بمناسبة ذكرى ميلاد الصديقة الطاهر بضعة النبي الأكرم وتفاحة الفردوس سيدة نساء العالمين “سلام الله عليها” وكذا يوم المرأة العالمي أبارك للأمة الإسلامية بشكل عام ولقائدها السيد الخامنئي وللمرأة المؤمنة هذه الذكرى العطرة.
المقولة التي نحفظها جميعا “فاطمة سيدة نساء العالمين” نحتاج أن نقف لحظات نعربها على قلوبنا، وقد قالوا عليهم السلام “أعربوا كلامنا” فإنه بأعراب الكلام يظهر معناه ومحتواه.
كمقدمة نقول: إن الصلاح والفساد في كل المعمورة هو سيادة إمرأة في عالم النساء وإن كانت فاطمة عليها السلام سيدة رجال العالمين أيضا وحجة عليهم أيضا ولكن ربما الرواية تتحدث عن مسألة مهمة وعميقة وحساسة
ولتوضيح ذالك نقول:
أولا: إن فساد الأرض وخرابها منوط بفساد إنسان واحد خصوصا إذا كان له دور فعال ومؤثر: وقد نسب إلى أمير المؤمنين في حديثة وخطبه في حربه مع معاوية يقول ما مفاده “سأسعى أن أطهر الأرض من هذا الخلق المنكوس” إن معاوية واحد، خلق واحد لكن القضاء عليه هو تطهير للأرض وتنظيف للمعمورة وتصفية للبيئة، وكشاهد آخر في شق الصلاح في عالمنا المعاصر سماحة الإمام الخميني الراحل الذي صلحت الأرض بصلاحه وكلا استفاد بمقدار قربه منه صلاحاً يتناسب واستفادته من مدرسته
ثانيا : دور المرأة الفعال في سيادة المجتمعات: عالم اليوم يضج بالمفاسد الثقافية والاجتماعية والبيئية التي تعتمد على ثقافة التهييج والإثارة والتحريك التي لايرفدها مبنى عقلائي أو علمي أو فكري أو عقائدي ناضج، بل تعتمد على الإنفعلات السريعة والعجلة التي هي مهلكة للرجل والمرأة. هذه الثقافات تمنع وجود الجو الهادئ النظيف الذي يحتاجه الإنسان للتوغل في العلوم والمعارف والقيم والثقافة الأصيلة والتربية الصالحة، والمرأة في هذه الثقافة التي يصنعها أصحاب السلطات وكبار رجال الأعمال تسعى أن تتحوّل إلى ألعوبة كي تضمن الحفاظ على مصالحها الرخيصة. وفي هذه الثقافة يعدّ إشغال المرأة وإلهائها عن دورها الريادي الربانيّ هو الضامن لبقاء المصالح والمنافع لأهل الدنيا. وفي المقابل تعد سيادة المرأة الصالحة هي سيادة المجتمع، وبنفس هذا الاعتبار نقيس أثر سيادة المرأة الجاهلة والفارغة، فلذلك تأثير على تسافل المجتمع وانحطاطه. لهذا فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة كل الوجود وبالخصوص النساء اللاتي يأتي منهن الخير بأتي، وبهنّ التوفيق يرجى.
القرآن يؤكد هذه الحقيقة فمريم ابنة عمران يضربها القرآن مثلا للذين آمنوا بصلاح الإنسانية واستقامتها وكذلك آسية بنت مزاحم، فالفرد والحركة الفردية هي الأصيلة في الصلاح، لما للإنسان من قابلية في اشتداد قوى وإزدياد في عالم الفضيلة. فلمريم كمالات كثيرة ولكن القرآن يؤكد على العفّة والحجاب ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا﴾(1)عندما تتخذ من دون الناس حجابا لتتفرغ لعبادة الله وطاعته وعرفانه فهذا مبدأ وملاك السيادة التي ينص عليها القرآن، إن الكمون والاحتجاب يضيف جمالا على المرأة، و للعرفاء مقطوعات رائعة فيما يفعله احتجاب المحبوب وتستره على قلب الحبيب. فالاحتجاب والحجاب صفة إلهية حبى الله بها المرأة وهي من أسماءه جلت قدرته “قد أحتجب بحجاب غير محجوب واستتر بستر غير مستور” هذه مقوله للإمام الكاظم “عليه السلام”
ولكم أخواتي أن تراجعوا أشعار العرفانين عن نقاب المحبوب واختفاء جماله وتجلي بهائه من وراء الحجب. الحجب تزيد اشتعال قلب الولِه الهائم إرادة ورغبة، وإن البروز والظهور الخالي من المحتوى خصوصا مالم يكن له دور إيجابي وفعال ومفيد هو نوع سيادة وريادة ولكنه غير مضمون العواقب خصوصا في المرأة لما في طبيعتها من سرعة الإنفعال وعجلة اتخاذ القرار والتأثر والتأثير، خصوصا في الشؤون الاجتماعية التي يكثر فيها الانزلاق، وكما يقول امير المؤمنين عليه السلام: “شرار خصال الرجال حسان خصال المرأة” فالجبْن مثلا خصلة هي مذمومة في الرجل ولكن باعتباره يمنح المرأة مقدارا من التريّث والتأمل والتراجع قبل اتخاذ القرار فهو صفة من شأنها أن تعادل طبيعتها الإنفعالية والعاطفية، وعليه فأن سيادة المرأة في اعتدال صفاتها.
إنّ عالم اليوم المادي يصوّر لنا أن الإنسان السيّد هو الذي يعتمد على القوى الجبّارية والسلطويّة في الوقت الذي يؤكد القرآن أن السيادة تعتمد على صفات اللطف والرحمة. يقول تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾(2). وصفات يحيى هذا السيّد هي: ﴿…وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً • وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً • وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً ﴾(3) الحنان هو ملاك السيادة لأنك لاتسود الناس الا بالرأفة والرحمة وبر الوالدين وصلة الرحم، أما الجبارية و القوة السبعية فإنها تفرّق عنك سواد الناس و تبعدهم وهل السيادة إلا قيادة سواد الناس نحو الفضيلة. وسيادة عيسى ابن مريم كذلك يتحدث عنها القرآن بنفس اللحن ويعتمد نفس الملاك، يقول تعالى ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا • وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾(4)
ولهذا نلاحظ أن أوسع الديانات وأكثرها عددا في عالمنا اليوم هي المسيحية لأنها تعتمد على حس العاطفة والقيم الأخلاقية وهذا لسان تستجيب له كل الإنسانية. ومن هنا كان آل محمد هم آل بيت الرحمة، ولاشك أنه بالرحمة تقاد الأمم وبالحلم يسود العاقل وعلى الحنان والرحمة تجتمع النفوس، وما ساد عصيّ ولا جبار. وربما لهذا كان أحد أسباب تسمية الصديقة الزهراء عليها السلام بـ “الحانية ” هو أن حنانها يمتد عمن أبنائها إلى شيعتها بل يشمل كل البشر.
فلو اقتدت المرأة اليوم بالزهراء ومارست وظيفتها الإلهية، وتفرغت لما خلقت له سوف تسود وترقى إلى مراقي الريادة التي تتعطش لها البشرية اليوم. وما أحوجنا إلى تمثل عفاف الزهراء وحنانها لنكون نحن النساء في موقع السيادة الواقعية.
1. مريم: 17
2. آل عمران 39
3. مريم: 12-14
4. مريم: 31-32
مرتبط
0 تعليق