تقدم القراءة:

وتثبيتاً من أنفسهم – ذكرى وفاة السيدة خديجة (ع)

الأحد 4 يونيو 2017صباحًاالأحد

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

3
(2)
﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  البقرة/ 265
    لنا نحن الشيعة علاقة خاصة مع أهل البيت (ع)، والسيدة خديجة (ع) هي عماد هذا البيت، ولها الفضل والأسبقية في نصرة الرسول (ص)  والإيمان الحق برسالته.
ونحن إذ نعظم شخصيات نسوية ممن أحطن ببيت النبوة والإمامة، إلا أننا – للأسف – نغفل عن مكانة هذه السيدة الجليلة وأسبقيتها في الفضل. ولا غرو فلقد أريد لحياتها أن تأخذ طابعاً من التمييع والتخفيف والتبسيط حتى لا تعلو وتأخذ موقعها الحقيقي.
    مما يدعو للأسف إن من يبحث في كتب التاريخ عن مادة متعلقة بالسيدة خديجة (ع) سوف يرى ندرتها، فأغلب كتب التاريخ تتناول شخصيتها بنحو من التبسيط والتسطيح، ولا تتجاوز بها أكثر من أنها تزوجت من الرسول (ص) وفي سن الأربعين بينما كان هو في سن الخامسة والعشرين، ثم أنها أنفقت أموالها في سبيل رسول الله! والحق أن الأمر أبعد من ذلك بكثير..
    تعالوا لنتأمل في إنفاق المال لمعرفة الحقيقة…
كانت السيدة خديجة تملك ثروة طائلة، والمال في ذلك الزمن كان هو عصب الحياة في الجزيرة العربية وفي مكة خاصة مع قلة مواردها الزراعية والصناعي. وقد وضعت السيدة خديجة هذه الثروة كاملة بين يدي رسول الله (ص)، ولا يمكن أن نقرأ ذلك بأن المرأة العربية وفيّة بطبعها ومن الطبيعي أن تهدي مالها لزوجها عند الحاجة، فليست  المسألة بهذه الدرجة من الجريان العادي، وليس كل امرأة تقوم بذلك يسلط التاريخ الضوء عليها.
لو كانت السيدة خديجة (ع) حالة وفق الدارج في زمانها لما التفت لها التاريخ. وكم هو الفرق بين امرأة تنفق أموالها لتحافظ على أسرتها، أو لأجل امتلاك منزل أو أرض ؛ وامرأة تنفق ليس أموالها فحسب بل وجاهتها ومكانتها الاجتماعية ليقوم مشروع إلهي.
   لم تنفق السيدة خديجة أموالها حبًا في رسول الله (ص) فقط، بل إيمانا بحقانية دعوته، فمن يعرف شخصيتها يعرف أنها امرأة حكيمة ومستقلة ووجيهة، وكم هو الفرق بين أن تمتلك مالاً وبين أن تمتلك مالاً ومكانة ووجاهة، إذ لم تكن صاحبة مال ورثته من آبائها، بل كانت امرأة متمكنة وجيهة وقد أنفقت أموالها ووجاهتها في سبيل الله.
   إن من يعرض سيرة السيدة خديجة (ع) على القرآن ستنكشف له مكانتها الروحية، ووعيها العميق بالحق، فالقرآن حين يتكلم عن قيمة وأثر الإنفاق في سبيل الله يقول: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ   البقرة/ 265  فهم يجاهدون بأموالهم  وبتثبيت من أنفسهم، وفي ذلك إشارة لطيفة وتوضيح لحقيقة الإنفاق، وبيان أن الإنفاق يلزم ترسيخ النفس وتثبيتها بقطع متعلقاتها. فغرس الإيمان يحتاج إلى تثبيت وتعميق في العقل والقلب وفي الروح والوجدان، ولكي يستقر الإيمان في النفس لا بد أن يميت الإنسان كل المتعلقات الخارجة عنه، لأنه مادام متعلقاً بغير الله فسترد عليه الزلات والأخطاء مما يزلزل هذا الثبات.
    إن سبب تزلزل إيمان الإنسان هو تعلقه بشيء ما. في الفيزياء يقال إن الأجسام تميل إلى مراكز ثقلها، ويمكن أن نأخذ هذا القانون لنفهم حركة النفس، فالشيء الثقيل عند النفس يثقلها وتميل معه، و هو من قبيل المال والبنون والموقع والوجاهة، وكل نقطة ضعف تؤخذ منها.
كما أن صاحب الأموال يتشبث بماله لأنه يعتبره سندا، فمن شأن المال أن يفخّم الشخصية في الواقع الاجتماعي، ومن هنا يصبح المال نقطة ضعف للإنسان.
 ولذا ينفق المؤمنون أموالهم في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله ليتخلصوا من ابتغاء مرضاة الآخرين ولكي يتخلصوا من نقطة ضعف في نفوسهم يحدثها امتلاك المال، ويثبتوا بذلك أنفسهم.
    السيدة خديجة (ع) التي كان لها من الجمال والمال والنفوذ والوجاهة الاجتماعية بحيث أراد الكثيرون الارتباط بها، أنفقت كل ما كانت تملك من مال ووجاهة وموقع اجتماعي حتى باتت بلا مال طريدة مقاطعة، و ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ  الحديد/ 10 هم غير متساوين لأن الذي أنفق قبل الفتح كان قد انتصر لرسولٍ متهمٍ في قومه بالجنون والسحر وغيرها من التهم، أما من أنفق بعد الفتح فقد أنفق في سبيل من غدا  فاتحاً وقائداً وزعيما! وشتان بين الإنفاقين.
    إن إنفاق السيدة خديجه كل ما تملك من مال ووجاهة في سبيل رسول مكذّب محارَب، بعد أن لمست نبوة محمد بن عبد الله (ص) دون أن تحتاج إلى دليل وبينة؛ هو ما جعل لإنفاقها هذه المكانة، وبه استحقت أن يبلّغها الله سلامه عبر الوحي.
لقد كانت السيدة خديجة (ع) امرأة سليمة الصدر والعقل والروح والمتعلقات، ومن الإجحاف أن تختصر كل هذه القيم في أنها أنفقت أموالها كأي امرأة عربية أنفقت أموالها لأجل إنقاذ زوجها من الفقر والضعف.
حين نفهم هذه المكانة العظيمة للسيدة خديجة نعرف جيداً أنها كانت أرضاً جديرة بأن تحوي بذرة الزهراء (ع)، وإذا كانت الزهراء (ع) تذب الأذى عن وجه رسول الله (ص) منذ نعومة أظفارها، وتتحمل الأذى في سبيل الرسالة والنبوة فلأنها تربت في أحضان أمّ  بذلت كل ما تملك في سبيل النبوة والرسالة.

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 3 / 5. عدد التقييمات 2

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 3 / 5. عدد التقييمات 2

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 114٬754 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (3)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها