بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك يا رسول الله، السلام على أمير المؤمنين، وعلى الصدّيقة الطاهرة، السلام عليك يا أبا عبد الله، عليك سلام الله مني أبدًا ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتك، السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.
أعظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالحسين ﴿؏﴾، وجعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره.
الحديث في هذا الموسم العاشورائي بعنوان: العقيلة تدعوكم لما يحييكم.
توطئة
كربلاء مخاض، ثم ولادة، عملية متكررة، لا تتوقف كربلاء عن توليد الأضداد؛ السعداء والأشقياء، فكربلاء ليست صرف أرض ولا حرم أو مسجد، بل زيادةً على كونها إنسان مُلهِم ومُلهَم، فهي إرادة وحيانية تهدي من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ ق:٣٧
فمن سمع واعية كربلاء ولم يحيَ بذلك، فلا بُدّ أن يكون من شرّ الدواب الصم البُكم الذين لا يعقلون ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾ الأنفال: ٢٢-٢٣
اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ لِمَا يُحْيِيكُمْ
يقول ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ الأنفال42، وكربلاء هي من أظهر مصاديقِ هذه الآية الشريفة؛ فقد كانت كربلاء دعوة لكل الأمة التي ماتت في إرادتها وحريتها ومعارفها وقراراتها، وشاخت وعجزت عن أن تمارس دورها الطبيعي.
نكات ووظائف مستخلصة من الآية الشريفة:
إن الدعوة للإحياء تفرض أن هناك وظيفتين:
- وظيفة لرسول الله ﷺ، وهي الدعوة، فالآية تفرض أن لرسول الله ﷺ دعوة لإحياء المؤمنين!
- ووظيفة أخرى للمؤمنين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾: وهي الاستجابة.
وظيفة الرسول ﷺ هي دعوة المؤمنين إلى ما يحييهم بشكل دائم ومستمر، إذ لا يقتصر دوره على أن يحذرهم فحسب من المخاطر المحدقة بهم كلما رأى أن هناك عدو يجتاحهم، يفتك بهم، ويتربص بهم الدوائر والمهالك، وإنما وظيفته الوجودية أن يحييهم وبلا توقف، وأن ينقلهم من حياة إلى حياة. وهذه الوظيفة تقتضي من النبي ﷺ أن يرصد العدو الذي يعمد لقتل الحياة الإيمانية، ويعلن الحرب ضدها، وذلك من خلال إحياء الأمة المؤمنة بكل الأساليب التي تتناسب والدعوة بالقول والفعل والتوجيه والإرشاد والجهاد حتى لو أدى مقتضى الإحياء إلى إراقة النفس المحترمة، وهذه الوظيفة غير مختصة بالرسول الأكرم ﷺ فحسب، بل إن هذا الواجب وهذه الوظيفة تتسع لتشمل كل مؤمن رسالي.
وظائف النبي ﷺ نبوية ورسالية
هنا علينا أن نفرق بين وظائف النبي ﷺ الخاصة بنبوته وبمقامه النبوي، وبين وظائفه الرسالية، فالأولى لا تشمل غير رسول الله ﷺ؛ كتلقي الوحي هو اختصاصه بالسفارة عن الله ﷻ، وهذه الوظيفة لا يشاركه فيها أحد، ولا يدركه فيها أحد، كذلك هناك خصوصيات وسمات وأفعال وأوامر ونواهي تختص بالنبي ﷺلا يمكن أن نطلق عليها كونها من وظائفه الرسالية، فالنبوة مقام اختصاصي لرسول الله ﷺ، لذا فإن القرآن الكريم عندما ينادي رسول الله ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ فهو في الأعم الأغلب يتحدث عن شأن من شؤون رسول الله ﷺ الخاصة بكونه نبيّ.
كقوله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ الأحزاب: ٢٨
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾ الأحزاب:٥٠
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ الأحزاب: ٥٩
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ التحريم: ١
فهذه الخطابات الربّانية كلها وظائف تخص رسول الله ﷺ من جهة نبوته.
بينما هناك وظائف رسالية يجب على المؤمنين التأسي برسول الله ﷺ فيها؛ في أقواله وأفعاله وخلقه الكريم، يقول ﷻ: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ الأحزاب: ٢١
ووفق هذا المعنى يتبين لنا أن الآية الشريفة حين تقول: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، فهي تشير لوظيفته الرسالية والتي توجب عليه الدعوة والإحياء، دعوة الناس لما فيه حياتهم، وهذه الوظيفة الرسالية تجب على المؤمنين أجمع من باب وجوب التأسي برسول الله ﷺ.
الشريك والمشارك… فرق في المقامات
كانت كربلاء أجلّ وأوضح ملحمة إحياء للرسالات السماوية بعد الدعوة المحمدية الأولى، وكان الإمام الحسين ﴿؏﴾ وعقيلة الطالبيين ﴿؏﴾ شركاء في أصل هذه الدعوة، فهما وإن كانا يتفاوتان في المقامات، حيث يرقى الإمام الحسين ﴿؏﴾ على السيّدة زينب ﴿؏﴾، لكن في مقام الإحياء، وفي مقام الدعوة للحياة، فإن العقيلة زينب ﴿؏﴾ هي شريكة للإمام الحسين ﴿؏﴾ في هذه الوظيفة.
إذ أن هناك فرق بين الشريك والمشارك؛ فكل أصحاب الإمام الحسين ﴿؏﴾ وشهداء كربلاء قد شاركوا الإمام الحسين ﴿؏﴾ بنسبة أو بأخرى في صناعة ملحمة كربلاء البطولية والخالدة، لكنهم لم يكونوا شركاء له، فهم شاركوا في إحياء الدّين وإحياء الإسلام، والدعوة لإحياء المؤمنين، ولكن الإحياء له درجات ومراتب.
وليس كل مشارك يعدّ شريكًا، فالشريك هو فحسب الذي لولاه لم تكن لتكون كربلاء، أيّ أننا لو افترضنا عدم وجوده لما تحققت كربلاء بهذه السعة الوجودية التي تحدث عنها التاريخ، وما زال أثرها خالدًا، ولن تبلغ كربلاء هذا الأثر ولن يكون لها هذا المقدار من التوجع والحرارة في قلوب المؤمنين؛ فالشريك هو الذي يمثل ويُعدّ ركنًا أساسيًا في عملية الدعوة للإحياء.
وعلى هذا النحو فالروايات الكثيرة التي تحثّ وتدعو المؤمنين لإحياء أمر أهل البيت ﴿؏﴾ “أحيوا أمرنا”(١)؛ من الشاعر، والناعي، والمستمع، والحاضر، وكل من يتحمل مسؤولية ودور ووظيفة للدعوة لإحياء أمر أهل البيت ﴿؏﴾؛ فكل هؤلاء بهذا الإحياء لا نعتبرهم شركاء مع أهل البيت ﴿؏﴾ في وظيفتهم، وإنما مشاركون في هذا العمل!
أصحاب الكساء ﴿؏﴾ شركاء لرسول الله ﷺ في الدعوة وأركان للتوحيد
ولإيضاح وبيان المعنى السابق وللتفريق بين الشريك والمشارك نورد مثالًا واضحًا وجليًا: وهي آية المباهلة، يقول ﷻ: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ آل عمران:٦١
فقد أجمع المفسرون من كلا الفريقين على أن الآية الشريفة قد نزلت في وفد نجران العاقب والسيد ومن كان معهم(٢)، حيث كان رسول الله ﷺ يدعوهم لوحدانية الله الخالصة، وهم يدعون إلى الشرك، فأمره الله ﷻ أن يباهلهم -والمباهلة تعني الملاعنة- أي أن كل واحد يلعن الآخر.
خرج رسول الله ﷺ للمباهلة، وقد أخرج معه أهل بيته ﴿؏﴾، وهو على أتمّ الاستعداد لمباهلة وفد نجران امتثالًا للأمر الإلهي، ولما رأى النصارى صدق النبي ﷺ، حيث أقبل بخاصته وأهل بيته ولامته، أحجموا عن المباهلة، وقالوا: لا نباهلك بل نصالحك، وذلك لأنهم عرفوا صدق الرسول، حيث أخرج رسول الله ﷺ شركائه في هذه الدعوة وهذا المدعى، وعرفوا أن هؤلاء هم أركان الدعوة والتوحيد الذين لو فقدوا لانتفت أصل الدعوة وأصل التوحيد، وهذا ما فهمه وفد نجران حينما سألوا: من هؤلاء؟ قيل لهم هذه ابنته وهؤلاء أبناؤه وهذا صهره. فمقام المباهلة هو مقام لرسول الله ﷺ والأربعة الأطهار: الصدّيقة وأمير المؤمنين والحسن والحسين ﴿؏﴾.
لقد أجمع المفسرون على أن المراد من ﴿أَبْنَاءَنَا﴾ هما الحسن والحسين ﴿؏﴾، ومن ﴿نِسَاءَنَا﴾ هي الصدّيقة الطاهرة ﴿؏﴾، ومن ﴿أَنْفُسَنَا﴾ هو أمير المؤمنين ﴿؏﴾، وهم أصحاب الكساء وآل العباء ﴿؏﴾.
والآية دقيقة في ذلك الأمر الإلهي، حيث جاءت بلسان الجمع: ﴿نَدْعُ أَبْنَاءَنَا﴾، ورسول الله ﷺ لم يخرج معه غير الحسنين عليهم الصلاة والسلام، ولو كان سائر المسلمين شركاء لرسول الله ﷺ في الدعوة لأحضرهم معه، ولكان الخطاب موجه للمسلمين كافة؛ حيث لا يخفى على أحد أن المسلمين والخلص منهم قد شاركوا في الدعوة لتوحيد الله ﷻ، كما شاركوا في الحروب والجهاد ضد الكفار والمنافقين، وبرغم ذلك فهم ليسوا بشركاء، بل هم مشاركون في هذه الدعوة فحسب.
كذلك الخطاب ﴿نِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ﴾، فرسول الله لم يخرج معه غير امرأة واحدة وهي ابنته فاطمة ﴿؏﴾ ولم يخرج معه ﷺ أحد من زوجاته أو زوجات المؤمنين، حيث كان من بينهن من يدعين إلى التوحيد، ولكنهن لسن بمستوى الشركاء، كما وإن ﴿أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ لم يكن غير علي ﴿؏﴾.
فهؤلاء المسلمون يحملون مهمات أخرى وليست المهمة الأساس؛ فلو باهل الرسول بعامة المسلمين فلن يؤثر بقائهم، ووجودهم؛ إذ لا يعتمد عليهم وجود التوحيد، نعم. قد يشتركون مع رسول الله ﷺ، يعينونه ويساعدونه لكنهم ليسوا شركاء له ﷺ، لأنهم ليسوا أركانًا للتوحيد، ولا تراجمةً لوحي الله ﷻ، أيّ لو انهار هؤلاء المسلمون وضعفوا، لن تضعف بذلك الرسالة أو يهتز ركن التوحيد، فشركاء رسول الله ﷺ يجب أن يكونوا في نفس مقام رسول الله ﷺ، وامتدادًا للدعوة التوحيدية.
ويتبين لنا من ذلك كله أنه ومما لا شك فيه وإن كان في المسلمين من له مواقف شجاعة، لكنه لا يصلح أن يكون ركنًا من أركان التوحيد، كما وإنهم ليسوا شركاء في التخطيط والتأسيس للدعوة من أصل الخلقة، فالشريك في التوحيد وفي التخطيط من أصل الخلقة: هم علي وفاطمة والحسنين صلوات الله عليهم.
السيّدة زينب ﴿؏﴾ والشراكة في إحياء الأمة
إذا تأملنا في كربلاء سوف نجد أن شريك الإمام الحسين ﴿؏﴾ في الدعوة الملزمة من قبل مقاماتهم صلوات الله عليهم هي السيّدة زينب ﴿؏﴾، فهي لم تشارك الحسين ﴿؏﴾ فحسب بل هي شريكته؛ وإذا ما رجعنا للآية الشريفة والتي هي مدار بحثنا ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ سنرى مدى انطباقها على العقيلة زينب ﴿؏﴾ والتي كانت قد أُعدت من قبل ولادتها، كما وأعدت بعد ولادتها، قبل المعركة وبعدها، لكي تكون شريكة في هذه الدعوة وفي هذا الإحياء، وشريكة في بث الروح دائمًا وأبدًا وفي طول عمود التاريخ، هي شريكة في إحياء الأمة.
نعم، فكربلاء لم تكن ملاعنة ومباهلة، بقدر ما كانت إحياءً ودعوةً للإحياء، وقد شاركت فيها عقيلة الطالبيين أخاها الحسين ﴿؏﴾ شركة لا نظير لها ولا شبيه لها ولا مثيل؛ قبل كربلاء وأثناءها وبعدها حيث كان على الحسين ﴿؏﴾ أن يرسل أهل بيته ﴿؏﴾ الواحد تلو الآخر إلى مصارعهم، وبالمقابل كان يتحتم على زينب ﴿؏﴾ أن تصارع كل ذلك البلاء وتتجرع تلك المصائب، وتتحملها، بل حتى بعد شهادة الإمام الحسين ﴿؏﴾ كان لا بّدّ لها وأن تبقى ثابتة راسخة، تتحدى كل أشكال الضعف والوهن والبلاء، وتقول: “اللهم تقبل منا هذا القربان”.
ولادة الأمة من رحم الولاية
لا شك أن إحياء هذه الأمة بل ولادتها من جديد ىحاجة للثبات والرسوخ والقوة؛ فالضعيف المتزلزل لا يهب الحياة لأحد، ولا يعطي القوة أو عناصر الحياة لأحد، كما أن الناقم على الحياة والعاجز عن دفع التحديات، لا ينفخ الحياة في أحد.
لقد اختيرت العقيلة ﴿؏﴾ لتكون شريكةً للحسين صلوات الله عليه ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، فهذه الحياة، وهذه الولادة، وهذا التوليد الدائم الذي تحدثه كربلاء، ورفع مستوى حياة المؤمنين، مثلها كمثل كل ولادة مادية فهي تمر بمخاض عسر وصعب وآلام شديدة وبالغة، وربما الأمهات اللاتي ولدن ولادة مادية لهن أن يتصورن صعوبة تلك الآلام وذلك المخاض، وزينب ﴿؏﴾ تعرف تمامًا أيّ مخاض هي تمرّ وأيّ ألم هي تتجرع، فهذه الولادة ليست من الرحم المادي، بل هي من رحم الروح والعلائق والولاية.
ولذا من الملاحظ واللافت أن الأئمة ﴿؏﴾ كانوا يولون اهتمامًا بالغًا للمصيبة الحسينية وبالخصوص تعزية الصدّيقة الزهراء ﴿؏﴾، لأنها الأم التي جربت هذه الولادة وتجرعت آلام ذلك المخاض وولدت أبناءها من أمشاج بدنها وعلائق روحها، وقد استل الله ﷻ -كما وردت في زيارة الصديقة الزهراء- منها أنوار الإمامة(٣)، تعرف تمامًا نحو الحياة التي تهبها للأمة؛ ولذا نجد مما نقله لنا التاريخ وجاء في الخبر أن شعراء أهل البيت ﴿؏﴾ كدعبل الخزاعي كان ممن يشدّ الرحال من الكوفة إلى مرو في أول الأيام من شهر محرم، فسأله ما الذي جاء بك يا دعبل؟ فقال: قصيدة أنشأتها في جدك الحسين ﴿؏﴾ وأحببت أن تكون أنت أول من يسمعها، فاستمهله الإمام الرضا ﴿؏﴾ ودعا أهل بيته وأصحابه ومحبيه وأجلس النساء النواعي -والنساء بطبيعة الحال هن أقدر على أداء هذه الوظيفة وأن كانت واجبة على الجميع- فأجلس الإمام الرضا ﴿؏﴾ النساء وأماط دونهن ملاءة ثم قال: قم يا دعبل، ما زلت مؤَيدًا بروح القدس ما ذببت عنا أهل البيت.
وبقيت هذه لقصيدة تتلى إلى الآن ولها نفس تلك الآثار؛ حيث بدأ دعبل بهذه الأبيات:
تَجَاوَبنَ بالإرنانِ وَالزَّفراتِ |
نوائحْ عجمْ اللفظِ ، والنطقاتِ |
يخِّبرنَ بالأنفاسِ عن سرِّ أَنفسٍ |
أسارى هوى ً ماضٍ وآخر آتِ |
فأَسْعَدْنَ أَو أَسْعَفْنَ حَتَّى تَقَوَّضَتْ |
صفوفْ الدجى بالفجرِ منهزماتِ |
على العرصاتِ الخاليات من المها |
سَلامُ شَج صبٍّ على العَرصاتِ |
ثم قرأ أبيات في مظلومية أهل البيت ﴿؏﴾، فقال له الإمام الرضا ﴿؏﴾: يا دعبل عرج بنا على كربلاء فقال دعبل:
أفاطم لو خلت الحسين مجدلًا |
وقد مات عطشانًا بشط فرات |
إذًا للطمت الخد فاطم عنده |
وأجريت دمع العين في الوجنات |
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي |
نجوم سماوات بأرض فلاة(٤) |
السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك.
ألا لعنة الله على الظالمين.
- عن أبي عبدالله عليه السلام (إن تلك المجالس أحبها ،فأحيوا أمرنا يافضيل ! فرحم الله من أحيا أمرنا ..) بحار الأنوار – ج44 – ص282.
- للاستزادة مراجعة الإرشاد ج1 ص167- بحار الأنوار ج21 ص281.
- “وَسَلَلتَ مِنها أنوارَ الأئِمَّةِ” زيارة السيّدة الزهراء ﴿؏﴾، مفاتيح الجنان.
- بحار الأنوار ج45 ص257 .
0 تعليق