على مأدبة الله ١
نحن في شهر رمضان مدعوون إلى مأدبة الله، بمعنى أن يكون هذا الحس من القنوت والخشوع والتأدب بين يدي الله مقتضى طبيعي لانكشاف ووضوح الجمال والجلال أمام الإعجاز القرآني.
نحن في شهر رمضان مدعوون إلى مأدبة الله، بمعنى أن يكون هذا الحس من القنوت والخشوع والتأدب بين يدي الله مقتضى طبيعي لانكشاف ووضوح الجمال والجلال أمام الإعجاز القرآني.
لوح روح الإنسان له جهتان، جهة فارغة لم يكتب فيها شيء والتي تحكيها الآية: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)﴾ هذه جهة العلوم الحصولية التي يتعلم فيها الإنسان علوما مما حوله عبر منافذ الإدراك من سمع وبصر وغيرها أما الجهة الأُخرى من لوح روح الإنسان فهي ممتلئة بفطرته ووجدانه، ومزودة بالكليات والبديهيات العقلية، وهي أغزر في أعماقه من الملفات التي سيطلع عليها من خلال الوجه الأول للوح روحه.
في هذا الوجود لا يوجد من أدرك رحمانية الله أكثر من رسول الله (ص)، لذا فإن هذا التعب الذي أتعب نفسه به، وهذا المقدار من الاهتمام لحال الناس بحيث يكاد يهلك نفسه حسرات؛ ما هو إلا لأنه يعلم أن من استوى على العرش هو (الرحمن) وهذا الكون يدار بالرحمة، ولا يحسن أن تقابل الرحمة بالصدود والإعراض.
لو نلاحظ قول الإمام علي عليه السلام: (الصِّيَامَ ابْتِلاَءً لْإِخْلاَصِ الْخَلْقِ)(٤) الصوم ابتلاء وامتحان، وهو تعريض للإنسان لكي يسبح في نهر التطهير ويتعلم فن السباحة في هذا النهر.
فالرواية السابقة تشير إلى قابلية الإنسان للارتقاء والتنقل في مقامات السلوك والعروج حيث تتصاعد هذه القابلية عامًا بعد عام ويصل إلى عالم الإخلاص.
السعادة والفرح في الأمور الإلهية والعبادات والطاعات لها شأن مختلف؛ فإذا صام المؤمن في هذه الدنيا أدرك كم هو إنسان عاقل وواع، وعند الإفطار يكاشف نفسه ويكشفها كونه صائمًا، إذ لم تحركه عجلة الدنيا، بل تجاوزها واقتحمها وتركها مُعرِضًا عنها
أن بين القرآن الكريم والصيام في شهر رمضان المبارك غاية ونهاية مشتركة؛ فالقرآن الكريم شفاء لما في الصدور، وشهر رمضان كذلك فيه شفاء فكما جاء عند كلا الفريقين "صوموا تصحوا"، وجاء عن أمير المؤمنين﴿؏﴾ ما يفيد هذا المعنى: "الصيام أحد الصحتين"، واُستظهر من هذه الرواية أن الصيام باعتباره أحد الصحتين؛ إذ لا نعرف سببًا للصحة والاستقامة والشفاء كالقرآن الكريم