تقدم القراءة:

الوحدة، حلقة الاتصال بالنبي الأعظم (ص)

الجمعة 16 ديسمبر 2016صباحًاالجمعة

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

4
(1)

في أسبوع الوحدة وميلاد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وفي ظل الظروف المحلية والإقليمية والإسلامية؛ لابد أن يكون لنا موقف واضح واع. لأنه ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: ١٩-٢٢] والقرآن يريد لنا أن نكون ذوي بصر (أفلا يبصرون)، وذوي علم (أفلا يعلمون)، ولا يقبل أن نكون من أصحاب الظلمات والحَرور.


كيف لا نكون كذلك؟

  •  بالوحدة، التي لها الأولوية على كل الالتزامات الدينية. 

إن الوحدة فريضة شرعية وضرورة عقلية وحياتية. أما كونها شرعية فلقوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ..﴾ [الشورى: ١٣]. هذه هي الفريضة الأولية. وعبر عنها بالتشريع الإلهي (والتشريع هنا واضح أنه يقابل التكوين، وليس المراد الفقهيات والأحكام). وهذه هي الوصية الأولى في كل الديانات لأنها ضرورة عقلية فطرية لا تتغير في زمان ولا مكان، ولهذا أعقبتها الآية ﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ..﴾ [الشورى: ١٥]. لاحظوا المقابلة: (أن أقيموا الدين) وفي المقابل (ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) المشرك هو الذي يرى التوحيد والوحدة أمرا عجيبا وصعب المنال، لأنه هوائي المنهج ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌعُجَابٌ﴾ [ص: ٥].

ما هو الدين الذي يجب ألا نتفرق فيه؟ وعلى ماذا يستقيم؟

﴿فأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٣٠]. الأمر يدور بين متقابلين؛ إما إقامة الدين وعدم التفرق فيه أو الشرك. والشرك ليس أن تعبد غير الله من أصنام وأوثان وحجارة فقط، بل أن تعبد رأيك، وملاك الوحدة تبينه الآية: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا..﴾ [آل عمران: ١٠٣]. ونعمة الله هي الدين.

من هنا فعندنا وظيفتان:

  1. الابتعاد عن كل ما يفرقنا. 
  2. الاجتهاد لتطويع كل ما يجمعنا.

هذه فريضة فوق كل فريضة. بل إذا زاحم ذلك فريضة ثانية فيجب أن ندعها حتى لو كانت هذه الفريضة واجبة. كما في الصلاة بإمامة غير الإمامي. ويجدر القول هنا أنه إذا كانت الصلاة في بيت الله لا تجوز على مذهبنا إذا كانت سببا للفرقة فكيف بالشعائر التي لم يثبت النص عليها؟!

ثم إن الوحدة ليست ضرورة عقلية وشرعية فقط بل ضرورة حياتية. ولنعرف عمق هذا المعنى لنعرف أولا ما هي الحياة؟


في جوابنا هذا سنركز على منشأ هذه الحياة الواقعية، على هذه الحياة المقدسة، الحياة الحقيقية ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾ 

هناك حياة حقيقية تتقوم بها النفس التي فطر الله الناس عليها، هذه هي المهمة التي يعدّ الحفاظ عليها هو الضروري. أما الحياة النباتية والحيوانية فهذه لا تحتاج إلى دعوة من الأنبياء والرسل. لاحظوا قوله تعالى: (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) وقال: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله) الأصل هو الوحدة والألفة والتعاون، والنفور من التفرقة. الفطرة هي ما يجب أن نستقيم عليه، وكل ما يسبب الفرقة لم يفطر الله الناس عليه. ولهذا نحن بطبعنا ننفر من التنازع والتصارع والقتال، ولذا قال: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ..﴾ [هود: ١١٢].

على أي شي يستقيم؟

الجواب في قوله تعالى ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾.

وبجمع الآيتين (فاستقم كما أمرت) المفرعة على الآية (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) نعرف أن الوحدة وعدم التفرق هو مقتضى الفطرة السليمة، وأن الفرقة أمر مخالف للفطرة، وكل ما يسبب الفرقة كذلك كالظلم، وسوء الظن، والكذب، والغيبة، والتوهين، والبهتان، والتكبر، والعنجهية، والاغترار بالرأي… هذه هي العلل المولدة للفرقة والخلافات، وسليم الفطرة ينفر منها.


كذلك يحكي قوله تعالى: ﴿ولَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56] عن أن الأصل هو الصلاح، قال لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وإذا جاءت الأرض في القرآن مطلقة فإنه يراد بها الأرض وما عليها من إنسان ونبات وماء وحتى حبات الرمل. فالأصل إذن هو الإصلاح وصدق النوايا، والإنسان بريء حتى تثبت إدانته، لأن الأصل فيه الصدق، والكذب يحتاج إلى تكلف، الغش يحتاج إلى نفسيّة مركبة لأن الأصل هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، أما الخبث والتشكيك في النوايا فهو الذي  يحتاج إلى دليل فهو خلاف السليقة الأولية التي تحكيها الآية (فأقم وجهك للدين حنيفا).

إن كل نقاط ضعفنا ناشئة من كوننا نتعامل بخلاف الأصيل والفطري فينا، ونلجأ إلى أمر يحتاج لإعمال نظر وحرف قناعات وتبديل واقعيات. وأصل مرض التشكيك والتخوين ومحاكمة النوايا هو النظر إلى الإنسان وكأن الأصل فيه الفساد، مع أنه الأصل – وفق النظرة القرآنية – أن الأرض صالحة ونحن من يفسد في الأرض بعد إصلاحها حين نقضي على الآخرين بلا تورع ولا تقوى، وبلا دليل واضح … هذا هو الإفساد الذي حذرت منه الملائكة، ولأننا أفسدنا واقعنا قوٍيَ أعداؤنا علينا لأننا تشتتنا في الدين وتفرقنا فيه.


ولأن كل حزب بما لديهم فرحون، وكل يعمل على أن رأيه وكأنه كل القرآن ويجعل رأيه دينه، فسرعان ما يسبغ على فهمه العقيم مسمى الرأي ووجهة النظر ثم يجعلها دينا في مقابل الدين!

ما ارتباط أسبوع الميلاد النبوي بأسبوع الوحدة؟

غالبا نرفع شعار أن محمدا رسول الله يجمعنا ويوحدنا، وهذا أمر حق، ولكنه شعار نريد معرفة ملاكه وروحه. ولتحليل هذا الحقيقة لنسأل أين ولد رسول الله؟ هل ولد في مكة؟ في عام الفيل في بيت معين؟ أم أن هذه هي الولادة الطبيعية لبدن رسول الله، أما روحه فمولودة في أرواح محبيه من عالم الذر. والقرآن ينصّ على ذلك ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة 128].

ونحن في الزيارة نقول: (وأنفسكم في النفوس) وهذا يعني أننا إذا انحرفنا عن الفطرة عن ما ذرأنا الله وبرأنا عليه، واختلفنا وتباغضنا وتنافرنا فقد فقدنا تجمّع أنفسنا، وخسرنا نفس محمد التي هي في أنفسنا، فتفرقناخروج عن الفطرة الإلهية والنفس المحمدية التي هي في نفوسنا. واعلم أنك حين تتهم مؤمنا فإنك تقتل النفس التي في نفسك وهي نفس النبي، فقد ورد عن الإمام الصادق قوله لبعض شيعته أنكم تسيئون إلينا، فتعجبوا، وقالوا وكيف ذلك يا ابن رسول الله فقال لأحدهم أنت أسات إليّ ألم يطلب منك أخاك فلان أن تقضي له تلك الحاجة وما قضيتها له؟ لقد أسات إليه واستخففت به، ومن أساء إلى مؤمن واستخف به فبنا استخف.

إنك حين تسئ لنفس مؤمنة في حال كون قوام حياتها بنفس النبي تكون أسأت للنبي نفسه، فكيف تفكك بين نفسين قوام أحدهما بقدسية الأخرى؟؟


خطورة ترك هذا المبدأ:


ليس خطورة هذا البلاء التخلي عن شعار وحدتنا فقط بل إن نتيجته العمى والصمم، و القرآن يوضح خطورة الأمر الإصابة بالصم والعمى والبكم.. ﴿فَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ  رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)﴾ [سورة الرعد].

راجعوا في روايات صلة الأرحام ستجدون أن الرحم المأمور بصلتها هم محمد وآل محمد عليهم السلام. حين نقطع المؤمنين نصبح صما بكما عميا لأننا قطنا محمدا من داخلنا، وإذا لم نعالج قضايانا بالاتحاد ولم نتدارك واقع أمتنا بمعالجة أسباب الفرقة وعدم والاجتماع فسنقع في خطر كبير وهو الصمم والبكم والعيش في الحرور.

وليت شعري هل يدفع الأصم غائلة، أو يدفع الأبكم مظلمة، أو يستقر من كان يقف في موقف الحرور أو يدرك العاجز كرامة، أم هو من أصحاب القبور؟!


إذن هنا  أذان أسبوع الوحدة، التي يجب أن نعرف ارتباطها بولادة النبي الاعظم (ص)، ونعي أن المسألة ليست صرف شعار سياسي أو انشاد نكرره كل عام، بل يجب علينا عقلا وشرعا ووجوديا أن نسعى لدفع كل ما يفرقنا وتوظيف كل ما يجمعنا. وكلما كانت محبتنا لرسول الله أصدق وأعمق، أمكننا ذلك أن ننسجم مع أطياف المؤمنين بشكل أعمق وأرق وأعذب وأشد، لأننا نرى فيهم روح الروح ونفس النفس. ولا أقصد النفس النباتية والحيوانية بل النفس التي يقول عنها الله ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: 24] لتبين أن الاستجابة للرسول حياة تخرج عن الصمم والبكم ففي الآية التي قبلها قال تعالى: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ لايعقلون﴾ [الأنفال: 22] اجتماع ما أصاب الأمة بسبب تفرقها من صمم وبكم سلبتها مقدساتها، ففرطنا في قدسنا.

أخيراً..

لنحافظ على محمد الذي بداخلنا فبه نستقيم، وبه نثبت، وبه نطهر، وبه نكون خير أمة أخرجت للناس.

 

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 4 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 4 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 114٬523 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (3)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها