صباح شجاً وشجن وعزاء لآل محمد صلوات الله عليه وآله. وعظيم الأجر للنبي وآله بمصيبة شهادة الزهراء عليها السلام.
كل أهل البيت (ع) ماتوا ظلما إما سمّا أو قتلاً، وإنما كان لهم أنصار وأتباع ومحبين بحقّ؛ لأنهم بذلوا أنفسهم في مرضاة الله، ورأى منهم المؤمنون حقّ الجهاد في ذات الله. وقد جاء في الزيارة الجامعة (وَبَذَلْتُمْ اَنْفُسَكُمْ فى مَرْضاتِهِ)، وهذا – وإن كان يشمل كل أهل البيت عليهم السلام – لكنه في شأن الزهراء أمضّ وأوجع، ذلك أن البذل فيه مفهومين:
الأول: إعطاء الشي عن طيب خاطر وسخاء نفس، وهذا متوقع من كل أهل البيت أن يعطوا أنفسهم في سبيل الله عن طيب خاطر، ولكنه في الزهراء أوضح، فحينما أخبرها رسول الله بأنها أول أهل بيته لحوقا به ضحكت، وهي العارفة – بإخبار النبي – بأن لحوقها به سيكون ببذل نفسها في سبيل الله.
الثاني: البذل فيه امتهان للشيء، فنحن نقول ثوب مبتذل، بذل نفسه وماله، ولاشك أن من يعرف عظمة الله، ويعرف مقام الله وقيامه عليه فإنه يمتهن نفسه في ذات الله وفي طاعته وينفقها من غير أن يرى لها قيمة في الله، وكل أهل البيت كان كذلك، ولكن للزهراء نحو بذل خاص لا يشاركها فيه أحد، وذلك لأن كل الأئمة قصة قتلهم وسمهم وظلمهم واضحة معروفة، ولا يتّقون في ذكر قاتلهم، فالأمير قتله عبد الرحمن بن ملجم في أحداث معروفة وهو ساجد في محراب صلاته، والكل يعلم أن الإمام الحسن قتله معاوية بأن دسّ له السم، وكذا الإمام الحسين وسائر الأئمة (ع)، ومن الطبيعي أن معلومية شخصية الجاني وانكشافه لا يزيل قبح الجريمة ولا يخفف من وقعها، ولكنه يفضح الجاني ويصغّره في عيون الناس، كما أنه مرحلة من بيان المظلومية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية تتضح بانكشاف الجاني قيمة الدم المراق وقدسيته بالنسبة للناس. أما الزهراء عليها السلام فقد اقتضت الظروف أن يضيع قبرها وكذلك دمها عند المسلمين إلا من ألقى السمع وهو شهيد وقد جاء في تطبيق هذه الآية (وإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ) أن المسؤول هو الصديقة الزهراء (ع)، ربما لأنها قتلت بريئة وذنبها أنها طاهرة، لذا لابد أن يعلن في ساحة المحشر عن قاتلها.
ولحساسية هذه المسألة وبقاء أثرها وحرارتها في قلوب الأئمة جميعا نجدهم في لحظات وجدانية يبينون هذا المعنى وينفثون مصدورين عن هذه الحقيقة، فالإمام الحسين عليه السلام في يوم العاشر من المحرم وهو طريح على الثرى يعالج أنفاسه الأخيرة “وضع يده على الجرح فلما امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته وقال: هكذا والله أكون حتى ألقى جدي رسول الله وأنا مخضوب بدمي وأقول: يا رسول الله قتلني أبو فلان وفلان“.
إن قاتل الإمام الحسين معروف وكل من شارك في قتله موجود في كربلاء ويمكنه أن يذكرهم بأسمائهم، ولا تقيّة في ذلك، ولكن هناك احتمال أن هناك من يتقي الإمام الحسين في ذكر أسمائهم، وهم من أسّس أساس الظلم والجور والقتل لأهل البيت.
إن بقاء قاتل الزهراء مجهولا هو غاية بذلها النفس في ذات الله، وستبقى هذه حرقة في قلوب محبيها حتى يؤخذ بثارها.
ألا لعنة الله على الظالمين
0 تعليق