لو طالعنا سيرة الإمام العسكري لوجدنا أن التاريخ نقل لنا جزءا مهما جدا من حالات الإمام الباطنية – ونعني بها ما نقل من تلك الأحوال التي تمر على الإمام والتي هي آثار لمكنوناته باعتبار أنها باطنية غيبية- فما ورد من انقطاع الإمام وعبادته أو أحداث انقلاب أحوال سجانيه وشانئيه ومبغضيه كلها تشير لذلك وليست قضية أو قضيتين؛ بل هي سيرة وديدن بحيث تدل وبشكل واضح على حالة الغوص في عالم الغيب والقدرة على التصرف في الأرواح.
وبمتابعة تلك السيرة نجد أن إعمال الإمام (ع) للبعد الملكوتي قد يكون بتدبير ظاهري من الإمام، كما في قضية الخراساني الذي يشرب الخمر، و الذي طلب لقاء الوالي فحجبه الوالي تأديبا. وحينما زار الوالي سامراء امتنع الإمام عن استقباله وحجبه. فانتظر الوالي الإمام حتى خرج من داره، وألقى بنفسه على الأرض يقبل قدمي الإمام ويمرغ وجهه بالتراب، فقال الإمام إنما حجبتك لأنك حجبت فلان. وحينما سمع هذا الخراساني بفعل الإمام تاب وآب إلى الله وانقلبت أحواله. وقال: أمن أجلي يحجب الإمام الوالي !!؟
كما أن هناك أمورا أخرى يمارسها الإمام يعمل فيها قواه الباطنية، كما حدث مع الخليفة العباسي الذي أراد اغتيال الإمام، فعلم بذلك أصحاب الإمام وأخبروه فقال عليه السلام : لا عليكم فقد نازلت الله فيه، وفعلا هلك ذلك الطاغية بعد ثلاثة أيام؛ بل
إن نفس كون الإمام في سجن انفرادي هو كاشف عن مدى أنسه بالله وعمق وسعة عالمه الباطني. وهناك الكثير أيضا مما يشهد علي ذلك الارتباط بالله وأن الإمام هو تجل لأسماء الله وصفاته الظاهرة والباطنة.