تقدم القراءة:

الغدير في السماء

الخميس 29 يوليو 2021صباحًاالخميس

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

5
(1)

بسم الله الرحمن الرحيم 

أسمى وأهنأ آيات التباريك والتهاني بأكبر و أكمل وأفضل الأعياد لرسول الله (ص) وآله الطيبين الطاهرين ولصاحب المناسبة أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة ﴿؏﴾، والأئمة المعصومين سيما خاتمهم عج، مراجعنا بشكل عام، قائد الأمة الإسلامية حفظه الله، المؤمنين الأخوات الطيبين الخييرين، المخلصين من البشر الصافين من الناس؛ نبارك لهم ذكرى يوم عيد الغدير الأغر، ولا يفوتنا في هذه المناسبة أن نعزي مجتمعنا الصادق الوفي المخلص الذي أثبت ولاءه ووفاءه بوفاة الغالية العزيزة لينا بوجبارة أسكنها الله فسيح جناته.

 

توطئة 

حديثنا بعنوان (الغدير في السماء) وهذا العنوان منتزع من حديث للإمام الرضا ﴿؏﴾فقد جاء في الخبر -في الوقت الذي كان الإمام الرضا وليًا للعهد- وكما أفاد الراوي: كنا عند الرضا ﴿؏﴾ والمجلس غاص بأهله حيث كانت ولاية العهد فتذاكروا عن يوم الغدير فأنكره بعض الناس وقبله آخرون فقال الرضا ﴿؏﴾: “حدثني أبي -موسى بن جعفر- عن أبيه عن الإمام الصادق ﴿؏﴾: “إن يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض” (١) ومن هنا نلفت لعدة نكات:

أولًا:

نقول إن يوم الغدير عيدًا، وكما جاء في الروايات أنه ينبغي من اتخاذه عيدًا (٢) ؛ وهنا ينبغي أن نلتفت إلى هذه المسألة حيث أن اتخاذ الأعياد بمعناها الشرعي مسألة توقيفية؛ إذ لا ينبغي أن نسمي يوم المرأة بعيد، أو يوم المعلم بعيد، وإذا كان هناك تسامحًا؛ فهذه التسمية ليست من باب التسمية ونسبتها للوصايا الدينية، وإنما وحسب ما ورد في الوصايا الدينية أن الأعياد ثلاثة: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الغدير، كما وقد أمرنا باتخاذها أعيادًا، وأن عيد الغدير أعظمها، وقد استفاضت بذلك الروايات، كما وجاء في الرواية أن يوم الجمعة عيد ثابت يتكرر.

ثانيًا:

ينبغي الالتفات إلى مسألة أن تكثر الأعياد والأفراح مضر، كما وأن تكثير الأحزان التي لا داعي لها هو أيضًا قد يؤدي إلى العقد و المساوىء الكثيرة.

يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض

إن يوم الغدير يُعدّ من أهم الأعياد، فكل عيد تكمن أهميته بالأحداث التي تقع فيه؛ والرواية إنما تشير لعدة أحداث تقع في السماء وعالم الغيب، كما والتي تقع على الأرض ومنها حادثة الغدير؛ وكما جاء في الرواية “الغدير في السماء أشهر منه في الأرض”، أيّ أننا لو نظرنا إلى العالم السماوي، ونظرنا نحو عالم الغيب، عالم الحقائق التي يعلمها الملائكة وكل أهل السماء؛ فلن نجد هناك منكر للغدير البتة.

وذلك كون الإنكار إنما يتولد من سببين أساسيين؛ إما من قصور أو عن تقصير، وكلا الاحتمالين منفيين عن الملائكة بلا أدنى شك أو ريب.  

فالقبول بالولاية والعهد الإلهي والميثاق الربّاني والتعبد لله ﷻ بولاية أمير المؤمنين ﴿؏﴾؛ فإنه كما يتوقف ويتكئ على خلق واحد، وفضيلة وملكة واحدة، وكذلك إنكاره أو رفضه كذلك؛ يتكئ على المضاد لتلك الملكة عينها.

ولنا أن نتسائل هنا: لماذا يوم الغدير في السماء أوضح أشهر منه عند أهل الأرض؟

ولماذا يسلم الملائكة ويذعنون بعيد الغدير؟ نلاحظ هنا أن المشهور ليس بمقابل المعنى الحديثي والروائي – المشهور والأشهر والضعيف والمتواتر- هذه مصطلحات في علم الحديث، لا يراد منها هنا هذا المعنى، وإنما يراد بها أوضح.

في مقام الجواب نقول: لأن أهل السماء والذين قد وصلوا إلى مقامات القرب الإلهي، فهؤلاء لا يستنكفون ولا يستكبرون عما جاءت به الولاية؛ بل وكل ما ترتب على ردها جاء بسبب الاستكبار؛ يقول ﷻ في شأن الملائكة: ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ النساء: ١٧٢  

نحن في الأرض نحتاج إلى الأدلة والشواهد، لكن في السماء كونهم في عالم الحق والحقيقة غير مستكبرين عن الولاية؛ لذلك فهي هناك أشهر، أصفى، وأطهر وأظهر؛ لا غفلة فيها ولا عنها، ولذا فهي في السماء أشهر منها في الأرض.

فلماذا لا يستنكف المسيح؟ 

وللإجابة على ذلك نحن بحاجة للتدقيق والتأمل في الربط بين المسيحية وعدم الاستنكاف.

فالاستنكاف لا يأتي من الوجود المسيحي، ولإيضاح المعنى وبشكل أفضل سنقف على معنى المسيح؛ والذي هو لقب لنبي الله عيسى ﴿؏﴾، وقد وردت آراء عدة في سبب هذه التسمية.

المعاني الواردة في تسمية المسيح:  

  1. أن الله ﷻ مسحه وطهره من الذنوب؛ أيّ مسحه بالبركة؛ بمعنى أنه يمسح بيده على أهل العاهات فيطيبون، وقد أختلف المختصون في اشتقاق لفظة المسيح، فقالوا: هو مشتق من ساح، يسيح، ذهب ومشى في الأقطار، فلفظة المسيح فيها من اللطافة ما يجعل الإنسان والموجود المتصف بها غير قابل للاستنكاف أو الاستكبار .
  2.  المسيح هو السائح كالماء الصافي الزلال، فعندما نريد أن نصف شيئًا يعكس لنا صور الأشياء؛ فإننا نصفه كالماء الصافي، والمسيح لأنه هكذا تمامًا، إذ ليس هناك ما يغلّظه ولا يثخنه؛ كون الغلظة والشدّة ورؤية الذات هي التي تجعل من الإنسان غير قابل للمسيحية، وبالتالي فهو يستكبر ويستنكف.
  3. وإذا قلنا أن المسيح بمعنى الممسوح، أيّ ممسوح في ذات الله ﷻ؛ فهو أيضًا يحمل ذات المعنى الذي يأبى الاستنكاف؛ بمعنى أنه لا يرى لنفسه وجودًا، لذلك فهو لا يتكبر ولا يستنكف، وبهذا فهو يقبل الولاية ويذعن لها، كما يقبل العبادات وكل أمر هو صادر من الله ﷻ.

الاستكبار سبب أساسي لإنكار الولاية، وعدم وضوحها وشهرتها

وكي نؤكد على ما جاء في النكتة السابقة، ونعرف أن معيار صدق الولاية ومدى انكشافها ووضوحها وشهرتها أكثر؛ لندقق في معنى عدم الاستكبار والاستنكاف، يقول الله ﷻ: ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾؛ وكما وقد أشارت الآيات الشريفة للمسيح بأنه مقرب عند الله ﷻ وله ذات الخصوصية: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ آل عمران: ٤٥.

فعندما وصفهم ﷻ بأنهم ﴿الْمُقَرَّبُونَ﴾؛ وكأنه ﷻ أبان وعلل سبب عدم استنكافهم، وهذا الوصف المشترك بينهم وبين نبي الله عيسى ﴿؏﴾ يجمعهم عليه أمر واحد؛ وهو ابتعادهم عن ذواتهم وأنانيتهم ومحورياتهم.

لقد عللت الآية الشريفة لما هية الصفة الجامعة والمشتركة بين المسيح والملائكة ﴿؏﴾ حيث تجعلهم يأبون الاستنكاف؛ كونهم من ﴿الْمُقَرَّبُونَ﴾.

والحال فإن الذي يستنكف ويستكبر -كما هو الشيطان- هو غير مقرب ومبعد من رحمة الله ﷻ ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ ص: ٧٤

فالمسيح والذي هو سائح كالماء الزلال، ليس هناك ما يغلّظه ويثخنه، لذلك فهو في مقام القرب من الله ﷻ، كذلك الملائكة والتي وصفت ﴿الْمُقَرَّبُونَ﴾، وهذا الوصف هو ما يشعرنا بالعلية والرفعة لما يفيده المعنى؛ ولو لم يكونوا كذلك لم يباركهم الله ﷻ، ولم يقربهم، كونهم ممن لا يستنكف عن عبادة الله ﷻ.

وبملاحظة الآية الكريمة نجد أنها قد أشارت لحيثيتي الاستنكاف والاستكبار: ﴿وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ فصرف الاستنكاف -بدون تكبر- يكون نابع من جهل الإنسان، وأحيانًا أخرى يكون هذا الجهل مقرونًا بالتكبر.

وهكذا وعلى العكس من ذلك، فإن الذين لم يعترفوا لأمير المؤمنين ﴿؏﴾ بالولاية؛ لأنهم قد امتلأوا غرورًا وتكبرًا؛ ومن سمات الإنسان المغرور والمتكبر أنه لا يقدر أن يعترف لأحد بالفضل.

فمثلًا قد نطلب من أحد أن يكتب مقالة في شخص آخر، يكتبها إيجابية لكنه لا يمدحه بما يستحق؛ وهذا دلالة على الاستنكاف

وهذه هي تمامًا علّة إنكار البعض للولاية دون أدنى فارق؛ فهناك من ينكر فضيلة لأيّ أحد كان ما كان، وعلّة ذلك الإنكار هو الاستنكاف والاستكبار؛ لذلك وتدريجيًا تصبح لديه هذه الفضائل غير مشهورة.

ومما يؤسف له اليوم أننا نرى العالم وقد أصبح يتجه بكله نحو محورية الإنسان والأنا؛ حيث ارتفعت لغة التفاهم بين الأفراد؛ بعد أن باتت لغة الذاتية موجودة و مستحكمة أكثر وأكثر؛ حتى غدا صخبه قاتلًا.

إن مجرد الاستنكاف لا يوجب السخط الإلهي؛ كونه يصدر عن كثير من الناس عن جهل، فهم يستنكفون ولا يعترفون بالفضائل لأهل الفضل كونهم جهال -كما هو حال بعض المستضعفين من غير الموالين لأمير المؤمنين ﴿؏﴾- إذ أنه لم تثبت لديهم الولاية بالأدلة؛ فالبعض قد يتصور بأن هؤلاء معذورون، ولكنهم ليسوا ذلك حتمًا، وهذا تصور خاطئ، لا يمكن أن نمتدح  الجاهل على جهل، وهذا ما أشار إليه السيد القائد بأن الغافل والجاهل لا يمتدح البتة، ولا يبرر له قوله أو فعله، ولكن فإن هذا الجاهل لا نعبر عنه بكونه مستكبرًا  كونه لم يكن عالمًا بالحقيقة؛ وقد نقول أنه مستضعف، ومستنكف عن ولاية أمير المؤمنين ﴿؏﴾، حاله حال كل جاهل لم تصل إليه الأدلة، ولذلك فإن الآية الشريفة لم تكتفِ بذكر الاستنكاف فحسب، بل أضافت له الاستكبار وقالت: ﴿وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ﴾.

المعارف السماوية أجلى وأكثر ظهورًا من الأرضية 

إن كل معرفة وحقيقة واقع عندما ننزله من مستوى المعرفة السماوية إلى الأرضية يكون مشوشًا تعلوه الغفلات قد نذكره أحيانًا وننساه أحيانًا أخرى، وهكذا هو حال كل شيء، أوليس رسول الله ﷺ يقول “أنا في السماء أحمد وفي الأرض محمد”. (٤)

أيّ: أنا في السماء أحمد مني في الأرض، بل وكل شيء سماوي عندما نحوله إلى أرضي يصبح كثيفًا يكتنفه الغموض، ولذا نلاحظ مقولة الإمام الرضا ﴿؏﴾: “الغدير في السماء أشهر منه في الأرض”.

أيّ أن حديث الغدير في سماويته أجلّ منه وأوضح، حيث لا يكتنفه الغموض؛ ولأنه شديد الوضوح؛ لذلك يكون هو حال الملائكة حيث لا يستنكفون عن قبول الغدير، فهم ليسوا خدامًا لأمير المؤمنين ﴿؏﴾ فحسب، وإنما كما جاء في الحديث أن الملائكة خدامنا، وخدام شيعتنا(٤)؛ لأن الذي يستطيع أن يكون خادمًا هو من تكون الحقيقة واضحة جليّة لديه يقبلها دون أدنى تكبر.

وعلى سبيل الاقتران والتقريب أحد امتيازات فقيدتنا الرسالية لينا بوجبارة رحمها الله التواضع والخدمة دون تكبر.

لذلك فإن أولئك الذين رفضوا ولاية أمير المؤمنين ﴿؏﴾ مع علمهم بأهليته وأحقيته -مع ملاحظة شرط العلمية- فإن سبب الرفض هو التكبر والغرور، فالملائكة والمسيح كونهم في غاية في التواضع لذا فهم لا يستنكفون البتة. 

كما وقد نقلت لنا كتب الرواية أن المسيح ﴿؏﴾ كان يطلب من تلاميذه أن يسمحوا له بغسل أقدامهم، ويمكن مراجعة تلك الروايات وملاحظتها مع كثرتها في كتب المرويات كما جاء في كتاب تحف العقول وغيره، والتي تلفتنا لتواضع المسيح ﴿؏﴾، حيث لا يستنكف عن ذلك؛ كونه يرى أن تلامذته هم عباد الله ﷻ.

حادثة الغدير جليّة في الأرض

أما بالنسبة لحادثة الغدير في الأرض فهي كذلك ظاهرة جليّة وغير مخفية، ولم يقصر رسول الله ﷺ وأهل بيته ﴿؏﴾ في إيضاحها وإظهارها ونقلها. 

ولنا أن نسأل أمن الممكن أو المعقول أن رسول الله ﷺ يوقف النّاس في حرّ الهجير كما تعبر بذلك الروايات؛ ويكون غير قاصد وغير مريد لأمر في غاية الأهمية، أم أنه لا يريد بذلك سوى ممازحة أصحابه؟! 

ولهذا فإننا نجد أن كل ما سلكه رسول الله ﷺ بخصوص واقعة الغدير كي لا يبقي أدنى استنكاف واستكبار في قلوب هؤلاء كي يسلموا كامل التسليم بولاية أمير المؤمنين ﴿؏﴾.

ولكن الأرض ملئية بالاستنكاف والاستكبار؛ لذلك فحقيقتها تخفى عن كثير من النّاس أو يجهلونها؛ إما تقصيرًا أو قصورًا؛ وعلّة التقصير أيضًا التكبر على طلب العلم، ونكران تلك الحادثة مع ما لها من الظهور؛ بل ومن يجهل الغدير -جهل قصور لا تقصير- لا يمتدح على قصوره كما أسلفنا، فالقاصر هو من لديه جهل مركب؛ وهناك جهل بسيط وجهل مركب، وهو الجاهل، وهناك آخر جاهل، وجاهل كونه جاهلًا وهذا هو القاصر ولا يبرر بأن هذه قراءته، وهكذا هو فهم للأمور، أو يقال أنه مستضعف ذهنيًا، فهؤلاء ليسوا معذورون كما وأشرنا، فالذي يتكلم عن تعدد القراءات وتعدد الأديان؛ فإن هذا لجهله حيث تكون ألف باء الأمور ليست واضحة لديه -وقد تمت الإشارة لهذا الموضوع سابقًا في أبحاث أخرى قبل عدة سنوات-، فهذا الموضوع -تعدد القراءات- لا يبقي حجر على حجر لأيّ نحو من المعرفة؛ وإنه وبناء على هذا الفهم فإنه لا يوجد فرق بين البوذيّ والمسلم والكافر، بلا فرق بينهم وكلهم معذورون، وهذا أمر باطل لا محالة.

تعاليم الرسول ﷺ وأهل بيته ﴿؏﴾ كي نكون ممسوحين في ولاية علي ﴿؏﴾

كيف ندرك نحن أننا في سبيل الولاية على خير؟ وكيف نعلم أننا ممسوحين على ولاية أمير المؤمنين ﴿؏﴾، وفي محبته، واضحين نيرين صافيين جليين غير كثيفين؟!

ولمعرفة ذلك نقول: كلما وجدنا في أنفسنا تذللًا للحق مذعنين له؛ أيّ حق كان ولأيّ أحد ما كان، فهذا دليل على أننا نوالي أمير المؤمنين ﴿؏﴾، بل وكلما رأينا متواضعًا لنتقرب منه فإنه يُلقى الحكمة فولاية أمير المؤمنين ﴿؏﴾ ليست مجرد كلمة؛ بل قول وفعل وتصديق بالقلب وإذعان بالجوارح.

ولتعلم إن أهل البيت ﴿؏﴾ كي يجعلونا -في مثل هذا اليوم- ممسوحين سائحين في ولاية أمير المؤمنين ﴿؏﴾(٥)، شمائلنا التواضع أعطونا ﴿؏﴾ بعض الالتزامات العملية كي نصل بها إلى هذه النتيجة؛ ولهذا نجد هناك بعض المستحبات الواردة في يوم الغدير:

1- الغسل، ولنتأمل به على نحو ماذا كانت وظيفة المسيح، فعندما يريد أحدهم أن ينتقل من اليهودية إلى المسيحية! نجدهم يعمدونه في الماء؛ بمعنى يغسل غسلًا ارتماسيًا، والغسل من المستحبات المعروفة بين الأصحاب، بل ونقل السيّد الخوئي عنهم الاجماع، فقال: أدعى عليه الإجماع جمع غفير منهم- قدس الله أسرارهم-  واستدلوا بذلك بروايات عدة ، ولو من باب التسامح في الأدلة فلنأخذ به.

2- الأمر بالصيام.

 الملائكة غذاؤها التسبيح، كما هو طعام الصائم التسبيح؛ فمما ورد من أعماله النهارية التسبيح، ومن مميزات المسيح أنه كان صائمًا دهره، وهكذا فإن صيام يوم الغدير يعدل صيام العمر كله.

3- ومن صلى في الغدير ركعتين يغتسل عند زوال الشمس قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة عدلت عند الله ﷻ مائة ألف حجة، ومائة ألف عمرة، وكذا بالنسبة للصدقة والبذل.

ولا يتسع المقام والوقت لشرح وإيضاح كل هذه المستحبات الواردة، ولكن إجمالًا نقول: فإن الإنسان عليه أن يدفع بأسباب التكبر عن نفسه كلها، فهناك من يحب أن يتصدق على إخوانه المؤمنين، وكذلك بالنسبة لزيارة أمير المؤمنين ﴿؏﴾، والحضور عند مقامه الشريف ﴿؏﴾، وهما واقعًا شيئان: ثواب الحضور عند أمير المؤمنين ﴿؏﴾، وثواب زيارته ﴿؏﴾.

إن كل هذه التعاليم من أجل أن تنقينا، ولكي تكون الغدير واضحة حاضرة جليّة، كي نكون واضحين صريحين صافيين دقيقين مسيحيين ملائكيين سماويين.

أسال الله ﷻ أن يوفقنا وإياكم لولاية أمير المؤمنين ﴿؏﴾، ويرزقنا محبته ومعرفته، وفي الآخرة شفاعته وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.


  1. محمد بن أحمد بن داود عن ابي علي أحمد بن محمد بن عمار الكوفي قال: حدثنا ابي قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن عبدالله ابن زرارة عن أحمد بن محمد بن ابي نصر قال: كنا عند الرضا(ع) والمجلس غاص باهله فتذاكروا يوم الغدير، فانكره بعض الناس فقال الرضا(ع): حدثني ابي عن أبيه(ع) قال: ان يوم الغدير في السماء اشهر منه في الارض”
    والحديث طويل، تهذيب الأحكام ج ٦ ص ٢٤
  2. وروى عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عن أبي الحسن الليثي عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: أتعرفون يوما شيد الله به الاسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيدا لنا ولموالينا وشيعتنا؟ فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو؟ يا سيدنا؟ قال: لا. قالوا: أفيوم الأضحى هو؟ قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان ويوم منار الدين أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وأن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انصرف من حجة الوداع و صار بغدير خم. الحديث.
    الغدير – الشيخ الأميني – ج ١ – الصفحة ٢٨٧
  3. وسأل بعض اليهود رسول الله صلى الله عليه وآله لم سميت محمدا واحمد وبشيرا ونذيرا؟ قال: اما محمد فانى في الأرض محمود واما احمد فانى في السماء احمد منه، واما البشير فأبشر من أطاع الله بالجنة واما النذير فأنذر من عصى الله بالنار وقوله (يريدون ليطفؤا نور الله بأفواهم والله متم نوره) قال بالقائم من ال محمد عليهم السلام حتى إذا خرج يظهره الله على الدين كله حتى لا يعبد غير الله وهو قوله ” يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. تفسير القمي ج٢ ص٣٦٥
  4. إكمال الدين، عيون أخبار الرضا (ع)، علل الشرائع: الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي عن فرات بن إبراهيم عن محمد بن أحمد الهمداني عن العباس بن عبد الله البخاري عن محمد بن القاسم بن إبراهيم عن الهروي عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما خلق الله عز وجل خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني. قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ فقال (عليه السلام): يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا، يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا. بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٢٦ – الصفحة ٣٣٥
  5. وهذا إحدى معاني التائبون العابدون الحامدون السائحون الذي أشارت إليه الآيات الشريفة (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)) التوبة

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 114٬754 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (3)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها