تقدم القراءة:

الإمام الحسن ﴿؏﴾ من الدائرة الأوسع

الأربعاء 28 أبريل 2021صباحًاالأربعاء

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

4
(3)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

يحق لنا أن نفرح في مثل هذه الليلة مستنين متبعين مقتدين برسول الإسلام محمد m والصدّيقة الطاهرة وأمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين، فإن هذا نوع من التأسي والإنقياد والتمثل لمواقفهم الشريفة صلوات الله عليهم أجمعين.

 

توطئة:

أهل البيت ﴿؏﴾ هم المنتخبون المصطفون المختارون من قبل الله ﷻ لتحمل المشروع الخاتم، والرسالة الإلهية العالمية، وإيصالها إلى كل البشر بجزئياتها وكلياتها وتفاصيلها، لذا لا يمكن قرءتهم ودورهم وسيرتهم المباركة بحجم أقل من حجم تلك الرسالة، وفي الدائرة الأوسع والأكبر منها، حيث يوجد تناسب بين دورهم والرسالة التي يؤدونها.

 

الوليد المبارك والنّبي المعصوم:

من كان لا ينطق عن الهوى(١)، الحكيم الذي ما كان ليفوت غرضه، إذ لم تكن فرحة النّبي صلى الله عليه وآله وسلم بوليده السبط طقوسًا جوفاء، بل كانت أهدافًا مرسومة وموسومة لإعداد الأمة لمعرفة شأن هذا الوليّ المبارك؛ فعندما أذيع نبأ ولادة الصدّيقة الزهراء ﴿؏﴾ بهذا الوليد المبارك غمرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حالة من الفرح والسرور بحيث بدت على محيّاه الشريف وعرف أصحابه ذلك من وجهه، فسارع صلوات الله وسلامه عليه إلى بيت ابنته وأعز الناس عليه، وأخذ ثمرة فؤاده وقرة عينه الحسن ﴿؏﴾ -والذي يعدّ من أهم الباقيات الصالحات لأخرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- وطفق يهنأها بمولودها الجديد، ويبارك به أمير المؤمنين والصدّيقة الطاهرة ﴿؏﴾، ويفيض على هذا الموجود من مكرمات نفسه ومن أخلاقه التي ملأ شذاها العالم بأسره، وما أن وصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سرير الإمام الحسن عليه السلام طلب من أسماء أن تأتيه به، فانبرت أسماء وجاءت به إليه في خرقة يقال إنها كانت صفراء(٢)، فنهاهم صلوات الله عليه أن يلف بهذه الخرقة، وأخذ ماءً من ريقه المبارك وبلّه بريق الإمام الحسن عليه السلام،  ثم ضمّه إلى صدره الشريف، ورفع يداه بالدعاء وعوذه من الشيطان الرجيم كما كانت تعوذ امرأة عمران ابنتها مريم ﴿؏﴾: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ آل عمران:٣٦، وهذا كان ديدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان يعوذ الحسن والحسين ﴿؏﴾ بشكل دائم، وهو وإن كان يعوذهما من شرّ الشيطان فهو نوع من توكيد العصمة؛ فتعويذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستجاب الدعاء من قبل الله ﷻ، وليس المراد منه أنه يعوذه من أتعاب الدنيا، ولا لما سيقع عليه من هذه الأمة من الظلم والاستبداد والجور؛ فهذه سنة إلهية وطبيعة هذه النشأة، بل يعوذه وهو يعلم أن نهاية هذا الوليد ستكون من داخل هذه الأمة، بل ومن داخل المجتمع الإسلامي ومن بيته بالأخص(٣).

فلماذا هذه النهاية المفجعة التي تشبه نهايات الأنبياء ﴿؏﴾ عبر التاريخ؟

ولنحتكم للعقل والبرهان؛ هل يوجد لدينا سبب منطقي وعقلي يمكن أن نعدّه مبررًا لهذه النهاية الأليمة للإمام الحسن عليه السلام بعد كل ما أظهره رسول الله m للأمة من هذا المقدار من الفرح بهذا المولود المبارك؟ وبعد أن نبأهم بكونه إمام مفترض الطاعة، وأنه سيّد شباب أهل الجنة(٤)؟!

ولكي نعمق هذا السؤال نتأمل في سيرة الإمام الحسن ﴿؏﴾ ونتناول بعدًا من الأبعاد التي تثار حول شخصية الإمام الحسن عليه السلام، ونقرأها من الأعلى، نقرأها من مكان رفيع.

كما نعلم أن الرسالة الإسلامية تتسم بتفوقها على كل الرسائل التغييرية والإصلاحية والثورية؛ ولكن هناك حيثية لأهل البيت ﴿؏﴾ بالعموم وللإمام الحسن ﴿؏﴾ بوجه خاص، والمجتمع والأمة والبيئة التي كان يعيش فيها عليه السلام حيث يوجد تطابق بينه مع خصوصية هذه الرسالة.

فلنقرأ خصوصيات هذه الرسالة مقارنة بغيرها من الرسائل الإصلاحية.

 

خاصية الرسالة الإسلامية والفرق بينها وبين بقية الرسائل الإصلاحية:

الضابطة في الرسائل الإصلاحية التغييرية -وإن كانت لها أهداف ثورية انقلابية- فإن اهتمامها ينصب وبالدرجة الأولى على المسائل التي لها مساس وصلة بالضوابط الاجتماعية، واستقرار النظام وعدم الاخلال به، فالإصلاحيون بالعموم لا يعيرون اهتمامًا بالروحانيات وأنماط الحياة العائلية والسلوكيات الفردية -كالحياة العائلية الأسرية- كما لا يعنيهم ضرورة أو أهمية أن يصطبغ هؤلاء الأفراد بمشتركات محددة في حياتهم الشخصية.

فهذه الحركات غالبًا ما تعالج الأمور السطحية والفوقية؛ أما الغور في باطن الفرد فهو خارج دائرة اهتمامها. كل ما يهمها ألا تتشكل معارضة ضدها تخل بالشأن العام، أما أعماق الفرد، وما يحكم علاقاته وروابطه والتي تحتاج في واقعها لشبكة روحية، ومنظومة معنوية ومعرفية، تحتاج إلى إقامة العقل قيامًا محكمًا وقويًا تتدخل في شبكة أعصاب الإنسان وشرايين بدنه وأوردة قلبه الدقيقة كلها هذه مما لا شأن للمصلحين فيها.

بينما النظام الإسلامي -المتمثل في الحركة المحمدية- وإن كان نظامًا وإن كانت تعدّ حركة تغييرية ثورية وإصلاحية؛ ولكنها ليست صرف نظام سياسي فحسب، وليست نظامًا اقتصاديًا فقط، فالإسلام نظام شمولي؛ يرسم حياة الفرد ويتدخل في كل تفاصيلها ومفاصلها الدقيقة، حتى في مخدع الإنسان وتحت لحافه، حيث يلزمه بضوابط تحكم نومه وعلاقاته، وعلى رأي بعض المفسرين إن معنى الآية الشريفة في قوله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ المدثر:١، والتي نزلت تخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو تحت لحافه متدثرًا، فكأنما يريد الوحي أن يقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا معك في أخص حالاتك حتى وأنت تحت دثارك أيّ: لحافك.

فالإسلام كنظام يحكم ويضبط علاقات الإنسان حتى الخاصة جدًا، فليس للمسلم أن يتزوج بأيّ نحو كان، أو ينتخب حياة أسرية بأيّ كيف شاء، فالإسلام لا يؤمن بفوضى العلاقات الخاصة لا في الصداقات والأرحام ولا في كيف ونحو الزواج، بل يؤكد على المسلم إذا ما أراد أن يبقى مسلمًا بقلبه وضميره وجب عليه أن يلتزم بطرق محددة في جميع ممارساته الحياتية. إذ لا تنحصر وظيفة الإنسان في نظام الإسلام بأن يكون فردًا مفيدًا للمجتمع فحسب، أو على أقل تقدير كونه منقادًا اجتماعيًا، أو فعالًا في خضم مشروع سياسي أو اقتصادي، بل هو -الإسلام- وكنظام إلهي شامل وبذات النسبة يولي أهمية بالغة للجزئيات، والتي ربما قد يعدها أو يظنها البعض ذوقيات أو كونها من صغائر الأمور.

فالإسلام وقد لا يكون خافيًا كونه النظام أو الدين الوحيد الذي كما يهتم بدقائق الأمور وتفصيلاتها في حياة الفرد جنبًا إلى جنب لاهتمامه بخضوع الإنسان في الأمور القانونية والنظامية والسياسية، لكنه أبدًا لا يغمض عينه عن باطن هذا الفرد وسلوكه.

 

أمثلة وشواهد:

الفرق بين النكاح والزواج:

النكاح من القضايا التي تمارسها كل الكائنات، ولكن الإنسان وحده الذي يتزوج؛ بمعنى أنه يبني أسرة وعائلة تبتني من خلالها علائق رحمية، فالإنسان حين يتزوج بالمعنى الحضاري والإنساني فمن هذه العلاقة الزوجية في نظر الإسلام تتفتح له آفاقًا من الروابط النسبية الجديدة.

والإسلام يعتني أيّما عناية بخصوص هذه العلائق والحقوق التي تنشأ من خلال رابطة الزواج، ويعتبر مخالفة هذه الحقوق والتعدي عليها بل إن عدم الوعي بها يعدّه إخلالًا في أصل تدين الإنسان. فالإسلام لا يتعامل مع حياة الفرد وسلوكياته على أنها أمور ثانوية وذوقية ويمكن أن تكون خاضعة للحالة المزاجية، بل يدخل في تفاصيل هذه الحياة الزوجية والأسرية ويضبطها ويوجهها(٥).

جاء في الرواية “من تزوج فقد أحرز نصف دينه”(٦)، وكأن الصلاة، الصوم، وبقية العبادات، المعاملات الأخلاقيات الاجتماعية والالتزامات الاقتصادية والسياسية كلها في النصف الآخر.

 

موقعية العلاقة الأسرية في القرآن الكريم:

 في معرض حديث القرآن الكريم عن الحياة الأسرية الخاصة يقول الله ﷻ: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ النساء:٣١،٣٢. ومع ملاحظة السياق فإن الآيات الشريفة التي تسبق هذه الآية والتي كانت تتحدث بنحو خاص عن الحياة العائلية والحقوق المترتبة على هذه العلقة عطفت: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ وفي ذلك دلالة على أن هناك أمور تعدّ من الكبائر بخصوص الحياة الزوجية وأمور مفصلية تمثل جزءً أساسيًا من الدين لا يمكن أن يتهاون به أو أن ينظر لها بنظرة عابرة.

إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه:

الاجتناب عن الذنوب حيث تكون الذنوب والمناهي أجنبية على الإنسان، فالأجنبي يراد به الخصم والضد والغريم، وليس الأجنبي المجهول الذي لا نعرفه.

فاجتناب الكبائر يكون ضمن هذه العلقة بحكم احتكاك الزوجين من خلال هذه الحياة والعلاقة المشتركة، وما يستلزم ذلك من الحذر بمعرفة الخطايا والكبائر، ومعرفة أنواع الظلم واجتنابه، فيصبح المنهي عنه -الظلم- أجنبيًا مخالفًا معاكسًا فلا ينفذ في هذه الأسرة.

المعيار في تحديد الصغائر والكبائر:

تقسيم الذنوب إلى صغيرة وكبيرة أمر راجح، ولكن تشخيصها يحتاج إلى عناية وتأمل! فما هي الذنوب التي تعدّ من الصغيرة أو الكبيرة هي مسألة تحتاج إلى بحث، وهو أمر في غاية الأهمية؛ والمعيار في تحديد كون هذه الذنوب من الصغائر أو الكبائر(٧) هو في درجة التجري على ساحة المولى ﷻ والإصرار على مخالفة العدالة.

 

الإمام الحسن ﴿؏﴾ من الدائرة الأوسع:

إذا كانت لمسألة الزواج كل هذه الموقعية في الإسلام ويوليها القرآن الكريم كل هذه الأهمية، وينظر لها على أنها نصف الدين وفرع كل تفاصيل هذه الحياة الزوجية، فكيف لنا أن نتصور كون الإمام الحسن عليه السلام يتزوج مثل جعدة بنت الأشعث(٨).

كذلك عندما نقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله ونطالع وضعه الأسري والآيات الشريفة النازلة من قوله ﷻ: ﴿عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ﴾ التحريم: 5 نجد أنه m وبنص القرآن الكريم قد جمع بعض المنافقات في بيته الشريف، ونجد نماذج كصفية بنت حيي بن أخطب(٩) إحدى زوجاته.

وهذا السؤال إذا ما وضعناه ضمن المنظومة التي ذكرناها في بداية الحديث -كون سعة دائرة إدارة الإمام الحسن ﴿؏﴾ تتطابق وسعة عالمية الدين- فهل سيمكن أن نتصور أن الإمام الحسن ﴿؏﴾ قد يغفل عن ذلك؟

للإجابة على هذا التساؤل:

 نقول شأنه وشؤون الرسالة؛ إذ لا يمكن أن ننظر إلى خاصية الرسالة وخاصية وخصوصيات الإمام الحسن ﴿؏﴾ المتطابقتين منفصلًا عن خاصية المجتمع الذي نزلت فيه هذه الرسالة، وهذا مفصل آخر من الحديث.

 

خاصية المرسل فيهم الإسلام:

١- الإسلام نزل في مجتمع تسوده ركام من الجهالات والعصبيات، منفصلًا تمامًا عن مبادئ الإسلام القويم.

٢- كان المجتمع كما يعبر الشهيد الصدر مستعدًا لإجهاض التجربة الإسلامية ويبيعها للكهنة من الأحبار واليهود كانوا على استعداد لبيع الأمة.

لقد واجه وجاهد رسول الله صلى الله عليه وآله كل ذلك، وقد نصره الله ﷻ بأهل بيته، لكن سرعان ما ركب موجة النصر تلك العتاة والمردة، واختطف ذلك النصر المنافقين، وصعد الصعاليك على أكتاف آل محمد m وتحولت الدولة إلى ملك عضود(١٠).

٣- المواثيق والعقود والتي كانت تُعدّ بمثابة الدساتير العقدية في عرف العرب -جاء الإسلام وبنى عليها وأكدها، بل واعتبر الإخلال بها معيارًا للتفريق بين السليم والسقيم، بل عدّها آية وعلامة للسقيم كما ورد في الأثر “آية المنافق ثلاث؛ إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان”(١١)، وبالرغم أن الإسلام أطلقها –أوفوا بالعقود(١٢)– إذ لم تقيد بقيد أو شرط؛ فحتى الكافر إذا ما عقد معه المسلم عهدًا لا بدّ له وأن يحافظ عليه، ولذا حين دخل معاوية بغطاء ديني وشرعي ووضع مع الإمام الحسن ﴿؏﴾ العهود والمواثيق، تمسك أهل البيت ﴿؏﴾ بهذه المعاهدة وما جاء فيها؛ لأن الله ﷻ يقول ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، والتي لم تسلم من غدر معاوية(١٣)، ولهذا فإن ما قام به معاوية مستنكر على الصعيد العقلائي والإنساني العادي وتنطبق عليهم الثلاث الصفات.

ومن هنا نخلص إلى أنه في هكذا مجتمع محموم لا يمكن أن نتصور صحة وسلامة العلاقات وبنائها على أساس إسلامي كما لا يمكن أن نقطع الأحداث عن سياقاتها التاريخية والاجتماعية ونجردها عن مواضيعها الخارجية، ثم نأمل أن نفهمها فهمًا تجريديًا صحيحًا بدون أن نفهم الوضع الخارجي، ونقول مدعين أنها تعارض وتناقض القرآن الكريم؛ فأي ّمقارنة ومعارضة بين أفعال الإمام الحسن ﴿؏﴾ وآيات الله ﷻ؟!

كما لا نقطع بصحة ما يقال: “أن القراءة التاريخانية للدين خطأ”، نعم فقراءة المبادئ أو الأحكام الشرعية المنصوص عليها والتي لا يمكن اختلاف الاجتهادات فيها قراءة تاريخانية يُعدّ خطأً، لكن قراءة تطبيق الرسالة الإسلامية من خلال سيرة الأئمة ﴿؏﴾ الاجتماعية فهذا فيه بُعد تاريخاني.

إذ أنهم صلوات الله عليهم لا بدّ وأن يتحركوا بثقل تلك الرسالة الإلهية المحمدية، وبأمانتهم فهم أمناء الله ﷻ، وبمبادئهم وأصولهم، ولكن حين يكون المجتمع لا يتحلى بالمبادئ الإسلامية الأصيلة لزمهم حينها الصبر وتحمل الأذى.

من يفهم هذه التاريخانية؟

 الذي يفهم المعادلات الاجتماعية والسنن التاريخية والشبكة الاجتماعية المحيطة بالإمام الحسن عليه السلام.

ولذلك فسيرة الإمام الحسن ﴿؏﴾ مملؤة بالمنغصات والتشويش والإعلام المضاد، ولكن لله الحمد نحن شيعة أهل البيت ﴿؏﴾ نؤمن به كإمام مفترض الطاعة، كامل العصمة منتخب من قبل الله ﷻ، قد حباه الله ﷻ بأعلى درجات الطهارة، وهذا امتيازنا كوننا نقرأ السيرة الحسنية ضمن هذا الأفق الإلهي الربّاني الرفيع، ونسلّم بأقوال رسول الله m بأقوال الوحي في الإمام الحسن ﴿؏﴾ أيّما تسليم، ونحيا بحبه وولائه اليقين، ونبارك لأنفسنا بالثبات على حبه وولايته، كما بقي وما زال ديدننا أن نوزع الحلوى وما لذّ وطاب بميلاده المبارك تأسيًا بفعل برسول الله m.

وبهذا نستخلص الجواب على السؤال الذي سبق وأن طرحناه إذ نعم له مبرراته العقلية والمنطقية والواقعية. وإذا سلمنا هذا التسليم وبلغنا هذه المعرفة واليقين والمحبة يحق لنا أن نفرح مشاركتنا لرسول الله m، فلا فرح أكثر صدقًا ومطابقة للحقيقة والواقع من الفرح الذي نجتمع فيه مع رسول الله m والصدّيقة وأمير المؤمنين ﴿؏﴾ والملائكة أجمعين.

نسأل الله ﷻ أن يرزقنا في الدنيا معرفته وزيارته والتعلق به.

 


  1. ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ﴾ النجم: ٣.
  2. عيون أخبار الرضا (ع): بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا، عن آبائه، عن علي بن الحسين (عليهم السلام) عن أسماء بنت عميس قالت قبلت جدتك فاطمة (عليها السلام) بالحسن والحسين (عليهما السلام) فلما ولد الحسن (عليه السلام) جاء النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أسماء هاتي ابني فدفعته إليه في خرقة صفراء، فرمى بها النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء، فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ثم قال لعلي (عليه السلام): بأي شئ سميت ابني؟ قال: ما كنت أسبقك باسمه يا رسول الله، كنت أحب أن أسميه حربا فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ولا أسبق أنا باسمه ربي.
    ثم هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول:
    علي منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبي بعدك سم ابنك هذا باسم ابن هارون قال النبي (صلى الله عليه وآله): وما اسم ابن هارون؟ قال: شبر، قال النبي (صلى الله عليه وآله) لساني عربي قال جبرئيل (عليه السلام): سمه الحسن.
    قالت أسماء: فسماه الحسن فلما كان يوم سابعه عق النبي (صلى الله عليه وآله) عنه بكبشين أملحين وأعطى القابلة فخذا ودينارا وحلق رأسه، وتصدق بوزن الشعر ورقا وطلى رأسه بالخلوق ثم قال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية.
    قالت أسماء: فلما كان بعد حول ولد الحسين (عليه السلام) وجاءني النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:
    يا أسماء هلمي ابني، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره فبكى، فقالت أسماء: قلت: فداك أبي وأمي مم بكاؤك؟ قال:
    على ابني هذا قلت: إنه ولد الساعة يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي.
    ثم قال: يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا فإنها قريبة عهد بولادته ثم قال لعلي (عليه السلام): أي شئ سميت ابني؟ قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله، وقد كنت أحب أن أسميه حربا فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ولا أسبق باسمه ربي عز وجل.
    ثم هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام، ويقول لك: علي منك كهارون من موسى، سم ابنك هذا باسم ابن هارون قال النبي (صلى الله عليه وآله) وما اسم ابن هارون؟ قال: شبير قال النبي (صلى الله عليه وآله): لساني عربي قال جبرئيل: سمه الحسين فسماه الحسين فلما كان يوم سابعه عق عنه النبي (صلى الله عليه وآله) بكبشين أملحين.
  3. للاستزادة بالإمكان مراجعة البحث العاشورائي لبيك داعي الله الدرس الخامس على موقع فكر وذكر.
  4. قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما. بحار الأنوار- ج٤٣ – ٢٦٣.
  5. هذه إحدى الشقوق التي سوف نتحدث عنها في شهادة الإمام الحسن صلوات الله عليه.
  6. أمالي الطوسي: باسناد المجاشعي، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من تزوج فقد أحرز نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي. بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ١٠٠ – الصفحة ٢١٩.
  7. الشيخ جوادي آملي.
  8. أبوها الأشعث بن قيس أسلم ثم ارتد بعد وفاة النبي صلى اله عليه وآله، وحارب المسلمين مع مسيلمة الكذاب، وكان مؤذن مسيلمة الكذاب عندما قتل مسيلمة عفا عنه الخليفة الأول، وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة، وقال الخليفة الأول (ثلاثة في حياتي وددت أني فعلتها وثلاث وددتني لم أفعلها، وأما التي وددت أني فعلتها، وددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيرًا ضربت عنقه فإنه يخيل إلي أنه يكون شرًا مستطير ). لكنه زوجه أخته وعاش في المسلمين وصار يطمح للزعامة، ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهذا أخوها قيس بن الأشعث ودوره الجبان في كربلاء.
  9.  زوجها وابوها قتلوا في حروب مع النبي صلى اله عليه وآله، اصطفاها رسول الله ﷺ وتزوجها، لم تكن مستقيمة، تحزبت وانقلبت على بيت آل رسول الله صلى اله عليه وآله.
  10.  زيارة الامام الرضا عليه السلام (اللهم العن الذين بدلوا دينك وحملوا الناس على أكتاف ال محمد).
  11. قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): ثلاث من كن فيه كان منافقا وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: من إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، إن الله عز وجل قال في كتابه: ( إن الله لا يحب الخائنين ) وقال: ( أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ) وفي قوله عز وجل:  ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كانصادق الوعد وكان رسولا نبيا ). الكافي : 2 / 290 / 8.
  12. إشارة لقوله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ المائدة: ١
  13. أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة لمطلول وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين.- الأمين السيد محسن – أعيان الشيعة.

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 4 / 5. عدد التقييمات 3

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 4 / 5. عدد التقييمات 3

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 118٬200 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (3)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها