بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته
السلام على محمد وآل محمد الذين عمروا الأرض بالطاعات وبالتضحيات، وبنوا لنا هذا الدين، وغذوه بدمائهم الطاهرة ومواقفهم الصلبة في وجه الطغيان والكفر والإلحاد والنفاق ومدعيّ الإنسانية ومدعي الإسلام المبغضين في الحقيقة لله ولرسوله، والسلام على شهدائنا الأبرار شهداء القديح الذين طهروا هذه الأرض وهذه المنطقة من الشقاق والنفاق ومن الخلاف ومن أدعياء الإسلام ومن أدعياء الدين.
لأرواحهم شآبيب الرحمات والعفو والمغفرة، وللقيّمين على هذا البرنامج عظيم الأجر وجزيل الثواب لأهالي الشهداء الصابرين ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ الزمر: 10.
أشكر هذه الخطوة الطيبة، والأحاسيس العالية الراقية، وهذا الوفاء والتفاني وهذا الجد وعلوّ الهمة في إحياء ذكرى الشهداء واتخاذها كمنهج ومنطلق ونقطة إضاءة في واقعنا الاجتماعي والروحي والفكري والعلمي. وإن دل ذلك على شيء؛ فهو يدل على الوعي والإيمان باليوم الآخر وطلب رضا الله سبحانه وتعالى، لا سيما أننا في شهر رمضان، لأننا نؤمن أن الأرواح الطاهرة غادرتنا بأبدانها عن هذا العالم، ولكنها تحفّنا بالنور والضياء والهداية، والإرشاد إلى ذكر الله سبحانه وتعالى. ودليلي على ذلك قوله جل وعلا: ﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ الحج: ٣١.
إن هذه الآية تتحدث عن نظام ومعاملة وسنة إلهية لحفظ البعد الروحي والمعنوي في كل المجتمعات الإنسانية، لأنها خاطبت الناس، كل الناس فقالت: (لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع) والصوامع هي الأماكن التي يذكر فيها اسم الله على ديانة الأنبياء منذ إبراهيم إلى نبي الله عيسى عليه السلام. (والبيع) هي أيضا أماكن للعبادات، أما (المسجد) فهو البيت الذي يعبد فيه الله سبحانه وتعالى في ديانتنا الإسلامية.
فإذن، لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لولا أن هناك من يدفع عن بيوت الله، ولولا أن هناك من يضحي لحفظ بيوت الله، ولولا أن هناك من يجعل من بدنه وجسده دافعا لأعداء الله لمحيت هذه المساجد.
إن المساجد لا تبنى بالإسمنت والآجر والفرش الثمينة والنقوش الجميلة والمجالس الوفيرة، البعض يخال أنه كلما كانت أدوات بناء المسجد فخمة وعالية الثمن فسوف تكون المساجد أكثر تأثيرًا في النفوس وأكثر جذبًا للقلوب، لكن الآية تنفي هذا المعنى، الآية تقول إن الدماء الطاهرة بالدفاع والتضحيات هي التي تبقي ذكر الله سبحانه وتعالى وأماكن عبادته فإن إحياء ذكر اسم الله سبحانه في الحقيقة تنوير للقلوب. فكما أن الأبدان تنهدم حين تخرج منها الأرواح؛ كذلك فإن المساجد تنهدم عندما لا تكون محلا لذكر الله.
إن الذي يحفظ الذكر، ويجعل الأرواح تلهج بذكر الله، وتنجذب لليوم الآخر، ويطهر القلوب من الانحراف، ليس هو البناء الظاهري للمسجد فقط وإنما هو اندفاع هؤلاء الفتية وهؤلاء الرجال والأطفال إلى بيت الله سبحانه وتعالى يعمرونه بالذكر والطاعة والعبادة.
إن الذي يعطي المسجد هذه القدسية لكي يسمى مسجدًا هو حالة السجود والخضوع والإخبات، حالة التسليم لله، ولذلك سمي المسجد مسجدا، أما بقية المعابد التي يعبد فيها الله سبحانه وتعالى من قبل الملل الأخرى فهي صوامع وبيع وصلوات، والذي يجعل المسجد مسجدا ويحافظ عليه هو هذه الأرواح الطاهرة التي تحمل رسالة المسجد، تحمل العبودية لله والرفض للظلم والطغيان والجبروت والنفاق، لا بالأبنية القوية المحكمة.
إن شهداءنا الأبرار الذين طهروا مساجدنا من النفاق والطغيان، وطهروها من الخوف والذلة والخنوع، وواجهوا الإرهاب والظلم بانقيادهم لله سبحانه وتعالى؛ هؤلاء هم الذين يحفظون المساجد ويعمرونها، أما غيرهم فما كان لهم أن يعمروا مساجد الله، لأن الأعمال إنما تكون مرضية لله سبحانه وتعالى عندما تكون الأرواح طيبة طاهرة صادقة مؤمنة.
بعد هذه التجربة يمكن أن نقول أننا أمام مخططين:
المخطط الأول: هو هدم أبنية المساجد بحجة أن مساجدنا هي قائمة على الشرك، وهذا ما روجوا له، وقد أثبت شبابنا الطيبين الأطهار ورجالنا والأطفال كذب هذه الدعوى فالعالم كل العالم رأى أن هذه التهمة زيف وباطل، وهي ليست إلا شعارات كاذبة للقضاء على التوحيد الصادق الخالص.
لقد أفشل الشهداء هذا المشروع واستطاعوا أن يدفعوا هذه التهمة وأن يثبتوا أنهم هم أهل المساجد هم الذين يعمرونها بذكر الله سبحانه وتعالى وبالتوحيد وهم الذين يحطمون الشرك.
المخطط الثاني: وهو تهديد آخر علينا أن نلتفت له وهو سلب روح المسجد. الآن ربما لا نمنع من بناء المساجد من حيث الظاهر ولكن نمنع حفظ مضمونها، لذا فنحن نحتاج أن نحافظ عليه مضمون المسجد وأن ندفع عنه.
فالمساجد إنما تبنى حتى يقام الدين الخالص الذي لا يشوبه انحراف أو تزييف أو تضليل أو شعارات ليبرالية وعلمانية. يجب أن نلتفت إلى معاول الهدم هذه حتى نحفظ روح المسجد ورسالته. وكما يجب علينا تطهير ظاهر المسجد من النجاسات فإنه يجب علينا المحافظة على مضمونه طاهرا، بمعنى أن علينا الحفاظ على رسالة المسجد، ولاشك أن أصحاب هذه المنطقة الصادقين الطيبين الواعين الذين أثبتوا عبر التاريخ تمسكهم بدينهم وبإسلامهم وبولايتهم لمحمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أهل لذلك.
كما أن أهالي الشهداء الذين يحملون هذه الرسالة وهذا المجتمع الطيب الطاهر سوف يلتفتون إلى هاتين المسألتين: الحفاظ على ظاهر المساجد عبر التواجد في المساجد وذكر الله سبحانه وتعالى كثيرا، والحفاظ على رسالة المسجد ومضمونه، حتى نستطيع أن نميز بين الحق والباطل، وهذا حق الشهداء علينا جميعا، بل هذا دين للشهداء في رقابنا، وهذه في الحقيقة مسؤولية أمام هذه الدماء الطاهرة الطيبة.
لقد أحيا الله بهؤلاء الشهداء عقولنا، ونور بهم أفئدتنا، وأعطانا فرصة مرة بعد أخرى لكي نذكره ذكرا خالصا، ونعود إلى توحيده ونذكره سبحانه وتعالى كثيرا، وإنما قيدت بـ كثيرا حتى نعرف أن هذه الدماء ترفع عنا حجب الغفلة، والتمييع وترفع عنا حجب الإقبال على الدنيا والإدبار عن الآخرة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيب جميع القيمين على هذا المحفل من أهالي الشهداء، والأخوات المؤمنات، وأن يثيب أهالي هذه المنطقة التي تحملت عبر التاريخ الثبات على التمسك بحبل الله سبحانه وتعالى وبالعروة الوثقى محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأسأله أن يجعلنا معهم دائما ويحشرنا مع الشهداء الأبرار في مراتبهم العالية، وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
0 تعليق