الرفيق قبل الطريق
الرفيق قبل الطريق" مقولة لكثرة ما ترددت على الألسن ظننا أنها في عداد الأمثال ولكنها في الواقع نص مقدّس ورد في وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام "يا بني سل عن الرفيق قبل الطريق... وعن الجار قبل الدار".*
الرفيق قبل الطريق" مقولة لكثرة ما ترددت على الألسن ظننا أنها في عداد الأمثال ولكنها في الواقع نص مقدّس ورد في وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام "يا بني سل عن الرفيق قبل الطريق... وعن الجار قبل الدار".*
هناك غاية نهائية للحج لا تتحقق ولا تظهر جليّة وعينية إلا باجتماع الناس عليها، واتحادهم على حملها، وانصهارهم فيها بلا قيد ولا شرط بعد سقوط الفوارق بينهم وعودتهم إلى هويّتهم الأولى وحرق هويّاتهم الطائفية والوطنية، وإفناء حالة العصبية والمنطقية والانتماءات العرقية، فمكة هي الوطن الأصيل الذي يصلي فيه الناس كما يصلون في أوطانهم الوهمية صلاة كاملة، ومكة هي محل إذابة الفوارق وإسقاط قشور التكبر والغرور كما جاء في روايات الحج.
الحج صب من القيود الإلهية التي تجعل الإنسان في طريق معين لا يخرج عنه، ويجعل الحاج جنديا من جنود التشييد، فلا يكون معطلا.
عندما يقول المَلَك للحاجّ يوم النفرة (لقد ولدت من جديد) فهذا لا يعني أنّه غفرت ذنوبه ومحيت سيّئاته، وإنّما يعني أنّه ولد ولادة حقيقيّة، حيث ولد وتشيّد وتأسّس وتكامل كما يتكامل الجنين في بطن أمّه، غير أنّه بإرادته هو اختار شكله ولونه وفهمه ووعيه ومنطقه. وهذا معنى التطابق بين الحجّ الأكبر والحشر الأكبر، فالحجّ تشييد للدين والحشر هو يوم الدين.
مما لاشك فيه فإن مكة مهوى الأفئدة وإذا وصلت إليها دع الدنيا وفارقها؛ لأن من يحب شيئا يتجه له، فمن الطبيعي أن ينشطر المحب ويتجه إلى المحبوب وما يتعلق به، وأما بقية الأشياء فهو لا يهتم بها؛ فهو ينظر بإرادة المحبوب، فيلتفت لما يحب ويهمل ما عداه من الأمور الأخرى وهذا هو أثر الحب، إذ من ضرورياته أن يعتقد الإنسان وأن يريد أن يكون حاجًّا متغيرًا
هذا ما يحققه الحجّ للإنسان، أن ينزع من تصوره أنه أفضل من غيره. ولذلك نجد كل أدعية الحج تمتلئ بالخضوع والخشوع لله سبحانه وتعالى؛ كما ورد عن الإمام زين العابدين (ع) في دعاءه يوم عرفة "وَأَنَا بَعْدُ أَقَلُّ الأقَلّينَ، وَأَذَلّ الأذَلّينَ، وَمِثْلُ الذَّرَّةِ أَوْ دُونَها". فالحج يريد أن يبصرنا على نقاط الضعف التي ينفذ منها إلينا إبليس.