تقدم القراءة:

زينب تُسمِعُ كلام الله

الأحد 14 فبراير 2016صباحًاالأحد

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

5
(1)
نقدم التهاني للنبيّ الأعظم نوالصدّيقة الطاهرة وأمير المؤمنين والأئمة المعصومين عليهم السلام سيّما خاتمهم الحجة المنتظر .. ونبارك لوليّ أمر المسلمين ولمجتمعنا الرسالي وللمرأة الرسالية خاصة ميلاد السيدة زينب ابنة علي عليها السلام .
في السنة الخامسة للهجرة – على الأكثر – كان إذن الله بنزول زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام من عالمها الإلهي، وانتقالها من أطهر الأرحام والأصلاب إلى أطهر الأحضان وأرحمها، وهو نعمة من الرب الرحيم على خلقه، يقول الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة في سياق تعداد نعم الله سبحانه: ( وكفّلتني الأمهات الرواحم ولكن هذه الرحمة الربانية التي تعمّ كل إنسان في طفولته تتجلى بالمعنى الكامل في أكناف العصمة، وسنرى أن السيدة زينب قد أشارت إلى هذه الحقيقة ضمن رسالتها في كربلاء. *
 لو أردنا الإشارة بشكل موجز إلى العناصر الأساسية في شخصية السيدة زينب عليها السلام فلاشك سنجد أن من أهمها المؤهلات الرسالية التي أشبهت فيها مؤهلات جدها رسول الله حامل الرسالة الخاتمة لكل العالمين. وقد كانت رسالة رسول الله هي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾  النحل: 125.
وكما هو معلوم فإن الحكمة وكذلك الموعظة والجدال بالتي هي أحسن إنما تقال لأهلها، ويتفاوت في ذلك مستوى الاقتدار عليها عند العقلاء والبلغاء وأهل الله، وللنبي محمد صلى الله عليه وآله أرفعها درجة حتى قال الله في حقه: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثم أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ التوبة: 6 فمحمد (ص) لا يتلو القرآن فقط، وإنما يقوم بدور اجتماعي وسياسي فعالّ، فهو يجير المشرك ويحفظ ذمته ويحرسه ويحميه، ويهيئ كل الظرف من أجل أن يسمعه (كلام الله) ، ثم يبلغه مأمنه ليعطيه فرصة للتدبر والتأمل، ويمد له جسراً للعودة مختار إلى الله، وهو بذلك يفتح له طرقا للانتقال من الشرك إلى التوحيد، ومن الجهل إلى العلم، ومن الذيلة إلى الفضيلة، ويضع عنه قيوده التي كبّله بها محيطه.
والآية تلفتنا إلى نكتتين:
  • الأولى: أن الإسلام دين الكلمة الإلهية، والكلمة هي العمدة في الدعوة، وأما السلاح وإراقة الدماء فهي أساليب دفاعية فقط،… الكلمة هي الباقية ، وصوتها يغلب صليل السيوف.
  • الثانية: أن الإنسان – لو خلي وشأنه – فهو طالب للمعرفة، وطريقها التعلم والسماع والإنصات والتفكر، فإذا وجد متحدثٌ يُسمع كلام الله؛ فمن الطبيعي أن يحدث انقلابا روحيا وفكريا وعاطفيا بل تاريخيا في الحركة الاجتماعية، وأن يغير اتجاه الأمواج العاتية من اتباع أعمى بلاشعور ولا عقل إلى اتجاه مغاير يقتلع الهوى من النفوس والظلمات من العقول.
ونحن بأدنى تأمل في الوقائع التي جرت بعد كربلاء نجد أن في خطبة السيدة زينب – شواهد حالية ومقامية ومقالية – لهذا التغيير التاريخي والاجتماعي والروحي والفكري؛ بحيث يمكننا الادعاء بأن كل من جاء بعد السيدة زينب عليها السلام وقام بدور فعال ومؤثر في قضية كربلاء لم يكن دوره في الحقيقة إلا كدور المزارع الذي يبللّ الأشجار برذاذ الماء لتظهر رائحتها للأجيال. فزينب عليها السلام زرعت شجرة الولاية والعدل ومقارعة الظلم، وكل نشاط بعد دورها هو بمثابة رشّ الماء على هذه الشجرة ليتضوّع ريحها وينتشر عبيرها.
لقد تحمّلت السيدة زينب (ع) ما تحمّله جدها رسول الله (ص) لتسمع الناس كلمات الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وقد كانت بكل ملابساتها هي الأرضية، فأسمعتهم زينب عليها السلام كلام الله، وجعلت كلمة الله هي العليا. ولأن شخصية زينب (ع) تنطوي على خصال جدها رسول الله فقد أثمر زرعها وأحسنت أداء رسالتها، ولم تنس للإمام الحسين عليه السلام تلك النعمة التي كان يظهر في دعاءه شكرها وحمدها والثناء عليها ( وكفلتني الأمهات الرواحم ) ، فحينما رفعت جثمانه الطاهر من أرض كربلاء وهو بتلك الحالة المحرقة للقلوب قالت: “يوم على صدر النبي ويوم على حر الثرى”.
ما أبلغه من شكر .. شكر لتقلّب الحسين بين صدر النبي وأحضان الأمهات الرواحم يوما – وهي نفس الأحضان التي احتضنتها، وهو ذات الصدر الذي احتواها – وشكر حين يرحل لله شهيدا، وهي يوم في حماية النبي ويوم أسيرة تحمل كلامه ورسالته.
هي زينب التي انطوت جنباتها على روح الرسالة، واحتضنت خصائص الإمامة فلم يقل دورها عن دور نبوي يشع شمس الحقيقة في أظلم بقاع الأرض.

* الكلمة بمناسبة ميلاد السيدة زينب عليه السلام

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 114٬720 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (3)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها