وابعث فيهم رسولا منهم
ففي الحجّ نرى ربوبيّة الله متجسّدة بالمرور على آثار واضحة محسوسة. وكما تلقّفت السماء دعاء إبراهيم (ع) فكذلك حجّنا يمثّل حركة هذا الدعاء على أرض الواقع، فلسنا إلّا مفردات حيّة تطوف وتسعى وتمشي على الأرض لدعاء إبراهيم
ففي الحجّ نرى ربوبيّة الله متجسّدة بالمرور على آثار واضحة محسوسة. وكما تلقّفت السماء دعاء إبراهيم (ع) فكذلك حجّنا يمثّل حركة هذا الدعاء على أرض الواقع، فلسنا إلّا مفردات حيّة تطوف وتسعى وتمشي على الأرض لدعاء إبراهيم
الرفيق قبل الطريق" مقولة لكثرة ما ترددت على الألسن ظننا أنها في عداد الأمثال ولكنها في الواقع نص مقدّس ورد في وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام "يا بني سل عن الرفيق قبل الطريق... وعن الجار قبل الدار".*
هناك غاية نهائية للحج لا تتحقق ولا تظهر جليّة وعينية إلا باجتماع الناس عليها، واتحادهم على حملها، وانصهارهم فيها بلا قيد ولا شرط بعد سقوط الفوارق بينهم وعودتهم إلى هويّتهم الأولى وحرق هويّاتهم الطائفية والوطنية، وإفناء حالة العصبية والمنطقية والانتماءات العرقية، فمكة هي الوطن الأصيل الذي يصلي فيه الناس كما يصلون في أوطانهم الوهمية صلاة كاملة، ومكة هي محل إذابة الفوارق وإسقاط قشور التكبر والغرور كما جاء في روايات الحج.
قال الله في حق هذا المقام ﴿ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ البقرة: 125 فمع أن نبيّ الله إبراهيم (ع) زيّن الأرض بشجاعته وقوة إرادته الاستثنائية، وله في كل أرض يذكر فيها التوحيد رمز عريق في فطرة الإنسان؛ لكن قيامه ببناء بيت لله تتمحور حوله القيم التي هي جوهر الإنسان من الإخلاص والفداء والوقار والشيخوخة المنهومة بذات الله؛ هو أجمل ما في وجه الأرض.
الحج صب من القيود الإلهية التي تجعل الإنسان في طريق معين لا يخرج عنه، ويجعل الحاج جنديا من جنود التشييد، فلا يكون معطلا.
للحجّ قيمة وموقعا أساسيّا في الدين ونصره والبصيرة فيه. بحيث أنّ من لم ير معالم الحجّ ببصيرته ولم ير الأبعاد والحقائق التي جعلها الله في هذه المناسك فهو لم ير شيئا من الدين، ولم ير الرسالات الإلهيّة ولم ير التوحيد... فهو أعمى ويحشر يوم القيامة أعمى كذلك.