عظيم الأجر وجزيل المثوبة للنبي الأكرم والصديقة الطاهرة والأئمة الميامين سيما خاتمهم، ولمراجعنا العظام ولقائد الأمة الإسلامية وللأمة الإسلامية جمعاء بشهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
إذا أردنا – بمرور خاطف على دور الإمام العسكري (ع) – أن نفهم عمق الدور الذي قام به الإمام – روحي له الفداء – ونجاحه الكامل في تأديته، فعلينا أن نعقد المقارنة بين ما نعايشه في زمن الغيبة من تجاذبات وتدافعات واختلافات في تحديد الدور والوظيفة في زمن الغيبة، و بين دور الإمام عليه السلام لإعداد شيعته ومواليه وتربيتهم علمياً ومعرفياً وعقائدياً وسلوكيا لقبول أصل الغيبة.
حينها سنجد وظيفتين متماثلتين تماماً وهما:
١- إعداد الشيعة للتفهم والقبول والوعي على غيبة الإمام – الذي اعتادوا على التواصل معه بشكل مباشر أو غير مباشر – بالغيبة الصغرى والكبرى.
٢- إعداد من اعتقد منهم بوجود المهدي الموعود لزمن الظهور إعداداً واقعياً، لا صورياً شكليا.
وبملاحظة هاتين الوظيفتين نجدهما متطابقتين تماماً في الحاجة لذات الإمكانيات من الوعي والسعي والجد والسرية والإيمان والتسليم والتوكل..
وحيث أننا نعيش زمن الانتظار فإنه يمكننا أن نقيس ما نواجه وما نعرف بالدور الذي قام به الإمام العسكري عليه السلام والذي لم نعشه. ولنطرح تساؤلا ونجيب عليه:
ماهو الدور في زمن الغيبة؟
إن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على فهم كيفية تحقيق الإمام للعدالة.
إن إقامة العدل تحتاج إلى رصيد عالٍ جداً من الأخلاق والأعمال والملكات والفضائل والصبر والوعي والبصيرة والحكمة وحسن التدبير. فعلى أي شي سيعتمد الإمام عليه السلام في إقامة العدل في طول الأرض وعرضها؟
هل سيكون اعتماده على إمامته وما أعطاه الله إياه من علم؟ وعلى ما وهبه إياه طول الغيبة من المرور بالتجارب البشرية الكثيرة – ونحن نعلم أن التجربة أحد طرق المعرفة – ؟
أم سيكون رأسمال الإمام بالدرجة الأولى هو الناس؟!.
إن مخزون نشاطات وجهاد وتضحيات الأنبياء (ع) يظهر في تغيير الإنسان الظلوم الجهول إلى طالب للعدالة في نفسه ولما حوله.
لا شك بأن كلا السبيلين متحقق في حركة الإمام كما هو في حركات كل الأنبياء. ولكن امتياز حركة الإمام – والذي هو وارث الأنبياء – هو قدرته على استخراج ما اكتنزته الرسائل السماوية في أعماق الإنسان. يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ الحديد/ 25 فغرض كل الأنبياء أن يقوم الإنسان الظلوم الجهول بالقسط. وهل يستطيع الجاهل أن يقيم القسط؟! وهل يستطيع الظلوم أن يحمل مشروع عدل مطلق؟!
إن التغيير الذي سيصنعه الإمام المهدي عليه السلام هو بمثابة افتتاح مشروع كوني لذلك العالم الذي بناه الأنبياء والأئمة لبنة لبنة. وهذا هو الفتح المهدوي. وهو صلوات الله عليه وسلامه المنتظِر – بصيغة اسم الفاعل- لما سنقوم به من إعداد للفتح المهدوي؛ لأننا نحن لبنات ومواد هذه الدولة بعدلنا، وعلمنا، وتقدمنا، وعالميتنا. ولذا فإنه (ع) هو نفسه ينتظر فتحه، فقد ورد عنه في ولادته سلام الله عليه قوله: “اللهم أنجز لي ما وعدتني واملأ الأرض بي قسطا وعدلا “.
وهنا يجب أن نلتفت إلى أن أفضل الأعمال انتظار الفرج، وأفضل الأعمال أحمزها. ويعلم من قوله (أفضل الأعمال) أن هذا العمل يستدعي سعياً و وعياً وعملاً صالحاً استثنائيا.
ولنلحظ الرواية الواردة عن الإمام زين العابدين (ع) وهو يصف الشيعة المنتظرين ” إنّ أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان، لأنّ الله – تعالى ذكره – أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة..” وكما هو معلوم أن الشهود مرتبة عالية يطلبها العرفاء، وطريقها الرياضات الروحية وحاكمية الأخلاق. وليست المسألة هي القيام بمراسيم الذكر فقط، بل أن خروجه صلوات الله عليه سيعتمد على شهودنا وأخلاقياتنا وعمق وعينا وحلمنا وجدنا وسعة صدورنا. وكذلك على إيثارنا المالي و الاقتصادي. فالعالم الآن كله يدار بنظام رأسمالي، وقد اعتدناه وأدمناه عملياً وأخلاقياً، وحينما يخرج الإمام (ع) يجب أن تصل إدارتنا لنظامنا الإقتصادي بحيث يضع أحدنا يده في جيب أخيه ويأخذ منه دون أن يعد ذلك سرقة، بل هومن تمام الأخوة و مما يورث المحبة. فهل نحن متهيئون لذلك ونتحمله؟!
هذا الدور الذي يفترض أن نسعى للوصول إليه هو مواد البناء التي سيبني بها العدل ويملأ به الأرض.
وبالمقايسة مع الدور الذي ذكرناه، صار بإمكاننا أن نتصور عظمة الدور الذي قام به الإمام العسكري عليه السلام في تلك الظروف الشاقة، ومع كونه يعيش تحت الحصار والمراقبة.
لقد استطاع الإمام إعداد شيعته لزمان الغيبة، والذي لا يختلف أبدا عن دورالإعداد لزمان الظهور.
ولهذا جاء في توقيعات الإمام العسكري عليه السلام عند اختلاف قوم من شيعته في أمره: “ما مُنِيَ أحدٌ مِنْ آبَائِي بِمِثلِ مَا مُنِيتُ بِهِ مِن شَكِّ هذه العصابة فيَّ “ (1) إذن لنقس ما نعلم ونعاني وما نجد على ماغاب عنا، لنجد أنّ الله تعالى قد أكمل للإمام العسكري عليه السلام و به دوره كما وصل إلينا نقياً صافياً يقبله العقل والفطرة السليمة.
ولا شك أننا لوجمعنا معاناتنا ولهيب انتظارنا والمظلوميات التي نعيشها جميعاً من سجن وتنكيل وتعذيب وظلم واضطهاد فلا تعدل شيئاً مما عاشه الإمام العسكري من عذابات وآلام؛ إذ أن الشعور بالألم واستقباح الظلم والنفور منه ومن أهله يعتمد على مقدار صفاء وطهر ونقاوة روح الإنسان. فالمشاعر تتسع وتضيق بقدر عدل الإنسان وعمقه وشفافيته وشهوده.
1. تحف العقول.
0 تعليق