تقدم القراءة:

الوتر الموتور ٣

30 نوفمبر، 2013

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

“السلام عليك يا ثار الله و ابن ثاره و الوتر الموتور”

ذكرنا أننا سنبين ثلاثة معان لـ (الوتر) تنطبق على الإمام الحسين عليه السلام، وقلنا أننا سنفصّل أحد المعاني. وقد اتضح لنا من المعنى الأول للوتر أن مظلومية الإمام الحسين عليه السلام تكبر بمقدار اتساع ما يحمل صلوات الله عليه من حقانية وجدارة ومميزات. امتياز الإمام الحسين عليه السلام بهذه الحقانية جعل للبكاء عليه هذا القدر الكبير من الأجر والثواب.

البكاء النابع من معرفة الحق له قيمة ووزن عند الله، والقرآن يمدح بكاء أقوام مشيرا إلى أن قيمة بكائهم معرفتهم بالحق ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ﴾ [المائدة 83]. الحقانية تتدرج حتى يصبح الإنسان في كل شؤونه حقاً، بل يصل إلى درجة أن يتجسّد الحقّ فيه. إنّ إدراك هذا الحق والبكاء عليه ممدوح عند الله سبحانه، بل إن الله يجعل هذا البكاء شعارا وكاشفا عن إيمان ومعتقد هذا الإنسان.

المعنى الثاني للوتر:

هذا المعنى حسب تتبعي تبناه السيد جعفر المرتضى حفظه الله، وهو من أهل هذا الفن.

من معاني الوتر في اللغة: الذحل أي الثار. الموتور أي: المقطوع المبتور. وبين الذحل والثأر في اللغة ترادف.

وبناء على هذا الرأي يكون معنى (الوتر الموتور في السماوات والأرضين) أن شهادة الإمام الحسين أحدثت نقصا في السماوات والأرضين، وأن قطعا وانفصالا قد وقع لجزء أساسي من السماوات وعند أهل السماوت والأولياء والأنبياء، حتى كأنه قد قطعت منهم قطعة وفقدوا أمرا واقعيا. وهذا الفقد قد أحدث نقصا حقيقا يستحق أن يبكي عليه الأنبياء والأولياء صباحا ومساء (فَلأنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَلأبْكِيَنَّ لَكَ بَدَل الدُّمُوعِ دَماً) [زيارة الناحية المقدّسة].

ماذا يعني وقوع النقص السموات والأرض؟

تقتضي الإرادة التكوينيّة لنظام العالم أن تكتمل الأرض بالعلم والعدل والاستقامة والمعرفة والتقوى والإيمان. ويتكامل كل ما فيها من الإنسان إلى النبات إلى سائر الموجودات. لكن قتل الإمام الحسين عليه السلام حال دون وصول الأرض إلى كمالها المنشود. ولذلك نقرأ في الروايات عندما استشهد الإمام الحسين بكت عليه الجدران والحصى وغيرها، والسبب أن هذه الموجودات على ضعف إحساسها شعرت بما اقتطع منها وأحدث نقصا في وجودها.

المعنى الثالث للوتر:

هو ما يقابل الشفع ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ [الفجر: 3]، فالوتر هو الواحد الذي ليس له مثيل ولا شريك ولا شبيه، الوتر يعني الوحيد المتفرد في خصائصه. والوتر اسم من اسماء الله سبحانه. فالله في مرتبته الوجودية وجود صمداني ليس معه شريك. الله سبحانه وتر بينما كل ما عداه جل وعلا هو شفع.

ماذا يعني أن الإمام الحسين (ع) وتر؟

قلنا أن الوتر هو اسم من أسماء الله، والأسماء الإلهية ليست صرف عبارات ومفاهيم، بل هي حقيقة الله سبحانه وتعالى. وفي عقيدتنا الأنبياء و الائمة هم في الحقيقة مظاهر وتجليات لأسماء الله سبحانه.

ان تجلي اسم الله (الوتر) وتنزل حقيقة الوترية إلى عالم الإنسانية كان عبر الإمام الحسين عليه السلام، فالحسين هو الوتر فلا شريك ولا مثيل للحسين عليه السلام.

شواهد على وترية الإمام الحسين عليه السلام:

الامام الحسين (ع) وتر وفريد في خصوصياته وفي وتأثيره على عالم الموجودات، وقد ذكر هذا على لسان رسول الله وفي أقوال أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله عليهم. وأحد الشواهد على ذلك ما روي أن من جملة الفضائل الخاصة بالإمام الحسين عليه السلام أن (الشفاء في تربته، والإجابة تحت قبته، والأئمة من ذريته) [المناقب لابن شهراشوب 82:4].

سنمر على الخاصيتين مرورا سريعا ثم نتوقف عند الخصوصية الثالثة (الأئمة من ذريته) لأن فهمها يصب في سياق حديثنا حول وتريّته عليه السلام.

أولا: الشفاء في تربته

الإنسان في حياته يٌبتلى بالأمراض في بعدين من أبعاد وجوده، أما في بدنه أو في روحه. تربة الإمام الحسين عليه السلام شفاء لكل أنوا ع الأمراض سواء كانت مادية أو معنوية. أما من الناحية البدنية فهذه مسألة واضحة وبينة من جهة فقهية ومن جهة التجربة الخارجية.

فمن جهة فقهية نحن نعلم أن الأصل هو عدم جواز أكل التراب لأنه من الخبائث، إلا تربة الإمام الحسين. ليس فقط لأنها ليست خبيثة بل هي شفاء. ومن جهة التجربة لو حصل شخص فعلا على تربة الإمام الحسين الخاصة والقريبة من ضريحه فالشفاء بها قطعي. وهذه خصوصية لتربة الإمام الحسين عليه السلام، فلا يجوز الأكل من تربة غيره من المعصومين ولم يرد التشافي بها بل يجري على تربتهم الحكم الأصلي حيث حرمة أكله. وأما التربة الوتر التي فيها هذه الخصوصية فهي تربة الإمام الحسين، فهي شفاء للبدن.

وأما كونها شفاء للروح، فلأن الروح تحتاج إلى من يعالجها ويطببها بما يناسبها. والذي يعالج الروح ويحييها هو ذكر الله سبحانه ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28] وأفضل الذكر الصلاة ﴿وأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14].

صلاتنا التي هي ذكر وطمأنينة كثيرا ما يقع فيها النقص، لذلك ندعو بعد الصلاة بما علمنا إياه الإمام المعصوم: (إلـهي هذه صَلاتي صَلَّيْتُها لا لحاجَة منْكَ إليْها وَلا رَغْبَة مِنْكَ فيها إلاّ تَعْظيماً وَطاعَةً وَإجابَةً لَكَ إلى ما أمَرْتَني بِهِ إلـهي إنْ كانَ فيها خَلَلٌ أوْ نَقْصٌ مِنْ رُكُوعِها أوْ سُجُودِها فَلا تؤاخذني…) .

فصلاتنا تحتاج إلى معالجة، و من خصوصيات التربة الحسينية إصلاح النقص في صلاتنا، فالسجود على التربة الحسينية يجعل الصلاة تخترق الحجب السبعة. روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (السجود على تربة الحسين يخرق الحجب السبع) (١).

الحجب كثيرة: منها جهلنا وعدم معرفتنا وذنوبنا ومعاصينا …، وهو ما يجعل صلاتنا ناقصة، وعلاج نقصها السجود على تربة الحسين، وإذا كانت تربة الحسين تعالج الصلاة فهي تعالج أرواحنا، هذه الخصوصية موجودة فقط في التربة الحسينية.

ثانيا: الإجابة تحت قبته

هناك أماكن كثيرة يستجاب فيها الدعاء، لكن استجابة الدعاء ذات مراتب لعل أعلاها تحت قبة الإمام الحسين، لأن من زار الحسين فقد زار الله في عرشه، كما في الرواية. والقرآن يعلمنا أن ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ [طه: 5] فكان هناك تجلّ للعرش وتمثيل له في عالمنا المادي، ولأن العرش مقام الرحمة الإلهيه فيكون من زار الحسين قد ولج إلى أقرب موقع للرحمة.

ثالثا: الأئمة من ذريته

هل هذه الخصوصية تعني أن نسل الأئمة منه عليه السلام وحسب؟ أو أن هناك سرّ آخر غير المسألة النسبية اختص به الإمام الحسين يجعل الأئمة من ذريته؟

هذا ما سنجيب عنه بالتفصيل خلال الأيام القادمة، ومن خلاله نفهم معنى خاص لوترية الإمام الحسين عليه السلام.

لا شك أن كون الأئمة من نسله عليه السلام هي فضيلة وموقع وكمال، وكونه أبا الأئمة ووعاء احتضان أنوار وجودهم لتنتقل منه إلى الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة هو خصوصية. لكن هناك بعد آخر.

سأبدأ بسؤال يفتح لنا باب الحديث حول المعنى الذي نذهب إليه في معنى وترية الإمام الحسين عليه السلام:

لماذا يختلف دور الإمام الحسين عليه السلام عن بقية المعصومين؟

نلاحظ في سيرة الإمام الحسين عليه السلام اختلافا عن بقية المعصومين، فقد خرج بالسيف بينما لم يفعل ذلك غيره من الأئمة، ولم يعمل بالتقية والحال أن التقية كانت منهج بقية المعصومين عليهم السلام، وحتى لحن الروايات الواردة عنه تختلف عن تلك المروية عن التسعة المعصومين.

هذا الاختلاف بين الإمام الحسين والمعصومين جعل الكثير من الناس يضيّع المعادلة في تشخيص الموقف الاجتماعي أو السياسي المطلوب.

يرى أغلب الناس أن دورنا هو دور الإمام الصادق عليه السلام وبقية الأئمة (ع)؛ أن نفتتح الحوزات ونتعلم ونتصدى للإفتاء وحسب. ويعتبرونه التكليف الشرعي المطلوب. وهم ينطلقون في فهمهم هذا من اعتقادهم بأن موقف الحسين عليه السلام موقف استثنائي، وأن ظرفه استثنائي، وبما أن الحسين واحد، والبقية الذين لم يقوموا بدوره هم الأكثر، فيكون علينا اتباع منهج أغلب الأئمة لا منهج الإمام الحسين، ومن هنا تختلط المعادلة على الناس.

لكن حين نتأمل معنى أن الحسين أبو الأئمة على ضوء معنى الوترية نرى صورة مختلفة تماما.

أبو الأئمة على ضوء معنى الوترية (قراءة مختلفة):

لعله ليس المراد من كون الإمام الحسين أباً للأئمة معنى الأبوة النسبية فحسب، بل المراد منها أنه صاحب الدور الأول والأصل، والبقية كلها أدوار ثانوية، فوظيفة الإنسان في الأصل هي الوظيفة التي قام بها الأمام الحسين سلام الله عليه، والوظيفة الثانية هي التقية وهي وظيفة الأئمة الباقين عليهم السلام.

ولنفهم ذلك نضرب هذا المثال:

من المعروف أن الوضوء هو الوظيفة الأساسية لصحة الصلاة، و التيمم هو الحكم الاستثنائي التنزلي. ولا يجوز اللجوء إلى التيمم الذي هو حكم استثنائي مع وجود الماء وتعين الحكم الأولي.

الإمام الحسين سلام الله عليه بالقياس إلى بقية الأئمة مثل الوضوء مقابل التيمم. بقية الأئمة سلام الله عليهم ظرفهم دائما كان يستدعي الحكم الاستثنائي أي التقية، وليس هناك اعتبار لكونهم ثمانية مقابل واحد، فهو وتر لأنه هو الوظيفة الأولى لأنه هو المشروع الأصل.

فلكي نشخص دورنا ووظيفتنا يجب أولا أن نذهب للدور الأصل الذي هو دور الإمام الحسين عليه السلام، وإذا سدت كل الطرق للقيام بالوظيفة الأولى نلجأ لوظيفة باقي الأئمة التي هي استثناء. هذه هي المعادلة الصحيحة. فلا يجوز أن ينوي الإنسان أن يتيمم طول عمره!!

يتضح لنا من خلال هذا الفهم أن دور الإمام الحسين هو الأصل وليس الاستثناء. و هذا معنى وتريه الأمام الحسين. هذه الوترية جعلت مشروع التشيع مصبوغا دائما بلون حسيني. والمحرك للشيعة في كل زمان ومكان هو الحسين عليه السلام.

هذا اللون في الحقيقة لم يأت جزافاً، بل من وترية خاصة، اخلاص خاص، إقدام خاص، عبادة خاصة، توحيد خاص للإمام الحسين عليه السلام.

كان وترا فردا لا شبيه له عليه السلام. وقد عكس هذه الوترية على أصحابه، فهو وتر وأصحابه سلام الله عليه كانوا وترا لا نظير لهم، حتى قال عنهم عليه السلام: لا أعرف أصحاباً أبر ولا أوفى من أصحابي.

إلا لعنة الله على الظالمين.


١. [بحار الأنوار 153:82و334]

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬114 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).

جهاد السيدة زينب ﴿؏﴾ وأخلاقيات الصراع بين الحق والباطل 0 (0)

﷽ توطئة  مما لا شك فيه أن الصراع بين الحق والباطل ولد مع ولادة الإنسان؛ وذلك لاختلاف الناس في القوى والصفات والأفعال، وأن سلسلة هذا الصراع لم تبدأ بنزول آدم ﴿؏﴾ إلى الأرض  حاملًا في أصل جينات وجوده العداوة لإبليس، وكذا إبليس أيضًا؛ بل كانت في عالم الأصل منذ الخلقة...

مقام المنصورة في السماء 0 (0)

﷽ وأفضل الصلاة والسلام على خير الأنام المصطفى ﷺ وعترة الطاهرة ﴿؏﴾ أبارك لرسول الله ﷺ ولآل بيته ﴿؏﴾، ولمراجعنا العظام والأمة الإسلامية، المولد الأطهر للصدّيقة الطاهرة ﴿؏﴾، ويوم المرأة العالمي، ولا يفوتنا هنا أن نبارك بالتبع ميلاد ابنها بالحقّ مفجر الثورة الإسلامية...