تقدم القراءة:

تفسير سورة الغاشية ٥

22 مايو، 2012

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

وصلنا إلى قوله تعالى : ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) ﴾  الكلام الآن عن المنعّمين السعداء، عن العاقبة الحسنة والنعيم الوافر والسعادة الأبديّة، وبيان مبرّر هذه النهاية الحتميّة.

ميزة القرآن أنه عندما يذكر نتيجة فإنه يقدّم البرنامج العمليّ والمبرّر الواقعيّ والمنطقيّ لهذه النتيجة. القرآن كتاب روعيت فيه أساليب التعليم المنطقيّة والواقعيّة، ومن أساليب التعليم أنك إذا أثنيت على عمل ما أو قبّحته فعليك أن تبيّن السبب الداعي للتقبيح أوالتحسين. هذا أسلوب تربويّ وعلميّ، فعندما تريد أن تأمر أو تنهى طفلا مثلا؛ أو تريد أن تربّي إنسانا؛ اشرح له الملاكات والعلل، فالمنطقية جزء من وجود الإنسان.  أسوأ مناهج التربية أن يسلك المربّي طريقة الفتاوى، افعل.. لا تفعل، قل.. لا تقل .  القرآن لا يتبع هذ المنهج ، فعندما يمدح القرآن فئة من الناس تجده مباشرة يأتي بالعلّة والمقتضي والدافع لهذه النتيجة، فعندما ذكر الوجوه التي يعلوها خشوع الذلّة والمهانة يعلل ذلك ويقول لأنها كانت ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ. ثم عندما انتقل إلى شقّ السعادة والسعداء بيّن القرآن الملاك في هذه السعادة وعرض البرنامج العمليّ والدافع والمبرّر المنطقيّ الذي أوصلهم إلى هذه السعادة.

الآية رائعة في  كل أبعادها، بعدها العقليّ والفلسفيّ و بعدها العرفانيّ و بعدها اللفظيّ واللغوي. يقول تعالى : ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ﴾ لماذا هي ناعمة ؟! لأنها ﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فما هو معنى السعي ؟

ليس كلّ عمل يسمى سعيا، السعي هو العمل الجادّ. عندما نمشي في المسعى من الصفا إلى المروة أو العكس فنحن دائما متوجّهين إلى هدف، وما لم نصل إلى المقصود فلا يسمى ما نقوم به سعيا. وفي مقارنة بين عمل أصحاب الوجوه الناعمة وأصحاب الوجوه الخاشعة العاملة الناصبة .  عبّر القرآن بـ  سعيها  لا عملها عن المؤمنين ، بينما قال عن اؤلئك (عاملة ناصبة) ، ثم هو لم يأت بعنوان عمل المؤمنين وإنما نوعه والهدف منه، فالسعي مأخوذ في لفظه نوع العمل. فأصحاب الوجوه الناعمةيسعون أي أنهم جادّون في حياتهم . وهنا يجدر الإشارة إلى مشكلة نواجهها في هذا الزمن خصوصا في فئة الشباب وهي عدم أخذ الحياة ووظائفها على نحو الجديّة والمسؤولية.  مشكلة هذا الزمن وهذه الثقافة أن الحياة تدور فيها على المتعة والراحة واللذّة، والناس تجد ألف مبرّر للذائذها،  بينما السعي الذي يجعل الإنسان من فريق أصحاب الوجوه الناعمة يوم القيامة هو ليس طلب اللذّة أو المنفعة أو الراحة، وإنما طلب الأمور الجادّة والحقيقيّة والواقعيّة. 

هناك لفتة رائعة في الآية وهي إطلاق النعيم . فالقرآن لم يخبر ناعمة في أيّ شئ؟ لم يقل ناعمة في معيشتها الماديّة، أو ناعمة بسبب ما تأكل وما تشرب، وإنما أطلق النعيم، ليقول أنها من كلّ جهة ناعمة. فكما أن أولئك يغشاهم العذاب فهؤلاء يغشاهم النعيم. فهم روحيّا ناعمون، إدراكيّا ناعمون، جسديّا ناعمون  ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين 24] الإنسان قد يكون ناعما في حياته الماديّة: قصر وخدم وراحة.. لكنه يعيش مشكلة أخلاقيّة أو أزمة نفسيّة أواجتماعية، فنعيمه غير مطلق، ولا يغشاه من كلّ مكان، بل يأتيه فقط من جهة وضعه الاقتصاديّ الماليّ، ووضعه الاجتماعيّ من ناحية احترام الناس له. النعيم لا يقتصر على المادّيّات، هناك أيضا لذائذ عقليّة كالعلم. فطالب العلم يسمع مطلبا علميّا من أستاذه فيعيش حالة نعيم قد تمتدّ لسنوات، لم يتغيّر عليه المكان ولا الجو ولا الظروف، وإنّما حدث التغيير في الإدراك. إذن  نعيم هؤلاء مطلق، وهو نعيم يشمل جميع شؤون الإنسان، وهي وجوه إذا نظرنا إليها عرفنا فيها نضرة النعيم، لأنها تعيش النعيم في كلّ منافذها الوجوديّة.

 عندما يقوم الإنسان بأعماله على نحو الجدّيّة  فيصلّي جادّا مريداً مقبلا على الله سبحانه وتعالى، ويبني عقائده على نحو الجدّيّة، وهو في بحثه عن الحقيقة جادّ، وصداقاته وعلاقاته ينتقيها وفق قوانين..  هذا الجدّ والهدفيّة سبب في الوصول للنعيم. بينما الإنسان اللامبالي فهو حتى لو وضع في بيئة جادّة فإنه لا يتذوّق ولا يستشعر النعيم، لأن قلبه ليس مهيّأ لاستقبال النعيم.  وذلك وفق معنى كلاميّ دقيق مفاده أن كلّ سعادة تعطى للإنسان من الخارج ، وكلّ جمال يضفى عليه من الخارج  فهو لا يفيد تكامل إنسانيته.

إذن هذه الوجوه الناعمة لم تتّخذ الدنيا لعبا ولهوا، ولا استهترت بدينها، هناك من الناس من هو متديّن لكن يتّخذ دينه لعبا ولهوا ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا [الأعراف51] فتراه يذهب إلى المسجد والحسينية ولكن لتمضية الوقت لا أكثر ، يصلّي لكن بلا اهتمام، هذا لا يسمى سعيا، السعي فيه نظام وجدّيّة.

الكمال الواقعيّ هو الذي يختاره الإنسان بسعيه

﴿لِسَعْيِهَا راضِيةٌ﴾  أي أن هذا الهناء والنعيم وصلت إليه من باطنها، ناتج من سعيها وهذه هي السعادة. ثقوا، لو أعطي الإنسان الجنان والحور مجّانا فلن يكون سعيدا، الإنسان  إنما يصبح سعيدا حين يحصل على جزاء إنجازه وسعيه، حين يكون هو السبب في تحقيق ذلك النجاح ، والسرّ في ذلك يعتمد على أصل أساسيّ في الإنسان، وهو أنه موجود مختار.

الاختيار ليس وصفا عارضا على الإنسان، بل هو حقيقته، هو وصف ذاتيّ له، فإذا أردنا أن نصف الإنسان بما يميّزه عن غيره من الموجودات نقول أنه: حرّ مختار، فلو وصلت إليه سعادة لم يخترها ولم يسع لها ولم يخطّط ويبذل وسعه من أجلها فإن هذا السعادة تبقى سعادة عرضية، وأيّ كمال يصل إليه بغير اختيار منه فهو عارض، كالقشر أو الطلاء. يقول المثل “اللحاف الذي تستعيره لا يدفّئك” أيّ عمل أنت تستعيره من الخارج ولا يحكي باطنك فهذا عمل لا يجلب لك السعادة، لأنك أنت في ذاتك وفي حقيقتك مختار، وما لم تصل إلى هنائك ونعيمك باختيارك فذاتك ناقصة.  والكمال الواقعيّ هو الذي يختاره الإنسان بسعيه. 

هناك مشكلة كلامية كبيرة في تفسير معنى السعادة في علم فلسفة الأخلاق. الاشتراكية جاءت بقاعدة لحلّ المشكلة الاقتصادية ومشكلة العدالة الاجتماعية، قالوا يجب أن نخلّص الإنسان حسّ الذاتية والمتعة الشخصية، ويجب أن نعمّم الإمكانات الاقتصادية، ويعيش الناس حالة من الشيوعية، و يتحوّل الإنسان من التفكير في سعادته الفرديّة إلى التفكير في الهمّ الاجتماعيّ، لأن سبب كلّ الأزمات والحروب تفكير الإنسان في الأخذ والاقتناء والاستحواذ على الإمكانيات، وإن الحلّ هو إلغاء طريقة التفكير الفرديّ هذه وتحويله إلى تفكير شيوعيّ. لكنهم اكتشفوا أن حلم الشيوعية صعب التحقّق، فلم يستطيعوا جعل كلّ فرد في المجتمع يخرج لعمله لا يقصد إلا العمل من أجل المجتمع، لا يقصد بيته ولا أسرته ولا راحته..  وحين فشلوا قالوا أن الإنسانية ما زالت لم تتهيّأ بعد لهذا المستوى الفكريّ، فنزلوا من الشيوعية إلى الاشتراكية، وركّزوا على جعل الإنسان يفكر بطريقة حزبية ويريد مصلحة الحزب، ثمّ يتوسّع من مصلحة الحزب إلى مصلحة شعبه وأمّته ثم بعد ذلك يصل إلى حلّ مشكلة الإنسانية. أوهام في أوهام لم يستطيعوا بها حلّ المشكلة ، لأن الإنسان مفطور على طلب سعادته الفردية.

أما الإسلام فهو يصحّح الذاتيّة ولا يلغيها . الإسلام لا يأتي ليلغي طريقة التفكير الفرديّة لدى الإنسان، بل ليقول له : كمالك هو في ذاتك وحقيقتك لا في شيء عارض عليك، لا يأتيك عن طريق المجتمع. يقول له : نعم، سعادتك الواقعية تتوقّف على إسعاد الآخرين، أن تضحّي.. أن تفدي.. أن تبذل.. لكن هذه كلّها تصبّ في سعادتك، وفي النهاية الثواب والأجر يرجع لك ولذا تقول الآية  ﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ  فالسعي لها لا لغيرها، وحتّى إذا سعت من أجل غيرها فهي تريد في النهاية سعادتها وفكاك رقبتها من النار.

هذه الآية تناقش كلّ المدارس الفلسفية التي تناولت معنى وصول الإنسان للسعادة، وتعالج أصلا أساسيّا في الفلسفة الأخلاقية لعمل الإنسان مفاده : هل يمكن إلغاء حسّ الذاتية وحبّ الأنا من الإنسان – أعني حبّ الأنا وحبّ الذات الصحيح – والجواب أن هذا غير ممكن، فالإنسان مفطور على طلب السعادة لنفسه . والمهم أن يعرف سعادته الواقعية المتمثلة في السعادة الأخروية والعتق من النار . 

ما يطرح الآن من مناهج ودورات فيه خلط خطير سببه أننا لم نبنَ البناء القرآنيّ الصحيح. نحن نقول إن الإنسان نعيمه وسعادته في راحته الشخصيّة، ولكن الراحة الشخصية لا تعني المتعة واللذّة على حساب الآخرين، الأصل أن الانسان ذاتيّ في تفكيره، خلقه الله تعالى بهذا الشكل حتّى يسعى ويطلب الجنّة والنعيم ورضا الله سبحانه وتعالى، ومحاولة إلغاء هذا الحسّ الذاتيّ في الإنسان معناها أننا نسلب منه العصاميّة في التفكير.  تلك الوجوه الناعمة لماذا هي ناعمة؟ هل لأنها سعت لصالح الحزب؟ هل لأنها أهملت نفسها ونسيتها؟ أو بالعكس لأنها ذكرت نفسها ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ الحشر19] نسوا الله فأنساهم أنفسهم الطيّبة.

إنكار الإنسان لاحتياجاته نقص في شخصيّته

الإنسان الذي يصل إلى النعيم هو الذي يتذكّر دائما الفطرة الصحيحة السليمة التي خلقها الله سبحانه عليها، هو الذي يسعى لإحياء الفضائل. نعم،  إحياء الفضيلة يعني أن تضحّي وتبذل،. ورد عن المفسرين في شأن قوله تعالى ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان8] معنى دقيقا مفاده أن الضمير في كلمة (حبّه) يعود لله سبحانه، لكن المعنى الأساسي هو أن الضمير يعود على الطعام ،  فأهل البيت كانوا فعلا بحاجة الى الطعام، فهم بشر كغيرهم، والانسان بما أنه يريد أن يعبد ربه ويطيعه، وعنده مشروع أخرويّ فهو محتاج إلى بدن صحيح وسليم، هذا البدن آلة الروح، والروح بلا آلة لا يمكن أن تتحرّك أو تؤدّي وظيفة. أهل البيت يطعمون الطعام رغم أنهم بحاجة إلى الطعام، لكنهم لا ينسون أنفسهم وحاجتهم وأبدانهم لأن الإنسان إذا نسي نفسه لا يكون إنسانا.

 الذي ينسى نفخة الله فيه و يريد أن يعيش في الناس وإلى الناس ومن الناس.فهذا الإنسان مراءٍ وغير صادق.  لابد أن ينظر الإنسان إلى نفخة الله فيه ويسعى لكماله، والإنسان  بطبعه لا يرضى لنفسه النقص والنفس لا ترضى عن ذاتها بالرذائل. و كما أنك لا ترضى عن الصورة التي تلتقط لك إذا كانت غير جميلة فلا يمكن أن ترضى أن تتصف بما يشينك.  الإنسان لا يرضى بتشويه قالبه فكيف يرضى بتشويه قلبه؟ الإنسان الذي لا يرضى بتشويه قلبه هذا إنسان عاقل حكيم ساع، ولا نقول عنه أنانيّا ويحبّ نفسه بشكل سلبيّ. لا نتكلّم عن الرضا السلبيّ عن النفس، رضا الله هو المقصد ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ التوبة100، لا يمكن إلغاء المنفعة الشخصيّة على نحو الاطلاق، لكن ينبغي أن يريد بها الإنسان وجه الله، هذا هو كماله، الكمال هو حفظ هذا الرابط، هذه الحلقة، هذا الاتصال.

يقول أحد الفضلاء عن كلام أغلب الناس مع بعضهم: ” والله لو نطقت البهائم ما قالت غير ذلك! كيف الجو عندك؟ ما أكلك؟ كيف نومك؟ ” يجب أن يخرج الإنسان من هذه الدائرة، دائرة الكلأ والهواء والماء والجو.. هذه دائرة البهائم، يجب يخرج من هذا الظاهر إلى الباطن، وكلّما كان جادّا أكثر كان أكثر رضا، أكثر رضا عن نفسه وعن أعماله، وليس عيبا أن يرضى الإنسان عن نفسه، لكن ليس مطلقا لكن لا يمكن أن نلغي في الانسان مسألة الذاتيّة، لكن الذاتيّة الصحيحة ليست ذاتيّة الرغبات والأهواء والشهوات، بل ذاتيّة الإحساس بحقوقه، الذي لا يطالب بحقوقه هذا إنسان ناقص، الزهراء عليها السلام لماذا طالبت بحقّها؟ لأنها أحسّت بالمظلوميّة، الذي لا يشعر بالمظلوميّة ذاته ناقصة، وحسّه ميّت.

قد يتبادل سؤال : كيف يمكن أن يرضى الإنسان عن سعيه ؟ والجواب : نحن ماهرون في تقييم الناس، والحق أن على المرء أن يقيّم نفسه. ما ترضاه من الآخرين فارضَه لنفسك، الشخص الذي ترضاه ضعه أمام ناظريك وكن مثله. تصوّر شخصيّة نموذجيّة في سلوكها وعلاقاتها واشتغالاتها ومشاريعها واجعل منها نموذجا لك، وتحوّل تدريجيا لتصبح أنت هذه الشخصيّة. الإنسان الجادّ إنسان انتقائيّ، يختار أحسن أستاذ، أحسن كتاب، يختار الصديق الجيّد،  بالمقابل هناك من الناس من علاقاته وسلوكه كلّها صدفتيه،   يصادق من يجلس بجانبه، يرافق جاره، هو بنفسه لا يدير نفسه. إذا كان الإنسان لا يختار شكله الظاهريّ ولا جيناته الوراثية، فهو يختار شخصيته، ويعتبر هذا من عناصر الكمال والفضيلة في الفلسفة الدينية.

 مصيرك ليس مجهولا

نحن نتصوّر أن الإنسان إنّما يعرف مصيره في الآخرة، والحق أن مصير الإنسان يوم القيامة ليس شيئا لا يمكن له أن يدركه . يمكنك أن تعرف مصيرك من خلال سير حياتك . فإن كنت راضيا عن فعلك في الدنيا فسترضى عن فعلك يوم القيامة.  مثلا:  إنسان عاش لمدة 30 سنة متديّنا ولم يفتضح بذنب، فإن الله الذي ستره في الدنيا أكرم من أن يفضحه في الآخرة. ليقرأ الإنسان حياته من الآن، وسيعرف إن كان من أهل الجنّة وأهل النعيم. المعيار بيدك الآن، والآخرة لا تحمل المفاجآت.

الآية تقول ﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾  لتقرّر أن سبب النعيم والجنّة ليس شخصا آخر غيرك، الميزان هو أنت، ولن تتفاجأ في الآخرة  بشيء جديد. الآية تعطينا المعيار من الآن  وتقول إن كنت في هذه الدنيا راضيا عن معرفتك ومعتقدك وعلمك وإيمانك وولائك وجدّيتك في الحياة فستنال النعيم. ولن يأتيك النعيم من باب مجهول فالنسخة الأصليّة لعملك عندك يقول تعالى ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية29] النسخة هي الكتابة الثانية عن الكتابة الأصليّة، هناك كتاب أساسيّ يسمّى أصل، وما ننقله منه يسمّى نسخة، يقولالله  أن ما عند الملائكة ليس الأصل، الأصل عندنا نحن والملائكة يأخذون صورة عن أفعالنا. وكل ما نعمله سنراه ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [النجم39-40] كل ما هنالك أن هذا السعي سوف يظهر ويرى. وكما أن جهنّم (طلبيّة) يقدّم عليها الإنسان في الدنيا وتصله في الآخرة، كذلك الحال مع النعيم، هو أيضا (طلبيّة) ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا  [الإسراء14]وإذا صدقت مع نفسك وضميرك فإن حساب الله سوف لا يخرج عن صدقك، لأنه ميزانك وملاكك.

﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ 

يقول المفسّرون أن عالية تعني غزيرة، فما الربط بين العلو والغزارة؟  الجواب :العلو هنا مطلق، فلم يقل هذه الجنّة عالية في المكان والمكنة والإمكانيّات، الوصف بالعلو هنا ليس للجنّة بل لأصحاب الجنّة. في البداية تكلّمت الآيات عن سعي الانسان، وأعطته الميزان الواضح، ثم انتقلت للكلام عن المرتبة التي هو عليها، فقالت: في جنّة عالية، علو في الإمكانيات، في المكان، في المكنة.

 أرفع الغرفات هي غرفات محمّد وآل محمّد، لذا كلّما كنت أقرب للولاية كلّما كنت في مرتبة أعلى. أكثر ما يقتل إنسانية الإنسان السطحيّةو الظاهريّة والقشريّة. عالية أي غزيرة عميقة، العمق هو ما يحيي الإنسان، عمق المعرفة، عمق المحبّة، عمق الصداقة، عمق العلاقات والروابط، كلّ ما كان الإنسان أعمق كان أكثر سعادة. ولا حدّ لتعمّق الإنسان، الإنسان له قدرة كبيرة على التحليل والغوص إلى الجذور، وكلّما تعمّق الإنسان أكثر سوف يرى الواقع. لكن ما هو الواقع؟ (نحن أصل كلّ خير وفرعه، وعدوّنا أصل كلّ شرّ وخبيث) هذه هي الحقيقة، هذا ليس إدعاء، لكنه يريد فنّا وتحليلا. 

 

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬299 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فزت ورب الكعبة 0 (0)

﷽ السلام عليك يا رسول الله، السلام على أمير المؤمنين، وعلى الصديقة الطاهرة، وعلى الأئمة المعصومين.   السلام عليك يا أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، وقائد الغر المحجلين، السلام عليك يا باب الله، السلام عليك يا عين الله الناظرة، ويده الباسطة وأذنه الواعية، وحكمته البالغة،...

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).

جهاد السيدة زينب ﴿؏﴾ وأخلاقيات الصراع بين الحق والباطل 0 (0)

﷽ توطئة  مما لا شك فيه أن الصراع بين الحق والباطل ولد مع ولادة الإنسان؛ وذلك لاختلاف الناس في القوى والصفات والأفعال، وأن سلسلة هذا الصراع لم تبدأ بنزول آدم ﴿؏﴾ إلى الأرض  حاملًا في أصل جينات وجوده العداوة لإبليس، وكذا إبليس أيضًا؛ بل كانت في عالم الأصل منذ الخلقة...