تقدم القراءة:

إنك لمن المرسلين ١

الأربعاء 1 ربيع الأول 1438هـ 30-11-2016م

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

3
(1)

يقول تعالى: ﴿ يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)  سورة يس

قبل أن نبدأ في بحثنا من الجدير أن نقف ونعترف بالتقصير في شأن السيرة النبوية، سيما مع تعرضها للتحريف والتزييف والتشويه بما يختلف نوعاً عن سيرة الأئمة صلوات الله عليهم، وتقتصر دائرة اطلاعنا على السيرة النبوية – في الغالب – على البعثة ومجمل الأحداث المهمة فقط، حتى شهادة رسول الله (ص) – رغم أننا نعتقد أنه مات مسموما – لا نمر على تفاصيلها بما تستحق من التفات وتفاعل، مع أننا حين نرجع إلى كتب علمائنا الكبار نجد أن هذا مفصل مهم جداً مليئ بأبعاد كثيرة من الفاجعة.

يس قلب القرآن

تعتبر بداية سورة يس فضيلة ومفخرة من مفاخر رسول الله الوحيانية، وهي – كما نعلم – تعد قلب القرآن، ولذلك عدة وجوه ذهب لها المفسرون منها رأي السيد الطباطبائي الذي يرى أنها سميت قلب القرآن بسبب ختامها بقوله تعالى: ﴿ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 

الملك يقابل الملكوت وهذا الذي يريد أن يثبته القرآن فهو لم يأت ليثبت وجود الله سبحانه وتعالى بل جاء ليعالج مسألة ثانية وهي مسألة إثبات وحدانية الله سبحانه وتعالى، وهذه الآية تفيد أن ملكوت الأشياء هو وجودها الواقعي الحقيقي الأصيل، والذي يعد عالم المادة معلولا له، وعالم الملكوت هو المؤثر الأساسي في عالمنا وهو أكثر سعة وأشد من هذا العالم وأقوى وجودا منه.

وهناك رأي آخر في سبب تسمية يس قلب القرآن للشيخ الوحيد الخراساني مفاده: أن يس مكونة من حرف نداء ومنادى، وإذا حذفنا حرف النداء تبقى (س)، هذه السين تعبّر عن أشرف موجود وهو الإنسان. إذا حذفنا من كلمة الإنسان إنيّته إن في البداية و ( ان ) في الختام يبقى حرف س وهي قلب الإنسان، وعصارة الإنسان، ومحمد ابن عبد الله (ص) هو لب اللب في الموجودات. فـ س هنا تعبّر عن رسول الله (ص) الذي هو قلب الموجودات، وأشرفها ولذا سميت يس قلب القرآن.

رأي ثالث نستعرضه ونبين فيه امتياز ومفخرة رسول الله (ص)، وهو معنى ظاهر والظهور حجة كما نعلم. ويتبين من خلال التأمل في القسم والمقسم عليه ﴿ يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) ﴾ هنا يقسم الله بالقرآن أن نبيه من المرسلين على صراط مستقيم. وحين نفهم هذا سنرى أنه يعطينا أدل دلائل وأقوى آية على نبوة رسول الله.

والقرآن الحكيم

معنى حكيم يعني ممتنع قوي لا ينحرف وغير قابل للتحريف، حتى الحكمة عندما يسمونها حكمة لأن فيها إحكام، إذا قسنا القرآن بسائر الكتب الإلهية والديانات الإلهية خاصة المسيحية فإننا سندرك تميزه عليها جميعا،  فالمسيحيين واليهود لا يعتقدون بأن التوراة والإنجيل مستند ودليل على كون عيسى وموسى رسل الله. نعم، يعتقدون بارتباط نفس موسى وعيسى بالله؛ لكن لا يعتقدون أن التوراة مرتبطة بموسى أو الإنجيل مرتبط بعيسى.

قرأت مناظرة بين فلسطيني وأحد كبار علماء اليهود، فكان يقول: لماذا تحجني بالعقل؟ نحن لا نعتقد بحجية العقل في الأمور الإلهية، الإلهيات شيء غامض مموه لا تعرف ما هو، لا بالعقل تصل له ولا يوجد كتاب ولا برهان يدلك عليه، وهذه مشكلة الديانة اليهودية والمسيحية، من هنا قبلوا العلمانية والشيوعية.

القرآن حكيم، لكن سائر الديانات الإلهية لا تعتقد أن ما فيها من نصوص هي منزلة من الله العزيز الحكيم حرفيا، ولذا يختلفون في قبول الأسفار، القرآن وحده يمتاز بهذا البعد وكل عاقل كل من يبحث عن الحكمة والعقل ويريد أن يحاكم ما يدعيه القرآن ففيه إثباتات تطابق العقل.

وهناك نكتة في كون المقسم به هنا هو القرآن الحكيم مفادها أنه محال أن يتسرب له الباطل والوهم والضعف ككل كلام بشري، الكلام البشري مهما بلغت قيمته العلمية لا بد أن يأتي ما هو أكمل منه فكثير من النظريات والأقوال التي وردت عن أساطين العلم تصمد مدة من الزمن ثم يتبين ما فيها من نقص وثغرات، أما القرآن فهو محكم. وهذا الوصف للقرآن هو قلب القرآن أي أن كل آيات القرآن إذا أردت أن تفهمها أخرج منها وجه الحكمة وسوف تجد أنك بهذا المعيار يمكن أن تفسر القرآن وتفهمه وتتعاطى معه بالحكمة والعقل والعلم الجازم القطعي.

وهذا الإحكام في القرآن معجزة ثابتة لا تُفقد برحيل رسول الله (ص) ولا تنتهي كعصا موسى ومعاجز الأنبياء ” إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي “ ولنقل أن هذه الآية هي نصف القلب في القرآن ونصفها الثاني هو قوله ( إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم )

النصف الأول لقلب القرآن ( القرآن الحكيم ) هو ثقل علمي معرفي نوري أصبح الفصل المميز للديانة الإسلامية، و أي دعوة تأتي من خارج القرآن يجب أن نعرضها على القرآن، فإذا قبلها فهي في ضمن الدين الإسلامي الذي يقبله الله  (أن الدين عند الله الإسلام). والنصف الثاني من قلب القرآن هو أن محمد بن عبد الله (ص) مرسل على صراط مستقيم ﴿ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ . علَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ 

إنك لمن المرسلين

الإرسال له معنيان: الأول وإرسال مبعوث أو رسول برسالة، وله معنى آخر ضد التقييد، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ  طه/ 47  أي لا تقيدهم بنظامك وقوانينك، أعطهم حريتهم. ونحن نعرف أن الإرسال درجات، والرسل درجات ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ  البقرة/ 253، وإذا اشترك النبي (ص) مع المرسلين في أنه مرسل، فيجب أن نلتفت لا أحد يشترك مع محمد بن عبد الله (ص) في مقدار الإرسال وهناك نوع خاص من الإرسال ونوع خاص من الإطلاق.

والإرسال نوعان تكويني وتشريعي، وإرسال الأنبياء من القسم الثاني.

ومثال الإرسال التكويني إرسال الرياح ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ  الحجر/ 22 إرسال الرياح أي إزاحة الموانع والقيود عن الرياح لتنقل مادة التلقيح، أرسلناالرياح يعني فككنا ضعفها و قيدها وأعطيناها القدرة والقوة التي تجعلها تلقح.

أما الإرسال التشريعي فليس معناه أن الله سبحانه يرفع الموانع والقيود عن الأنبياء ليؤدوا رسالاتهم، بل إنهم يؤدونها بحلمهم وعلمهم وحكمتهم وبإرادتهم وعزيمتهم والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى لرسوله: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ  الأحقاف/ 35

إذن فالنبي صلى الله عليه وآله سلم هو الذي عليه بعزمه وصبره أن يزيل الموانع لكي يؤدي الرسالة على أكمل وجه. وهذا الدور التبليغي الذي يقوم به رسول الله (ص) ليحقق مهمته يحتاج إلى بصيرة وإلى فضائل روحية ونفسية وتقدير وتدبير وحكمة. وقد مدح القرآن كل تلك الفضائل في رسول الله (ص) ﴿ طه. مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى  لديه عزيمة لا يقوى عليها بدنه (ص)، روحه كأنها تسابق بدنه، ويقول في موضع آخر: ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ   التوبة /128

نحن دائما نفهم الحرص في البعد المادي، لكن حرص رسول الله (ص) هنا ليس على نفسه ولا على سلامته ولا على بيته ولا على أهله بل هو (حريص عليكم) هذا ماذا سينفق في سبيلكم؟ كل شيئ ولن يفكر في العواقب لدرجة أنه ” قذف أخاه في لهواتها “ فهو ليس حريص على نفسه بل حريص علينا.

هذا الاندفاع الشديد عند رسول الله (ص) هذا الهمّ والعزيمة العارمة، ألا تورث محبة لرسول الله (ص)؟

في مثل هذه الليالي الثلاث على الأقل اشتد الوجع برسول الله (ص) حتى اعتذر عن الصلاة، وهو في هذا الحال تخطط الأمة لاختطاف مشروعه الأكبر!

سمعنا الآن باختطاف الثورات ورأيناها، كيف يمكن أن نتصور اختطاف رسالة محمد بن عبد الله (ص)، وتلك الدولة التي قامت بجهده وجهاده، إذ بلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة وقرب الأبعدين وأبعد الأدنين في سبيل إحياء الدين وشريعته.. وهل من جريمة أكبر من هذه الجريمة؟

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 3 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 3 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 135٬602 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاطميون بالانتماء لها ﴿؏﴾ 4.5 (2)

فالمقصود من أهل قم هم الحاملون لفكر وثقافة ومبادئ وأخلاق قم وربما لم يصلوا لها ولم يدخلوها أبدًا، وأما من سكن قم ولم يراعي حرمة السيدة المعصومة ﴿؏﴾ فكان يكذب ويسرق ويهين ويستهين بالمؤمنين، ولا يهتم بأمور المسلمين الكبرى؛ فهو ليس من أهل قم.

فزت ورب الكعبة ٢ 0 (0)

نلاحظ أن أمير المؤمنين ﴿؏﴾ قد أولى مسألة الاهتمام والانشغال بالمظاهر اهتمامًا كبيرًا، وعالج هذه الظاهرة علاجًا يقطع التكاثر تمامًا من النفس، لأن التكاثر يسلب اليقين القلبي العرفاني العملي، أي أن يعمل الإنسان بما يتيقن،