تقدم القراءة:

حينما يدافع الله عن الحسن (ع)

الأثنين 5 يونيو 2017مساءًالأثنين

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

في هذا اليوم المبارك نهدي لرسول الله (ص) ولأمير المؤمنين وللصديقة الطاهرة والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم سيما خاتمهم، ولمراجعنا العظام وقائد الأمّة الإسلاميّة، وللقراء الكرام أطيب التبريكات والتهاني بالمولد الميمون للسبط الحسن المجتبى عليه أفضل الصلاة و السلام.*

قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ الحج/38

من لطف الله تعالى وعنايته بالمؤمنين أنه هو من يدافع عنهم، والآية تثبت هذا المعنى بالتحقيق. دفاع الله تعالى قد يظهر بمؤمن لمؤمن تارة، وتارة ينزله جبرائيل والملائكة،  ولكنه مرة قد يكون دفاعاً منه تعالى وبلا واسطة!

لاحظوا قوله تعالى: ﴿ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ التحريم/4 الآية وإن كانت تحكي ظهور ولاية الله لرسوله بمظاهرة جبرائيل وأمير المؤمنين علي عليهما السلام والملائكة في مورد ما، إلّا أنه يمكننا – من باب وحدة المناط – أن نعلم بجريان هذه القاعدة على الأئمة المعصومين أيضا.

و من هنا قد تكون تسمية الله سبحانه للإمام الحسن عليه السلام بهذا الإسم ( الحسن ) هي نحو من الدفاع الإلهي عنه صلوات الله عليه (1). وبيان ذلك:

من المعلوم أنّ جبرئيل (ع) هو من أنزل هذا الاسم من عند الله، وأن ( الحسن ) صفة مشبهة تفيد الثبات والإطلاق، و إنّما سمّاه الله بذلك لأنه يعلم بأنّ كل ما صدر ويصدر وسيصدرعن الإمام الحسن فهو حسن. و بهذا يظهر على يديه فعل الله ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ  السجدة/ 7 و ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ  المؤمنون/ 14.

هذه المقدمة تنفعنا كثيراً وتفتح لنا باباً واسعاً في معرفة مقام وسيرة الإمام الحسن (ع). كما أننا إذا عرفنا معنى ثبات هذه التسمية، وأنها فعل إلهي، و لم تنشأ من عالم الوضع، ستكون بمثابة الطريق القطعيّة التي نرفع بها الاشتباهات والشائعات المضادّة لهذا الأصل. فقد ابتلي الإمام الحسن (ع) بألوان وأشكال من الأعداء.

لقد أخبر رسول الله (ص) أمير المؤمنين (ع) بأنه سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. هذه فرق يمكن تسميتها وتعدادها. وأما ما واجهه الحسن (ع) فهو ألوان وأنواع لا يجمعها عنوان واحد تعرف به! كالزبد الذي يعطي من كلّ وجه لونا! ومن أهم هذه المواجهات موجات التشكيك والتضعيف وإثارة الشائعات.

مثال ذلك: ما أشيع عن الإمام الحسن عليه السلام بأنه (مطلاق)! وقد أُجيب َعلى هذه الشبهة بأجوبة كثيرة، ومن المحققين من دفعها بالتتبع التاريخيّ، ولكني هنا أريد أن أثبت عدم صحة هذه الشائعة بطريق يقبله العقل، ويتضح كما يلي :

١/ إن أمّ القضايا هي استحالة اجتماع النقيضين،  فكما أنه لايمكن أن نثبت الوجود والعدم لذات الشيء من نفس الحيث. كذلك لا يمكن أن يصف الله شيئاً بأنه حسن من كلّ جهة ومن كلّ حيث؛ ثمّ  تضاف له صفة يبغضها الله تعالى.

٢/ أجمع المسلمون على أنّ أبغض الحلال عند الله الطلاق. فالطلاق وإن كان حكماً شرعيّاً مباحا – لا أقلّ في الشريعة المحمّديّة – إلّا أنّه مبغوض لله، فكيف يصدر هذا الأمر المبغوض لله – بل و يتكرّر بكثرة كما يشاع – عن الإمام الحسن عليه السلام الذي ثبت له الحسن من الله؟! ألا يتناقض هذا وحب الله للإمام الحسن (ع) واعتناء الله بانتخاب اسم لمحبوبه؟! 

ثم .. ألا يصدق على فعل الله في اصطفاء واجتباء هذا المقام للإمام الحسن (ع) أن أحد آثاره التاريخية أنّ الله يدافع عنه؟!

فقد يكون الدفاع من قبل الله بسوق الأحداث الخارجية للذبّ عن أوليائه. وقد يكون الدفاع علميّاً عقليّاً واضحا، بحيث لا يُبقي شبهة ولا شكّاً ولا ريباً يشوب من يفكّر بعقل سليم. وهذا ما كان في مورد الدفاع عن نقاوة الإمام الحسن (ع).

 إنّ العدوّ الأول الذي واجه الإمام الحسن (ع) أيضاً من عمل العقل وهو من الشيطنة، وهو أقوى سلاح بيد معاوية. ولا يفتّ هذا السلاح وسائر القوى الشيطانية إلا سلاح العقل. والزبد يذهب جفاءً بالماء النازل من السماء.  وكذلك اسم الإمام الحسن (ع) كان كالماء الذي أنزله الله فأذهب  شبهات وإشاعات وإثارات لا تبثّ إلّا من ماكر بني أميّة.

وعلى هذا المبنى يمكن أن تُحرق كل صفحة قد حرّفها التاريخ، ويزول كلّ زيغ يوقع الأمة في الاشتباه.

وهنا أشير إلى ما وقع ويقع ويحدث عبر التاريخ من حرب إعلاميّة وإثارة شائعات متناقضة ضدّ أولياء الله.

من المؤسف أن المسلمين عبر التاريخ في ظرف الغوغاء والتهريج والاختلافات والخلافات الطائفية والسياسية والقبليّة والمناطقيّة والذاتيّة، وفي غبار الوهم وحملات الشيطان بخيله ورجله؛ تغيب عنهم أوّليات التفكير المنطقيّ وقواعد التفكير السليم.


* الكلمة بمناسبة ميلاد الإمام الحسن (ع) لعام 1438هـ 

1- عن علي بن الحسين (ع)، قال حدثتني أسماء بنت عميس الخثعمية، قالت قبلت جدتك فاطمة بنت رسول الله (ص) بالحسن و الحسين (ع). قالت فلما ولدت الحسن (ع) جاء النبي (ص) فقال يا أسماء هاتي ابني، قالت: فدفعته إليه… قال لعلي (ع) بِمَ سمّيتَ ابنك هذا؟ قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله. قال: و أنا ما كنت لأسبق ربي (عز و جل). قال: فهبط جبرئيل. فقال: إن الله (عز و جل) يقرأ عليك السلام، ويقول لك يا محمد، علي منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك، فسم ابنك باسم ابن هارون. قال النبي (ص) يا جبرئيل، و ما اسم ابن هارون؟ قال جبرئيل: شبر قال: وما شبر قال: الحسن. قالت أسماء: فسماه الحسن.”  أمالي الطوسي، ج٤، ص٤١٧

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 114٬720 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (3)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها