تقدم القراءة:

مواقع النجوم ٥

الجمعة 8 يناير 2010مساءًالجمعة

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

5
(1)

مواقع النجوم ٥/ السنة الفاطمية (١-٣)

في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام: (من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع بمحاسن الأخلاق وهو منتظِر)(1).

قلنا إن سنّة رسول الله تتمثّل في البعثة والهجرة والخاتمية، وسنّة الأمير (ع) هي الاحتمال والاقتدار، ويأتي الحديث هنا عن السنّة التي نتخلّق بها من سيّدة نساء العالمين الزهراء (ع) ، إذ لا يمكن أن تبنى دولة الإمام المهديّ إلا على سيادة المرأة الصالحة، وهذا يحمّلنا مسؤولية.

مشروع دولة الإمام (عجّ) له خصوصيات، وأحد خصوصيّات هذا المشروع إنه (قاصم شوكة المعتدين، هادم أبنية الشرك والنفاق، حاصد فروع الغيّ والشقاق، طامس آثار الزيغ والأهواء، قاطع حبائل الكذب والافتراء)(2). قد نتصوّر أن صروح الكذب والزيغ الشرك والفساد هي أماكن اللهو واللعب والمجون، لكننا لو دقّقنا سنعرف أن أبنية الفساد ومواقعه الخارجية لو هدّمت مع بقاء المواقع الواقعيّة للفساد التي هي الأرواح والنفوس والقلوب والأفكار فإن الأرضيّة المهيّئة للفساد والانحراف سوف تعيد من جديد بناء صروح للزيغ والأهواء، وذلك لأن موطن الفساد الحقيقيّ هو القلوب والنفوس والأرواح والأفكار، وهذه الدول المنحرفة، وما تشيّده من أبنية ودور ومؤسّسات ومراكز لدعم مشاريعها الضالّة المضلّة ليست إلاّ آليات خارجية مادّيّة ظاهرية للفساد.

كيف يهدَم الأمر المعنويّ مراكز الخطايا الحقيقيّة؟

في الحيّز الماديّ لا يمكن أن تقيم بناءً مكان بناء قبل أن تهدمه لتهيئ حيزاً للبناء الجديد، أي أن هناك عمليتان: إزالة ثم بناء، لكن الأمر يختلف في الأمور المعنوية، فبمجرّد أن تضع لبنة حقّ فأنت تزيل بها لبنة باطل، نشر المعارف والحقائق وإقامة الحجّة بالدليل وبيان ضلال دول الظلم والجور والطغيان حذف لذلك البناء من أساسه . وكمثال : الدليل والبرهان يهدم بناء الشكاكين وأصحاب الشبهات ، ونفس إلقاء الدليل هدم للشك وهو في نفس الوقت بناء الحقيقة .

وإذا قرأنا سيرة الأئمّة والمعصومين الأطهار، وأردنا أن ننتخب الشخصيّة الأولى التي هدمت صروح الدولة التي بنيت على الظلم؛ لا نجد أفضل مصداقا من الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها. ومن الطبيعي أن يكون المعارض الأول هو صاحب المنهج، وينسَب له الآخرون (من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها…)(3) لأنه هو السابق الفاتح.

عندما عارضت الزهراء عليها السلام السقيفة، أنفقت في هذه المعارضة كلّ رأس مالها : وجاهتها، اسمها، تاريخها، صحّتها، أولادها، بيتها .. حتّى هُدِّد بإحراق بيتها بالنار. وما صنعته الزهراء (ع) في الواقع هو أنها ضربت أصول أبنية التضليل والتزييف والنفاق والشقاق، وعين عملية الضرب والتهديم هذه هي بناء وتأسيس لدولة الحجّة (عجّل الله فرجه الشريف)، فالزهراء عليها السلام لم تجعل لهم دولة تستقرّ، والسبب أنها لم تكن تهدم فقط بل كانت تبني، وعملية البناء في الأمور المعنويّة هي بناء لأناس وهدم لآخرين، ففي الوقت الذي كانت حركتها هدما وضربا لأسس دولة الظلم والفساد التي قامت في السقيفة، كانت نفس تلك الحركة بالقياس للذين استمروا على نهج أمير المؤمنين (ع) بناءً وتأسيسا. فقد ورد أنه لم يبقَ مع الأمير (ع) بعد يوم السقيفة وبعد الانقلاب إلاّ خمسة على عدد أصابع اليد، وقد زلزلوا زلزلة إلاّ واحدًا منهم كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام.

وهنا يأتي تساؤل :  لماذا لم يأخذ الأمير (ع) هذا الدور بدل الزهراء (ع) ؟

والجواب: أن هذا الدور لا يمكن أن يقوم به أحد، إلاّ امرأة في بيت النبيّ ومن روحه التي بين جنبيه. لأن المعارضة الأولى تحتاج إلى بناء روحيّ ومعنويّ لا يمكن أن تقوم به إلاّ امرأة تسود في العالم وتحقّق السيادة. كما أننا يجب أن نعرف أن هذا توزيع أدوار يتناسب ومقام كلّ واحد من المعصومين عند الله سبحانه وتعالى. ولولا حركة الزهراء لما تمّ إنقاذ هذه الأمّة، لأنها شكّلت بحركتها طوق النجاة، وأوصلت الأمّة إلى برّ الأمان، ولن نعي هذا إلاّ بالإدراك الكامل لمدى خطورة القرار الذي اتخذ في السقيفة. 

إن خيار الفرار الذي اتّخذه أصحاب رسول الله (ص) في تلك الساعات الثلاث من النهار كان أقسى وأشدّ وأصعب نقطة انعطاف سبّبت انحراف هذه الأمّة، ولو لم تتدخّل الزهراء وبقوّة لتعيد الدفّة إلى الطريق الصحيح لكان من المفترَض أن ينزل عذاب الله سبحانه وتعالى على هذه الأمّة، لأنها انقلبت على مبادئ النبيّ الخاتم، لكن الزهراء (ع) قامت بعملية التصحيح في ضمير الأمّة ووجدانها. وفي بادئ الأمر لم يتحرّك مع الزهراء (ع) إلا أفراد بعدد أصابع اليد، لكن من كان بنيانه على تقوى من الله ورضوان فإنه يبقى يستمر ويكثر، وهذا الواقع الشيعيّ اليوم هو نتاج حركة الزهراء عليها السلام، ولولا ذلك لما بقي لنا حجّة ولا دليل على انحراف دولة السقيفة.

كيف عارضت الزهراء عليها السلام ؟

لم تخرج الزهراء حين خرجت منفردة بل كان كما ينقل التاريخ ( أقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها )(4)، والحفَدة لا تعني الأبناء، بل تعني من تبنين مشروعها.  خرجت الزهراء بـ “حزب نسائيّ” كما يعبّر العلاّمة الشيخ جعفر مرتضى العامليّ. ثم حين انتشر خبر خروجها وعدم رضاها عن الدولة القائمة طلب الحزب الحاكم من أمير المؤمنين عليه السلام أن يأذن لهم بزيارتها عليها السلام – وقد أرادوا بذلك أن يهدّئوا الأمور، ويوهموا الناس برضاها عنهم، ظانّين بذلك أنهم سوف يحلون المشكلة – لكنها وإن أذنت لهم بعيادتها كارهة فقد جعلتها فرصة لتأجيج المعارضة من جديد، ولتسحب الشرعية مرّة أخرى منهم، فحين دخلوا عليها أشاحت بوجهها عنهم، وقالت: ( نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني. قالوا : نعم سمعناه من رسول الله قالت فأني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه . . . إلخ )(5) لتعيد على مسامع الناس هذه الكلمات – التي حفظها كلّ من كان في المدينة – وتجعلها ميزانا يزن به العقلاء حكومة السقيفة، وليتّضح لكلّ بصير زيف هذا البناء وهشاشته وفساده، وهي مع تلك المعارضة كانت تؤسّس لبناء دولة الحقّ.

أساس الصلاح والفساد في الأرض:

إن الصلاح والفساد في المعمورة قائم على صلاح أو فساد (إنسان مؤثّر)، لأن الإنسان المؤثّر لديه قدرة على تحريك الآخرين، فإذا كان عنصر صلاح صلح به الناس، والعكس صحيح. من هنا يقول الأمير عليه السلام في معاوية: (سأجهد أن أطهّر الأرض من هذا الخلق المنكوس)(6) حيث يعبّر عن القضاء على معاوية بأنه تطهير للأرض كلّها، لما لهذا الداهية من تأثير على شريحة واسعة من الناس. لكن حين يكون العنصر المؤثّر صالحا طاهرا فهو يصلح الأرض ومن فيها، ويكون بذلك سيّدا، هذه هي السيادة الواقعية، ولهذا كانت الزهراء عليها السلام سيّدة نساء العالمين.

الصدّيقة الزهراء (ع) سيّدة نساء العالمين:

لقد اجتمعت في الزهراء عليها السلام عناصر السيادة الواقعيّة التي أسّس لها القرآن الكريم، فللسيادة في القرآن ثلاثة عناصر كلّها تجتمع في أنثى.

حين وصف القرآن أنبياء الله عيسى ويحيى عليهما السلام بالسيادة أعطاهما ثلاث خصائص، يقول تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا(12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا(13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا(14)﴾ سورة مريم ، ويقول تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ آل عمران: 39 لقد ساد نبي الله يحيى (ع) لتوفّر العناصر الثلاثة للسيادة الواقعيّة وهي:

  1. العفّة {وَحَصُورًا}: الحصور هو من يحاصر الشهوات ويضبط نفسه أمامها. والزهراء عليها السلام سيّدة العفّة، وبها يتحقّق ركن من أركان الدولة المهدويّة القائمة على مكارم الأخلاق، فالحكمة في السنّة المحمّدية والشجاعة من السنة العلويّة، والعفّة من السنة الفاطمية.
  2. الحنان {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا}: الحنان اللدنّي كالعلم اللدنّي، وهو الحنان الذي يأتي من الله بلا واسطة، فلا يكون هناك واسطة بين الإنسان وعالم الحنان، فيبلغ الغاية من الذوبان في هداية الآخرين ورعاية مصالحهم، والزهراء عليها السلام بلغت الغاية في ذلك، كيف لا وأحد أسمائها (الحانية)؟ وسورة هل أتى تضجّ بهذه الحقيقة. 
  3. عدم الجبّاريّة، لأن القوّة الجبّاريّة لا تسوّد أحدا {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا}. السيادة ليست إدارة خارجيّة فقط، السيادة الواقعية منشؤها رضوخ قلب لقلب أخر واستسلامه له، والسيّد هو من يسود الناس بحنانه وبذوبانه فيهم، فيكون قائدا عليهم بحقّ، لذا فالسيادة والحنان أمران لا ينفكّان، لأن القلوب جبلت على حبّ من أحسن إليها.

يروى عن السيد المهريّ وكيل الإمام الخمينيّ (قدّه) في الكويت أنه ذهب معه إلى فرنسا ، يقول : كان الإمام صائما فوضعوا الإفطار وكان على السفرة بطّيخا فأردت أن أتبرّك وآكل من صحن الإمام ولكنه رفض، ثمّ وبعد إلحاحي الشديد سمح لي، فتناولت منه ووجدته مالحا، وحين تساءلت عن ذلك قال الإمام: إن الشعب الإيرانيّ لا يستطيع في هذه الظروف أن يأكل البطّيخ، وقد أمرني الطبيب بكثرة تناول السوائل بسبب وضعي الصحّيّ، فأنا آكل البطيخ من أجل ذلك فقط، وقد عمدت إلى إفراغ البطّيخ من طعمه اللذيذ بوضع الملح عليه، إذ لم أشأ أن أستلذّ به مع حرمان شعبي منه.

إن حنان هذا الإمام العظيم، وذوبانه في شعبه بعاطفة صادقة، وإحاطته بمصالح شعبه؛ هو الذي جعل الشعب ينقاد له، وهو ما جعله سيّدا فيهم، وكلّما كان الإنسان أكثر حنانا ومحبّة كلّما ترسّخت سيادته أكثر. الحنان والتربّع على عرش النفوس هو شفرة الاتصال مع الآخر، وهذه هي السيادة، فليست السيادة بالعلم والحكمة إذا انفصل عنها الاحتواء والحنان.

هذه هي خصائص السيادة الواقعية، وكلما كانت متأصّلة أكثر كانت سيادة صاحبها أوسع، وكلّما كان الإنسان أكثر محبّة للآخرين ومعرفة بمصلحتهم واندفاعا لنفعهم كلّما كانت قدرته على السيادة أكثر. هذه العناصر تحقّقت في الزهراء عليها السلام، وقد بلغ حنانها الغاية، فقد نقلت الأخبار أنها عليها السلام حين عُصرت بين الجدار والباب صرخت (يا مهدي) مع أن الإمام له أسماء كثيرة، وكان يتناسب مع ذلك الموقف الصعب أن تناديه الزهراء عليها السلام (يا ثائر.. يا منتقم.. يا قائم..) ولكن لعلّ الزهراء تريد بذلك أن تقول: لقد يئست من هدايتهم، أين أنت يا مهدي؟ … ما هذا الحنان العصيّ عن الوصف؟! لقد سادت العالمين بحنانها اللدنّيّ فكانت سيّدة نساء العالمين. لأن الإنسان الجبّار الذي لسان حاله دوما (ها أنا ذا) لا يؤثّر أبدا، حتّى لو أعطي علما وحكمة نظريّة.

وفي مقابل السيادة التي أرادها الإسلام للمرأة، جعلت الدول العالميّة من المرأة ألعوبة، وميّعتها لتجعلهاوسيلة لحفظ مصالحهم ورؤوس أموالهم. بينما  اللبنة التي تبنى منها دولة الإمام عليه السلام هي المرأة السيّدة، التي لا تكون أداة تنفيذ لأهداف الغير، هي التي لا تستثمر عاطفتها وجمالها لكسب المال، بل هي قويّة في عفّتها وقادرة على جعل هذه العفّة حالة اجتماعية، وهي مع ذلك تمتلك الحنان والرحمة والرأفة.

رسول الله هو رحمة للعالمين، وهو أبو هذه الأمّة الذي بلغ من رحمته (ص) أنه يتحمّل خطايا المحدثين بعده، ورد في الدعاء: (واغفر له ما أحدث المحدثون من أمّته بعده) ، هذه المرتبة من الحنان والرحمة والرأفة عند رسول الله تمحّضت في أنثى، هي روحه التي بين جنبيه، فأصبحت (سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين)(7)، وأصبحت (ع) أمّا للجميع، بل غدت (أمّ أبيها)(8)، وكان من أسمائها (الحانية)، تلك التي ما انشغلت لحظة ولا آنا عن الاستغفار لجيرانها، بل إنها كانت تعود حتّى اليهودية في ليلة زفافها.

هذه المرأة هي عنصر سيادة سديدة حكيمة، وهي في نفس الوقت كتلة من الحنان والرأفة، عندما رأت أن هذه الأمّة قد خرجت عن صراطها المستقيم، وأنكرت بيعة وليّ أمرها، فاتح أبواب الجنان ومغلق أبواب النيران، خرجت عليها السلام في تلك الحال، وطافت على بيوتهم أربعين ليلة، ثم بعد أن يئست أصبحت تخرج من دارها إلى أيكة تبكي تحتها. ولعل فس ذلك إشارة إلى أن  القضية ليست شخصية تخصّ الزهراء عليها السلام وحدها، بل هي قضية هذه الأمّة، وكانت (ع) ترى بعينها الملكوتيّة كيف يؤول أمر هذه الأمّة إلى الجحيم، ولأجل ذلك بذلت ما بذلت من أجل أن تفتح للأمة طريقا آخر، وتعيدها إلى الجادة.


1. بحار الأنوار ج52، ص140

2. دعاء الندبة  

3. بحار الانوار ج71، ص204

4. الاحتجاج للطبرسي ج1، ص131

5. الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص14

6. نهج البلاغة، كشف الغمة للأربلي ج2، ص9

7. ميزان الحكمة للرايشهري ج1، ص150

8. كشف الغمة للأربلي ج2، ص9

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 90٬234 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (2)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها