم هم محمد وآله صلوات الله عليهم(5) فلم ير النجوم التي في السماء وإلا لاشترك مع المنجمين في هذه الرؤية ولم يتميز عنهم ! إبراهيم كان يسير إلى لله سبحانه وتعالى سيرا ملكوتيا فرأى في سيره الملكوتي نجوما كانت سببا لقربه من الله سبحانه وتعالى فقال (إني سقيم).
إن الذي يحدث في ولادة المعصومين هو أن الله ينزل لنا أنوار هؤلاء المعصومين بحيث نراهم ونتصل بهم، وهذا أحد معاني قولنا في الزيارة الجامعة ( جعلكم الله أنواراً وكنتم بعرشه محدقين حتى من علينا بكم ) وفي حال أن كل الأنبياء كان عليهم أن يصعدوا حتى يصلوا إلى هذه الحالة من الحب والمعرفه بآل محمد عليهم السلام فالمسيرة بالنسبة لنا عكسية إذ منّ الله علينا وقطع بنا المسافات بجعل هذه الأنوار في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وجعلنا نلتذ بهذا النور كما أننا نلتذ بالعبادة والمناجاة والصلاح. وميلاد أول سبط لرسول الله هو تجسم هذه المنّة الإلهية العظيمة، وهي ما يستحق منا الفرح واللذة والانشراح.
نزول أنوار المعصومين (ع) سبب لكل خير:
إن تنزل أنوار المعصومين عليهم السلام في هذا العالم المادي هو متكرر مثل ليلة القدر، فنحن نقول في الزيارة الجامعة ( خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين ) الإحداق : هو الإحاطة التامة، وعرش الله هو مكان التدبير والقرارات الالهية، فهؤلاء الأنوار مع تنزلهم لنا مازالوا في عرش الله محدقين تماما كما أن القرآن في لوح محفوظ ولكنه يتنزل في ليلة القدر، فكل يوم ميلاد لإمام معصوم هو أيضاً تنزل جديد لهذه الأنوار إلى هذا العالم.
إننا لا يمكن أن نتصور استمرار الحياة في هذا العالم المادي بدون نور الشمس والنجوم إذ لا يبقى إلا الوحشة والضلال. نور الشمس هو الذي يعطي الحياة والحيوية للموجودات، نورالمعصومين كذلك، فهو في عالمنا المعنوي يخرجنا من حالة البرودة والبلادة والجمود إلى حالة الحيوية والحركة والانبساط، من حالة الوحشة إلى حالة الأنس، وبهذا نفهم ماورد في تفسير قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ(6).
إنّ نزول الإمام في عالم المادة ووجوده في عالم الطبيعة هو سبب تساقط الذنوب والخطايا والنقائص، ولهذا يجب أن تتناسب المناسك التي نقيمها في مولد الإمام مع هذه المنّة التي من الله علينا ويكون السرور والانشراح في هذه المناسبة هو بسبب إدراك هذه النعمة، كما ينبغي أن تكون فرحتنا بميلاد هذا السبط الزكي تقابل تماماً الحزن الذي يدخل على أعداء الله الذين كانوا يقولون عن رسول الله (ص) أنه ﴿شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ(7) يعني ننتظر أن يموت وينقطع كل شيء، وببركة ولادة الإمام الحسن (ع) امتدت هذه الرسالة ونزلت هذه الشمس من عالم الملكوت الى عالم الأرض.
لماذا يحجب عنّا النور؟
قد نتساءل إذا كان للإمام هذه النورانية وهذا التأثير فلماذا لا نشعر بذلك في يوم مولده؟ فإذا كان أهل البيت هم نور الله فلا يكمن أن يخفيه أحد وأثر النور هو الإشراف الكامل فكيف لا نراه؟
للجواب نقول: نعم هم نور الله والنور لا يمكن أن يحجب لكن ما يحدث أننا من نحجب أنفسنا. ورد في الدعاء “وأنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك” إذن فالإمام لا يحتجب عن أحد لأنه نور الله والله نور السماوات والأرض، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، ولا يمكن أن يغطى نور ملأ السماوات والأرض، لذا ما لم يحجب الإنسان نفسه عن هذا النور فسوف تشرق الأرض بنور ربها فقد جاء في تفسير قوله تعالى: ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) في الكافي عن الإمام الصادق(ع) قال: (رب الأرض يعني إمام الأرض، فقلت: فإذا خرج يكون ماذا؟ قال: إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر، ويجتزون بنور الامام)(8) وأشرقت الأرض بنور ربها أي بنور إمامها، كل إمام يشرق نوره في زمانه.
من هو رب الأرض؟ رب كل شي ومديره هو الله سبحانه وتعالى لكن الله قال ” إني جاعل في الأرض خليفة “ورب الأرض هو خليفة الله سبحانه وتعالى. ثم قيل له إذا خرج الإمام ماذا يكون؟ فقال صلوات الله عليه إذن يستغني الناس عن نور الشمس والقمر. الآن قد تستغربون هذا المعنى وسنفصله إن شاء الله في دورة الامام الحسن (ع) لكن لا بأس أن نوضحه بعض الشيئ:
نحن نتساءل: كيف نكتفي بخروج الإمام عن نور الشمس والقمر؟ كيف يمكن أن نرى الاشياء إذن؟
للجواب نقول: نحن نظن أن النور يكشف لنا الأشياء، لكن في الحقيقة نحن نتعرف على الأشياء بعقولنا، فإذا كملت عقولنا فهل يحتاج إلى هذه الواسطة؟
الشمس هي في الحقيقة ليست إلا واسطة للحركة وللإنارة ولاكتشاف الاشياء، فإذا جاءت واسطة هي أكبر منها في قدرتها على الإحياء والتحريك ورفع الوحشة والضلال و… فهل نحتاج إلى هذه الواسطة؟ بالطبع لا.
سأضرب لكم مثالا:
نقول في الزيارة الجامعة “كلامكم نور” ولكن حين نقرأ كلام الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم فنحن لا نفهم كل كلامهم! هل تعلمون لماذا؟ لأننا لا نسمع كلام الأئمة مباشرة بل عبر وسائط الرواة الذين ينقلون كلامهم، وكل شخص ينقل الحديث ينقله بمؤثراته الخاصة وبالمعنى الذي فهمه. هذه الوسائط سبب في عدم استيعابنا لذلك النور. من هذا المثال نعرف معنى استغنائنا بالإمام عن نور الشمس، فالشمس واسطة وعندما تكتمل العقول فتشرق الأرض بنور ربها لا نحتاج إلى هذه الوسائط.
إذن ما حصل بولادة الإمام الحسن سلام الله عليه هو أن الأنوار التي صعد الأنبياء لمعرفتها منّ الله علينا بها فجعلها في بيوت أبدانهم ومنازلهم وقبورهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فلا سيتكثر على بيوت هذا النور أن يكون مكاناً للعبادة ومكانا للزيارة ومكانا لتغيير الأحوال.
( لو تمثل العقل رجلا لكان ابني الحسن (ع) )
سيكون هذا محور حديثنا في دورة الامام الحسن (ع)، وسنمر على المعنى بشكل مختصر:
كيف يمكن أن يتجسد العقل في الإمام الحسن عليه السلام، لنفهم ذلك علينا أن نعرف أن للعقل جنودا هي الحكمة، الحلم، الشجاعة، القدرة على المبارزة .. إلخ، والذي أحدثه الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه أنه فتح المجال لكي يربط هذه الأمة بجنود العقل.
وبسبب صلحه مع معاوية فتح باب التوبة لضعاف الناس، للضائعين للضالين ليعودوا إلى لله سبحانه وتعالى. ومن أحب الأشياء إلى الله عودة العاصي وتوبته.
الإمام الحسن صلوات الله عليه أنزل كل جنود العقل بأن بصّر الناس بحقيقة بني أميّة وكشف معاوية ففصّل علاقة معاوية بالأمة وفتح لها بابا واقعيا للتوبة، و بابا للتفكير والتأمل. لذلك ” لو كان العقل رجلا لكان ابني الحسن “ إن دور الإمام الحسن صلوات الله عليه هو أن مثّل العقل أمام المسلمين وعندها أشرقت الأرض بنور ربها خليفة الله.
لذا جدير بهذا اليوم وهذه الليلة أن نتخذها عيدا نشكر الله سبحانه وتعالى ونحمد على هذه النعمة.

(1) تقيم الأستاذة الفاضلة دورة سنوية لمدة خمسة أيام في وفاة الامام الحسن المجتبى ويعلن عنوان كل عام في يوم ميلاده عليه السلام.

(2) ولكن لأننا نحصر اللذة دائما في الماديات وقد أشبع مفهوم اللذة في أذهاننا وفي عقولنا بثقل مادي فعندما نطرح مفهوم اللذة نفهم منها الجانب الحسي والمادي في الوقت الذي تعتبر الروايات المناجاة لذة، والعبادة لذة، وتعتبر بعض أنحاء الإدراك والفهم والمعرفة لذة … إذن مفهوم اللذة والانبساط والفرح هو مفهوم يتجاوز حدود ما نتخيل وما نتصور من الأبعاد المادية.
(3) الصافات: 88-89
(4) الأنعام: 75
(5) إذا تتبعنا الكثير من التطبيقات القرآنية لمعنى الشمس والقمر والنجوم والكواكب في السماء نراها تطبقها على علي وأبناء علي عليهم السلام، مثلا ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ الشمس رسول الله (ص) ﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ﴾ أمير المؤمنين (ع)، وقوله تعالى: ﴿وعلامات وبالنجم هم يهتدون﴾ النجم هو رسول الله (ص)، ﴿ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة/76] هم المعصومين،.. الخ راجع التفاسير الروائية.
(6) النور: 35
(7) الطور: 30
(8) تفسير القمي 2/253

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 135٬690 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاطميون بالانتماء لها ﴿؏﴾ 4.5 (2)

فالمقصود من أهل قم هم الحاملون لفكر وثقافة ومبادئ وأخلاق قم وربما لم يصلوا لها ولم يدخلوها أبدًا، وأما من سكن قم ولم يراعي حرمة السيدة المعصومة ﴿؏﴾ فكان يكذب ويسرق ويهين ويستهين بالمؤمنين، ولا يهتم بأمور المسلمين الكبرى؛ فهو ليس من أهل قم.

فزت ورب الكعبة ٢ 0 (0)

نلاحظ أن أمير المؤمنين ﴿؏﴾ قد أولى مسألة الاهتمام والانشغال بالمظاهر اهتمامًا كبيرًا، وعالج هذه الظاهرة علاجًا يقطع التكاثر تمامًا من النفس، لأن التكاثر يسلب اليقين القلبي العرفاني العملي، أي أن يعمل الإنسان بما يتيقن،