تقدم القراءة:

إذ انبعث أشقاها ٢

الأربعاء 6 مايو 2020صباحًاالأربعاء

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)


بسم الله الرحمن الرحيم

عظم الله أجورنا وأجوركم بشهادة سيدنا ومولانا أبي الحسن علي ﴿؏﴾. 

لرسول الله ولأهل بيت العصمة والطهارة سيما خاتمهم مراجعنا بشكل عام قائد الأمة الإسلامية الحضور المؤمنين المحبين العاشقين لأمير المؤمنين حار العزاء بمناسبة شهادته المقدسة.

السلام عليك يا رسول الله، السلام على أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة، السلام على الحسن بن علي، السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا سيدتي ومولاتي يا عقيلة الطالبيين زينب بنت أمير المؤمنين ﴿؏﴾ كأني بها في هذه الليلة وهي تزور أباها أمير المؤمنين ﴿؏﴾ فتخاطبه بما ورد في الزيارة صلوات الله وسلامه عليه وتقول: (مولايَ، فضلك لا يخفى، ونورُك لا يُطفى، وإنَّ مَنْ جَحَدَكَ الظَّلُومُ الأشقى، مولاي، أنت الحجةُ على العباد، والهادي إلى الرشاد، والعدةُ للمعاد، مولاي، لقد رفع الله في الأولى منزلتَك، وأعلى في الآخرة درجتَك، وبَصَّرَكَ ما عميَ على من خالفك، وحالَ بينك وبين مواهبِ الله لك. فلعنَ الله مُسْتَحِلِّي الحرمةِ منك وذائدي الحقِّ عنك. وأشهدُ أنهم الأخسرون الذين تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) .

هذه العبائر لا يجدر بها ولا يستحقها إلا أمير المؤمنين ﴿؏﴾، صدقت يامولاي والله وقلت الحق فلعن الله من ساواك بمن ناواك والله جل اسمه يقول: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ ۗ الزمر: ٩

علي أول مظلوم: 

السَّلامُ علَيكَ يا وَلِيَّ اللهِ، أنتَ أوَّلُ مَظلُومٍ وَأوَّلُ مَن غُصِبَ حَقُّهُ، صَبَرتَ وَاحتَسَبتَ حَتّى أتاكَ اليَقِينُ، فَأشهَدُ أنَّكَ لَقِيْتَ اللهَ، وَأنتَ شَهِيدٌ عذَّبَ اللهُ قاتِلَكَ بِأنواعِ العذابِ وَجَدَّدَ علَيهِ العذابَ.. (١)

علي ﴿؏﴾ هو أول مظلوم؛ الأول رتبة، وأول مظلوم ظلم، ولا نقصد بذلك علي ﴿؏﴾ أول مظلوم ظلم في الإسلام؛ أي أن قبل علي ﴿؏﴾ لم يظلم أحد زمانًا. 

كل الأنبياء ﴿؏﴾ ظلموا، وكل الرسل اتهموا بالجنون والسحر والظلم، اتهموا في ذواتهم فضلاً عن الاتهام في مشروعهم الإلهي، اتهموا بأنهم يطلبون المال والوجاهة وقيادة الناس فهذا الظلم الذي وقع على الأنبياء والرسل لا شك فيه.

لكن مظلومية علي ﴿؏﴾  كانت من نوع آخر، فكما جاء في الزيارة: “السَّلامُ علَيكَ يا وَلِيَّ اللهِ أنتَ أوَّلُ مَظلُومٍ وَأوَّلُ مَن غُصِبَ حَقه”(١).

لماذا ظلم علي ﴿؏﴾؟

سوف نعرف سبب الظلم الذي وقع على علي ﴿؏﴾، لا لنقص في ذاته، أو في خلقه أو في أعماله؛ وإنما من أجل الإسلام، ولأنه ﴿؏﴾ إذا كان أول مظلوم في أعلى رتبة، ومظلوميته هي الأسوأ والأشد التي قد وقعت على أحد؛ فإن ظالمه سيكون “أشقى الأولين والآخرين”، وكل من يظلم علي ﴿؏﴾  فهو شقي بل الأشقى، لقد ظُلم الإمام علي ﴿؏﴾ من كثيرين، ولكن ما وقع عليه من ظلم المنافقين كان الأشدّ. 

تشخيص المنافقين وصفاتهم كما أشار إليها القرآن الكريم:

وقد أهتمّ القرآن الكريم بنحو أكيد بتشخيص الموضوع الخارجي من أجل أن نتجنب النّفاق، ونتجنب أن نكون ممن ظلم ويظلم عليًا صلوات الله عليه؛ لذا فإنه يتعين أن نشخص من هم هؤلاء المنافقين ونعرف صفاتهم؛ وحتى يتبين لنا ذلك نذكّر بمقدمة سابقة وهي:

  • اتحاد طاعة الله ورسوله بالطاعة لعلي

ذكرنا سابقًا في قوله جلّ شأنه: ﴿أَطِيعوا اللَّهَ وَأَطِيعوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ النساء: ٥٩، فلو لم يعطف إطاعة الله سبحانه بإطاعة الرسول (ص) لادّعى كل أحد أنه مطيع لله سبحانه، فالذي يمثل الحركة الخارجية والمصداق الخارجي والحقيقي لإطاعة الله تعالى هو الرسول (ص) والذي يمثل المصداق الحقيقي لإطاعة الرسول (ص) هم أولي الأمر منكم؛ أي علي ﴿؏﴾، وإلا فمن عصى عليًا ﴿؏﴾ وظلمه وقتله ممن ادعى أنه كان يطيع الله ورسوله (ص).

فقد نجد هناك من يحتج كون هؤلاء من صحابة رسول (ص) أو أنه على سنته الشريفة (ص)، فالآية تقرر أن سنة رسول الله (ص) لا تتم إلا حين تمتد وتتحدّ طاعة رسول الله (ص)  بالطاعة لعلي ﴿؏﴾ والأوصياء من بعده ﴿؏﴾، وهذه مسألة مهمة جدًا.

  • صفات المنافقين:

في الجانب المقابل يلزم التعرف على المنافقين وتشخيصهم في كل زمان ومكان، وفي كل عصر ومصر، فهذه الصفات لا تتغير ولا تتبدل من أي جهة من الجهات؛ لا ذواتهم ولا صفاتهم الذاتية ولا أعمالهم أبدًا.

فقد عبّر عنهم القرآن الكريم: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعضُهُم مِّن بَعضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عنِ الْمَعرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ التوبة ٩: ٦٧ 

﴿بَعضُهُم مِّن بَعضٍ﴾ فعلى طول وامتداد التاريخ دائمًا وأبدًا هذه علائمهم وصفاتهم وإن اختلفت في الشدّة والضعف؛ نسيج واحد وطبيعة واحدة وفكر واحد، وآفاتهم وخصائصهم مشتركة. 

﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ﴾، والمنكر: عنوان عام لكل ما لا يرتضيه العقل وما لا يرتضيه الشارع المقدس وكون المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون؛ لذا فهم لا يعلنون عن ما في باطنهم؛ لكنهم يعملون حثيثًا بأعمال هنا وهناك، وبأشكال وبأنحاء وأنواع لا تخطر على بال أحد، وكلها في سبيل تغذية المنكر والإبقاء عليه، فهم ليسوا فقط يدعمون المنكرات، بل يأمرون بها، بل بأشدّ أنواع المنكرات ويضعون كلّ الأمة تحت ولاية الطواغيت، ويأمرون الأمة كلها بذلك حتى تصبح هذه الأمة ذليلة وحقيرة ومدانة فتستخف بها الأمم وهذه من أكبر وأشدّ المنكرات.

﴿وَيَنْهَوْنَ عنِ الْمَعرُوفِ﴾ ومن الطبيعي أن يكون هذا هو حالهم، ويكون المعروف هو الطرف الذي يستثيرهم فالجبهة التي تأمر بالمعروف تسلب بقائهم فهي لا تدع لتصرفاتهم أي نوع من الحجية والمقبولية؛ لذلك تجدهم ينهون عن المعروف بل وكل طريق يؤدي إليه. 

ثم تنتهي إلى أن من صفاتهم ﴿يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ واليد المقبوضة مقابل اليد الممدودة أو المبسوطة، أي هؤلاء المنافقين في مقابل أولئك المبسوطة أيديهم(٢)، فالمنافقون الذين كانوا مع أمير المؤمنين ﴿؏﴾ لا يختلفون عن المنافقين الآن، ﴿بَعضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عنِ الْمَعرُوفِ﴾.

ولو قرأنا التاريخ بهذه النظرة ورأينا كيف يصف القرآن الكريم المنافقين ويقول بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ  لأدركنا اتصال وبقاء هذه البعضية، لأن المنافق قد يقوم بشيء أسوأ مما يقوم به الكافر بالله (٣).

المعالجة القرآنية للنفاق واستئصال داء التعاطف مع المنافقين:

بملاحظة الآيات الكريمة سنجد كيف أن الله سبحانه يكشف للمؤمنين سياسته مع المنافقين أولاً، ومن ثمّ يقرر حالهم وما يؤول إليه مصيرهم يقول تعالى: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ التوبة: ١٢٦، الآية لطيفة ورائعة؛ ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ﴾: لا شك أن الآية الكريمة في مقام التقرير حيث تبدأ ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ؛ فالأمر واضح وجليّ حدّ الرؤية.

﴿فِي كُلِّ عامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ﴾ فلماذا يكرر الله سبحانه وتعالى الامتحان لأي أحد مرة بعد أخرى؟ فضلاً عن تكراره وتوكيده بنصّ  الآية الشريفة للمنافقين في كل عام ويتكرر مرة ومرتين وما تكرار الإمتحان لأي أحد إلا من أجل إعطائه الفرصة للتوبة والأوبة؛ فكان من لطف الله أن يكرر الإمتحان مرة بعد أخرى، والمنافقون يشملهم هذا الحكم واللطف الإلهي.

﴿ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ﴾؛ لذا فهم يمنحون الفرصة مرة أو مرتين علّهم يتوبوا، ودأب المنافقين بعدم الإفادة واقتناص الفرصة والتوبة والعودة لله والتي يمنحها سبحانه لعباده؛ بل نراهم يزدادون نفاقًا ورجسًا لأنه لم يبق في باطنهم مقدار كاشف عن الإيمان(٤)

فكيف يعالج القرآن الكريم قلوبنا وضمائرنا كي تخلو من النفاق، كي لا نتعاطف مع المنافقين ونصبح منهم والعياذ بالله؟

الله تعالى في القرآن الكريم يقطع على المؤمنين الطريق حتى بمقدار التعاطف مع المنافقين؛ لذا يبدأ بعلاج قلوبنا حتى يخرج منها أدنى مقدار من التعاطف معهم.

ومما يؤسف له أن بعضًا من المؤمنين تتولد لديهم حالة من التعاطف والمحبة مع من لا يستحقها، ظنًا منهم أن ذلك إنسانية فنراهم يرددون لنفكر بإنسانية؛ تصورًا منهم أن هذا يعدّ لون من ألوانها؛ ويتوقعون من الله سبحانه وتعالى أن يتعامل مع هؤلاء المنافقين والذين هم أعدى أعداء رب العالمين أن يعاملوا برحمة.

يقول جلّ وعلا مخاطبًا رسول الله (ص) حتى يعالج المجتمع المسلم من داء التعاطف مع المنافقين: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ  التوبة: ٨٠.

 فالآية الكريمة تشير إلى هذه الظرفية لدى هؤلاء المتعاطفين، فالقرآن الكريم يريد أن يبدل تلك المفاهيم والتي يظنها البعض من البسطاء قيمًا إنسانية، ويستبدل بها القيم الإسلامية؛ لأن هذه الإنسانية المدعاة في حقيقتها هي ضد الإسلام.  

ومنشأ هذه المشكلة التي يواجهها هؤلاء البسطاء من الناس هي كونهم لا يقبلون بسهولة حقيقة وفكرة أن هناك ممن يعيش حولنا ممن يتظاهر بالإسلام وقلوبهم ممتلئة بالكفر والحقد، وباطنهم مليء ببغض رسول الله (ص) وأهل بيته ﴿؏﴾. ورد في الرواية: “ياعلي لايحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق إلى يوم القيامة”(٥) 

ومن المؤسف أن نجد بعض البسطاء من الذين يدّعون العلم والمعرفة قد كتبوا وأسهبوا في الكتابة والتدوين وألفوا الكتب في تمجيد شخصيات منبوذة بنص القرآن الكريم(٦)

لذا يفضل هؤلاء الناس في التعاطي مع المنافقين الرحمة والتعاطف والاستغفار على عدمه ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾، في حين أن الله سبحانه يقول عن المنافقين الذين يسميهم بالأعراب  أنهم أشدّ كفرًا ونفاقًا: ﴿الْأَعرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ علَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ علِيمٌ حَكِيمٌ﴾ التوبة: ٩٧، ويقول تعالى: ﴿هُمُ الْعدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ المنافقون: ٤.

وأحيانًا أخرى يقرن المنافقين بالكافرين وأحيانًا يخاطب المنافقين ﴿لَا تَعتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ التوبة: ٦٦ إذ كانوا مؤمنين صوريًا في المجتمع المؤمن. 

فالآية الشريفة تنهى رسول الله (ص) عن الاستغفار لهم؛ تريد بذلك أن تبين للمسلمين حقيقة وهي أن الله عدّ المنافقين كالكافرين تمامًا فما الداعي للدعاء والاستغفار لهم لأن هذه الحالة ينبغي أن تكسر وأن تستأصل هذه العاطفة لدى المؤمنين؛ فصرف العاطفة بلا باعث إلهي لا قيمة لها، والتعاطف مع المنافقين والإستغفار لهم سيولد حالة من الرحمة والمحبة؛ لذا يتعين علينا هدم الحاجز النفسي الفاصل بين الإيمان والكفر بعدم الاستغفار والتعاطف مع المنافقين؛ لأنهم يستحقون بعداوتهم لأمير المؤمنين ﴿؏﴾ البراءة منهم. 

فالبراءة تجعل من القلب طاهر وبريء، خلافًا لفعل أولئك البسطاء وطلبهم من رسول الله (ص). حتى بالنسبة للكافرين ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ الممتحنة: ٨ وإنما ينهاكم عن المنافقين ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا علَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾الممتحنة: ٩

لأن حقيقة التعاطف والتعاطي والميل للمنافقين هو فتح ثغرة وفاصلة بين الله جلّ وعلا ووليّه ﴿؏﴾، عند ذلك سيمكن أن ندخل كل أحد ونجعله ممثلًا  للإسلام ويصبح الدّين ألعوبة، وسيتحول من دين إلهي إلى ألعوبة. 

وفي كل زمان نجد تلك المصاديق من الناس ممن يتعاطف مع المنافقين حتى في أسوأ الحالات وإن دلّ على شيء فإنما يدل على أنهم لم يفهموا قوله جلّ وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ الصف: ٤. فالمؤمنون صفًا لا ينفذ فيهم أحد من المنافقين؛ لذا نجد الإعلام يعطي نفوذًا للآخرين في مرات ومواقع كثيرة، ويبحث لهم عن منفذ رحمة وتعاطف وبمسميات متعددة يخترعها؛ كـ وحدة الأديان،…  وهذا أسوأ ما يمكن أن تقع فيه الأمة وهذا الأمر  هو الذي يجعل أمير المؤمنين ﴿؏﴾ عندما يتحدث عن سلب الخلافة يقول ﴿؏﴾: “فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ علَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعيْنِ قَذًى، وَفي الحَلْقِ شَجاً، أَرَى تُرَاثي نَهْباً، حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ  لِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلانٍ بَعدَهُ” (٧) نعم هذه الآلام وهذا السلب للخلافة ملأ قلب أمير المؤمنين قيحًا وكمدًا؛ أمير المؤمنين ذلك الشجاع المقدام مع ما لديه من قوة واقتدار وعزة في دين الله ولم يكن أحد ليجرؤ على الاقتراب منه، فلولا أنه ﴿؏﴾ كان في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ساجدًا لربه خاضعًا متواضعًا ذائبًا في ذات الله لما نال منه عبد الرحمن بن ملجم -عليه لعائن الله-، وكأني به في مثل هذه الليلة وهو يجود بنفسه، وقد وصل السمّ الذي تمطع به سيف ابن ملجم إلى أم هامته، فأصبح من ينظر لعلي ﴿؏﴾ لا يفرق بين صفرة وجه علي ﴿؏﴾ بقدر ما نزف من دمائه ونزف من قدرة بدنه ونزف من طاقته وبين تلك العصابة التي كانت تلف رأسه. 

ألا لعنة الله على الظالمين.


١. الزيارة الخامسة.

٢. فعندما نشير لأحدهم فنقول صاحب يد؛ إشارة لبسط اليد، يقول تعالى في محكم كتابه حكاية عن أنبياءه ﴿؏﴾: ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ص: ٤٥؛ أي إنهم ﴿؏﴾ بأيديهم قد أداروا أكبر دولة وقعت على وجه الأرض، أداروها بكرم وأخلاق و بإعطاء الناس حقوقهم. 

٣. وإلا فمن ذا يجرؤ على قتل أمير المؤمنين ومواجهته.

٤. وهكذا هو حالنا في ليلة القدر من كل عام نتوب ونستغفر كما نعزم أن لا نعود لمعصية ونعطى الفرصة للبدأ بصفحة جديدة بيضاء؛ فإذا ما كانت النوايا صادقة كتب ذلك في قلوبنا، والتي سترفع في هذه الليالي لله سبحانه وتعالى؛ وإذا ما ارتفعت قلوبنا لله جلّ وعلا فإن هذه الطفرة التي تحدث في ليلة القدر للإنسان هي التي تكتب الإيمان في القلب ﴿أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ﴾ المجادلة: ٢٢ فما يكتبه الله سبحانه على صحائف قلوبنا لا يمحى.

وفي كل عام تعود لنا  لنا ذكرى علي ﴿؏﴾ وتجدد سيرته ونسمع فضائله ومجرد الإستماع لهذه الفضائل ترفع الإنسان  وتقفز به إلى أن يكتب الله سبحانه وتعالى في قلبه الإيمان ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾.

٥. بحار الأنوار – ج: ٣٩ – ص: ٢٨٧.

٦. التاريخ يشهد بوجود أولئك الذين كانت قبائلهم لا تتجاوز خمسين شخصا وقد ارتكبوا سرقات من أهل مكة وتم إخراجهم منها وفرارا من عقدة النقص أرادوا أن ينقلب حالهم ويصبحوا أهل فضائل فكيف يمكن التعاطف معهم؟!.

٧. نهج البلاغة الخطبة الشقشقية.

 

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 99٬206 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (2)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها