تقدم القراءة:

معكم معكم ٢

السبت 10 محرم 1439هـ 30-9-2017م

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

معرفة وإرادة وإخلاص

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد الله رب العالمين والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.

السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين وعلى الأرواح التي حلت بفنائك عليك مني سلام الله أبدًا ما بقيت وبقي اليل والنهار ولاجعله الله آخر العهد مني لزيارتك. السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.

شعار معكم معكم

نعود في هذه السنة – كما سابقاتها – لنجدد العقد والعهد والبيعة للإمام الحسين في عاشورائه، ولنكرر فيها التجربة الروحية الاجتماعية الإيمانية الأخلاقية، علّنا نتدارك ما قصُرنا عنه في الأعوام السابقة، سائلين الله تعالى أن نخرج من هذه العشرة بأعلى المراتب، فكلّ عام يعدّ فرصة جديدة وعطية إلهية نرجو أن نوفق بها لأن نكون بمعية الإمام الحسين.

    وحيث أننا لا نجتمع في هذه المجالس بقصد البكاء على الإمام الحسين فقط – وإن كان ذلك راجحاً مطلوباً ونوعًا من أنواع العبادة – ولكننا نقصد – بالأصل – أن نكون من جلساء الإمام الحسين (ع) كما قال لأحد أصحابه: ” أنت أمامي في الجنة “، جلسة تتعدى مجرد العلقة لتصل إلى أن  نكون جلساء بالمعنى الذي يأنس به الجليسان.

   إنه لمن الضرورة بمكان معرفة طبيعة هذه المعية وتحديد موضوعها عندما نقول: (معكم معكم) لكي نعرف كيف نكون صادقين في معيتنا للحسين (ع)، وهذا ما تولي أهميته الآيات والروايات وكذلك التاريخ والعقل. فأن تكون مع ولي الله الكامل إمامك الحق فأنت بمعيته التي بتركها وبالتخلف عنها يكون الهلاك كما جاء في الزيارة الجامعة “مَنْ اَتاكُمْ نَجا، وَمَنْ لَمْ يَأتِكُمْ هَلَكَ” وما توضحه العبارة من أن النتيجة والعاقبة ليست هي الموت؛ بل الهلاك الذي به تُمحى كل آثار الخير عن الإنسان، وهذا عين ما يصفه القرآن في حديثه عمن لا يترك أثرا في حياته ليمتدّ بعده، فيقول: ﴿ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ﴾ النساء/ 176 و لا يقول مات! و إنه لهالك من لا يعرف كيف يحقق المعية مع الإمام الحسين (ع).

تعاطي القرآن مع مسألة الاتّباع

لقد تعاطى القرآن بحساسية بالغة مع مسألة اتّباع القيادة الإلهية، وشدّد على عدم التخلف عنها، ودعا إلى بذل النفس والمال والجهد والجهاد، ودعوة القرآن إلى اتّباع القيادة الإلهية الحقّة بهذا النحو الدقيق يجعل الاتباع أصل من أصول الدين، بل ربما يعدّ الأصل الذي تقاس عليه سائر الأصول الدينية والحياتية السليمة.

جاءت في القرآن الكريم موارد ضرورة يحقّ للمتبع أن يترك فيها إمامه المأمور بطاعته ويتخلف عنه مضطرًا، لكنه – حتى في هذه الموارد – لا بد من إذن رسول الله (ص)، إذ أنه ومع هذا الإذن سوف تبقى فاصلة في النقص وفي انعدام السعادة الكاملة لن يكفي المتخلفين عن الإمام معها أن يستغفروا لأنفسهم ولا يمكن أن ترمم إلا باستغفار رسول الله (ص) لذا يقول: ﴿ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ  النور/62 ، فهناك فرق بين استغفار النبي و استغفارهم لأنفسهم، فاستغفاره (ص) في أعلى مستوى يمكن أن يصدر عن إنسان. نعم إنه في بعض موارد ترك الصلاة أو الصوم لضرورة واضطرار، لا يوجب معها الاستغفار، لكنه متحتم في  موارد الإتباع.

ماسر تكرار المعية؟

   هذه الأهمية للاتباع ربما تسهل علينا فهم تكرار (معكم معكم) في مقطع الزيارة وعدم الاكتفاء فيها بواحدة مع استيفائها لإفادة معنى إطلاق المعية في كل حال سيما أنه يليها قول: (لا مع غيركم) وهنا رأيان:

  • قد يقال من أن المراد من التكرار التأكيد، كمن تدعوه إلى دارك وتكون جاداً ومريداً، فتخبره في الأولى وتؤكد ضرورة إجابته لدعوتك في الثانية تأكيدا، الأولى أصل والثانية تأكيد.
  • لكن هناك رأى آخر يتبناه أستاذنا الشيخ الجوادي يفيدنا في بيان أهمية وضرورة المعية مع الإمام الحسين (ع) بغض النظر عن الجانب التاريخي الذي حكى عمن لم ينل المراتب العليا بتخلفه عن الحسين (ع) ونيل أعلى الرتب لمن التحق به صلوات الله عليه. فالشيخ يرى أن ( معكم معكم لا مع غيركم ) علاوة على ما تفيده من التوكيد، تفيد الاطلاق في المعيتين، ومجيئ (لا مع غيركم) بعدها  تفيد أنني تمامًا سحبت كل كياني ووجودي وفكري وعلمي عما سواكم، ويتضح هنا أن هذه المعية مراتب.

وعندما نلتفت إلى تأكيد القرآن إلى حقيقة هذه المعية، وعميق تحديده لمفهومها، وحساسية تعاطيه معها، سوف نعي حينها أن تكرار معكم ليس لصرف التأكيد – فقط – كوجه من وجوه البلاغة في الكلام، ولكن هناك وجه هو أكثر تفصيلا يتضح به الفرق بين المعية التي نؤمن بحقيقة الاتباع الوجودي بها ونعتقد بها، والمعية التي تعبّد وبرهن عليها غيرنا

أقسام المعيّة

   من خلال الرأي الذي تبناه الشيخ الجوادي يمكن أن نقول أن المعية تنقسم المعيّة إلى نوعين:

– المعية الواقعية وهي ما يعبر عن حقيقة الاتباع الوجودي أو كما يسميها أستاذنا الشيخ جوادي (المعية الروحية الإيمانية)

– المعية الانفصامية الشكلية الظاهرية السطحية، وهي أسوأ أنواع الانفصام بين حقيقة الإنسان الباطنية وبين ظاهره، وهي التي أوقعت قتلة الإمام الحسين (ع) في جرمهم الشنيع وتسببت في تخلف المتخلفين عنه.

 لنتحدث عن المعية الشكلية ليتضح خطرها الناتج عنها.

 ذهب بعض المسلمين إلى إقامة مذهبهم بعد رسول الله (ص) على أساس تلك المعيّة الشكلية واستدلوا بها على استحقاق المراتب العالية والصفات الوجودية التي لرسول الله (ص) ووراثة خلافته في حال أنها صرف معية صورية زمانية ومكانية ضيقة أقل ما يقال عنها إنها معية صورية شكلية قشرية.

  إن من يعتقد أن هذه المعية مؤهِلة لخلافة أعلى مقام رباني إلهي، فإن هذا الإنسان ليس فقط لا يعي أبسط مبادئ علم النفس والاجتماع والأخلاق؛ بل هو لا يفهم في مقتضى الطبائع البشرية الاجتماعية، لأنه كما أن هناك مقامات ومراتب للتخلف عن الاتباع هناك أيضا مراتب للمعية الواقعية.

إن الدليل الذي أقام عليه هؤلاء مذهبهم لا يمكن أن يقبل به عاقل خصوصًا أن ما سيترتب عليه نتائج كبيرة ومؤهلات كبيرة ، ربما مر عليكم في المنطق أن النتيجة تتبع أخس المقدمات، هؤلاء جعلوا النتيجة بلا مقدمات وكأنها جمل عبر من خرم الإبرة.

 ولأن هذه القضية مهمة جدًا فقد سلط القرآن الأضواء عليها، وبين هذه المعية الانفصامية الصورية بحديثه عن مجتمع رسول الله (ص) في الآية التي تقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ  الأنعام/159.

   الآية تبين وبدقة في “لست منهم في شيء” أن هناك مَن رسول الله (ص) بريء منهم على نحو الإطلاق بحيث ليس بينهم وبين رسول الله (ص) أي نحو من الاجتماع أو المعية، فكيف يكون رسول الله (ص) وهو خير محض ولطف محض وكرم محض ورحمة محضة… كيف يكون بريئًا من شخص على نحو المحوضة؟!

نريد أن نلتفت في الجواب إلى نكات أساسية  في الآية :

 أولا: حينما قالت الآية : “لست منهم في شيء” بصيغة النكرة والنكرة في مقام النفي تفيد الإطلاق بالمعنى الذي تقول أنت فيه: ( ليس عندي شيء) من دون داع أن تعدد مالًا أو علمًا أو موقعا…، والمعنى أنهم ليسوا مع رسول الله (ص) حتى بقدر شعاع من شعاع العبادة أو الطاعة أو الذكر أو الأخلاق أو المبدئية، وبهذا سيكون  باطلا محضًا لا يخالطه عمل صالح كما يخلط البعض العمل الصالح بآخر سيء، لأن بينه وبين رسول الله (ص) تفاوت واختلاف و مباينة كلية وليست جزيئة، لأنه لو كان له سهم من الحقيقة أو من العمل والرأي الصالح أو الإيمان والأخلاقيات أو الحكمة أو الآداب حتى لو بمقدار قليل  فهو يلتقي به مع النبي (ص)، ورسول الله (ص) معه في ذلك، ولكن بقول: “لست منهم في شيء” فإن المعنى يكون أنه لا يوجد موقع يجتمعون فيه مع النبي (ص) أبداً ويكونون باطلا صرفا.

ثانيا: من هم هؤلاء الذين لا يمكن أن يجتمع معهم  رسول الله (ص) أبداً بأي نحو من الأنحاء؟! وهل كان انفصالهم مفاجئ عن رسول الله (ص) تحت ضغوط الشهوات والرغبات وحب المقام والجاه؟

  في الآية نكتة دقيقة تبين أنهم في الأصل ما كانوا مع رسول الله (ص)،  ليس أنهم لم يفترقوا عنه إلا بعد وفاته حين قالوا: منا أمير ومنكم أمير! لا، يقول الله “إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا “ أي أنهم من الأصل كانوا شيعا. نعم، ربما كانوا يجتمعون مع النبي (ص) في مكان ما، لكنهم ليسوا منه، لأنهم وكما يظهر من استدلال الآية كانوا شيعا من الأصل، والذي حدث أن هناك باطن قد انكشف، لذا يقول: ﴿ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ البقرة/ 72.

    يمكن أيضا أن يقال أن ( كانوا شيعا ) بمعنى صار، أي أنهم صاروا بعد وفاة رسول الله (ص) شيعا، وهم بعد امتحانات وضغوطات صعبة جعلتهم ينقلبون كما قال القرآن: ﴿ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ  آل عمران/ 144.

لكن المطلع  على لقرآن وأحوال المعصومين (ع) يعرف وجه النفاق، ويعرف أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.

 لماذا كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار؟

 لأنه لو كان فيهم ذرة من الخير لرحمهم رسول الله (ص) ولرفعهم دركة على الأقل بدل أن يكونوا في الدرك الأسفل من النار! إنهم في الدرك الأسفل من النار لأنه لا يوجد جامع بينهم وبين رسول الله (ص)، لأنهم من الأصل لم يكونوا معه في شيئ. و لم يتركوا لهم عملًا صالحًا أو موقفًا حسنًا حتى الظاهري منها الذي بدا للآخرين وكأنه أعمالا صالحة، لذلك لا يُستكثر على بعض المحققين قولهم أن خلفية كل أفعالهم هو النفاق! وإن كانوا في المعية الصورية قرب رسول الله (ص)، وكانوا معه في المجتمع الإسلامي لكن هل يستطيعون أن يقولوا معكم معكم؟

  لا، لا يمكنهم ذلك، لأن معيتهم صورية  شكلية وسميناها الانفصامية لأنه لا يتبعها إلا الانفصام الكلي والبغض والعداوة لرسول الله (ص)، هؤلاء كانوا في ضمن المجتمع الإسلامي وإلا لم يصح أن يقول: “فرقوا دينهم” لأنهم كانوا من المجتمع الإسلامي وكان الخطاب لهم في ضمن المسلمين المنافقين هذا من حيث القوة والإفتراض.

إذن هذه المعية التي أثبتوا بها أعلى المقامات نحن نعتبرها ليست نفاقية بل هي مبعدة عن رسول الله (ص) لا تبقي له مع رسول الله (ص) شيئا ولا يجمعه معه جامع بل هي افتراق كلي.

المعية الصورية لمن خذل الإمام الحسين (ع)

هناك نحو معية صورية، ونوع انفصام أيضًا هو أخف رتبة مما ذكرنا، لكنه أدهى ضررًا وأشد هلاكًا ويأتي بالعاقبة السيئة، و هذه المعية الانفصامية مرتبة غريبة من الابتعاد عن الحق وعن ولاية الله والإمام (ع) وهي أعجب من تلك المعية الانفصامية،  لأن المشكلة في هذه المعية أن قلب الإنسان ورأيه وما يدركه ويفهمه هو مع  رسول الله (ص) ومع إمامه لكن سيفه عليه!

  ينقل المفيد أنه لما التقى الفرزدق بالحسين (ع) وهو خارج من مكة واستخبره عن حال الناس فقال: “إن قلوب الناس معك وسيوفهم عليك”. وقد أقره الإمام الحسين (ع) على هذا المعنى أن قلوبهم معه.

إن هذا النحو من المعية التي يتصور الإنسان أنها ستوصله إلى ما يريد هو سوف يستغلها في ضرر دينه وسوف يفرق الدين ويحدث شيعًا واصطفافات، هذه المعية السلبية أيضا ذات مراحل  فقد كان هناك من قرر في الأصل أن لا يلتحق بالإمام الحسين (ع) من قبل بعض من أرسلوا له الرسائل، ومنهم من خرج وحارب وقتل الإمام الحسين (ع).

إذا أردنا أن نسأل كم الذين خرجوا على الإمام الحسين (ع) ثلاثون أو أربعون أو مئة ألف…  الأمة خرجت كلها على الإمام الحسين (ع).

 

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 135٬602 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاطميون بالانتماء لها ﴿؏﴾ 4.5 (2)

فالمقصود من أهل قم هم الحاملون لفكر وثقافة ومبادئ وأخلاق قم وربما لم يصلوا لها ولم يدخلوها أبدًا، وأما من سكن قم ولم يراعي حرمة السيدة المعصومة ﴿؏﴾ فكان يكذب ويسرق ويهين ويستهين بالمؤمنين، ولا يهتم بأمور المسلمين الكبرى؛ فهو ليس من أهل قم.

فزت ورب الكعبة ٢ 0 (0)

نلاحظ أن أمير المؤمنين ﴿؏﴾ قد أولى مسألة الاهتمام والانشغال بالمظاهر اهتمامًا كبيرًا، وعالج هذه الظاهرة علاجًا يقطع التكاثر تمامًا من النفس، لأن التكاثر يسلب اليقين القلبي العرفاني العملي، أي أن يعمل الإنسان بما يتيقن،