﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَ الَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾
من المعلوم فلسفيًا أن وجود  الإنسان ليس من عين ذاته، فهو فقير في أصل وجوده وفي كمالاته ولذلك فهو يبحث عن العزّة والتي تعدّ أعم الكمالات بالنسبة للإنسان، ومن كان يريد العزّة فبإمكانه بلوغها عبر الطريق الذي بينه الله في كتابه العزيز حيث يقول تعالى: ﴿فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ ثم يقول: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾، إذ أن الإنسان باتصاله بمصدر العزّة وتوحيده وبمعارفه وبعمله الصالح لله سبحانه وتعالى يكون عزيزا ؛ ولذلك فإن العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين لأنهم يسلكون هذا السبيل ويرتقون في هذا المدرج حتى يصلوا للاعتزاز بالله سبحانه وتعالى، والقرآن يحكي عن أقوام يبحثون عن العزّة على نحو من المكر والخديعة والالتواء على شرعة الله، لكن وظيفة أولياء الله الكمل أن يبيروا مكر هؤلاء الأعداء ويقلبوا كيدهم عليهم. وهذا المعنى يمكن أن ينطبق وبشكل واضح على سيرة الإمام الرضا ﴿؏﴾ في مواجهته للمأمون، يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ فالذين يمكرون بالسيئات هم من يطلب العزّة بالمكر  ويسعون  للخلاص من الذلة والشدائد بالاحتيال على الله، وهذا الطريق  ممتنع عقلًا؛ لأن النقيضان لا يجتمعان، فكيف تطلب العزّة بالمعصية والسيئات؟! فالعزّة لله جميعًا وعندما ينحرف الإنسان عن الله سبحانه وتعالى فهو بالذات يجب أن يصبح ذليلا وفقيرا  ذاتا ، وهذا المعنى ربما يجيب عن بعض من اعتقد أن المأمون صادق في تعامله مع الإمام ﴿؏﴾ في حين أنه كان يريد الملك والسلطان العضوض والعزة الكاذبة ، ولم يكن إحضاره للإمام الرضا ﴿؏﴾ إلا طريقًا ليصل إلى ما يصبو إليه، والإمام ﴿؏﴾ بحكمته جعل من كيد المأمون مطية لإظهار علومه ومعارفه في حياته، وجعل من قبره موئلًا وجنة ومأنسًا للنفوس بعد مماته. وفي مقابل ذلك بائت خطط المأمون إلى بوار في الدارين.