تقدم القراءة:

محطّم الأصنام ومعلّم الحمكة

الأربعاء 6 ديسمبر 2017صباحًاالأربعاء

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

5
(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

أتقدم لمقام الأئمة الطاهرين سيما خاتمهم ومراجعنا العظام وقائد الأمة بأجمل التهاني وأحلى التباريك بحلول ميلاد الرسول الأعظم (ص) والإمام الصادق بالحق، كما أتقدم لكم أيضا بالتباريك بأسبوع الوحدة الإسلامية. وأسأل الله أن يجعله عيدا للوحدة الواقعية بين المسلمين وأن يرفع عن المسلمين أسباب التناحر والتباعد والتباغض، ذلك أن رسول الرحمة جاء ليرفع التباغض والتحاسد والتباعد وينشر التواد والمحبة. وإذا أردنا أن نقدم لرسول الله عملا في هذا اليوم، وأن نظهر التأثر برسالته فعلينا أن نتصالح ونتحاب ونتقارب ونتواد وننزع أسباب الخلاف فيما بيننا.

نسأل الله أن يرفع عن الأمة الإسلامية وعن المسلمين أسباب الاختلاف والتفرق ويعيد الفتن والمغرضين وأصحابها ويبقي المسلمون بينهم آمنون غانمون إن شاء الله.

جاء في خطبة الصديقة الزهراء(ع) وهي تتحدث عن أوصاف النبي (ص) (… داعِياً إلى سَبِيْل رَبِّه بِالحِكْمَةِ وَالْمَوْعظَةِ الْحَسَنَةِ يَكْسِرُ الاَصْنامَ وينْكُت الهامَ حتّى انْهَزَمَ الجَمْعُ وَوَلُّوا الدُّبُر… )

هذا المعنى الذي يبين مقام رسول الله وخصائصه التي لم تكن لأحد غيره، استفيد منها – للأسف –  استفادة سلبية جداً على يد فئة متطرفة فهمت أن معنى كون رسول الله (ص) محطم الأصنام يقتضي أن يحطموا كل رمز وكل معلم يجسد القيم والحضارات، وينكتون هام من يخالفهم ويعترض عليهم فنشروا التباغض والتنافر والعداوة، وأراقوا الدماء متصورين أن هذه سنة رسول الله (ص) ورسالته، والحال أن هذا الوصف للنبي (ص) يحمل قيمة راقية لا يشارك فيها رسول الله (ص) أحد.

لنتأمل في معنى (محطم الأصنام)، إن أول ما يتبادر لأذهاننا عند ذكر الأصنام أنها تلك المجسمات والتماثيل، فنخال أن هذا هو المصداق الكامل للصنم، بل نظنّ أن فيها ينحصر معنى الصنمية، ولكن الأمر ليس كذلك فالأصنام لها معنى واسع وبمعرفته ندرك ما تستبطنه عبارة الزهراء (ع) من مقام لرسول الله (ص).

الصنم يطلق على كل ما يكون مبعّدا عن الله ومنفّرا من عبادته سبحانه وليس العمدة في تحريم أصل التمثيل والتجسيم وصناعة الأصنام هو نفس كونها تماثيل، وما يؤيد ذلك هو ما نراه في بعض فتاوى المراجع الكبار، على الأقل من يقول أن التماثيل ليست حراما في نفسها على نحو القطع، وفتوى السيد الخامنئي واضحة في ذلك، ورد في الفتاوى:

س1229: رجل وزوجته من الرسامين المعروفين، وعملهما ترميم اللوحات الفنية، وأكثر هذه اللوحات تمثّل المجتمع المسيحي، والبعض منها يحتوي على رسمة صليب أو رسم يمثّل السيدة مريم (عليها السلام) والسيد المسيح (عليه السلام)، ويأتي بها أصحاب المؤسسات والشركات والكنائس إليهما لإصلاحها بعد أن تَلِفَ جزء منها نتيجة القِدَم أو غير ذلك، فهل يجوز لهما أن يُصلحا تلك اللوحات وينتفعا بالأجور التي يتقاضيانها على ذلك، علماً أنّ أكثر اللوحات من هذا القبيل، وأنّ عمل تصليحها مهنتهما الوحيدة التي بها تعيّشهما، وهما زوجان ملتزمان بتعاليم الإسلام الحنيف؟

ج: لا بأس بعمل مجرد تصليح اللوحات الفنية، حتى ما كانت تمثّل المجتمع المسيحي أو تحتوي على رسم يمثّل السيد المسيح (عليه السلام) أو السيدة مريم العذراء (عليها السلام). ولا بأس بأجور مثل هذا العمل. كما لا مانع شرعاً من اتخاذ مثل هذا العمل مهنةً للتعيّش بأجورها، إلاّ إذا كان ترويجاً للباطل والضلال أو مستتبعاً لمفاسد أُخَر”.

لذا من يلتفت إلى المعاني القرآنية في تطبيق معنى الأصنام يرى أنها ليست التماثيل المجسمة والنحوت فقط، بل هي كل ما يسبب الابتعاد عن عبادة الله سبحانه والجهل به ويكون مدعاة للضلال والانحراف. لاحظوا هذا التعبير القرآني ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ  الفرقان/43 فالقرآن يصرح بأن الهوى قد يكون هو إله الإنسان وصنمه الذي يتخذه من دون الله، يقول أمير المؤمنين (ع): ” عبد الشهوة أذل من عبد الرق” فكثيرا ما تكون الشهوة صنم الإنسان، وكذلك الهوى الذي هو سبب خضوع الإنسان واستسلامه وضعف إرادته، وقد مرّ عليكم وقرأتم في التاريخ أن هناك ممن أصبح من كبار الأصحاب وهو يقول عن نفسه أنه في الجاهلية كان يعبد إلها من تمر فإذا جاع أكله، وهذا يدل على أن إلهه كان بطنه وشهوته.

ولو دققنا في واقعنا اليوم سوف نرى أننا نتخذ بعض الأمور إلها، لشدة ما سلبتنا إرادتنا وعبوديتنا وطاعتنا ونظافتنا الإجتماعية، ومثال ذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي تفتح لنا نوافد كثيرة على العالم، ومن شأنها أن تشغلنا عن ما يجب أن ننشغل به، في حين أننا نقول في الدعاء: ( إلهي هبني كمال الانقطاع اليك ) والحال أن انشغالنا بوسائل التواصل يحقق كمال الانفصال عن الله سبحانه. هذا الجهاز الذي نحمله تحول إلى صنم لا يمكننا أن نعيش بدونه، وفي الوقت الذي لا يستطيع الأنبياء العيش بدون عبودية الله وطاعته ومناجاته وقراءة كتاب الله نحن لا نستطيع العيش بدون هذا الجهاز!

لقد أسقطت وسائل التواصل اليوم الإرادة وتقدير الإنسان لنفسه، وارتبك بسببها تشخيص الإنسان للحسن والقبح وما يليق ومالا يليق فبات كل شيء مكشوفا ومنشورا  للآخرين! 

نحن مجتمع محافظ ومتدين فكيف نجعل هذه الوسائل نافدة ننفتح بها على المجتمعات الأخرى وننفتح بها على الآخرين بلا مراعاة لمعايير الدين والخلق والعرف؟!

يرى البعض أن هذه الأجهزة قدمت لنا خدمة التواصل مع الخارج بشكل غير منقطع، ويراها حسنة وإيجابية كبيرة، نعم هي كذلك؛ ولكن أكثرنا يستخدمها استخداما سيئا. فالكثيرون – مثلا – تصل بهم مراقبتهم لحالات الاتصال، ومتابعة حركة من يهتمون بهم إلى القلق الشديد، والحال أنه ليس هناك داع لمعرفة كل حركة وسكنة للأشخاص مهما كانت علاقتنا بهم وعلى الإنسان أن يعتمد على الله في كل أموره وأن ينمي عنده ملكة التوكل. هذه الأجهزة تسلب الإنسان هذا البعد.

والبعض الآخر غرق في عوالم هذه الأجهزة فلم يعد يهتم لعرف ولا دين ولا أدب مع الوالدين أو الضيوف أو العائلة وهذا ما يجعل هذا الجهاز بالتدريج يتحول إلى صنم شئنا أم أبينا.. من هنا لنسأل أنفسنا: لو حرّم أحد من المراجع هذه الأجهزة لما تسببه من مفاسد؛ فهل سننقاد ونطيع بعدما انسقنا معها؟؟

إذاً عندما نصف النبي بأنه مكسر الأصنام فيجب أن نفهم ماهي حقيقة الصنم، لتتبين لنا هذه الخصوصية وهذا الشرف العظيم لرسول الله (ص)، فهو مكسر كل الأصنام الداخلية والخارجية ولم يفعل ذلك غيره.

مكسر الأصنام هو معلم الحكمة

وحتى يتضح هذا المقام للنبي (ص) يجب أن نقول أن تكسير الأصنام على نحو الإطلاق والتمام يتحد ويساوي تعليم الحكمة. ومن يستطيع أن يعلّم الحكمة بشكل كامل هو من يستطيع أن يكسر الأصنام. وتكسير الأصنام وتعليم الحكمة هو في حقيقته إخراج الإنسان من سجن المحدودية بكل أنواعها: المادية والحسية والمحلية والمناطقية، ومن كل ما يجعل الإنسان محدودا لا ينتقل من معلوماته إلى المجهولات، ولا تجعله يحيط ويعرف ما ينفعه ويفيده ويطوره نفسيا.

والدليل على أن من يكسر هذه الأصنام هو من يعلّم الحكمة على نحو الإطلاق هو حديث القرآن. فعندما يتحدث القرآن عن تعليم الحكمة لم ينسب وظيفة التعليم إلا لرسول الله (ص) فهو حين يتحدث مع الأنبياء يقول: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ  لقمان/ 12 وأيضا ورد عن سائر الأنبياء ﴿ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} البقرة/ 251 ويقول الله سبحانه عن عيسى ابن مريم: ﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ  آل عمران/ 48 فالله من يعلمه لا هو من يعلّم الحكمة. بينما يقول على لسان إبراهيم: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  البقرة/ 129 وكلنا نعلم أن هذا الدعاء قد أختص به محمد ابن عبد الله (ص) وأيضا جاء: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ  البقرة/ 151  إذن فالذي يعلّم الحكمة النظرية والعملية هو فقط رسول الله (ص)، وتعليم الحكمة يساوي تكسير الأصنام الباطنية والظاهرية وإزالتها وهو التوحيد المطلق في وجهه الآخر.

ولكي نعرف مقام النبي في تعليم الحكمة الذي هو الوجه الآخر لتحطيم الأصنام بأنواعها دعونا نعرف معنى الحكمة:

الحكمة بالمعنى الاصطلاحي هي: إيصال النفس إلى كمالها المرجوّ لها. وهي من ناحية نظرية إيصال النفس في علمها ومعرفتها إلى كمالها، وهو ما يطلق عليه الحكمة النظرية. وهي من ناحية عملية: إيصال النفس من جهة انقيادها للعقل عمليا، فيكبح الإنسان غضبه وشهواته ويأتي الإنسان بأعماله كما هو مطابق للواقع والحق وللجمال والحسن، وهو ما يسمى بالحكمة العملية.

الحكمة هي ما يجعل نفس الإنسان وعقله ونظره وإدراكه كاملا، وهي ما يجعل عمله يصدر على نحو الكمال والحسن. وهي الخصوصية الأساسية للإنسان، وبها يختلف عن سائر الموجودات، فنحن نجد أن الذي يأتي تحت الإنسان مرتبة هو الحيوان، لأن محركات الحيوان منحصرة في حسّه، فهو يدرك الأمور بحسه وفي زمان ووقت ومكان معين بخصائص معينة، بينما ميزة الإنسان – كما يقول المناطقة – أنه (حيوان ناطق) أي مفكر، وهو يدرك بعقله أن حواسه محدودة وبالعقل يستطيع أن ينتقل إلى معرفة الكليات وإلى ما هو أوسع. ولبيان ذلك نضرب مثالا:

الإنسان حين يشرب ماء يعلم أن الماء يرويه، ولكنه أيضا يعلم أن كل ماء في هذا الكون يحقق الإرواء أيضا، وكل ماء هو سبب للحياة. هذه القضية هي أحد مفردات الحكمة النظرية، فعقل الإنسان لم يقف على هذا المحدود بل توسع وأعطى حكما كليا. وبهذا التوسع  تزيد ثروة الإنسان العلمية. وهذا ما يسمى بالحكمة النظرية.

ولأضرب مثالا آخر على الحكمة العملية: على الصعيد الأخلاقي إذا أصبح الإنسان متسامحا، وتعامل بالتسامح مع شخص معين ثم آتى هذا الخلق ثماره، يدرك حينها أن تعاطيه بالتسامح مع هذا الفرد أدى إلى نتاج إيجابي وعلاقة إيجابية، ويدرك بهذا قيمة التسامح في التعاطي مع الآخرين بشكل عام.

النبي (ص) هو من يعلّم الحكمة، وهو مكسر كل صنم وناكت الهام، والذي يعرف الحكمة النظرية والعملية لا يمكن أن ينكت كل هام، بل هو يطبق هذه الكليات الأخلاقية وقيم المحبة والتسامح والرفق على الأفراد الخارجية، وما قام به التكفيريون المتطرفون الدواعش ونسبوه إلى رسول الله (ص) جريمة في حق النبي (ص)،  فقد أراقوا الدماء واستباحوا الحقوق وأهانوا كل من يعتقدون أنه يخالفهم في الرأي، لأنهم يتصورون أن رسول الله (ص) قام بذلك، لكن هذا لا ينسجم مع فهمنا لمعنى أن النبي محطم الأصنام بمعنى أنه معلم الحكمة.

وإذا تأملنا في سيرة رسول الله (ص) سنرى في تصرفاته من الحكمة ما يذهل الإنسان، ومن المحبة والمودة ما يثير العجب، منها شفاعته (ص). عندما نقول أن رسول الله (ص) يشفع يوم القيامة، فهذا لا يعني أن رحمته بالناس والأمة ستكون في ذلك الوقت وتلك المرحلة فحسب؛ بل إن شفاعته في حقيقتها انعكاس لتعاطيه مع الأمة، فمقتضى كونه معلما للحكمة يعني أنه (ص) عندما يجد أي شخص لديه قابلية واستعدادا وطلبا وإرادة صادقة وجادة للصلاح والإيمان بالله سبحانه فإنه يعينه ويقضي حاجته. والسيرة مشحونة بمواقف رسول الله (ص) التي تُذهل الإنسان، والتي هي مقتضى الحكمة التامة.

ويجب أن نشير إلى أن النبي (ص) لم يكن حكيما أو يعلّم الحكمة فقط، بل هو أيضا علّمنا كيف نكون حكماء أيضا. يقول الله سبحانه: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ  الأحزاب/ 21 لذا يجب أن نتأسى به (ص).

إن فهمنا لمعنى الحكمة الذي أشرنا إليه يعرّفنا أن رسول الله (ص) جاء ليخرجنا من سجن المكان والزمان والمحدودية، لكي لا نفكر بطريقة جزئية ومحلية، لينقلنا  إلى المشروع الأكبر والعالمي. و المنفتح  على مشروع الرسالة الذي يستنقذ كل من كان أهلا للاستنقاذ.

إذا تأملنا في هذه الحقيقة نعرف أن أي شيء يمنعنا من إيصال هذه الرسالة هو صنم نعبده، فكوننا نريد راحتنا، أو أننا نخاف، أو أننا استسلمنا للكسل، أو أن عندنا جهل فإن كل ذلك أصنام، وكل مانع عن إيصال الحكمة النظرية والعملية هو صنمنا، صغيرا كان أو  كبيرا، ظاهرا أو باطنا، عرفناه أم لم نعرفه أو نعترف به.

من هنا لنكن طيّعين بين يدي رسول الله (ص)، فإذا كان هو معلما وموظفا من قبل الله سبحانه ليحطم الأصنام فلا نكن نحن بذواتنا أصناما – والعياذ بالله -، ولا نحوّل أهواءنا وجهلنا ومحدوديتنا ومشاعرنا وعواطفنا وعلاقاتنا وحبنا وبغضنا وسخطنا إلى صنم نحتاج أن يحطمه رسول الله (ص) في ذواتنا،  لنعِن رسول الله (ص) على أنفسنا. يقول أمير المؤمنين مخاطبا رعيته وشيعته: “أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُوني بِوَرَع وَاجْتِهَاد، وَعِفَّة وَسَدَاد”.

من أفضل الأمور التي نخرج بها في يوم ميلاد رسول الله (ص) أن نأخذ قرارا عازما وجادا لمحاربة كل الأصنام التي حولنا، أهواؤنا ورغباتنا وعداواتنا وميولاتنا وسخطنا وقلقنا وحزننا ورضانا… لأنها إذا تحولت إلى صنم تشبثنا بها، ولنقرر أن نخرجها من أنفسنا قبل أن يحطمها رسول الله (ص).

ومثلما كان صعبا على المسلمين الأوائل أن يتركوا أصنامهم التي عبدوها وخضعوا لها وتعلموا أن يتذللوا لها، فصعب علينا كذلك أن يكسر النبي أصنامنا الباطنية. لا شك أن كسر الصنم المجسم في الخارج ليس صعبا إذا لم يمثل معتقدا ولم يمثل أهواء عُبّاده ومواقعهم ووجاهتهم. ولكن الصعب هو حين تقترن الأصنام بالهوى والمنصب والجاه. لذا فلنراجع أنفسنا جيدا.

إذا كان رسول الله (ص) محطم الأصنام التي معناها في وجهها الآخر أنه معلم الحكمة، فسوف نقبل أنه ينكت الهام، وليس معنى ذلك أنه ينكت هام الناس الذين بقوا على الكفر لمجرد بقائهم عليه، بل يزيلهم ما توافقت إزالتهم مع الحكمة العملية، إذا كانوا مثل الغدد السرطانية التي سوف تنتشر في بدن هذه الأمة وتسمّها فإن الحكمة تقتضي إزالتهم. وإلا فإن رسول الله (ص) كاتب اليهود والمسيحيين وأصحاب كل الديانات الأخرى.

إذا أردنا أن نبحث عن أفضل الأشياء التي أعطانا إياها رسول الله (ص) سنجد أنها تتمثل في أنه علمنا الحكمة و ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا  البقرة/ 269 هذا الفضل العظيم والكثير أجراه الله على يدي رسول الله (ص) وآل بيته الطاهرين، لذلك يحق لنا أن نتخذ يوم ميلاده يوم عيد، ونتخذ ذكره واسمه وسنته وسيرته وسيرة آل بيته شرفا ورفعة، وأن نفخر بذلك ونصدره إلى أهله، ونكون مبلغين للدين الإسلامي إلى الأمم.

أسأل الله سبحانه في هذا اليوم الذي فيه ميلاده (ص) وميلاد الإمام الصادق (ع) الذي ورث بحق رسول الله (ص) فكان كجده الصادق الأمين (ع) أن يكون أسبوع الوحدة سببا أن نلتفت إلى الأصنام التي حولنا سواء في داخلنا أو في دوائرنا الصغيرة أو الكبيرة، ونعلم أننا  كلما أزلنا صنما وحذفناه قطعنا شوطا إلى الحكمة والمعرفة وكسرنا جدارا من الجهل يحجبنا عن معرفة الحقيقة، وتزيد بذلك ثروتنا العقلية والعلمية والمعرفية والأخلاقية والإيمانية.

بلغنا الله وإياكم بإيماننا أكمله، ومتعنا وإياكم بنبينا، ورزقنا في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.*


* ذكرى ميلاد الرسول الأعظم (ص) وحفيده الإمام الصادق (ع) 1439هـ

 

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 99٬205 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (2)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها