تقدم القراءة:

اللهم تقبل منا هذا القربان ١

الأحد 30 سبتمبر 2018مساءًالأحد

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

تعود علينا كربلاء مفعمة بالتوحيد والإيمان وظهور التوحيد كلّه على الشرك كلّه.

عاشوراء منذ اليوم الأول تحمل آلام اليوم العاشر لا فرق وهذه كانت سيرة الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، شعارنا في هذه السنة ( اللهم تقبل منا هذا القربان) ـ وهو كما سوف نوضّح ـ اختزال وطيّ لكلّ أحلام الأنبياء والأولياء والصديقين، لكن اعتدنا في اليوم الأول أن نتحدث عن آداب هذه العشرة الأيام.

لا شك أن أهم الأمور التي بعث الله سبحانه وتعالى رسله وأنبياءه وأولياءه من أجلها هو تعليم الإنسان السير والسلوك والعودة إلى الله سبحانه وتعالى. ونجد من أهل الاختصاص وأهل العلم والمعرفة والموحّدين ممّن تفرغ وتخصص في التأليف والكتابة والتوجيه والتدريس لتعليم كيفية السير والسلوك والوصول إلى الله وتحويل التوحيد من نظرية ومن مستوى المعتقد إلى مستوى الحياة.

وكما أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى هذا الكتاب المقدس ـ الذي نسميه بالقرآن ـ فإن الإنسان كذلك يحتاج إلى من يستنزل عقيدة التوحيد ويعلمه كيف يستنزلها إلى واقعه الحيّ.

الطرق الثلاثة في السير والسلوك إلى الله

هذه العشرة أيام هي خير زاد لطريق السير والسلوك لله سبحانه وتعالى. والتأدّب في هذه العشرة أيام هو أفضل الطرق وأقربها لبلوغ الأمل في الوصول لوحدانية الله سبحانه وتعالى.

للسير والسلوك ثلاثة أنحاء يمكن أن نتصورها:

١. طريق العبادة والأذكار

 فمنها ما يكون عباديّا: أذكار، عبادات، تكثيف من الأدعية والالتزامات الأخلاقيّة العباديّة من الدرجة الأولى. ولكن هذا النحو صعب مستصعب إن صحّ التعبير، لأنه لا يصلح أيّ ذكر لأيّ إنسان.الأوراد والأذكار هي بالضبط مثلها مثل علامات تنتهي إلى كنز معيّن، وهذا يقرّه العرفاء أهل الاختصاص، ليس من الصحيح أن نعطي ذكرًا لكل إنسان ونقول له هذا الذكر يوصلك إلى هذا الكنز.

اضرب مثالا: افترضوا لو أن هناك كنز يحتاج إلى مئة متر لتصل إليه، ولكن الانسان مشى مئة وعشرة أمتار مثلا، هل سوف يصل لهذا الكنز؟ أو أنه بالعكس، لو أنه قصر المسافة هل سوف يصل لهذا الكنز؟

هذه معادلة تحتاج إلى أن يتناسب شأن الانسان مع شأن الذكر وشأن الهدف، كثير من الأحيان يكون الوصول إلى هذه الأهداف احتماليّا، فليس هناك دليل قطعيّ على أنه بهذا الذكر سوف يصل إلى هذه النتيجة إلّا أن يكون هذا الذكر كلام الله سبحانه وتعالى، ولذا ورد عندنا في الرواية أن أفضل الذكر هو قراءة القرآن “أفضَلُ الذِّكرِ القُرآنُ، بِهِ تُشرَحُ الصُّدُورُ وتَستَنيرُ السَّرائرُ”(١) لأنه كلام الله سبحانه وتعالى ومفصل بحجم الإنسان كل إنسان، وبقيّة الأذكار نحن نعتمد على ما يصل من المعصومين (ع). وأما الأذكار الخاصّة التي هي مثل العلاج الخاص لتقصيرات الإنسان ولأخلاقيات الإنسان والذي يتناسب مع علم الانسان ووعيه ومقدار ما مضى وسلف من ذنوبه ومقدار ما أخّر لآخرته مثلا… فهذه مسائل ظريفة جدّا ولا يجب أن نكتفي بما ينقله أهل التجربة. الإنسان إما أن يلتزم بالقرآن الكريم أو يلتزم بالأذكار الواردة عن المعصومين (ع) وأما الأوراد الخاصّة فتحتاج إلى تخصّص في معرفة الشأنيّات.

إذن هذا طريق ومفيد لكنه ليس سهلًا وليس ميسّرًا لكلّ أحد، ويحتاج الانسان فيه إلى من هو أعرف بشأنه وحاله.

٢. طريق الرياضات الشرعيّة

الطريق الآخر الرياضات الشرعية: والتي تنتج نورانيّة، ترقيقًا للقلب، تطهيرًا، تصفية، تلميعًا ونحوًا من صيقليّة الروح حتى تصل الروح إلى مرحلة من الإشراقات النورانية بحيث تشرق عليها أنوار معرفة الله سبحانه وتعالى ووحدانيّته.

 طبعا هذا الطريق مطلوب أيضا ولكن النتيجة فيه ليست قطعيّة. الله سبحانه وتعالى يقول ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ البقرة: ١٥٢ وقد ورد عندنا أيضا في المناجاة “فَأَمَرْتَنا بِذِكْرِكَ، وَوَعَدْتَنا عَلَيْهِ أَنْ تَذْكُرَنا تَشْرِيفاً لَنا وَتَفْخِيمَاً وَإعْظامَاً”(٢) الله سبحانه وتعالى وعد من يذكره على أن يذكره جلّت قدرته، ولكن أيّ ذكر هو؟ يحتاج إلى وقت أوّلا ثم في الحقيقة يحتاج إلى بذل جهد أكثر من المتوسط وأكثر من الحال العادي.

متابعة هذه الأذكار لها آفات يسعى علماء الأخلاق لعلاجها، فعادة الإنسان إذا تعلّم على ذكر معين يتحوّل هذا الذكر إلى نوع من التقيّد بحيث لا يقدر على تركه ويتحوّل إلى طقس من الطقوس التي لا يستطيع تركها ولو توجّهت إليه وظيفة أهمّ منه. هذا الذكر في الحقيقة هو من محاسن الإنسان لكن كثيرًا من الأحيان تكون محاسن الانسان مساوئا، يقول الإمام الحسين (ع): “إِلهِي مَنْ كانَتْ مَحاسِنُهُ مَسَاوِيَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ مَساوِؤُهُ مَسَاوِيَ”(٣) هو حسنٌ ولكن إذا أضفناه إلى إمكانيات الإنسان وقدرته على الإتيان بوظائف وشؤون عدّة سوف يتحوّل أحيانًا إلى مساوئ بالنسبة للإنسان.

وأيضا حالة الذكر وكثرة الالتزام بالعبادات والطاعات قليلًا ما لا تصيب الإنسان بحالة العجب. الإنسان إذا كان من أهل الطاعة والذكر تصبح عنده حالة انفصام وانفصال روحيّ عن الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، فمن الطبيعي أنّ هذه الحالة تجعل الإنسان يرى نفسه، يرى ذكره ويرى قربه من الله وابتعاد الناس. هذه حالة طبيعية ولكن هذه الحالة تصيب الإنسان ببعض النتائج الأخلاقية التي تحتاج إلى علاج.

لا توجد صفة كمال يصل إليها الإنسان إلا ويحيطها من الشوائب وينزرع أمامها ما يحتاج إلى اقتطاف وإبعاد كالأشواك، هذا في الزرع العادي فما بالك بالزرع في الأمور الروحية!

ما سرّ أهميّة صلاة الغفيلة؟

صلاة الغفيلة فيها أسرار كثيرة وفيها نقطة أساسية، نبي الله يونس (ع) الذي كانت كل حياته منذ خلقه الله سبحانه في طاعة وانقياد وتوحيد لله سبحانه، وقد بعثه الله إلى قومه حتى يرشدهم ويعلمهم ويهديهم، وتحمّل الرسالة والدعوة وأعباءها، كلّ ذلك تحمّله وقام به على أحسن وجه، ولكن وصل إلى حالة من اليأس حين رأى أن العذاب سوف ينزل على قومه، بعد أن يئس منهم أبق إلى الفلك المشحون.

أبق بمعنى أنّ وظيفته أن يتحمّل أكثر، هو لم يترك واجبًا وإنّما قام بفعل خلاف التحمل الأشدّ لذلك الله سبحانه يقول مخاطبا لرسوله (ص): ﴿وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ القلم: ٤٨.

قال له اذكر عبدنا إبراهيم واذكر عبدنا داوود واذكر عبدنا موسى… هؤلاء كلّهم اذكرهم لكن إياك أن تقع فيما وقع فيه نبي الله يونس!

حتى يريه الله الواقع التقمه الحوت، كل حياته كان مطيعا لله إلّا لحظة واحدة ـ  وهذه اللحظة لم يقع منه ظلم تشريعيّ وإنما ترك الأَولى ـ مع ذلك بقيت في ذهنه! قال:﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الأنبياء: ٨٧ هذه قيمة الذكر اليونسيّ، أن يبقى الإنسان ذاكرًا ومطيعًا ومنقادًا لله ولكن الذي يبقى في ذهنه هو فقط اللحظات التي أخطأ فيها. ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ الأنبياء: ٨٨ من له مقدار من العبودية لله تصبح الإجابة له سريعة.

طبيعة الذكر الكثير يوجد بين الذاكر وبين الواقع الاجتماعيّ فاصلة روحيّة فيرى نفسه غير منسجم مع الآخرين، ولايستطيع أن يتفهّم الاخرين أو أن يفهموه، ثمّ شيئًا فشيئًا تصبح عنده حالة من الغرور الروحيّ!

إذا راجعنا كل هذه الرياضات نجد فيها إيجابيات كثيره جدًا، لكن فيها مقتضيات ولوازم ليست صحّيّة لكنّها طبيعية، وهي تحتاج إلى عمر طويل وإلى تجربة ثم تحتاج إلى معرفة بشأنية النفس طويلة، تحتاج إلى بذل جهد وإلى إرادة قويّة وأن ينسى الإنسان نفسه، تحتاج أن لا يحتجّ الإنسان على الله بها! تلاحظون إذا تعودنا على الالتزام مثلا بقيام الليل فإنّنا إذا احتجنا شيئًا نُذكّر الله بأعمالنا! وهذه الحالة يصاب بها الإنسان في كثير من الأحيان.

٣. الطريق الأسرع والمضمون: ترقيق القلب بالبكاء على الحسين(ع)

هناك ارتياض روحيّ لا يحتاج إلى وقت ولا إلى زمان ولا عجب فيه ولا رياء ولا منّة على الله وهو الالتزام في هذه العشرة الأيام بقضيّة الإمام الحسين (ع). هذا طريق حتميّ لا محالة، موصل لا محالة، هذا الطريق ليس طريقاً احتماليًّا، هذا قطعًا موصل إلى مرضاة الله سبحانه، بل حتى التباكي على الحسين (ع) مستحب. البكاء على الحسين (ع) خلاف الرياء، الرياء يجعل الإنسان يحافظ على وجاهته أمّا البكاء ففيه ضعف واستكانه واستسلام لإرادة الله.

 أفضل الأعمال في هذه العشرة الأيام ترقيق القلب والنفس بالبكاء على الحسين (ع) فهذا الطريق أسرع. تتكرّر هذه المقولة ـ هذه ليست رواية، الأصح أنها مقولة حكيمة ـ (سفينة الحسين أسرع) هذه مقولة تساندها الروايات.

عندما نجمع الروايات التي تتحدث عن زيارات الأئمة (ع) سوف نجد أن لزيارة الإمام الحسين (ع) خصوصيّة، بل ورد عندنا في الروايات أن ما يغفر كل الذنوب هو البكاء والحرقة من أجل الحسين (ع).(٤)

نحن نعلم أن المانع من استجابة الدعاء هو الذنوب، والذي يزيل رين القلب ويغسله هو الانكسار. إن الله عند القلوب المنكسرة وقريب من القلوب المنكسرة.

كم نعرف أناسًا وأشخاصًا يأخذون في اليوم السابع والثامن والتاسع من محرم قرارات مصيريّة، إرادتهم تصبح أشدّ، طلبهم للأخرة يصبح أشدّ، لا يوجد شيء يهب الإنسان العزيمة والإرادة القوية كمسألة الامام الحسين (ع).

الحسين (ع) ربّما لم يكن يتجاوزعمره الخمس سنوات حينما سأل رسول الله (ص) ـ ولكن لاحظوا الإمام الحسين (ع) كم يفكّر في هذه الأمّة ـ : ما لمن زارنا؟ فقال له رسول الله (ص): “من زارنا في مماتنا كمن زارنا في حياتنا، من زارني أو زارك أو زار أباك أو زار أخاك زرته يوم القيامة فأنقذته من أهوالها”. الرواية تلفتنا إلى أمرين:

الأوّل: أن رسول الله (ص) لم يذكر ثواب من زار قبر الزهراء(ع). في الحالة العاديّة عندما يذكر رسول الله (ص) آل بيت النبوة يقرن معهم الزهراء (ع)، ولكنّها لا قبر لها ولا مقام فلذا لم يذكرها.

الأمر الآخر: أنه صلوات الله وسلامه عليه قال: زرته يوم القيامة وأنقذته من النار. الأذكار قد تحدث صيقلية للروح والنفس في هذه الدنيا، لكن ليس هناك ذكر ولا ورد يضمن للإنسان  النجاة من أهوال يوم القيامة إلّا زيارة الحسين عليه السلام، ونحن في هذه العشرة الأيّام نصبح ونمسي ونحن نذكر الإمام الحسين(ع)…



١. غرر الحكم ودرر الكلم ١٨٩.

٢. مناجاة الذاكرين.

٣. دعاء عرفة.

٤. عن أبي عبدالله (ع): “من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر” ثواب الأعمال للصدوق ١٨٩.

 

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 118٬200 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (3)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها