تقدم القراءة:

المرأة والحداثة

السبت 29 أغسطس 2020مساءًالسبت

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

تعتبر التحولات والتغيرات الكبيرة في العصر الحديث أوسع من أن يتمكن الإنسان من مجاراتها، وفي كل يوم نفاجأ بتغيرات لها تأثير في جوانب أساسية من حياتنا في المنهج والأساليب. بل حتى الصناعات الثقيلة والآلات لا ينبغي أن نظن أن تأثيرها ينحصر في الجانب المادي فقط فلها انعكاسات جدّية على الواقع الثقافي وتغيرات ملموسة على المشارب الأخلاقية في المجتمع. على سبيل المثال فقد ساهمت الحياة الصناعية في زيادة أوقات الفراغ ووسعت من إمكانية الاستفادة من الوقت فأصبح الإنسان يؤدي وظائف كثيرة في وقت قصير. وهذا يخلق واقعا هو بمثابة الأرضية الأولى لصدور المعصية وهو الفراغ. وهو مفردة أولاها الشرع الحنيف أهمية قصوى، فمفهوم البطالة من المفاهيم التي عدّها الشارع من عوامل الهدم الأساسية لحياة الإنسان و حاربها بحكمة، وعالجها بسبل عدة، فقد ورد في الروايات مثلا (خير لهو للنساء الغزل) أي أن التلهي وإن لم يكن مطلوبا بالدرجة الأولى للعاقل إلا أن  المرأة إن أرادت أن تلهو بشيء فالغزل لما للغزل من آثار ايجابية ومنافع عقلائية. 

إذن لكل شيء في عالم الحداثة آثار خاصة على حياتنا الثقافية والروحية والتربوية، وعليه فإن النظرة السطحية للحياة الصناعية الحداثتية هي نظرة ساذجة وغير صحيحة.

المرأة والوضع العالمي:

يعتقد المختصون في علم الاجتماع أن حياة المرأة بالذات ابتليت بتغيرات وتحوّلات عظيمة في العرض والطول، والوضع العالمي بأبعاده الاقتصادية والسياسية والثقافية يلامس واقع المرأة بشكل أكبر مما نتصور. ونحن نعتقد أن التحولات والتغيرات التي تحيط بواقع المرأة لا تتوقف عند التأثير عليها بل لا شك أنها ستشمل المجتمع بشكل عام لأن المرأة هي عصب الأسرة والمجتمع.

ولتوضيح أهم التحولات في دور المرأة  الأسري والاجتماعي نستعرض ما يقوله المتخصصون في هذا الشأن:

يقول الباحثون إن من أهم أركان الحياة الاجتماعية تقسيم العمل والوظائف وتوزيع الأدوار باعتبار الأنوثة والذكورة، فالنساء مسؤولات عن الأمور المنزلية والمهمات العائلية وما يعبّر عنه بما دون الباب، بينما يقوم الرجال بما هو خلف الباب من تأمين العيش والإنفاق على الأسرة.

إن هذا التقسيم والتوزيع المسمى بـ الأدوار الجنسية قد أوجد نظاما خاصا في حياة كلا الجنسين فلكل ٍدور ونظام حقوقي وأخلاقي يختص به، وهذا التقسيم يتناسب مع طبيعة الجنسين وينسجم معهما أكثر من أي تقسيم آخر. إلا أن توزيع الأدوار بهذه الطريقة التي تعدّ ممتدة من قديم الزمن تغيرت نتيجة للتطورات العصرية خصوصا مع ما فرضه النظام الرأسمالي من واقع اقتصادي واجتماعي.

أصالة الفرد تهدم الروح الاجتماعية: 

تقوم الرأسمالية على أصالة الفرد، وهو ما يتكئ عليه جوهر فالفرد هو المحور في هذا النظام بغض النظر عن علاقاته الأسرية والاجتماعية. ومقتضى أصالة الفرد أن يكون كل إنسان صاحب حق بالأصالة وليس مسؤولاً أمام أحد.

فالإنسان العصري – بحسب الفكر الرأسمالي – لا يجب عليه أن يرعى أحدا أو يؤثره على نفسه أو ينفق عليه أو يصله أو يزوره، فأنى للحياة المادية والصخب الرأسمالي أن يلتفت لهذه القيم أويعيرها اهتماما؟! بل حتى الحياة المعمارية وهندسة بناء المدن قد أعانت على تقطيع الأواصر والصلات الاجتماعية.

كما أن من آثار النظام الرأسمالي قطع رابطة الإنسان بالسماء والأمور الإلهية إذ أنه يرتكز على أصالة المنفعة واللذة والثروة، والأصل في هذا النظام هو الربح الذي لا يحصل عليه الإنسان إلا بالعمل ثم العمل ثم العمل، وعليه تدور رحى الحياة المادية. ونظام الحياة هذا يدعو كل إنسان للدوران في هذه الطاحونة والنساء في هذا النظام أكثر المتضررين فلا رأفة بهن ولا رحمة ولا صيانة لمنافعهن.

لا يمنع الدين الإسلامي النشاط الاقتصادي والعمل الاجتماعي لكن الفرق بينه وبين الفكر الرأسمالي يكمن في أن ركيزة النظام الرأسمالي هي مصلحة الفرد فقط مما جعله يعدّ المرأة فردا ليستهلكها في عجلة الاقتصاد، ومن البساطة أن نعتقد أن النظام الرأسمالي قدم للمرأة الفرص وسمح لها باستثمارها، بل قد أوجب عليها العمل وسحقها بعجلة الاقتصاد.

المرأة المسلمة بين التقليد والحداثة: 

إن مجموع هذه التغيرات والتحولات قد أنزلت مكانة الأمومة والزوجية، ففي الحداثة لا قيمة إلا للنشاط الذي يستدر الثروة والمرجح هو النشاط الاقتصادي والمالي ليس إلا.

ومن المعلوم شدّة ما يحدثه تغير القيم على تغيير مذاق البشر، لذا فالمرأة المسلمة اليوم مبتلاة بمشاكل كبيرة لأنها بين التقليد والحداثة. فهي بين تعاليم دينية وذوقيات شرقية من أهمها علاقاتها بالأسرة والأواصر الرحمية وإيمانها بدورها الخاص في تربية أولادها وقداسة العلاقة الزوجية وبين ما تفرضه الحداثة من ضرورة العمل لجلب المال والنشاطات الاجتماعية وما شاكلها.

هذا التغيير لا يقف عليها بل ينجرّ إلى تغيير دور الرجل وموقع الأسرة والنظام الحقوقي والقيمي بأكمله، لذا فعلينا كنساء مسلمات أن نزن أي تغيير تفرضه الحداثة بإعادته إلى منابعنا الشرعية ونقيّمه وفقها.

وبعبارة أكثر صراحة أقول: نحن أصحاب الثقافة الغنية، وما تسرب إلى أعرافنا وسلوكنا هو ممارسات غير شرعية لذا يجب علينا أن نغذي أعرافنا بإسلامنا وقرآننا وسنتنا النبوية وهذا سيؤدي إلى تغيّر عظيم ومجال رحب جميل واسع يعيش فيه الرجال والنساء والآباء والأمهات والأبناء في ظل القيم الشامخة والحقوق والوظائف المعتدلة.

ولإيجاد هذا التغير نحتاج مضافاً إلى الدراسات العلمية إلى إيجاد أنظمة ثقافية وسياسية واجتماعية في الدول الإسلامية، وبدون ذلك فسوف يعيش الرجال والنساء مرارة التحديات المادية ولن يتمكنوا من إخراج أنفسهم من مهالك هذا البئر المظلم للحياة الراسمالية.

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 114٬723 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (3)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها