تقدم القراءة:

قضايا المرأة وإرباك المفاهيم

الخميس 24 شعبان 1436هـ 11-6-2015م

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)
أبارك للأخوات ميلاد سيدة نساء العالمين بضعة الرسول الأكرم وزوج علي وأم الأطهار عليهم السلام. كما أبارك ميلاد مفجّر الصحوة الإلهية ومنقذ المستضعفين من نير الظالمين الإمام الخميني رضوان الله عليه. وإذا كان بينهما وجه شبه كما بين الأصل والبرعم، فشبههما في الدور أوضح، فقد قالت الزهراء عليها السلام وهي تصف الدور الأساس والأثر الأهم لرسول الله عندما تحدثت عن الزمان الذي بعث فيه صلوات الله عليه وآله: (فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ) وهذا الدور النبوي عينه كان من أهم أدوار الصديقة الطاهرة عليها السلام التي أنقذت الناس من الغواية. هذا الدور تكرّر بنحو ما في حفيدها الإمام الخميني قدس الله سره فكشف عن القلوب بهمها متأسيا بأمه الزهراء عليها السلام. فنحن أمام دور مشترك بين الإمام وجدته الزهراء(ع)، كل مافي الأمر أن دور الزهراء أصل ودور الإمام تبع. فيحق لنا ونحن جيل قد منّ الله عليه بهذا اللطف الإلهي أن نجعل يوم ميلاده عيداً، ويالخصوص نحن النساء لأن أهم القضايا التي عالجها الإمام هي قضية المرأة، ومن خلال نهجه يمكننا قراءة ملف المرأة قراءة مختلفة.
هناك أمور مع أنها من البديهيات، لكنها مشوّشة وغير واضحة. ومن أسباب عدم وضوح الرؤية وجلائها وجود مشوّشات وموجات مضادة تثار حول الأمور فتؤدي إلى غموضها. وكما أن الغبار الكثيف يحول بين العين الباصرة ورؤية الواقع فإن الشبهات والوضع البيئي والأهواء تحُول بين العقل والبصيرة وبين رؤية الحقيقة. فالفتنة إذا أقبلت أعمت وإذا أدبرت بصّرت.
ومن الفتن التي ابتلي بها مجتمعنا الإسلامي في القرنين الأخيرين خلط المفاهيم وتضييع حدودها. ومن الميادين التي حدث فيها هذا الخلط المفاهيمي ميدان المرأة. فما أثير من شبهات وأفكار وتساؤلات في شأن المرأة وموقعها، بل حول وجودها وكيانها، دفع زعيما بحجم الإمام الخميني رضوان الله عليه لإعلان يوم ميلاد الزهراء (ع) يوما للمرأة، وتوجيه خطاب خاص بهذه المناسبة في كل عام على خلاف المناسبات الأخرى.
لكأنّه أريد لهذه الأمة أن تغرق في شبر من الماء، فقد حجبت تلك الشبهات الرؤية الواضحة حول المرأة التي شكلتها النصوص القرآنية الصريحة وأرستهْا السنة المطهرة. ومن الغريب أن تولد هذه الأفكار التي لا تنصف المرأة في المجتمع الإسلامي، لأن القرآن الكريم يقول ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾(1) فمثل هذا النص المحكم الواضح كان من المفترض أن يكون سياجا قويّا وحصنا منيعا، يحول دون نفوذ الكثير من المفاهيم المربكة. إن هذه الآية أمّ لتفسير آيات أخرى، فما الحاجة لصرف الوقت والجهد وإهدار الإمكانيات من أجل تثبيت حقيقة بهذا الوضوح؟! لكن للأسف هناك غبار فكري كثيف جدا، وأزمة فكرية وأخلاقية وقيميّة، وهناك أهواء تتبع، ومناهج تبتدع، بعضها من الداخل وبعضها من الخارج حالت دون وضوح الرؤية في شأن المرأة.
أما التي من الداخل فهي:  
  1. خلط النصوص الدينية مع ما وصلنا من التراث خلطا غير موضوعي.
  2.  النظره المجتزأة للنص الدينيّ.
ومن أهم عوامل الخلط في قراءة النصوص الدينية المتّصلة بالمرأة ما ذكره استاذنا الشيخ الجوادي حفظه الله من عدم تحييث النص الديني باختلاف الخصوصيات والعناوين. أي وضع كل نص ديني في موضعه حتى نفهم رأي الدين. الشيخ جوادي يقول يجب أن يحيّث موضوع المرأة، فندرس في النص الديني أولا: المرأة مقابل الرجل. فالمرأة من حيث العموم هي كالرجل تماما، وتفاضلهما إنما هو بالتقوى التي هي مدار الكرامة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(2) وجاء في الأثر (إنّ أعلمكم بالله أتقاكم )أي أعرفكم بالله، والتقوى محلها ليس البدن بل القلب والروح، والقلب ليس مذكراً ولا مؤنثا. فالتفاوت الواقعي هو بحسب العلم الروحي. هذا إذا عقدنا مقارنة بين التذكير والتأنيث في الإنسان.
أما الحيث الآخر برأي الشيخ جوادي فهو أن ندرس النصوص الدينية التي تتحدث عن المرأة من حيث كونها أما، أو زوجة، أو بنتا … و بقية الأبعاد.
هذه العوامل سببت إرباكا فكريّا حول المفاهيم التي تتعلق بشأن المرأة ومن أهمها الزوجية، التي أصبحت مثار شبهات كثيرة بين المتدينين والمثقفين، سنتناولها فيما يلي:
الزوجية وموقعها في الإرباك المفاهيمي في شؤون المرأة:
لكي نعطي مفتاحا لحل كل الإشكالات والتساؤلات المتعلقة بالزوجية لابدّ أن نعرف أنّ عقد الزوجية هو مثل سائر العقود، لا يختلف عن عقد البيع والإجارة، وتجري فيه كل أحكامها ماعدا خيار الفسخ. وارتباط أي امرأة برجل لا يعني الارتباط الحلولي (أي الذوبان كما يحدث في الماء والسكّر). عقد الزوجية مثل أي عقد شرعي آخر لا يمكن ضمان العدالة فيه، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (العدل أوسع الأشياء عند التواصف وأضعفها عند التناصف) فيمكن أن يحدث في عقد الزوجية ما يحدث في سائر العقود من سوء الاستفادة من الصلاحية، وسوء تطبيق الأحكام، وأحادية النظر، والاختلاف في فهم المواد، وعدم الإنصاف، فأكثر الخلطاء يبغي بعضهم على بعض. يقول تعالى ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾(3).
الإسلام ينظر للعقد الزوجي كما ينظر لغيره من العقود، ولا يعني هذا أن الإسلام لا يريد أن يحيي روح المحبة والمودة، ذلك ملف آخر.. حديثنا في عقد الزوجية بما هو عقد شرعي له أحكام العقود الشرعية، هذا العقد يفترض أن تؤخذ فيه الشروط التي تضمن صحة بقاء هذه الشراكة. لذا فلا كراهية في إضافة شروط من قبل الزوجة للشروط الأساسية ضمن العقد. وغفلتنا عن هذا القانون (أي جواز إضافة شروط في العقد) لا يعني أن نقرأ الحقوق الزوجية مجتزأة من هذا المركب المتكامل. وكون البيئة الاجتماعية لا ترى حسن هذا النمط من التعاطي في عقد الزوجية لا يعني أنه مخالف للمذاق الديني. فيجب أن ننظم مشاعرنا وسلائقنا ضمن المركّب الديني وليس العكس. فمن قال أن الحسْن والقبح محكوم لأمواجنا النفسية التي تولدت من تراكمات بيئية، والتي كثيراً ما تكون مانعاً عن النظرة الواضحة الأصيلة للمواضيع الشرعية والنصوص الدينية؟!
أليس من المحتمل أن تكون بعض المشهورات الاجتماعية لا أصل لها كما كان يكرر السيد محسن الحكيم في فقهه: “كم من مشهور لا أصل له” لماذا نلقي بأثقال جهلنا على الشرع ثم نجعله في قفص الاتهام ونحاكمه؟
سأضرب مثالا لذلك:
الرواية المشهورة المتداولة في الأوساط الدينية (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) حين نقرأ الرواية ضمن ما ذكرنا من ضوابط فسنقول: إذا افترضنا أن هناك شريكين، واستغلال الصلاحيات وارد من الطرفين، وأحد الطرفين قابل للموعظة دون الآخر، بحيث يتحمل ويضحي أكثر (وهو المرأة) فالعاقل يقول له أنت ارضَ حتى لا تقع في الظلم، هذا محمل معقول نحمل عليه الرواية.
التشريع الإسلامي لم يجعل لطرف صلاحية إلا وجعل للآخر حق للحد من سوء استخدام الصلاحية، وأغلب مشاكلنا الأسرية ناتجة عن جهلنا بالتشريع.
وأما التي من الخارج:
فهي تصدّر لنا بألوان الطرق التي ربما لا نلتفت لها، فما يتسرب لنا من العالم الغربي من شأنه ليس فقط تشويش القانون والفقه والشرع، بل تشويش وهدم الأصول والمباني الأساسية للبناء الإنساني، لدرجة إعماء البصيرة وطمس الفطرة. هذه العوامل الخارجية تشلّ الحركة الإنسانية الطبيعية فضلا عن القانون الشرعي. إن الغربي يؤمن بأصالة الإنسان ومحورية البدن ويسعى جاهداً للتفلّت من الجذَبات الفطرية الواقعية، ومنظومتة الفكرية ترى في المفاهيم برّانيها وقشرها فقط. فالحرية وفق المدرسة الغربية هي التصرف في البدن، والسعادة هي تمدد البدن في لذائذه، فالذي يُضرب هنا ليس القانون بل الأصول.
إن أهم مفهوم تدعو له الثقافة الغربية في حقوق المرأة وتعتبر نفسها حققت تقدما فيه هو مفهوم الحرية. ولكنه مفهوم بالمعنى الذي ينسجم مع أصولها حيث تبدأ وتنتهي في محور الجسد.
هذه الموجة التي أغرقت الكثيرين في لججها الغامرة بلا رحمة، لهي أضعف وأوهن من بيت العنكبوت، وإذا واجهناها بأصولنا الكلامية والفلسفية والأخلاقية فإننا سننقض ما يقوله الغرب من الأساس.
الحرية في المفاهيم الدينية هي وصف جوّاني باطني، روحي معنوي، وهي رسالة الأنبياء. والحرية في المفاهيم الدينية ليست حرية البدن، ولا كسر قيود الأخلاق للسقوط في قيود أشد وأكثر ضراوة منها. يقول الأمير عليه السلام (لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً) الدقيق في كلام الأمير(ع) هو أنه يجعل الحرية موضوعا كلاميّا عقائديّا، وأصلا إيجاديّا، ونقطة انطلاق الحرية هي تكوين وجود الإنسان، وهي بُعد من أبعاد أصوله. ومنشأ التحرر هو من الله والحريات الأخرى (البدنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية) إنما هي بالتبع، والتي هي منتهى نظر الغربي ومدّ بصره.
ليس شرطا أن يقيدك غيرك بل قد تقيدك شهواتك، رغباتك، جهلك، وأكثر الناس كذلك، فأكثرنا يعتقد أنه حين يملك مسكنا واسعا وأموالا وزوجة ووظيفة فهو حر، ولا يلتفت أنه إذا مر يوم لم يتعلم فيه فهو أسير لجهله. مشكلتنا أننا نريد حل المشاكل الخارجية، لكننا في الواقع لا نعرف بجهلنا مطلوبنا الأصيل، ولا نعرف عدونا الأصل.
فعلينا حين ننادي بالحرية أن ننادي بتحرر الإنسان المكبّل بالجهل والهوى والتعلق بالدنيا والراكض وراء العاجلة. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾(4) لاحظوا الدقة في قوله (وسعى لها سعيها) سعيها وليس سعيه هو، لأن الآخرة هي الهدف، فالوسيلة لا بد أن تكون أخروية، والاشتباه الحاصل هو أن أكثر الناس يسعى للآخرة بطريقته هو. بينما السعي لا بد أن يكون متناسباً مع الهدف. وكيف يسعى الجاهل المكبّل بالأنانية والهوى إلى الحرب الواقعية؟!
إذا نظر الإنسان إلى خالقه وعرفه، ثم عرف علاقته به وعرف علاقة الخالق بالمخلوق – بتعبير الفلاسفة – فسيرى نفسه في فضاء وسيع، ويرى نفسه فوق كل قيد وضعف، فيطال بهمته معالي الأمور. وهنا مكمن الحرية في فهم الدين، ولا يأسر الإنسان في نظر الدين إلا الهوى والجبن والبلادة وضعف العقل من أي جهة صدر، سواء من نفس الإنسان أو من زوج أو أخ أو نظام أو مجتمع. ومقاومة الجهل والعجز والهوى هي الحريّة بحق. وعليه فالجبان أسير رجلا كان أو امرأة، والجاهل أسير بغض النظر عن جنسه.
نحن في الحقيقة نعيش أزمة فكر، وينبغي أن نواجه هذه الأزمة على جبهتين: جبهة داخلية نعالج بها التشكيكات المثارة حول المرأة من خلال تصحيح فهم النصوص الدينية والأحكام الشرعية في هذا الباب، وجبهة خارجية نصدّ بها ما يأتينا من الغرب ليضرب أصولنا الأساسية، وأفضل يوم للإعلان عن هذا الجهاد الروحي والفكري للكفر والانحراف بكل أشكاله هو يوم ميلاد الزهراء عليها السلام.

1. النساء: 1

2. الحجرات: 13
3. ص: 24
4. الإسراء: 19

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

إحصائيات المدونة

  • 135٬623 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاطميون بالانتماء لها ﴿؏﴾ 4.5 (2)

فالمقصود من أهل قم هم الحاملون لفكر وثقافة ومبادئ وأخلاق قم وربما لم يصلوا لها ولم يدخلوها أبدًا، وأما من سكن قم ولم يراعي حرمة السيدة المعصومة ﴿؏﴾ فكان يكذب ويسرق ويهين ويستهين بالمؤمنين، ولا يهتم بأمور المسلمين الكبرى؛ فهو ليس من أهل قم.

فزت ورب الكعبة ٢ 0 (0)

نلاحظ أن أمير المؤمنين ﴿؏﴾ قد أولى مسألة الاهتمام والانشغال بالمظاهر اهتمامًا كبيرًا، وعالج هذه الظاهرة علاجًا يقطع التكاثر تمامًا من النفس، لأن التكاثر يسلب اليقين القلبي العرفاني العملي، أي أن يعمل الإنسان بما يتيقن،