تقدم القراءة:

لبيك داعي الله ٧

30 أكتوبر، 2014

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

5
(1)

٧- داعي الله يدعو إلى الحياة

كنا قد انتهينا في القسم الأوّل من الحديث عن ذكر خصوصيّات داعي الله وأثبتنا أنه ملتصق بالله قريب منه، مُعاذ من كل نقص ورذيلة ومن كل ما يشوب قدرته على إيصال بيانات الله تعالى، وقلنا أن داعي الله يجب أن يمتلك القدرة على تعويذ الآخرين وعلاجهم وتربيتهم وهي قدرة تشرق عليه من الله تعالى لأنه لصيق به تعالى.

وذكرنا أنّه من الضروري أن تكون له تلك القدرة على التّأثير والجاذبيّة وأن يكون محبوباً وطبيّباً للقلوب وإلّا فمحال أن يكون داعي الله. داعي الله يدعو إلى الحياة.

ننتقل اليوم إلى التأمّل في مضمون الدّعوة في قولنا: (لبّيك داعي الله) لنعرف بعد معرفتنا بالدّاعية وخصائصه إلى أي شيء يدعونا، ولنعرف هل أنّنا حقاًّ مستجيبون لهذا النداء؟!

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ الأنفال: 24. أوّل ما يدعو له داعي الله هو (الحياة) داعي الله يريد أن يحييك، ولا شكّ أنه ليس المراد من إحيائك أنّك ميّت ميتة نباتية والنّبي يوجدك من حالة العدم إلى الوجود الطبيعي، فالآية المباركة توجه الخطاب بالأمر في أوّلها إلى الأحياء ممن آمن بالرسالة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ).

وفي موطن آخر يخاطب الله تعالى من تأثّر بالرّسالة فيقول: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا…﴾ الأنعام: 122 الآيات تصفه ميتاً وإن كان يقال له حيّا كسائر الأحياء يأكل ويشرب..، وتشير إلى حياة ثانية يتفاضل فيها الناس، وهي مدار دعوة داعي الله.

داعي الله عندما يدعوك فإنه يريد أن ينتقل بك إلى حياة ثانية لها مشاعر وأحاسيس مختلفة، و لها إدراكات وأفعال من نوع ثانٍ، فهي الحياة الأعلى والأرقى في مفهومها.

خصائص الحياة التي يدعو لها داعي الله:

خصوصيّة هذه الحياة في أمرين هما:

  1. العلم: أن يعرف الإنسان كيف يجب أن يكون.
  2. الإرادة: أن يملك إرادة يفعل بها ما يجب أن يكون.

معرفة الإنسان بالله وبالدّين وبنفسه ووجوده، ومعرفته للخير والشّرّ وقدرته على تشخيص الحقّ من الباطل، معرفة أين هو في هذا العالم (من أين، في أين، إلى أين) كل هذا يمثّل الجانب العلميّ للحياة. ولكن هذا الجانب العلميّ لوحده لا يحقّق حياة. يجب أن يعرف أيضا كيف يكون عنده “إرادة” يفعل بها ما يجب أن يكون. لكن ينبغي أن تكون الإرادة والقدرة ممزوجة بهذا العلم وغير منفكّة عنه، بحيث يكون العلم والإرادة شيئاً واحداً، هذا ما يسمى “الحياة”، لأن الحياة أمر بسيط غير مركب.

عندما يقول الدّين: ﴿اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ فإنّه يريد أن يقول: انظروا إلى الحياة الإيمانيّة، وإلى خصوصيّاتها، ثم انظروا هل تحيون فعلاً هذه الحياة؟

الإمام يدعو إلى الكرامة والإرادة والإصلاح وإقامة الدّين والذبّ عن حياض الإسلام. أصل أن نفهم ما هي الحياة، وهل الإنسان حيّ، وكيف يجب أن يكون الإنسان ليصبح حيّا، هذه مسألة مهمة. يصبح الإنسان حيّاً عندما يترقّى في العلم والمعرفة والإرادة، وعندما تكون له القدرة على أن يتّخذ موقفاً ممازجاً لعلمه غير منفكٍّ عنه، وكلّما كان أكثر علماً ومعرفة وإرادة أصبح أكثر اقتداراً وأكثر تماسكاً في بنائه الداخليّ.(١)

إذن فمعنى ﴿اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ أنّ لكم حياة ثانية ووجوداً ثانياًّ، وإنّما يتحقّق هذا الوجود بالاستجابة لله ولرسوله والانقياد لأهل البيت عليهم السلام. نعم، قد تكون هذه الحياة التي يدعو إليها رسول الله مبهمة بالنّسبة لنا ولا نرى منها إلّا السطحيّ الظاهريّ، والسّبب أنّهم عليهم السلام لم يتولوا سُدّة الحكم ولم تستجب لهم الأمّة، لكنّنا نسعى جهدنا حتى نستطيع أن نعيش بعداً من أبعاد تلك الحياة.

يدعونا داعي الله لنتكامل، لأنّ هناك زيادة ونقيصة في نفس الإنسان، ومن لم يسع للتكامل في هذه الدنيا فإنه سيأتي يوم القيامة مشوّهاً.(٢) داعي الله يدعوك إلى حياة أفعالك فيها قائمة على علم ومعرفة وتشخيص وإرادة ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ الإسراء: 36.

الاستجابة فقهيا:

لقد استفاد بعض الفقهاء من آية ﴿اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾ أنّ هناك استجابتين، اللّامان في (لله وللرّسول) تعني أنّ هناك استجابتين مختلفتين: استجابة لله وأخرى للرّسول.

الأولى: التي في (استجيبوا لله) : استجيبوا لأوامره فيما يختصّ به تعالى، وهي هذه العبادات والتّشريعات والمعاملات والأخلاقيّات الواردة في القرآن.

الثانية: في (وللرّسول) : هذه استجابة ثانية من نوع آخر، فهناك أوامر ليست بأوامر لله، وإنما هي أوامر للرّسول ولأهل بيت العصمة ولداعي الله بما هم “أولياء” يعلّمون الحياة ويرفعون الأمّة.

فإذا قال لك الحسين عليه السلام: صلّ، فهو قد نقل إليك ما أمرك به الله، وتكون قد استجبت بدورك إلى الله. هذه الاستجابة الأولى. أما الثانية فإنّ هناك أوامر لا تعتبر من الأوامر الإلهيّة المباشرة وإنّما هي إجراء الأحكام الإلهيّة بالكيفيّة التي يراها المعصوم (تشخيص المعصوم).

فإذا أمرنا المعصوم مثلاً بالذّب عن حياض الإسلام، أو بوظيفة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فهو أمر(بالواجب الإلهيّ) الذي نصّ عليه، والذي يستجيب له فقد انقاد إلى أمر الله. أمّا من يحدّد ويشخِّص لنا في هذا الوقت وفي هذا المكان ما هي وظيفتنا في كيفيّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وما هو دورنا، فهو المعصوم – بما أنّه الوليّ – الذي له القدرة على أن يشخّص الواقع الخارجيّ والوظيفة الخارجيّة. وهذا عين الدّليل الذي يأتي به من يقول بولاية الفقيه، لأنّ أحد الأدلة على وجوب وجود قيادة في كل مجتمع يعتمد عليها النّاس و يثقون بها ولها الفقاهة والشّجاعة والمعرفة والمكنة في تحديد الأولويّات هو المعصوم إذا كان حياًّ وحاضراً، وفي غياب المعصوم فإن من يشخّص الواقع – في نظر الفقه – هو الأكفأ فالأكفأ والأخبر فالأخبر والأشجع فالأشجع وهكذا.(٣)

فإذا تخلّت الأمّة عن هذا الجانب فإنّها لن تكون أمّة حيّة، ولن تستطيع أخذ قراراتها أو الدّفاع عن قضاياها. ولا حتى إنقاذ أحرارها، فالآية بقولها ﴿…إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ تفيد أنّ معرفة الأحكام والمعاملات وإتقان الفقه والعقائد لوحده لا يؤدّي إلى الحياة. الذي يؤدي إلى الحياة هو تحوّل الفقه والمعاملات إلى واقع خارجيّ حيّ ومتحرّك بولاية الوليّ، وهذا – مجددا – أحد أدلتنا على مسألة ضرورة وجود وليّ فقيه في كل زمان و في كل مكان.

أمّا إذا كانت هناك استجابة لله وللرّسول إذا دعا لما يحيي فإنّه -وبالتّبع- يزيد المستجيب علماً وإرادة ويتغيّر عمله الصّالح من مرتبة إلى مرتبة، أي أن يتحوّل إلى (عمل نوعي) إذا زاد العلم فالعمل الصّالح لا يكون أكثر بل يكون له نوعيّة وطبيعة ثانية، فإن صلاة العالم مثلاً ممتازة عن صلاة الجاهل، وإن كان كلاهما يصلي أربعاً وبنفس الأذكار.(٤)

الإجابة والاستجابة:

إذا دقّقنا في كلمة (اسْتَجِيبُوا) وعرفنا الفرق بين استجاب وأجاب سنجد أنّ استجيبوا في المعنى ليست كـ أجيبوا، فالأولى فيها مبالغة.

ومعنى جاب: من الجوب وهو القطع، يقول الله عن قوم ثمود: ﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾ أي قطعوا الصّخر وحملوه. وأجاب الدّاعي أو السّائل: إذا أتاه بجواب يقطع سؤاله، فإن لم يجبه أو أجابه بما لا ينفعه لم يكن قطعاً، لأن الاستجابة تعني قطع السّؤال والدّعوة.

وداعي الله إنّما ينتهي وينقطع دعاؤه إذا وُفّي الطلب ليسمى جواباً، لأن شرط الجواب أن يقطع النّداء. وما لم ينقطع الطّلب فإنّ الطّلب لا يزال موجوداً فـ (اسْتَجِيبُوا) بمعنى اقطعوا طلب السّائل وآتوه طلبه.

ولتلخيص الفرق بين الإجابة والاستجابة نقول:

  • أولاً: الاستجابة فيها السّرعة والسّبق، فلو تباطأ أحدهم عن إقامة الصلاة في أول وقتها فإنه بصلاته هذه لا يُعتبر مستجيبا، فالاستجابة هي أن تستعد للصلاة قبل دخولها.
  • ثانياً: الاستجابة فيها الرّغبة وقوّة الإرادة، أي أن يكون غير مُكره لنفسه، فإن أكرهها لم يكن عمله استجابة.

وتتضمن الاستجابة معان وحقائق كثيرة، منها أن يكون مستجيباً أي مختاراً وحراًّ ومريداً وراغباً، ولهذا كان في الآية طلبين مختلفين: طلب من الله سبحانه (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ) يعني سارعوا في قطع نداء الله سبحانه، والثاني استجيبوا للرّسول بمعنى انقادوا وأطيعوا الوليّ ذا القدرة على تشخيص الواقع ليحفظ وحدة النّاس وانسجامهم في الحياة الاجتماعيّة.(٥)

ولقد كان للحسين الوليّ القدرة على تشخيص اليوم الذي يخرج فيه من مكة، واليوم الذي يخرج فيه من المدينة، واليوم الذي يدخل فيه إلى كربلاء، وكان على الكل أن ينقاد له سمعا وطاعة ويستجيب له استجابة كاملة، لكي يكون من الأحياء الذين لا يموت ذكرهم أبد الدّهر.

وقد حاز أصحاب الحسين ذلك – كلّ بقدر قربه والتصاقه – ، وإن كان الإمام من جهة شرعية قد أبرأ ذمّتهم ورفع عنهم التّكليف بالإذن لهم بالانصراف. ولو أنّهم ذهبوا لذهب عنهم الذّكر الباقي، لكنهم استجابوا فأحياهم الإمام الحياة التي ليس بعدها موت، وبذلك تتّضح مقولته لابنه علي الأكبر “يسقيك جدّك شربة لا ظمأ بعدها أبدا”، ويقال أنها شربة الحياة التي تمتدّ ويكون لها الأثر بقدر ما يُستجاب فيها لداعي الله، لذلك لاحظوا أنّ من لم يتّصل بالإمام الحسين فقد الحياة الباقية الدّائمة.(٦)

داعي الله كهف الورى:

الخصوصيّة الثّالثة لداعي الله أنّه كهف. الإمام الحسين عليه السلام كهف وملاذ دائم من كل نقيصة، فهو الذي ربّاه الله بحيث لم يدع فيه نقطة ضعف ولا نقيصة ليقوم هو أيضا بهذا الدّور. في رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أَمَّا الْحُسَيْنُ (ع) فَإِنَّهُ مِنِّي وَهُوَ ابْنِي وَوَلَدِي وَخَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ أَخِيهِ وَهُوَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ وَمَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ وَخَلِيفَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَغِيَاثُ الْمُسْتَغِيثِينَ وَكَهْفُ الْمُسْتَجِيرِينَ وَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ).(٧)

هذا الإمام الذي من صفاته أنّه لصيق بالله وداعيه لابدّ أن تكون أنت لصيقاً به لكي يزيل كل نقاط ضعفك، وليهبك الاقتدار والشّجاعة. كلّما كنت أكثر التصاقاً بالحسين صرت أكثر اعتدالاً وسلامة صدر وأكثر صدقاً وحكمة وعلماً.

باختصار: كلّما استجبت أكثر للحسين كنت أكثر حياة. ولعلّ العبّاس بن أمير المؤمنين عليه السّلام هو المصداق الكامل للمستجيب لداعي الله فكان الحسين له كهفا!

إنّ ما للعبّاس من شجاعة وقوّة هي أمر ملكوتي، يقول الله تعالى عن الملائكة: ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(13)﴾ الأنفال. أي اضربوهم لا لغضبة لكم عليهم بل اضربوهم بقدر ما ترونهم يشاقّون الله ورسوله، أي يأخذون شقاًّ آخر مقابل الله ورسوله.

ولعل العبّاس هو الألصق والأقرب والأكثر معرفة بالإمام الحسين (ع) بحيث يعرف أن هؤلاء القوم هم الذين يشاقّون الله تعالى فيضربهم فوق الأعناق لا لقوّته وبسالته – وإن حازهما – لكن لأنّه يعرف ما يجري في قلب الحسين (ع).

هذه الشّجاعة والقدرة الملكوتيّة التي امتاز بها العبّاس تجتمع دائماً برقّة وعاطفة ملكوتيّة، يقول أمير المؤمنين: وما تأوّهت من شيء رزئت به كما تأوّهت للأيتام في الصغر.

ألا لعنة الله على الظالمين.



١. نحن الإسلاميّون لا نعيش الدّين ولا الإسلام ولا الحياة التي دعا لها رسول الله صلى الله عليه وآله، لا على الصّعيد السياسيّ ولا الفكريّ ولا الثقافيّ ولا الاجتماعيّ، ولذلك ترون كثيراً من الشّباب يعجبون بالحياة في الغرب، ويشعرون أنهم وجدوا ما كانوا يفقدون في أوطانهم. والحال أنّه في هذه السّن الخطرة تبدأ التّساؤلات في ذهن الشّاب (كيف يجب أن أكون ؟وماذا يجب أن أكون ؟وكيف يجب أن أحيا ؟) وتلّح عليه. وفي هذا الوقت يُزجّ الأبناء الأحداث في موطن آخر، فيُنقلون من وظيفتهم ودورهم الذي يجب أن يؤدوه ،ليخدروا في الغرب وليعيشوا التّناقضات والتّضاربات بحيث لا يعرفون حياتهم.

٢. يحشر النّاس يوم القيامة على حقائقهم وواقعهم، نحن نقول في الدّعاء: “اللهم لا تغيّر اسمي ولا تبدّل جسمي” و هذا لا يعني أن يتغيّر الاسم بل المسمى، فالإنسان الذي يتكامل في الحياة الدنيا يحشر على إنسانيته متكاملاً، أمّا من كان له عين لكنّه لا يبصر بها وقلب لا يفقه به و آذان لا يسمع بها فإنه يُحشر ناقصاً و يأتي على صورته الواقعية فيُسمى –والعياذ بالله– بمسمى آخر.

٣. مثال: مسألة تشخيص الخطاب المنبريّ المناسب والذي يحتاج له النّاس، ولأنّه يصعب علينا تشخيصه ،عدا عن كونه مسؤولية كبيرة ، فهذا من شأن شخص يمتلك الشّجاعة و الكفاءة و المعرفة و العلم. ولا يكفي فيه مجرّد الأمر الإلهيّ.

٤. يفهم الكثير من النّاس الآيات القرآنيّة والرّوايات فهماً سطحياًّ جداً للأسف، فإذا قال الله سبحانه وتعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7] فإنّهم يتصوّرون أنّ الله سبحانه وتعالى يزيد رزق ومال وولد من يشكره ويحمده!، بينما الآية تقول: (لأزيدنكم) أنتم، أي في وجودكم وحياتكم، في تقواكم وعلمكم. إذ أنّه ليس من الحكمة أن يزيدنا الله في الإمكانات الماديّة ونحن نعاني من الوهن والضّعف الداخليّ، وإلا زادت مساقطنا وابتلاءاتنا وبدت نقاط ضعفنا.

٥. أضرب مثالاً بالسّيد الإمام قدّس الله سرّه أيّام الحرب العراقيّة الإيرانيّة: كان يقول في جميع خطابات بدايات الحرب قبل أن يقبل بشروط الصّلح: لو لم أبق إلا وحدي ووصل الجيش البعثيّ إلى بيتي فإنّي سأرميهم بالحجارة ولن استسلم ولن أقبل الصّلح، فأمر بالحرب. ثمّ لما رأى ــ في مرحلة ــ أنّ رفض الصّلح في غير مصلحة الأمّة والدّولة الإسلاميّة وأنّه سيؤدّي إلى إنهاء التّجربة الإسلاميّة قبل بالصّلح، لذلك لاحظوا هذه الاستجابة التي تعطي الحياة في الموقفين الصّلح والحرب، لتكون حياة فيها تثبيت النّظام و إقرار الحقّ وفيها إحياء لمشاعر من لديهم قابليّة للحياة والفهم، وهذه الحياة لا تتحقّق إلا بالولاية و بالقدرة على التشخيص، ولا يبدو التناقض في الرأيين وإنما القدرة على التّشخيص في حالتي المواجهة و المقاطعة والنّظر إلى تحقّق انتفاء وانقطاع السّؤال ومتى تحدث الإجابة ومتى لا تحدث.

٦. يروى أنّ الطّرماح حادي ناقة الإمام الحسين والذي رافقه المسير إلى كربلاء لما رأى الإمام وقد نزل في كربلاء والقوم عازمين على مواجهة الإمام، استأذن الحسين عليه السلام ليمتار لأهله مؤونة، ثم يعود لنصرة الحسين، فأذن له الإمام وقال له: لكن لا تبطيء عنّا، فلما أن عاد كانت كربلاء قد انقضت فعاش حياته في كربلاء يبكي ويحثو التّراب على وجهه، ولم يعرف له فضل سوى إمساكه بزمام ناقة الإمام وإلا فإنّه لا يعلم له قبر ولا تاريخ.

٧. بحارالأنوار: ج 28 ،ص 39.

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬298 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فزت ورب الكعبة 0 (0)

﷽ السلام عليك يا رسول الله، السلام على أمير المؤمنين، وعلى الصديقة الطاهرة، وعلى الأئمة المعصومين.   السلام عليك يا أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، وقائد الغر المحجلين، السلام عليك يا باب الله، السلام عليك يا عين الله الناظرة، ويده الباسطة وأذنه الواعية، وحكمته البالغة،...

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).

جهاد السيدة زينب ﴿؏﴾ وأخلاقيات الصراع بين الحق والباطل 0 (0)

﷽ توطئة  مما لا شك فيه أن الصراع بين الحق والباطل ولد مع ولادة الإنسان؛ وذلك لاختلاف الناس في القوى والصفات والأفعال، وأن سلسلة هذا الصراع لم تبدأ بنزول آدم ﴿؏﴾ إلى الأرض  حاملًا في أصل جينات وجوده العداوة لإبليس، وكذا إبليس أيضًا؛ بل كانت في عالم الأصل منذ الخلقة...