﷽
لنبينا الأعظم والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين سيما خاتمهم (عجل الله فرجه)، مراجعنا بشكل عام سيما ولي أمر المسلمين، ولكل الإنسانية والشيعة أبرك الأعياد بميلاد أمير المؤمنين (ع) وليد الكعبة، سيد المتقين، أبي الأئمة وخليل النبوة، والمخصوص بالأخوة، يعسوب الدين، وميزان الأعمال، وسيف ذي الجلال، وصالح المؤمنين، ووارث علم النبيين، والحاكم يوم الدين، وشجرة التقوى، حجة الله البالغة، ونعمته السابغة ونقمته الدامغة، الصراط الواضح، والنّجم اللائح، الإمام الناصح.
وفي هذا اليوم المبارك نكمل بحثنا ( ١ )
الفتوة صفة ربانية باعث للنهضة والقيام والهجرة
وصلنا إلى قوله تعالى (إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) الكهف:١١
ثم الآية التي تليها يقول تعالى: (نحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) الكهف:١٣
نلحظ في الآيات السابقة تكرار لفظ الفتوة، والتكرار في الكلام البليغ لا يكون عبثياً؛ وعليه فلابد أن يكون لهذه الفتوة فضيلة وقيمة مهمة ومحورية، وليست من القيم العادية العابرة، إنما هي صفة ربانية عالية؛ لأن القائل بفتوتهم هو الله -سبحانه-(إنهم فتية آمنوا بربهم ) وليس هم من قالوا عن أنفسهم بأنهم فتية؛ فهذا التكرار ونسبته لله -سبحانه- يبين لنا وجود حكمة لأجلها قد وصف هؤلاء بهذا الوصف المحوري.
إن الباعث على النهضة وعلى القيام في وجه الطغاة هي صفة الفتوة.
فبين الهجرة والحركة والانتقال الإيماني الباطني، وكذلك الانتقال الظاهري والحركة الظاهرية لقيام وقعود وقرارات الإنسان المؤمن وبين والفتوة تلازم؛ فكلُ مهاجرٍ لله -سبحانه- كان باعثه إيمانه، وباعث حركته وعيه فهو فتى، وكل من عجز عن ذلك فهو مسلوب لهذه الصفة؛ فمنشأ هذه الفتوة هو الإيمان والوعي على التوحيد.
لقد ورد في القرآن الكريم وصفًا بالفتوة لشخصٍ ولقومٍ؛ ولكن وبحسب ما قد أُحيط بالكلام من قرائن أفادت أن المقصود ليس الفتى بالمعنى المعنوي الإيماني المدحي الذي يُثنى عليه؛ إنما هو وصف لعمرهم كقوله -تعالى- في قضية السجينين الذَين كانا مع يوسف (ع) (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ) سورة يوسف: ٣٦ حيث لا دليل على أن دخولهم للسجن كان بسبب هذه الفتوة بالمعنى الإيماني المشار إليه؛ بل بمعنى عمرهم وسنهم.
مراتب الفتوة
من النقاط والمسائل المهمة التي يمكن أن يشار إليها؛ وتفيدنا في فهم فضيلة من أهم الفضائل التي تجعل الإمامة منحصرة في أمير المؤمنين علي(ع) وهي أن الفتوة ذات مراتب؛ سواءً كان المراد بها الفتوة الربانية الإلهية؛وكذلك الفتوة التي وصف الله بها أصحاب الكهف؛ فهؤلاء لم يكونوا في مستوى واحد من الفتوة؛ حيث نجد أن القرآن الكريم يطلق عليهم ويسميهم بالحزبين (ثمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً) سورة يوسف: ١٢ وذلك لجهة اختلاف مستوى ومراتب الفتوة بينهم .
يستدل الشيخ جوادي-حفظه الله- على ذلك باختلاف آرائهم في إدراكهم لمدة نومهم (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً)
فجماعة من هؤلاء قالوا يومًا أو بعض يوم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) سورة الكهف:١٩
وهؤلاء لم يعرفوا أن مدة نومها كانت (٣٥٠ سنة) لأنه نسبة فتوتهم الإيمانية حقيقةً ليست كفتوة الحزب الآخر وهم الذين (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ)
الحزبين والمعرفة الآفاقية والأنفسية
(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) سورة الكهف:١٩
القرآن الكريم يتحدث عن جماعتين؛ إحداهما نامت وعرفت بنومها، ولكن وكما هو معلوم أن الإنسان النائم لا يشعر بمدة نومه، إن لم يرَ شمسًا ولا ليلًا ولا نهارً، فلا علم له بمدة نومه؛ ولكنه يعرف بنفسه أنه قد نام ولوقت طويل؛ فهؤلاء كانوا نيامًا وشهدوا وعرفوا أنهم نيام، يرون المعجزة ويرون آيات الله -سبحانه- فيهم وفي نومهم وفي غيابهم الطويل فيقولون (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) إن هذا الوقت ليس مهمًا فالله -سبحانه-يعلم كم لبثوا (هؤلاء معرفتهم أنفسية)
أمّا الجماعة الأخرى فقد عرفت بطول مدة نومهم ليس من خلال انكشاف نومهم لأنفسهم كما الأولى؛ بل عندما ذهب صاحبهم إلى المدينة ورأى التغيرات في معالم المدينة والناس والأجيال والثقافة والعملة؛ فبهذه الآيات والعلامات عرفوا طول غيابهم ونومهم؛ معرفتهم هذه تسمى بالمعرفة الآفاقية فالانكشاف المعرفي لهم والآية والعلامة لمعرفة طول مدة غيابهم كان من خلال الأحداث عندما أرسلوا واحدًا منهم بورقهم إلى المدينة ورأى كيف تغيرت كل المعالم للمدينة .
بمقدار عمق الإيمان يكون عمق الفتوة
في كل ذلك دلالة على أن مستوى الفتوة ليس بواحد؛ إنما هو على درجات، وبمقدار ما يكون الإيمان عميقًا يستطيع الإنسان أن يغور في أعماق الأمور ويدركها ويرى آيات الله في نفسه؛ بمقدار ما تكون عمق فتوته، فكلما كان الإنسان أكثر لصوقًا وكان انكشاف آيات الله -سبحانه- له أكثر؛ كانت فتوته أشد وأقوى وأظهر في معالمها.
ختم الفتوة
نزل جبرائيل (ع) في معركه أحد على اختلاف الروايات بعد أن قدّم أمير المؤمنين (ع) تلك التضحيات العظيمة، والتي تكشف عن عمق آية أمير المؤمنين وعمق الآية التي يمثلها (ع) فنادى بين السماء والأرض “لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار” (٢)
لقد ذكر ووصف الله-سبحانه- في القرآن الكريم البعض بالفتوة؛ ولكن من بلغ الفتوة المطلقة هو أمير المؤمنين علي (ع) فلا فتى إلا علي؛ تعني أن حقانية الفتوة، وحقانية القدرة على إثبات ما من آيه لله أعظم مني هي للأمير (ع). (٣)
إن القرآن الكريم -كما عرفنا سابقًا- وصف أصحاب الكهف (بأنهم فتية)، وفي نداء جبرائيل (ع): (لا فتى إلا علي) استثناء يفيد الحصر؛ وهذا يعني أنه لن يأتي بعد علي (ع) من هو في فتوته، ومن فيه فتوة كما هي في أمير المؤمنين (ع) فلا فتى إلا علي؛ فعلي ختم الفتوة، كما رسول الله (ص) ختم النبوة. وحتى يتبين لنا عمق وأهمية ودلالات هذه التسمية والوصف ؛ ولنقل هذا المقام لأمير المؤمنين نحن بحاجة لأن نقف على عدة من المعاني والاصطلاحات والمفاهيم القرآنية المرتبطة بالفتوة.
معنى الفتوى فقهيًا ومن خلال الآيات القرآنية
من خلال الاستفادة من المعنى اللغوي والاصطلاحي (٤) لمفهوم الفتوة وفي مقام الحديث عن الفتوى والفتيا بمعناها الفقهي؛ وكما هو واضح في محله أن الفتوى تكون بعد أن يبلغ الشيء تمامه سواء كان في موضوع خارجي أو في حكم؛ فالفقيه يبحث ويحقق في الأدلة، ثم بعد أن يبلغ ويصل للذروة في فهمه تصدر عنه الفتوى؛ وذلك لبلوغه المرتبة التي تمكنه من استنباط الحكم، والفتاوى تختلف بمقدار علم المفتي، فالفقيه والمرجع والمجتهد الذي يمتلك ملكة الاجتهاد يُفتي، والنبي يفتي أيضًا، كذلك الله -سبحانه-يفتي؛ ولكن هذه الفتاوى لا تتساوى، وكما هو ملاحظ أننا نقول عن فتوى الفقيه بأنها فتوى مع أنه ليس بالضرورة أن تطابق الواقع والحقيقة.
وكذلك أيضًا فإن الأنبياء يفتون الناس؛ حيث نجد القرآن الكريم يقول عن نبي الله يوسف (ع): (يوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ* قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ) سورة يوسف: ٤٦
فتوى نبي الله يوسف(ع) تختلف عن فتوى الفقيه؛ ففتوى الفقيه هي عبر الأدلة؛ بينما فتوى نبي الله يوسف (ع) هي عبر ما يُلهمه الله -سبحانه-من معارف يفتي، كذلك الله -سبحانه- يفتي، حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز في إحدى مسائل الإرث: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ) سورة المائدة ١٧٦ وفتوى الله تعالى تكون تماماً مطابقة للواقع سواءً في الأمور العلمية أو في القضايا الخارجية
فتوى الله -سبحانه وتعالى- لا يمكن أن تتساوى مع غيرها من فتاوى في المرتبة؛ فهي ليست كفتوى الفقهاء والمراجع ولا كفتوى الأنبياء؛ بل هي فتوى مطابقة تمام المطابقة للواقع؛ إذن فالفتوى درجات ومراتب؛ وكذلك في شخصية الفتى (لا فتى إلا علي) فكما أن الفتوى درجات فكذلك الفتوة أيضًا درجات .
الفتوة تعرف بضدها وهو عدم المروءة
(لا فتى إلا علي) هو حديث قدسي نزل به جبرائيل (ع) بأمر من الله سبحانه وتعالى، ولهذا الحديث ملابسات، لمعرفتها نعقد مقارنة بين الفتى أمير المؤمنين (ع) من جهة، وبين الجهة والوجه المقابل المضاد للفتوة ممن كانوا مع أمير المؤمنين(ع) في المعركة؛ الفار من الزحف، معدوم المروءة، مضاد الفتوة .
يبين لنا القرآن الكريم سبب فرار المسلمين الذين أمرهم رسول الله (ص) بأن يبقوا على الجبل في معركة أحد (٥)؛ كيف أنهم عندما رأوا الغنائم والأموال نسوا أوامر رسول الله (ص) ونسوا مسؤولياتهم، وفقدوا الفتوة تمامًا.
فكما أن واجد الفتوة _ولصفة باطنية_ قد انكشفت له ففتح الله له بصيرته ورأى كل معالم التوحيد بل أصبح هو متلبساً بالتوحيد؛ فكان ذلك الكمال الباطني هو المحرك له اتجاه الفتوة، كذلك العمى عن الفتوة هو لنقصٍ باطني، فالإنسان بكماله الباطني يجلب العزة لقومه ولنفسه؛ وبنقصه الباطني يفر من الزحف فيجلب أكبر الكبائر.
يقول الله تعالى (إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) سورة آل عمران: ١٥٥
يقول أحد مراجعنا العظام في تفسير الآية الكريمة؛ إن الذين فقدوا قدرتهم على تثبيت قلوبهم ومقاومتهم في حرب أحد وطارت قلوبهم حينما رأوا الغنائم نسوا المسؤوليات الحساسة التي عهدت لهم وبدّلوا حلاوة النصر بالهزيمة ،كانوا منتصرين، لكن سبحان الله قلبوا النصر إلى هزيمة، وذلك بعد أن استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا؛ أي أن ذنوبهم تجمعت وتكونت قوى طاردة للفتوة، طاردة للقدرة على الثبات، فهؤلاء لا يستطيعون المقاومة؛ لأن الفتوة اقتدار يردع الإنسان عن أن يتخذ موقف لا يتناسب مع الإيمان؛ فإذا فُقد هذا الرادع الباطني يسهل على الشيطان أن يستزلهم، وهنا نشير إلى أن الفتوة في الحقيقة هي اقتدار يراد القضاء عليه، سلاح يراد تدميره واستلابه.
مفهوم الفتاة في القرآن الكريم وارتباطه بالفتوة
(وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) سورة النور: ٣٣
وكما تكلمنا عن الفتوى والفتيا وارتباطها بمفهوم الفتوة، فكذلك نتحدث عن مصطلح الفتاة قرآنيًا ومن خلال الآيات نجد نكتة جدُّ مهمة مرتبطة بتسمية الفتاة حيث تبين الآيات أن أولئك اللاتي كن إماء؛ ولأنهن يردن التحصن سماهم الله -سبحانه- بالفتيات، فالفتاة في القرآن الكريم هي التي تريد التحصن (إن أردن تحصنًا)، فالمرأة التي لديها إرادة التحصن؛ أي المحصنة والمصونة هي التي لديها روح الفتوة والاقتدار، الآية القرآنية تدعو الفتيات وحتى الحرة منهن لأن تكون فتاة، أي أن تكون محصنة.
الآن عندما نرى واقع الفتيات والنساء، نرى لأي مستوى من عدم التحصن ومن عدم الفتوة قد وصلنا، فليس من الجميل والصحيح مثلًا أن تصور المرأة نفسها وما يحتويه بيتها؛ بل كل مفاصل حياتها وتضعه على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهذا ليس تصور فتي، و ليس فيه مروءة على الأقل، والمروءة وجه من وجوه العدالة، وقد لا يكون في بعض تلك الأفعال -من قبيل الطبخ والأكل وغيرها- عيبًا وهي في حد نفسها جيدة؛ ولكن التفاخر فيها غير جيد، فهو كاشف عن ضحالة العقل، قد يحسبه البعض كمالًا وهو ليس كذلك، لاشك أن الإسلام يشجع كل مافيه خلّاقية وإنجاز، ولكن أن يتلف المال من أجل تنمية الطعوم والذوائق، ويحسبه الإنسان أمرًا مهمًا فهذا كاشف عن عدم المروءة، وعن إرادة استلاب الفتوة من الفتيات؛ ولذلك كان أمير المؤمنين (ع) يقول: “لو كنا نأتي ما تأتون ما قام للإسلام عمود ولا اخضر للدين عود”(٦).
إن أحد أسماء الزهراء (ع) أنها حصان (٧) لأنها بلغت أعلى مستوى في التستر والعفة والكمالات الواقعية وأما استلاب الفتوة عند الشباب فهو مما لايخفى، فالشاب يعرف كل شي إلا نفسه؛ يعرف البلدان، البيوت، الديكور؛ وهذا يجعل المجتمع واقع بين ضغط الكماليات من جهة وضعف النفس من جهة أخرى، أما لو توجه الشاب للفتوة والبسالة والنجدة لانقلب المجتمع كله عليه إياك إياك.
لا فتى إلا علي رسالة للجميع
إن مقولة جبرائيل في حق أمير المؤمنين لا فتى إلا علي، والتي هي بأمر من الله -سبحانه- هي رسالة للجميع…
إلى بناتنا أن يكن فتيات حاضرات محافظات على هوياتهن؛ وإلى الشباب والشيوخ والكهول أن يكونوا فتية بإيمانهم ومعتقداتهم واقتدارهم، نحن نحمد الله سبحانه بأننا نوالي عليًّا الذي لا فتى إلا هو.
علي (ع) يوم الشورى يناشد ويحتج بهذه الصفة وهذه التسمية، عندما جمعهم الخليفة الثاني ليختاروا واحدًا منهم ليصبح الخليفة؛ قال (ع): هل قيل في أحد منكم لا فتى إلا هو غيري؛ فقد احتج (ع) بالفتوة على أحقية الولاية (٧)
الفتوة درجات ومراتب -كما ذكرنا سابقًا-، فالبنت وحتى لو أصبحت عجوزًا لكنها مصانة ومحصنة ولها ذوق راقٍ جدًا في حفاظها على سترها وعلى أخلاقها تبقى فتاة، وليست المساحيق هي من تبقيها فتاة، فهذا ليس هو الواقع.
ونحن وإذ نفخر بهذا اليوم يوم ميلاد أمير المؤمنين عليه السلام الذي ختمت به الفتوة “لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار” نسأل الله-سبحانه- أن يرزقنا في الدنيا معرفته والانتساب إليه ومحبته وأن يكشف لنا في الآخرة ما خفي عنا في الدنيا وأن يرزقنا شفاعته والحمد لله رب العالمين.
- إشارة لبحث الموسم الرجبي خلال أشهر النور بعنوان ثمرة أيام النعيم الذي يقيمه مجلس سليلة الكوثر من حيث انتهى بنا الحديث ثم نتحدث عن الإمام الأغر أمير المؤمنين (ع).
- عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فغضب غضبا شديدا، قال: وكان إذا غضب انحدر عن جبينيه مثل اللؤلؤ من العرق، قال: فنظر فإذا علي (عليه السلام) إلى جنبه فقال: له إلحق ببني أبيك مع من انهزم عن رسول الله، فقال: يا رسول الله لي بك أسوة قال: فاكفني هؤلاء فحمل فضرب أول من لقى منهم، فقال: جبرئيل (عليه السلام) إن هذه لهي المؤاساة يا محمد فقال: إنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل (عليه السلام): وأنا منكما يا محمد، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جبرئيل (عليه السلام) على كرسي من ذهب بين السماء والأرض وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، الكليني ج، الصفحة ١١٠
- بحار الأنوار ج٢٦ ص١
- الفَتَى الطّريُّ من الشّباب، والأنثى فَتَاةٌ، والمصدر فَتَاءٌ، ويكنّى بهما عن العبد والأمة، قال تعالى: (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) يوسف: ٣٠. والفَتِيُّ من الإبل كالفتى من الناس، وجمع الفتى فِتْيَةٌ وفِتْيَانٌ، وجمع الفتاة فَتَيَاتٌ، وذلك قوله: (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) النساء: ٢٥ ، أي: إمائكم، وقال: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) النور: ٣٣، أي: إماءكم. وَقالَ (لِفِتْيانِهِ) يوسف: ٦٢ ، أي: لمملوكيه وقال: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) الكهف: ١٠، (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) الكهف: ١٣ . والفُتْيَا والفَتْوَى: الجواب عمّا يشكل من الأحكام، ويقال: اسْتَفْتَيْتُهُ فَأَفْتَانِي بكذا. قال: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) النساء: ١٢٧ ، (فَاسْتَفْتِهِمْ) الصافات: ١١، (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) النمل: ٣٢ المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني – صفحة ٦٢٥، والفَتى: الشاب، والسخىّ الكريم، وهما فَتَيَان وفَتَوَان، والجمع، فِتْيانٌ وفِتْوة وفُتُوّ وفُتىّ، وهى فتاة، والجمع: فَتَيَات. والفُتُوَّة نهاية الكَرَم. (وَإِذْ قَالَ موسى لِفَتَاهُ) سورة الكهف:٦٠ : يوشع. والفُتُوَّة منزلة حقيقتها منزلة الإِحسان وكفّ الأَذَى عن الغير وَاحتمال الأَذى منهم. فهى فى الحقيقة نتيجة حُسْن الخُلُق وغايته. وقيل: الفرق بينها وبين المروءَة أنَّ المروءَة أَعمّ، والفتوّة نوع من أَنواعها؛ فإِنَّ المروءَة استعمال ما يجمّل ويزين ممّا هو مختصّ بالعبد، أَو متعدّ إِلى غيره، وترك ما يدنّس ويَشين ممّا هو مختصّ به أَو متعلِّقٌ بغيره. والفتوّة إِنَّما هى استعمال الأَخلاق الكريمة مع الخَلْق. وهى منزلة شريفة لم يعبَّر عنها [فى] الشريعة باسم الفتوّة، بل عُبّر عنها باسم مكارم الأَخلاق؛ كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: “إِنَّ اللهَ بعثنى لتمام مكارم الأَخلاق، ومحاسن الأَفعال” رواه جابر. وأَصل الفتوّة من الفَتى وهو الشاب الطرىّ الحديث السِّنّ، قال تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} وقال عن قوم إِبراهيم إِنهم: (قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيرز آبادي ج٤ الصفحة ١٧٠
- الأمثل ج٢ ص ٧٣٢
- نهج البلاغة ج١ ص ١٠٥
- في مناقب ابن شهر آشوب: كناها أم الحسن وأم الحسين وأم المحسن وأم الأئمة وأم أبيها وأسماؤها على ما ذكره أبو جعفر القمي: فاطمة، البتول، الحصان، الحرة السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية المرضية، المحدثة، مريم الكبرى، الصديقة الكبرى، ويقال لها في السماء النورية، السماوية، الحانية..العلامة المجلسي، بحار الأنوار – ج ٤٣ – نقلها الكركي، في تسلية المجالس، ج ١، ص ٥٤٧ عن مناقب ابن شهر آشوب، عنه عن البحار
- روى عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه وعلى آبائه السلام .قال: إن عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة وأجمع على الشورى، بعث إلى ستة نفر من قريش: إلى علي بن أبي طالب، وإلى عثمان بن عفان، وإلى زبير بن العوام، وإلى طلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص وأمرهم أن يدخلوا إلى بيت ولا يخرجوا منه حتى يبايعوا لأحدهم، فإن اجتمع أربعة على واحد وأبى واحد أن يبايعهم قتل، وإن امتنع اثنان وبايع ثلاثة قتلا فأجمع رأيهم على عثمان.فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام ما هم القوم به من البيعة لعثمان قام فيهم ليتخذ عليهم الحجة قال عليه السلام لهم: سمعوا مني كلامي فإن يك ما أقول حقا فاقبلوا وإن يك باطلا فأنكروا ثم قال: أنشدكم بالله الذي يعلم صدقكم إن صدقتم ويعلم كذبكم إن كذبتم هل فيكم أحد صلى القبلتين كلتيهما غيري قالوا: لا………. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نودي باسمه من السماء يوم بدر “لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي غيري؟ قالوا: لا، الاحتجاج، أبي منصور أحمد الطبرسي ج١؛ الصفحة ١٨٨
0 تعليق