تقدم القراءة:

فهزموهم بإذن الله

26 مايو، 2016

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

3
(2)

أبارك للنبي والصديقة الطاهرة والمعصومين هذه المناسبة الجليلة، كما أهنئ مراجعنا العظام، وقائد الأمة الإسلامية، والشيعة المحبين والموالين بهذه المناسبة التي تعدّ مناسبة أساسية ومهمة ومصيرية في حياة البشرية كافة، وهي ولادة الإمام المنقذ للبشرية عجّل الله فرجه وسهل مخرجه.

يستحق الشيعة في هذا اليوم عظيم التبريكات، لأن الثبات والبقاء على التمسّك بأمر غيبيّ بالرغم من وجود المشككين والمثبطين والمحاربين ومثيري الشبهات لمدة تقارب الألف والأربع مائة سنة إن دلّ على شيء فهو يدلّ على حقّانية وصدق هذه المسألة، ( مسألة وجود الإمام عجل الله فرجه ). فلا يمكن أن توهم طائفة بعلمائها وعقلائها وأكاديمييها ومفكريها ومؤرخيها وكتّابها بأمر لاحقيقة له طوال هذه المدة، فهذه العقول لا يمكن أن تجتمع على باطل، ومن المعلوم أن أحد طرق إثبات المعرفة  اجتماع العقول على حقيقة معينة.

هذا الثبات دليل على أحقانيّة هذا الأمر من جهة؛ وهو دليل على عمق وفهم ووعي وملكات فكرية وعقلية وروحية يمتلكها أتباع أهل البيت عليهم السلام من جهة أخرى. هذا الثبات يعدّ نصرا من عند الله، فالانتصارات كما تظهر في ساحات القتال هي تظهر أيضا في ميادين العلم والمعرفة والثبات.

الحديث بعنوان فهزموهم بإذن الله ) ، وهو نص من  آيات قرآنية تتحدث عن واقعة جرت قبل قيام دولة نبي الله سليمان الذي جمع الله له الملك والنبوة والحكمة والحكومة، وهي قصة طالوت وجنوده . 

هناك أوجه شبه كبيرة بين الأحداث الواردة في قصة طالوت وأحداث الظهور وحاكمية الإمام عجّل الله فرجه، كما أن هناك ما يشبه التطابق من حيث اتحاد سنن الله التاريخية التي لا تتبدل ولا تتخلف. وسنجد في هذا النقل الوحياني نفس العناصر المشتركة التي تتكرر لإعادة التحام الإمامة والخلافة الالهية وإقامة الحكومة الإلهية العادلة الشاملة العالمية على يد الإمام المهدي عليه السلام.

ولنمهد لهذه المقارنة سنتحدث عن مجتمع بني إسرائيل قبل قيام دولة نبي الله داود وسليمان، إذلم تجتمع قبل ذلك النبوة والسياسة في شخص واحد في بني إسرائيل بعد موسى، بل كانت تنقسم فيهم النبوة والسياسة، فكان فيهم أنبياء وفيهم ملوك حتى اجتمع الحكم  والنبوة في داوود، إذ يقول تعالى: ﴿ يادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ  فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ  بِالْحَقِّ  ص: 26، وقد أعطاه الله الحكم والنبوة بعد ثباته وجهاده وقتله لجالوت. ونفس هذا الالتحام بين الحكم والنبوة سيتكرر في الإمام المهدي عليه السلام بعد أن انفصل منذ السقيفة، وقد ورد في الروايات أنه سوف يحكم بما يحكم به داوودولنقف على تفاصيل ذلك سنبدأ بمتابعة سير الآيات القرآنية:

 يقول تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ  البقرة: 246

لكي تتتابع الأحداث في أذهاننا سنبدأ من الدولة التي أقامها نبي الله موسى، فقد حدثت بعدها سقيفة وسقيفة حتى ذابت وانحلّت، فانفصلت النبوة عن الحكم، وأصبح الملك في يد ظلمة طغاة، فعاش بنو إسرائيل الظلم والحيف والسجن والإبعاد حتى طلبوا من نبي لهم أن يبعث فيهم ملكا، ويعين لهم قيادة يقاتلون معها. وتؤكد الآيات أنهم طلبوا ذلك لا لنشر الدعوة إلى الله، ولا لإقامة حكومة إلهية، بل لدفع الظلم عنهم للحوق الضرر بهم حيث أخرجوا من ديارهم وأهليهم.

وفي هذه الآية عدة نكات:

الأولى : أنهم عبّروا عن القتال من أجل أرضهم وديارهم وأبنائهم بأنه قتال في سبيل الله، وقد قبِل القرآن هذا التبرير منهم لطلب القتال، وأقرّ أنه في سبيل الله، مما يعني أن القتال والجهاد من أجل الحريّة والمطالبة بالحقوق هو جهاد في سبيل الله. وفي الآية مايدل على هذه المعنى ﴿ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا  معبرة بـلفظ ( ديارنا ) وليس بيوتنا أو منازلنا، وهذا لأن الدار هي البلاد التي تتحرك فيها بحرّية، وتدور فيها بلا قيود، تبني هنا وتزرع هناك وتستثمر في مكان آخر، ولا تطلق الدار على مكان لا يمنحك حرية الحركة، ولذا لم يطلق على جهنم دارا في القرآن إلا مع التقييد ﴿ ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ  الْقَرَارُ  إبراهيم: 28-29، أما الجنة فهي الدار ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ الرعد: 24، لذا قالوا: أخرجنا من ديارنا أي لم تعد لنا حرية في الحركة.

الثانية : أن هؤلاء الذين طلبوا تعيين قائد لهم للقتال تحت إمرته كانوا متشرعّة، فلم يقرروا أن يعينوا لأنفسهم قيادة، بل طلبوا من نبيهم أن يبعث لهم ملكا هو يختاره، وذلك لأنهم في عمق ثقافتهم الدينية يعلمون أن القتال يحتاج لإذن إما من النبي أو خليفته أو من ينوب عن الخليفة – كما نعتقد نحن الشيعة أنه لابد أن يكون الإمام منصّباً بشكل مباشر من الله، ويكون المرجع منصّبا من قبل الإمام أو على الأقل من قبل المؤمنين الواعين الثقات – وفي عمق ثقافتهم أيضا أن هذا القتال والجهاد والمطالبة بالحقوق – بالضبط – هو كالحياة بعد الموت، لذا عبروا عنه بـ ( ابعث لنا ) وعلّلوا ذلك بقولهم ﴿ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا ﴾ .

الثالثة : وصف الله لهم بعد تخلفهم عن القتال بالظالمين ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ فبعد تعيين القائد ( طالوت ) بدأت الاعتراضات والانسحابات والتأوّلات وتراجع الأكثر منهم إلا قليل. ويرجع سبب وصفهم بالظلم إلى أنه قد رسخت فيهم قابلية الاستسلام للظلم وهذا بنفسه إعانة للظالم وهو نوع من الظلم. لأن نفسية قبول الظلم هي عينها ظلم، والاستعداد لقبول الظلم بحد نفسه يحوّل الإنسان إلى ظالم، لأنه يجعل الإنسان يبرر لأقوال الظالم فيعد هذا الإنسان بنفسه أيضا ظالم.

ومن الملفت أن الآية قالت ﴿ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ  ولم تقل والله لا يحب الظالمين – مثلا – لأن الله يعرف العمق الداخلي لأي انسان. وعليه فهناك فئتان يعدّهما القرآن ظالمتين: الفئة الأولى هي التي تمارس الظلم، والفئة الثانية هي الفئة التي تسكت عن الظلم وتجعله يستشري بتخاذلها عن نصرة الحق.

هؤلاء الذين بدأت حركتهم لرفع الظلم والمطالبة بالحق انسحب أكثرهم في منتصف الطريق ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ  ، وهؤلاء الأكثرية الذين انسحبوا لم يكن في انسحابهم ضرر على حركة الحق، لأن أكبر ضرر للحركة في سبيل الحق أن تكون الحركة مشوبة بهذه النفسيات الضعيفة، وإن كان يبدو لنا في الوهلة الأولى أن تخلي هؤلاء هو عامل للهزيمة؛ إلا أن القرآن يقرر أن الأمر بعكس ذلك، بل يبين أن هذا أول خطوة نحو الانتصار ﴿ ولوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ  التوبة: 47 لقد كان انسحابهم أحد سنن الله في تحقق النصر وهزيمة الظلمة، وذلك لأن كل مقاومة هي روحية ونفسية بالدرجة الأولى.

﴿ فلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ 

وهنا تأتي السنتين التاريخيتين الإلهيتين المطردتين في كل سيرة الأنبياء والصالحين:

 السنة الاولى : إظهار العلامات والآيات الواضحات التي لا يشك فيها أحد:

 لابد أن تتلطف السماء بهؤلاء الممتحَنين وتعينهم على الثبات، هذا دور إلهي، ويمارسه كل الأنبياء والقادة العقلاء أيضا. فلابدّ أن يقيموا الأدلة الواضحة على سلامة الخط، لأن الإنسان الذي يتحرك وينبعث بدوافع عاطفية أو شعارات تهييجية تعبوية، فلايزال قلبه وعقله فارغا، والشيطان يأتي الإنسان من مناطق الفراغ، في حال أن ميدان المقاومة يحتاج لإنسان ممتلئ بالقناعة والإرادة والوعي. فكان لابد من آيات واضحات، لذا قال لهم نبيهم أن طالوت القائد، وتعيينه يكون بآية يسكنون لها ويطمئنون بها، ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الملائكة  البقرة: 148 وليس هناك أوضح من هذه الآية، فهذا التابوت لايشك فيه بنو إسرائيل، ويعلمون أنه دلالة على النصر المحتم والحفظ الإلهي. فقد كان الفراعنة يحفظون موتاهم في توابيت ويحنطوهم بمواد وعناصر معينة، لكن هذا التابوت – على ما يبدو – هو نفس التابوت الذي وضعت أم موسى فيه موسى ثم ألقته في اليمّ، وحفظ موسى فيه بالاعتماد على الله والثقة به، هذا التابوت مقترن بالسكينة لما لهم معه من تجربة إلهية وحيانية. وهذه كلها علامات حسيّة تتناسب مع مزاجهم العلمي الحسي فقد غلب في ذلك الزمان الطريق الحسي للإيمان بالنتائج ولحصول اليقين، ونبيهم جاراهم في منطقهم هذا.

إذن من حق الناس على الله، وعلى الأنبياء والقادة الإتيان بالآيات وبالأدلة ملئ العقل والقلب والوجدان بحيث لا يبقى شك ولاشبهة؛ لذا لا يظهر الإمام إلا مع الاستعداد الكامل لدى البشرية لمعرفته، ألسنا نخاطبه: ( يابْنَ الْبُدُورِ الْمُنِيرَةِ، يَا ابْنَ السُّرُجِ الْمُضِيئَةِ، يَا ابْنَ الشُّهُبِ الثَّاقِبَةِ، يَا ابْنَ الأَنْجُمِ الزَّاهِرَةِ، يَا ابْنَ السُّبُلِ الْوَاضِحَةِ، يَا ابْنَ الأَعْلاَمِ الْلاَّئِحَةِ، يَا ابْنَ الْعُلُومِ الْكَامِلَةِ، يَا ابْنَ السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ، يَا ابْنَ الْمَعَالِمِ الْمَأْثُورَةِ، يَا ابْنَ الْمُعْجِزَاتِ الْمَوْجُودَةِ، يَا ابْنَ الدَّلاَئِلِ الْمَشْهُودَةِ (الْمَشْهُورَةِ)، يَا ابْنَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، يَا ابْنَ النَّبَأِ الْعَظِيمِ، يَا ابْنَ مَنْ هُوَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَىٰ اللهِ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، يَا ابْنَ الآيَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ، يَا ابْنَ الدَّلاَئِلِ الظَّاهِرَاتِ، يَا ابْنَ الْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَاتِ الْبَاهِرَاتِ، يَا ابْنَ الْحُجَجِ الْبَالِغَات ) فآيات الإمام واضحة لا يضل فيها أحد وهي أيضا علمية تملأ العقول غنى.

السنّة الثانية : الامتحان الواضح الذي يظهر استعداد الناس الكامل للخير:

كل حركة تغييرية واقعية عنصرها الأساسي للنصر يعتمد على استعداد الإنسان ومقدار ظهور ملكات الخير فيه. وهذا الظهور لايمكن أن يقع في ظروف غامضة وخافية على الإنسان فهذا خلاف قاعدة اللطف الإلهي فلابد من الامتحان من أجل تخليص الصافي والصادق من الإنسان.

يقول تعالى: ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ لاحظوا أن البلاء كان بنهر وليس بجدول يمرّ من بين الطرقات لا يمكن تشخيصه بدقة، وإنما نهر معين معروف واضح لا يخطئ طالبه. والمبتلى به: ألا يشربوا منه. هذه هي الخطة العسكرية التي تكشف بشكل واضح إمكانياتهم بشكل لا لبس فيه لهم ولالغيرهم. هذا الامتحان يحدد ملكاتهم وطباعهم، وتحدد بشكل تلقائي ما يستحقون من دور ومكانة. فلو وزعت المناصب بدون بلاء وامتحان سيدب الخلاف الداخلي وتبدأ الفتنة والأهواء. هذا هو لطف الله في وضوح مورد الامتحان فإن الله لا يعطي الإنسان أسئلة غامضة ويجعله في غرفة مظلمة ويطلب منه أن يقدم امتحان في متشابهات، وكذلك القائد الحكيم. وإعادة الائتلاف بين الشريعة والحكم وإن كانت اصطفاء إلهيا، إلا أن ملاكاتها واضحة جدا. 

ثم إن العملية لم تكن سهلة، ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ  التعبير بـ ( فصل  يعني أن أخذهم للقتال بعد أن اعتادوا على الاستسلام للظلم، وتمكن منهم الخوف والجبن، كانت كفصل الطفل وفطمه من حليب أمه. يقول تعالى: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ لقمان: 14 فانقسموا إلى ثلاث فرق:

  • منهم من شرب: وقالوا ﴿ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ  فرجعوا عن القتال.
  • ومنهم من اغترف غرفة بيده وكانوا في الخط الثاني للجبهة.
  • والفرقة الثالثة القليلة التي حقق الله النصر على أيديهم هم من لم يطعموا منه.

وهي الفئة القليلة التي حقق الله بها الانتصار ﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ  البقرة: 249 وفي قولهم دقة وعمق، فإن كلمة الفئة مأخوذة من الفيئ، والفيئ: هو الرجوع. فهؤلاء الذين ظنوا أنهم ملاقوا ربهم غلبوا تلك الفئة التي عبدت الدنيا ورجعت إلى ما فاءت له ﴿ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ .

 هذه القصة الوحيانية فيها سنّة الله لإعادة الملك والحكم للنبوات، ولا ظهور إلا بعد تمام الهداية واكتمال طريق الرشاد وظهور الآيات البينات، ولا عودة واجتماع للحكمة والحكم إلا بامتحان واضح. فليس هناك غبش وتشويش في الرؤية، فنحن في أمان من الضلال والجهل في الظهور، وسوف يرانا ونراه نعرفه ونشخصه ( متى تَرَانَا وَنَرَاكَ وَقَدْ نَشَرْتَ لِوَاءَ النَّصْرِ، تُرَىٰ أَتَرَانَا نَحُفُّ بِكَ وَأَنْتَ تَؤُمُّ الْمَلأَ وَقَدْ مَلأْتَ الأَرْضَ عَدْلاً وَأَذَقْتَ أَعْدَاءَكَ هَوَاناً وَعِقَاباً، وَأَبَرْتَ الْعُتَاةَ وَجَحَدَةَ الْحَقِّ، وَقَطَعْتَ دَابِرَ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَاجْتَثَثْتَ أُصُولَ الظَّالِمِينَ، وَنَحْنُ نَقُولُ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .

والحمد لله رب العالمين

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 3 / 5. عدد التقييمات 2

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 3 / 5. عدد التقييمات 2

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 134٬170 زائر

1 تعليق

  1. زينب

    أعشق محاضرات الاستاذة الفاضلة أم عباس
    كلامها في الصميم ويماشي الواقع الحاضر
    هناك ربط عحيب للغاية في افكارها مع الوجدان الإنساني وماتقوله كانها تعيش هذه الحقائق وتعاينها فعلا
    بارك الله فيكم

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيف الطريق إليه (عج)؟ 5 (1)

إن من الدقة أن نقول إن الطريق للإمام (عج) هو أن تربط نفسك بمشروعه، أما الذهاب لجمكران والسهلة والقيام بأعمال أربعينية فهذه مسائل ثانوية، وليست هي الأصل وإن كانت مهمة ومعينة وثمة حاجة لها للارتباط بالإمام (عج).

جهاد السيدة زينب ﴿؏﴾ وأخلاقيات الصراع بين الحق والباطل 0 (0)

﷽ توطئة  مما لا شك فيه أن الصراع بين الحق والباطل ولد مع ولادة الإنسان؛ وذلك لاختلاف الناس في القوى والصفات والأفعال، وأن سلسلة هذا الصراع لم تبدأ بنزول آدم ﴿؏﴾ إلى الأرض  حاملًا في أصل جينات وجوده العداوة لإبليس، وكذا إبليس أيضًا؛ بل كانت في عالم الأصل منذ الخلقة...

مقام المنصورة في السماء 0 (0)

﷽ وأفضل الصلاة والسلام على خير الأنام المصطفى ﷺ وعترة الطاهرة ﴿؏﴾ أبارك لرسول الله ﷺ ولآل بيته ﴿؏﴾، ولمراجعنا العظام والأمة الإسلامية، المولد الأطهر للصدّيقة الطاهرة ﴿؏﴾، ويوم المرأة العالمي، ولا يفوتنا هنا أن نبارك بالتبع ميلاد ابنها بالحقّ مفجر الثورة الإسلامية...