١- ذكر الحسين (ع) ذكر الله
(لبيك داعي الله) شعارنا في هذه الدورة الإلهية الربانية التي نظمت بباعث روحي تلقائي نفسي ولائي، وسوف نستعرض معناه وما يترتب عليه من دور فكري وروحي وعملي.
المقدمة:
وردت مجموعة من الروايات عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين تؤكد السيرة والسلوك العملي لعاشوراء طوال 1300سنة منها أن أحدهم قال للصادق (عليه السلام): “سيدي جعلت فداك إن الميت يجلسون له بالنياحة بعد موته أو قتله وأراكم تجلسون أنتم وشيعتكم من اّول الشهر بالمأتم والعزاء على الحسين (عليه السلام)”. فقال (عليه السلام) : ” يا هذا إذا هلّ هلال المحرّم نشرت الملائكة ثوب الحسين (عليه السلام) وهو مخرّق من ضرب السيوف وملطّخ بالدماء فنراه نحن وشيعتنا بالبصيرة لا بالبصر فنتفجر دموعاً “.
إن لذكرى شهادة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه
(ع)
عبر التاريخ أثر ملكوتي لصيق مع الفطرة الصافية الطاهرة النظيفة، لأن الإنسان يستشعر ويجد هيبة هذا الشهر منذ هلاله. ولا يمكن أن تكون المسألة صرف تلقينات أو تكون مسألة عابرة طارئة، بل هي أمر موجود في سيرة النبيين قد درجوا عليه من آدم إلى الخاتم صلوات الله عليه وآله. من هنا كان لهذه العشرة مسؤولية كبيرة بالنسبة للمتحدث والمتلقي، كما أنها فرصة وموسم روحي نأخذ منه الحسنات والهبات والمغفرة والعفو، وننهل من شفاعة أهل البيت، ونغرف من معينهم ومن معارفهم.
أما من ناحية المتحدث فعليه أن يختار المواضيع التي لها الأولوية والضرورة خصوصا مع ما نعيشه في عالمنا الشيعي من الترقي والتصاعد والتكامل ومن في الدور والمسؤولية، لذا يجب أن نحيي كربلاء بها، ولربما قولهم عليهم السلام “احيوا أمرنا“ لابدّ أن يتناسب مع الجيل والزمان والمكان. وأما من ناحية المستمع فيجب أن يبحث المستمع عن المجالس التي تتناسب والحاجة الواقعية ويتلمس الخطاب الحي الذي يجعل كربلاء قضية حية فكربلاء حية موجودة في كل زمان ومكان.
ثم أنه من المهم حضور هذه المجالس فكما أن هناك روح فردية كذلك هناك روح اجتماعية، فلا يكفي أن نحضر المجالس عند التلفاز وعبر البث المباشر لأن هذا لا يحيي الروح الاجتماعية.
ذِكْرٌ بِـذِكْر:
لا يمكن أن نقرن بمجالس ذكر الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام وأهل بيته الأطهار إلا ذكر الله سبحانه وتعالى حيث أمرنا بذكره وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ الأحزاب: 41 ﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾ البقرة: 200. والله الذي أمرنا بذكره أمر كذلك نبيه وأمرنا أن نذكر أنبياءه، قال جل وعلا: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ﴾ ص: 41 ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ مريم: 16 ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ ص: 45 وقد وجّه أهل البيت عليهم السلام هذه المجالس باتجاه هذا المفهوم، فقد ورد: (من ذَكَرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمعٌ مثل جناح بعوضة، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)(١) لذا يجب أن نحيي قضايانا في عاشوراء ضمن مفهوم الذكر فذكر الحسين عليه السلام كذكر الله سبحانه .
وإذا كان أصل الذكر حضور المذكور في العقل أو القلب ومن يريد أن يذكر الله سبحانه وتعالى بإخلاص وبتوجه يجب أن يرفع المشاغل والمشوشات فكذلك ذكرُ الإمام الحسين، ووجه المسانخة بينهما من ناحيتين هما الكثرة والشدّة، فذكر الله مرة يكون كثيرا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ الأحزاب: 41 ومرة يكون شديدا ﴿فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو اشد ذكرا﴾ البقرة: 200
وسنتحدث فيما يلي عن هذين الذكرين:
١- ذكر الإمام الحسين عليه السلام ذكراً كثيراً:
يقول الإمام صاحب الزمان صلوات الله عليه وسلامه: (لأندبنّك صباحاً ومساءا)، يعني أن ذكرك في قلبي وعلى لساني دائما. ومعنى ذكر الإمام الحسين الذكر الكثير هو أن نبرز الإمام عليه السلام في كل شؤوننا الحياتية، بحيث تأخذ لوناً وطابعاً ونمطاً ًحسينياً في العمل والوظيفة والبيت والتربية والعلاقات والصداقات ….الخ.
في هذه العشرة على الإنسان أن ينشغل بقضية الإمام الحسين وبحضور المجالس والمواظبة عليها أكثر، فإنه بذلك يشكل عبر التاريخ راوية عن كربلاء، فليس الرواة هم من يكتبون في الكتب وتنقل رواياتهم عن واقعة كربلاء، بل كل من يشارك في هذه المجالس يصدق عليه أنه راوٍ، فهو ناقل للأجيال التي سوف تأتي عن هذه الواقعة، وبفضل إحياء هذه المجالس لم يستطع الطغاة محو قضية الحسين أبداً ولم يستطيعوا إنهاءها، فلا نستخف بهذه المجالس ولنعطها حقها.
٢- ذكر الإمام الحسين عليه السلام ذكراً شديداً:
الذكر الشديد يختلف عن الذكر الكثير. الذكر الشديد هو الذي لا يكون حاله طارئة عند الإنسان، والذي يؤدي إلى دفع ما علق في القلب والنفس والفكر والروح والمجتمع، ويحميه من الأمور المحيطة به من مخاطر الغفلة.
ذكر الإمام الحسين الشديد له عدة مقامات علمية وروحية وفيه اقتداء فكري وعملي، وذكر الإمام الحسين الشديد يكون على نحوين:
النحو الأول: الوصال مع الإمام الحسين عليه السلام:
الاتصال بمبادئ الإمام الحسين (ع) هي حالة فطرية في نفس الموالي. إن أول ما نعيشه روحيا في هذه الأيام هو أننا نريد أن نتّصل به صلوات الله عليه ونكون في ضمن جماعته، هذه الحالة في العرفان هي حالة الوصال والاتصال. وعلى مر التاريخ يعيش الموالون في أيام عاشوراء هاجس القلق من أن لا يحسبوا من أصحاب الحسين عليه السلام. ويلح هذا التساؤل: ما هو الضامن أن لا نكون ممن يواجه الحسين (ع) فيما لو عادت كربلاء ؟! وهذه مسألة خطيرة جدا بالفعل. لكن هذا الخطر بدأ يزول، فقد تبيّن اليوم الرشد من الغيّ. فكربلاء الآن لم تعد تلك الزاوية الضيقّة المحدودة في موسم العشرة أيام. كربلاء الآن موجودة في اليمن وفي لبنان والعراق، وهي فينا وحولنا. وأمامنا اليوم نماذج حية تعيش ظرفنا ووضعنا الإقليمي واستطاعت – مع ذلك – أن تسجل مواقف أثبتت فيها صدقها مع الحسين (ع) وثباتها على نهجه. هؤلاء النماذج حلّوا لنا هذا الهاجس التاريخي فلم يعد قولنا (يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما) نحوا من الأمنيات بل هو واقع حي يمكن أن نجسده.
نعم لقد وصلنا إلى مرحلة من عمق واقعة كربلاء بحيث أننا نرى نماذج فعلا قد أثبتت صدقها وربما هذا هو ما كان يكرره الإمام الحسين (ع) عندما يستلم كل شهيد كان يقول (منهم من قضى نحبه ومنهم منة ينتظر) ولذا من باب المسؤولية أن نتحدث على المنابر بما يتناسب مع المرحلة التي نحن فيها.
النحوالثاني: إحياء حس البراءة من أعداء الله
ذكر الإمام الحسين الشديد يؤدي بشكل طبيعي عند الإنسان إلى خلق حالة الرغبة في الانتقام من أعداء الإمام الحسين عليه السلام، وهي مسألة مهمة جداً، لذا كان هناك – كما يعبر سماحة السيد القائد حفظه الله – هناك حرب ناعمة تريد أن تصرفنا عن هذا الحس القوي ضد أعداء الله. فكما تحيي فينا عاشوراء حسّ الولاية لأولياء الله يجب أيضا أن تنمّي فينا حسّ البراءة من أعداء الله. واكتمال هذه الحلقة مهم جدا، خصوصا في ظل الترويج عبر حرب ناعمة – كما يعبّر السيد القائد – لصرفنا عن هذا الحسّ القوي في إرادتنا الانتقام من أعداء الإمام الحسين (ع).
يجب أن نلتفت أنّ روح الانتقام ليست دائما سلبية، فإذا كانت بهدف تطهير الأرض من الظلم والطغاة فهي روح نورية وهي ليست خلاف الإنسانية أبدا. وما يحدث اليوم هو خلط في المفاهيم فهو راجع إلى أن هناك من يريد أن يحرف بوصلة القلوب والأرواح والنفوس عن هذه النقطة من خلال بث الثقافة المسيحية التي أخذت بعداً واحدا من الدين – وهو ما أرادته الكنيسة – وعلينا أن نلتفت لهذا الخطر الذي بدأ ينتشر في أوساطنا كي لا نروجه بلا معرفة.
هناك فرق بين ثقافتنا الإسلامية والثقافة المسيحية، ففي حين أخذت المسيحية الدين ذو البعد الواحد والتي يروج لها اليوم على أنها ثقافة التسامح والمحبة المطلقة، نجد الإسلام دينا متوازنا يدعو إلى ولاية وبراءة. المحبة والولاء لأولياء الله والعداوة والانتقام من أعداء الله.
عاشوراء يجب أن تنمّي فينا الحس الأول هو الولاء والاتصال بالإمام الحسين، وتقوي أيضا الحس الثاني وهو الرغبة في الانتقام من أعداء الله والمشاركة في اجتثاث الشجرة الملعونة التي أسست أساس الظلم والجور على اهل البيت (ع). في دعاء الندبة نخاطب الإمام بقولنا (واجتثثت أصول الظالمين ونحن نقول الحمد الله رب العالمين) والحمد لله هنا لتحقق نعمتين:
الأولى: نعمة تثبيت أصل النظام الإلهي.
والثانية: نعمة اجتثاث أصول الظالمين والمنحرفين.
هذا الحس أصبح اليوم في العالم أشد وأوضح وأعمق، وقد أصبح الطريق أكثر تعبيدا. فهؤلاء الشهداء والمضحون والعلماء والسابقون في الجهاد والحروب عبدوا لنا الطريق، وتحولت بهم أمنية [يا ليتنا كنا معكم] بالتدريج إلى أمر قابل للتصور.
إذن: المجالس الحسينية الحقيقية يجب أن تغذي هذين البعدين ( الولاية والبراءة ) وليس من العقل ولا من الحكمة ولا من الدين أن لا يكون عند الإنسان الرغبة القوية الشديدة العارمة في أن ينتقم من قتلة الإمام الحسين عليه السلام. وكيف لا تشتعل في الإنسان هذه الرغبة في الانتقام من أصل الشجرة وفروعها وهو يرى أن الامام الحسين الذي أكد رسول الله (ص) في الروايات الكثيرة على وجوب حبه يخرج تاركا حرم جده الذي يأوي إليه كل محتاج، ويحاصر ويضيق عليه حتى تصل الأمور إلى أنه لا يجد ماءا يسقي به طفله الرضيع.
ألا لعنة الله على الظالمين
١. تفسير القمي ص: 616
0 تعليق