تقدم القراءة:

أشهد أنك طهرٌ طاهرٌ مطهر ٨

الأحد 15 سبتمبر 2019مساءًالأحد

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

5
(1)

عظم الله أجوركم بمصاب سيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين (ع) وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره .

ورد في زيارة الإمام الحسين (ع): اَشْهَدُ اَنَّكَ طُهْرٌ طاهِرٌ مُطَهَّرٌ مِنْ طُهْر طاهِر مُطَهَّر، طَهُرْتَ وَطَهُرَتْ بِكَ الْبِلادُ وَطَهُرَتْ اَرْضٌ  اَنْتَ بِها وَطَهُرَ حَرَمُكَ

هذه الفاعلية للحسين (ع) في كونه طاهر مطهر من طهر طاهر مطهر، كل شيء يطهر به، طهرت بك البلاد والعباد، وطهر حرمك، وطهرت أرض أنت فيها -التي نسميها نحن بالجمادات- هي جامدة، ومع ذلك هي تشعر وتحس وتطهر بالحسين (ع).

خصائص القاسم أوصلته لحقيقة العشق

يمكن أن نقرأ خصائص وصفات وشمائل أصحاب الإمام الحسين (ع)، وبالأخص أهل بيته الأطهار. القاسم ابن الإمام الحسن (ع)، غلام لم يتجاوز عمره ال13 سنة وفي بعض الروايات 11 سنة. ما السر في تخليد ذكراه؟ مع أننا نعلم أن للقاسم أخ من أبيه وأمه استشهد أيضًا مع الإمام الحسين (ع)، أبو بكر ابن الإمام الحسن ابن أمير المؤمنين (ع)، وأمه رملة، ما السبب في أننا نذكر القاسم؟ ليس نحن فقط من نذكر القاسم (ع)، أصحاب المقاتل الكبار كالسيد ابن طاووس، الشيخ المفيد، الطوسي، ابو مخنف، أصحاب الاهتمام بعلم الرجال والأخبار من المتقدمين والمتأخرين ذكروا القاسم بنحو خاص! مع أنه كما تعرفون، هناك من أبناء أهل البيت (ع)، ومن أبناء الإمام الحسن (ع) من استشهد في كربلا، ليس فقط هو القاسم، لكن حسب التصور وتجميع القرائن -على ما يبدو- في القاسم خصائص وصفات تجلت مقابل اكتشاف الطهر، ومعرفة الطهر، وذلك أنه إذا أدرك الإنسان طهر موجود فإنه يعشقه ويحبه ويتعلق به علاقة شديدة، والطهر أيضًا يتعلق به، وفي المقابل يصفو ويطهر ذلك المدرك، وهذه هي علاقة التواد والعشق، وبذلك يجب أن نشرح معنى العشق، وحقيقة العشق التي وصل إليها -حسب ما نتصور، وحسب ما ندعيه- القاسم ابن الإمام الحسن (ع). 

لا شك أن جميع أهل البيت (ع) وأبنائهم، وهذا البيت الذي بناه رسول الله (ص)، وعايش الأحداث منذ البعثة المحمدية على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم، لا شك أنهم كانوا الأقرب للمعرفة والإحاطة والإدراك والتّماس مع خصائص رسول الله (ص)، خصائص أمير المؤمنين (ع)، خصائص الحسن والحسين (ع). لكن حسب تصوري، بعض القرائن تساعد على أن هناك خصائص في أمير المؤمنين (ع) موجودة في القاسم ابن الحسن (ع)، ولعل ذلك هو ما استدعى ذكره، واستدعى بقاء اسمه، واستدعى أن ينقل في التاريخ، مع أنه كما قلت، استشهد من هو في عرضه

القاسم يحمل خصائص أمير المؤمنين (ع). 

بعض خصائص أمير المؤمنين (ع) –في سياق الأحداث التي ينقلها المؤرخون- هي موجودة في القاسم ابن الحسن (ع). لاحظوا الزهراء (ع) عندما عدنها نساء أهل المدينة، خطبت خطبة صغيرة، لكنها محفوظة، وذكرت فيها أهم صفات أمير المؤمنين (ع) التي تستدعي وتؤهله (ع) للقيادة، وتجعله أفضل من غيره. قالت(وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا منه والله نكير سيفه، وقلة مبالاته بحتفه)(١وهذه صفة إذا فككناها، سوف نجدها تقريبًا تشبه ما ينقله المؤرخون: أن القاسم ابن الامام الحسن (ع) عندما خرج مقاتلاً، قتل على صغر سنه أكثر من 37 من المقاتلين الأبطال. وعندما انقطع شسع نعله، استحى أن يحتفي في الميدان، فلم يبالِ بحتفه، أي لم يبالِ بموته. دائمًا الإنسان الذي لا يبالي بعدوه ولا بحتفه، ولا بالموت، ولا بالخوف، هذا الإنسان لا يمكن تطميعه، ولا إخضاعه، ولا يضيع في التيه والفتن، ولا يمكن أن تشتبه عليه الأمور. لماذا؟ لأن عنده صورة واضحة جلية. عندما يقال لنا أن القاسم (ع) انقطع شسع نعله… ويؤكد المؤرخون على هذا المعنى، فهذه دلالة على أنه لا يبالي بحتفه، ولا بالموت، ولا بعدوه. إذن ليس هناك إغراءات وانجذابات، وليس هناك ما يجذبه إلا شيء واحد، وهو -كما سوف يأتينا- الحسين (ع).

ما هو السر؟ لماذا الصديقة الزهراء تصف أمير المؤمنين (ع) بأنه لا يبالي بحتفه؟ لأن أمير المؤمنين (ع) لا يغريه أحد، لا يجعله ينصرف عن أهدافه الأساسية أحد، ولا تضيع عليه الفتن. إذا جمعنا القرائن، سوف نلتفت إلى أن هذه النقطة غزيرة جداً!

الدنيا رأس كل خطيئة وسبب كل سقوط للإنسان

الإمام الحسين (ع) يخاطب أصحابه وأبناءه وأبناء إخوته وأبناء عمومته فيقول(صبراً بني الكرام، فمالموت إلا قنطرة)(٢). كما وقد وردت أن الدنيا قنطرة، بمعنى أنها قصيرة درب، مجرد طريق. لكن لنأخذ معنى الدنيا. ما هي الدنيا؟ الدنيا هي الخوف من غير الله سبحانه، هي رأس كل خطيئة، هي رأس كل نقطة ضعف في الإنسان، هي سبب كل هاوية وسقوط وكل انجذاب لغير الله تعالى، فعندما يجعل الإنسان الدنيا قنطرة، يعني يدوس عليها بقدمه! عندما يجعلها تحت أقدامه، هذا لا يجذبه ولا يغره أحد، ولا يضيع في الفتن. كثير من الناس حتى يهربون من المسؤولية، وحتى يهربون من اتخاذ القرارات، يتصورون أن كثيرًا من الأمور فتنة، يجب أن نترك كل شيء. من اللطيف قبل أن أدخل في البحث أن أنقل هذا المعنى: سمعته من السيد القائد حفظه الله لأهم المتصدين للشأن العام يقول: البعض يفسر مقولة أمير المؤمنين (ع)(كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب)(٣) 

يتصورون أن معناها: إذا حدثت فتنة وانقلاب، ابتعد، لا تصبح شريكًا، لا تصبح ضرعًا فيحلب. ابن اللبون (ابن الناقة بعمر السنتين) لا يوجد فيه حليب حتى يحلب. يعني إذا صارت فتنة، كن كابن اللبون: لا ضرع فيحلب، ولا أحد يركب عليه لأنه صغير. بمعنى صر وجودك وعدمك واحد، السيد القائد يقول: هذا أكبر اشتباه في تفسير الرواية! الأمير (ع) لا يقول :اترك المسؤولية، الأمير (ع) كأنما يقول: بالعكس، المسؤولية مضاعفة! في الفتن، في البلاء والامتحان، في المسؤوليات والقضايا الكبار، يجب أن تتحمل وظيفتين:

الوظيفة الأولى: أن تكون مع الحق، وأن تقف مع الحق

والوظيفة الثانية: أن لا يستفيد منك أصحاب الباطل أبدًا

يقول: هي وظيفة مركبة. هي ليست رفعًا للوظيفة. نحن دائمًا نفهم من هذه الرواية أنها رفع للوظيفة، بينما الرواية تقول: لا، أنت تحمل وظيفة ثقيلة؛ بل وظيفتين ثقيلتين، الأولى أن تقف مع الحق، والثانية أن لا يستفيد منك أهل الباطل. يعني أن لا يأخذ صاحب باطل معك صورة، وينشرها، ولا كلمة، ولا موقف، ولا عبارة. كثير من الناس كي لا يعمل خلافًا مع أحد، وحتى يريح نفسه، وحتى لا يكون مسؤولاً… يقول كلامًا لا مع الحق ولا مع الباطل، يخذل الحق ويدهن الباطل. كثير من الناس هم هكذا. وهذا كله من حب الدنيا! وحب الراحة -كما سوف يأتينا- كله من التعلقات ونقاط الضعف الموجودة في الإنسان والتي تأتي من الدنيا

فإذا استطاع الإنسان أن يحوّل الدنيا إلى قنطرة تحت قدمه، بمعنى أن يدوس على هذه الدنيا، فهذا يجعل كل ما يخوّف وكل ما يطّمع و يرّغب ويميل به عن وجه الحقيقة، فهو في الحقيقة تحت قدمه.

القاسم عاشق للحسين (ع)

إذا جمعنا كل القرآئن تظهر لنا ميزة القاسم (ع)، وهي أنه وجه وجهه باتجاه الحسين (ع) فقط وفقط! ورأى أن القتل في سبيل الإمام (ع) أحلى من العسل.(٤)  

فكل ما دونه مر! الدنيا بعد الحسين مرة. الحياة بعد الحسين مرة. الشهوات، الرغبات، الأهواء، البقاء،النفس، الماء، الهواء، كله بعد الحسين (ع) مر! هذا المبحث مبحث عرفاني يبحثه المتخصصون في العرفان. وهو مسألة العشق، ففي مقابل الطهر يجب أن تكون عاشقًا! أنت مقابل الكامل الذي لا نقص فيه، الذي هو مظهر القدوسية، بشكل طبيعي تحاول أن تقتفي أثره، و تتبعه، و أن تصبح في طوعه، و أن تصبح تحت اختياره، و أن تصبح -إن صح التعبير- باخعًا له.

يقول أستاذنا الشيخ جوادي عبارة لطيفة: إن العشق من المفاهيم الدينية التي سرقت للأسف من الدين ووضعت في غير موضعها. كثير من المفاهيم عندنا تسرق! مفاهيم وألفاظ وعبارات، ومن بينها هو مفهوم العشق الذي سرق وحرف عن موضعه. وسنوضح ذلك باختصار.

لو نلاحظ الآن أن هناك تغذية وحالة من توجيه الإنسان لأن يعشق الأمور الوهمية؟! التي ليس لها واقع أو أصل. أغلب اليوم مليء بعشقيات، أي مسلسل يريدون جذب الناس له، حتى وإن كان دينيًا، لا بد أن يدخلوا فيه قصة حب؛ لأن هذه الحالة (العشق) -كما يعبر أستاذنا الشيخ جوادي- أنزلت من مقامها الرفيع إلى الحضيض، أصبحت تستخدم في الترويج لكثير من الأمور غير الصحيحة وغير الواقعية. حتى أصبح هذا المفهوم في الحقيقة سببًا لانزلاق كثير من الشباب والكبار والصغار.

إن ما يحدث عندنا اليوم من بلاءات كثيرة هو نتيجة وضع ألفاظ واستخدام مسميات دينية في غير موضعها. وهذه المسألة في الحقيقة تحتاج إلى علاج ودورات، لنعيدها إلى الموضع الذي استخدمها فيه القرآن الكريم، واستخدمها أهل البيت (ع). فالعشق له آثار مهمة، وإذا ما التفتنا إلى هذا البعد في سرقة العبارات والمفاهيم التي وردت في الآيات والروايات، نستغرب كيف استطاع عدونا أن يستفيد منها، ويستغلها ويضعها في غير موضعها.. (٥)

  • العشق في روايات أهل البيت (ع)

وقد ذكرنا سابقًا أن كلمة العشق وردت في روايات أهل البيت (ع) في ثلاث مواضع فقط(٦)، ويمكننا أن نشير هنا لأمر آخر وحيثية أخرى متعلقة بمفهوم العشق، كونه مفهومًا إضافيًا في مقابل المفاهيم الذاتية، والمفاهيم الإضافية أي المفاهيم الغير مستقلة، والتي لا تتحقق إلا بتصور المتعلق أو المفهوم الذي معه ويلازمهمثلاً، الماء، نستطيع تتصور الماء بدون شارب. لكن “الشرب” لا يتحقق إلا إذا تصورنا المشروب والشارب وماء يُشرب، هذا يسمى مفهومًا إضافيًاومفهوم العشق -مثله مثل الماء- أي أننا بحاجة إلى معشوق كي نتصوره،

مثال آخر، لو سألك أحدهم: هل تعلم بلاد تشوكونان؟ -وهي بلاد غير موجودة- وسألك: هل تعرف ماذا يوجد في هذه البلاد؟ – من الأصل هي غير موجودة لتعلم ماذا فيها!

إذا صار متعلق العشق غير موجود، فكيف يتكلم عنه الإمام (ع)؟ ما لم يكن هناك مصداق له ومتعلق فيه في الخارج، لا يمكن أن تتحقق هذه الحالة.  الغريب أن الناس في وقتنا الحاضر صارت تصل إلى حالة العشق بدون معشوق! يجب أن يكون هناك من يستحق العشق، شخص فيه خصوصيات المعشوق حتى تصبح حالة عشق! و أما كثرة استخدام هذه الألفاظ، وكثرة استخدام هذه المفاهيم في غير مواردها، دلالة على وهمية هذا المجتمع ووهمية هذا الإنسان

العشق الواقعي مقابل الوهم

سُئل الشهيد مطهري مرة: لماذا لا يوجد في الروايات وفي الآيات حث من قبل الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين على حالة العشق؟ كان يقول: لأنها حالة قوية وشديدة ومؤثرة، و تجعل الإنسان لا يستطيع أن  يتخلف عن آثارها. الإنسان عندما يتعلق بشيء إلى حد العشق، فمن الصعب أن ينفك عن تقليده، صعب على الإنسان أن ينفك عن التشبه به. الشهيد مطهري يتحدث عن نفسه، يقول: أنا شخصيًا عشقت السيد البروجردي، وأعجبت فيه جدًا، وكنت أراقبه في كل شي: كيف يقوم به، يقول: بعد فترة، اكتشفت أنني إذا مشيت، أمسك بعباءتي تمامًا كما يمسكها السيد البروجردي، وجدت نفسي أقلد السيد البروجردي في جلوسي، ثم وجدت أنني لست وحدي أفعل ذلك، رأيت مجموعة من طلاب السيد البروجردي يقومون بالشيء نفسه

الآن، الموديلات التي تنتشر، نتيجة أن الناس يعشقون شيئًًا وهميًا وغير واقعي. وكما يقول صدر الدين الشيرازي: لماذا يقول القرآن الكريم﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ  حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ آل عمران: ١٤ زين للناس حب الشهوات في ستة أشياء؟ حب الشهوات من النساء، والبنون، والقناطير المقنطرة، (أي القناطير الثقيلة من الذهب والفضة والأموال…) 

يقول ملا صدرا: القرآن الكريم يذكر هذه الستة؛ لأن أكثر الناس عادةً تتعلق بهذه الستة. القرآن الكريم لم يذكر من الذي زين ومن الذي جعل فيها زينة، لا، بل قال ( زُيّن): الناس من نفسها تتوهم أن الإنسان الذي عنده إمكانيات أكثر، أو شكله أجمل، تشعر أنه إنسان يستحق الاعتبار.

من الذي أوجد هذا الاعتبار؟ من الذي أوجد هذا التعلق؟ بعضه واقعي وحقيقي، وبعضه غير واقعي وغير حقيقي، الناس توهم بعضها (زُيّن) ليس معلومًا من الذي زَيَّن. ربما طبيعة الإنسان هي التي زَيّنت. وقد لا تكون طبيعة، أحيانًا هو شيء اعتبره الناس جميلًا، وبعد فترة هو نفسه تعتبره بالعكس، انتهى وصار قديمًا وصار غير مطلوب.  

هذه الحالة تجعل الإنسان يصرف ويبيع ويشتري و يصادم ويقطع علاقات وتصدر عنه أفعال كثيرة بسبب هذا المتعلق الوهمي.

عشق محبوب الله 

لنفترض أن الإنسان تعلق بشخص محبوب لله سبحانه وتعالى، أليس الحسين (ع) حبيب الله سبحانه وتعالى، جاء في زيارة الأربعينالسلام على ولي الله وحبيبه(٧)

الحسين (ع) محبوب الله سبحانه وتعالى، والذي يعشقه ويحبه يصير قلبه متوجهًا له ومتعلقًا به، وحينما يتعلق القلب وتتعلق الجوانح لا تمتلك الجوارح إلا أن تنقاد وتستجيب  ويسعي صاحبها تلقائيًا لتقليد الإمام الحسين (ع) فلا يبالي بحتفه؛ ولذلك عندما نقرأ في الروايات أو نسمع الخطباء أن القاسم (ع) حين انقطع شسع نعله استحى أن يحتفي في الميدان….، صحيح أنه عربي وقد يستحي أن يحتفي ونعله مقطوع- لكن ما السبب الذي يجعله لا يبالي بهذه الألوف وبهذه السيوف؟

السبب هو عشقه وحبه للإمام الحسين (ع).

دليلنا على ذلك: أن القاسم (ع) بالخصوص، ابن الإمام الحسن (ع)، لم يكن فقط من ناحية شرعية غير مكلف بالخروج إلى كربلاء، والاستشهاد في كربلاء، والقتال مع عمه الحسين (ع)؛ لأنه غلام لم يبلغ الحلم بعد، والجهاد إنما وجب على البالغ الذي تجب عليه الصلاة والصيام والحج والجهاد، عندما لا يكون الشخص مخاطبًا لا بالجهاد، ولا بالقتال، ولا مخاطبًا بالصلاة والصيام…، مالذي يبعثه على القتال والجهاد؟! لا باعث له إلا أمر واحد: وهو إلا أن يكون عاشقًا لهذا الإنسان الذي يريد أن يكون مثله، عاشقًا هذا الطاهر، متعلق بهذا الطاهر، يريد أن يتحرك مثله، ولذا استحي (ع) أن يحتفي في الميدان فيقال: أن أصحاب الإمام الحسين (ع) جبناء، أو يُفهم منه أنه هناك حالة من الجبن، أو حالة من الاستسلام، يُفهم منه أن الدنيا لم تصبح تحت قدميه؛ لأن كل الدنيا كانت تحت قدمي القاسم بن الحسن صلوات الله وسلامه عليه. والإمام الحسين (ع) بالنسبة له، هو الطهر الطاهر المطهر

في الخبر، أن جميع أصحاب الإمام الحسين (ع) –عندما يريدون الخروج إلى الميدان، ليبارزوا عدوهم- كانوا يستأذنون من الإمام الحسين (ع)، وهذه عادة ونظام كل حرب، أن تستأذن من القائد. الحسين صلوات الله وسلامه عليه كان كلما استأذنه القاسم ابن الإمام الحسن (ع) لا يسمح له، ولا يأذن له، حتى استأذنه في المرة الأخيرة لكي يخرج فقال لعمه الحسين (ع): ياعم، قد سئمت من الدنيا وأنا أرى هؤلاء القوم قد احتوشوك. وفي رواية، أن الحسين (ع) ما أذن له، ولكنه خر على قدمي عمه يقبلهما فاحتضنه الحسين (ع) –وهذا لم يفعله (ع) لا مع الأكبر ولا مع العباس- فاحتضنه الإمام الحسين (ع) حتى خر مغشيًا عليه … (٨)

ألا لعنة الله على الظالمين.  



١الأمالي للشيخ الطوسي 374

٢الاعتقادات للشيخ المفيدص51

٣نهج البلاغة

٤مارواه أبي حمزة عندما خاطب الإمام الحسين أصحابه ليلة العاشرقال لهم : يا قوم إني في غد أقتل وتقتلون كلكم معي ولا يبقى منكم واحد فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك، أولا ترضى أن نكون معك في درجتك يا ابن رسول الله؟

فقال عليه السلام جزاكم الله خيرا! ودعا لهم بخير، -فأصبح وقتل وقتلوا معه أجمعون-.

فقال له القاسم بن الحسن عليه السلام: وأنا فيمن يقتل؟ فأشفق عليه، فقال له:

يا بني كيف الموت عندك؟ قال: يا عم فيك أحلى من العسل، فقال: إي والله فداك عمك، إنك لأحد من يقتل من الرجال معي بعد أن تبلو ببلاء عظيم، ويقتل ابني عبد الله.. المزار للمشهدي ص503

٥تنقل إحدى الأخوات عن زوجها تصف حاله: بأنه يعشق الشيشة. فقلت لها: ماذا يعني أن يعشق الشيشة؟ وهل لهذا المعشوق من قيمة؟! الذي يعطي العشق قيمة هو المعشوق، المتعلَق، كلما كان المتعلَق أكثر استحقاقًا للتعلق به، تحدث حالة العشق. وإلا فكان وهمًا. كلما يكون المعشوق فيه جلاء وجذابية أكثر، وفيه قدرة على التطهير والإفاضة، ومقدرة على العطاء والبذل، تحقق حالة العشق. وإلا، فعاشق بلا معشوق لا يسمى عشق. هذا نحو من الاستخدام خاطئ.

٦. للاستزادة راجع الدرس السادس

٧. مصباح المتهجد للشيخ الطوسي 

٨ثمّ خرج مِن بَعدِه (أي بعد شهادة عَون بن عبد الله بن جعفر) القاسمُ بن الحسن (عليه السّلام)، وهو غلامٌ صغير لم يبلغ الحُلُم، فلمّا نظر الحسينُ إليه وقد بَرَز، اعتَنَقَه وجعلا يبكيان حتّى غُشِيَ عليهما.

ثمّ استأذن الحسينَ (عليه السّلام) في المبارزة، فأبى الحسينُ أن يأذَن له، فلم يَزَل الغلام يُقبِّل يدَيه ورِجلَيه حتّى أذِن له، فخرج ودموعُه تسيل على خَدَّيه.

 

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 99٬204 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (2)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها