﷽
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف المرسلين محمد ﷺ وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليك يا رسول الله، السلام على أمير المؤمنين وعلى الصدّيقة الطاهرة، وعلى الحسن ابن علي ﴿؏﴾، السلام عليك يا أبا عبد الله عليك سلام الله مني أبدًا ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتك، السلام عليك يا سيّدي ومولاي يا أبا محمد الحسن السبط المظلوم، ما أشوقنا يا مولاي إليك.
توطئة
الحديث بعنوان الإمام الحسن ﴿؏﴾ من الدائرة الأوسع، ومما لا شك فيه أن معرفتنا بمظلومية الإمام الحسن ﴿؏﴾ تحتاج إلى تدبر وتأمل وتفكر في موقعه ومقاماته الذاتية، وسيرته العلمية، وفي موقف الأمة منه ودورها معه ﴿؏﴾ أيضًا.
فالإمام الحسن ﴿؏﴾ كونه إمام معصوم؛ له فضائل ومقامات ذاتية يحيز عليها منذ مولده المبارك، بل وقبل ذلك -حيث كان نورًا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة- فضلًا عن الآيات الشريفة؛ كآية التطهير(١)، وآية المباهلة(٢)، وسورة هل أتى(٣)، وغيرها، وما بلغنا من الروايات الصحيحة الواردة عن رسول الله ﷺ -وهي كثيرة- في الحديث عن فضله ومقامه، كونه “إمام مفترض الطاعة”(٤)، وأنه “سيد شباب أهل الجنة”(٥)، ومنها ما قد ورد في كتب كلا الفريقين وكتب الصحاح، ولو لم تكن لدينا إلا تلك الروايات حول الإمام الحسن ﴿؏﴾ التي تؤكد موقعيته وصلاح جوهره الناصع الطاهر والمطهر من قبل الله ﷻ لكفى، فضلًا أن السيرة الحياتية للإمام الحسن ﴿؏﴾ الملأى بالفضائل تجسد تلك المقامات.
ونحن كشيعة وموالين لا نحتاج في عقيدتنا للرجوع إلى سيرة الإمام الحسن ﴿؏﴾ كي نعتقد بإمامته أو مكانته، وما له من مقام وجاه وفضل عند الله ﷻ وكفانا أن نتعبد بما قاله الله ﷻ، وما قاله رسوله الأكرم ﷺ.
بل وبأدنى تأمل وتدبر ولو بنحو بسيط وظاهري للآية الشريفة والتي يأمر فيها الله ﷻ نبيه الأكرم ﷺ بإنذار عشيرته الأقربين فيقول ﷻ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ الشعراء: 214 -وبغض النظر عن ما نقله لنا التاريخ من تطبيقات لهذه الآية المباركة- كافية لتدلنا على مقام الإمام الحسن ﴿؏﴾، فالعشيرة: من العشرة، أيّ الذين يعاشرهم الإنسان دون غيرهم، ولا شك أن الإنسان يعاشر ويخالط أهل بيته عمومًا، وعلى نحو خاص أقاربه من الدرجة الأولى؛ كالبنت، والصهر والأحفاد وابن العم، وهذه مسألة خارجة عن دائرة العصبية والقبلية وما شابه ذلك، بل تدلل عليها السيرة العقلائية؛ كون العشيرة هم الأقرب والأكثر تأثرًا، ولا شك أن رسول الله ﷺ كان يؤثر في تلك النفوس المطهرة، والتي أعلن الله ﷻ عن تطهيرها.
ويأتي هنا السؤال إذا كان هذا هو جوهرهم ﴿؏﴾، وهذه حقيقتهم وواقعهم وذاتياتهم المطهرة؛ لماذا نحتاج دائمًا لتكرار الذكر، وأن نعيد إحياء مجالسهم عامًا بعد عام، وتلاوة ما جرى على الأئمة الأطهار ﴿؏﴾ وتجديد العهد والزيارة لهم؟
فلماذا نكرر قراءة السيرة؟ وليس هناك ما تغير منها وتبدل!
زيادة عرى الإيمان من خلال الارتباط بأهل البيت ﴿؏﴾
للإجابة على التساؤل المطروح حول علة تكرار الزيارة والإحياء لذكر أهل البيت ﴿؏﴾
نقول: إن الإيمان والعقيدة والحب والولاء ليست أمورًا متواطئة، بل هي أمور مشككة، أيّ من الأمور النسبية والتي تزداد وترتفع وتيرتها، ولذلك نجد أن الآيات القرآنية الكريمة والتي تصف بعض الأقوام تشير إلى هذه الحيثية كون البعض يستفيد من هذه الآيات ويزداد بها إيمانًا، يقول ﷻ: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ التوبة: 124، بل هو حالهم وديدنهم؛ كلما نزلت آية أو سورة جديدة ﴿زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا﴾؛ أيّ أن تلاوة الآيات الشريفة والسيرة المطهرة هو زيادة في إيمان الإنسان المؤمن ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أيّ ممن لديه إيمان أوليّ ومستحكم، ثم يبني على هذا الإيمان بناء جديد ﴿فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾.
في مقابل هؤلاء أقوام لا تزيدهم كثرة الآيات إلا تشكيكًا وصدًّا، يقول ﷻ ﴿فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا﴾؛ أيّ وكأنهم يقولون لم تأتِ بشيء جديد! فهؤلاء في الأصل لم يؤسسوا لإنفسهم إيمانًا وبناءً محكمًا، لذلك هم دائمًا ما يبحثون في دائرة المتشابه من الآيات الكريمة(٦)، أو الشاذ من الروايات الشريفة أو المختلف فيه والمتنازع عليه من السيرة المطهرة. إن هذه الحالة التي تسري لدى البعض وللأسف من محاكمة السيرة أو محاكمة المعصوم ﴿؏﴾؛ دلالة على أن الأصل غير ثابت، بلحاظ الآية الكريمة.
كما أن هؤلاء في الواقع ليسوا ممن يتعذر عليهم السؤال؛ كما أن السؤال ليس ممنوعًا، بل هو حسن عمومًا، وبل ويعُدّ دلالة على العلم، فكما ورد السؤال نصف العلم(٧)؛ أما هؤلاء فليس لديهم آليات، كما وأنه ليس لديهم إمكانية فهم وإدراك حقيقة كُنه تلك الآيات(٨).
خلصنا مما سبق إلى أن كون الإيمان أمر معنوي؛ فهو قابل للزيادة والنقصان، وكون الإنسان يعيش الغفلة عمومًا، كما وأن الخطايا والذنوب الكثيرة وحب الذات والجهل الذي يحاط به الإنسان؛ تجعله يعيش الظلمة، وكل ذلك مما يسبب ضعف عرى الإيمان لديه؛ فالأصول وإن كانت مستحكمة إلا أنها لم تبلغ مرحلة الثبات بعد؛ ولذا نحتاج إلى تثبيتها ولعل هذه الرغبة في التثبيت هي ما يفسر تكرار البكاء عليهم وزيارتهم وإحياء ذكراهم، فعندما نبكي مظلوميتهم ﴿؏﴾؛ لا لأننا وكما يعبر البعض لدينا عقدة في أنفسنا نريد أن نفك هذه العقدة وإنما لتثبيت ذلك الإيمان وتقوية العلقة والاتصال بهم ﴿؏﴾.
وكذلك فإن تكرار الزيارة والإحياء بمثابة توكيد للملائكة أولًا أننا لدينا مشاعر، نحس ونتألم وندرك لحقيقة الإحياء التي دعانا لها رسول الله ﷺ من خلال البكاء على الإمام الحسن ﴿؏﴾ وزيارته؛ فكما ورد عنه ﷺ ما مفاده “من زاره فقد زارني”(٩) كانت دعوة للإحياء ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ﴾ الأنفال: 24، ونحن بهذه الزيارة نعلن أننا أحياء.
كما نقول إننا نرى وندرك ونعرف أن بيوتهم ﴿؏﴾ هي ﴿بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ النور: ٣٦ والتي تتمثل في هذه القبور الظاهرية وهذه المقامات المطهرة أولًا. ثم بعد ذلك تأتي مراتب أخرى نترقى فيها ومن خلالها.
ولذا فنحن نحتاج إلى تكرار السيرة؛ كما نحتاج لتكرر آيات القران الكريم لتزيدنا إيمانًا ﴿فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ التوبة: 124، ولذا نجد أننا في كل زيارة للبقيع نحن نشعر حقًا بزيادة هذا الإيمان وامتلاء الأفئدة به، كما يزداد شعورنا بمظلومية الإمام الحسن ﴿؏﴾ آن آن، بل وفي كل إحياء لذكراه المبارك، ودائمًا ما تكون هناك إضافة روحية وقلبية ومعنوية، وفي كل مجلس نجد أن هناك بشرى للإرتباط به ﴿؏﴾.
الإمام الحسن ﴿؏﴾ من الدائرة الأوسع
حديثنا هنا حول الإمام الحسن ﴿؏﴾ -كما أسلفنا- سيأخذ بُعدًا أوسع كما عبّرنا عنه في ميلاده المبارك، وهو (الإمام الحسن ﴿؏﴾ من الدائرة الأوسع).
محورية الانطلاق
إذا ما تأملنا في موقعية ودور الإمام الحسن ﴿؏﴾ وقرأناه كإمام النّاس كافة وكقائد عالمي، وحاولنا أن نجرده من نظرتنا المذهبية المحدودة؛ سوف تتغير قراءتنا للسيرة المطهرة وبنحو كامل، وستتجلى لنا رحمة الإمام الحسن ﴿؏﴾، حلمه، فضائله، علاقته برسول الله ﷺ، وأمير المؤمنين ﴿؏﴾، والصدّيقة الزهراء ﴿؏﴾، وصولًا إلى قصة شهادته وسمّه ﴿؏﴾، ختامًا بنحوعلاقتنا به نحن كموالين؛ كل ذلك سيتغير، كما لا يصح أن تظل تلك الحقيقة حبيسة داخل نمط تفكيرنا المؤطر والمحدود(١٠).
إذن فنحن بحاجة إلى قراءة شخصية الإمام الحسن ﴿؏﴾ في الموقع الذي نصبه الله ﷻ فيه ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ البقرة: 124
للأسف فإن البعض -من حيث يدرك أو لا يدرك- قدم صورة غير تامة ومكتملة للإمام الحسن ﴿؏﴾؛ من خلال القراءة المحدودة والضيقة لسيرته ومواقفه ﴿؏﴾.
ولذا نقول بأن الصورة الأرحب للإمام الحسن ﴿؏﴾ هي التي تتجلى من مواقفه وسيرته المباركة -بعيدًا عن تلك الصورة الهزيلة التي حاول أن يصنعها ويروج لها الأعداء- بحيث لو أعطيت لشخص مسيحي سيدرك أنه إنسان محبة، ولو أعطيت ليهودي سيدرك أنه نقي من العقد الموجودة في بني اسرائيل، ولو أطرت بأطر عالمية فستقرأ بنحو مختلف.
إمام للنّاس كافة
عندما واعد الله ﷻ نبيه إبراهيم الخليل ﴿؏﴾ بالإمامة؛ واعده بأن يكون هذا الإمام إمام للنّاس كافة ﴿إِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ البقرة: 124، ولذا يتوجب علينا حين نريد أن نقرأ سيرة الإمام الحسن ﴿؏﴾ أو أن نتعامل معه أو نزوره أو نرتبط به ﴿؏﴾ بأيّ نحو كان؛ يجب أن لا نفكر بأنه إمام للشيعة فحسب -وهذه الحالة موجودة-، فالبعض في نحو تعاطيه مع الله ﷻ؛ يتعاطى معه وكأنه هو ربه دون غيره، وينطلق في تعامله مع النّاس انطلاقًا من تلك النظرة -من ربوبية الله ﷻ له-، بينما المفترض أن نفكر كوننا كلنا عبيد لله ﷻ، ونبدأ من هذه النظرة، والنّاس بذلك حالهم كحالنا فهم عبيد لله ﷻ، ونعاملهم على أن الله ﷻ ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ الشورى: 15 هذه النظرة مهمة جدًا وتجعلنا نقرأ الله ﷻ قراءة وجودية، وأن الله ﷻ رب العالمين ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الفاتحة: ٢، فهذه الآية المباركة فيها نكات دقيقة يشير لها صاحب الميزان في تفسيره(١١).
إذن فقراءة حياة الإمام الحسن ﴿؏﴾، شخصيته، سيرته بنظرة عالمية ستقلب لنا الصورة بشكل كامل؛ بل وتغير حتى نوعية الأسئلة المثارة حول سيرته.
فاعلية الإمام ﴿؏﴾ واتساع دائرته الوجودية
هناك فارق بين فاعلية الإمام ﴿؏﴾ وتلقي المتلقي.
فهنا يمكن القول أن من تأثر وتفاعل وتلقى فاعلية الإمام ﴿؏﴾؛ هم الشيعة والأثنا عشرية بنحو خاص.
لكن هذا لا يعني أن المسألة إذا ما كانت من جانب الإمام ﴿؏﴾ فإنها تجري بنحو عكسي، وأن الدائرة تتساوى وتتطابق؛ بل هي تكبر وتتسع وتشمل النّاس كافة.
وعليه فنحن كشيعة وموالين كما أننا نعتقد بإنه الإمام المفترض الطاعة، نحن نسعى أن ننال بذلك شفاعته المباركة، ولكن البعض قد يتصور أن الإمام ﴿؏﴾ سيشفع لنا -الشيعة- دون غيرنا، ولربما نعتقد أن الإمام ﴿؏﴾ سيقبلنا ويعمد إلى طرد غيرنا، أو أنه سيكرمنا ويذل غيرنا، أبدًا، وهذا قصور في النظر؛ فكما هو إمامنا فهو إمام الجميع، كما أن سيرته ﴿؏﴾ المباركة لا تحكي ذلك البتة؛ فكما ورد في الكافي عن محمد ابن يحيى عن احمد ابن محمد عن محمد ابن سنان- كلهم ثقات- عن ابي الصباح ابن عبدالحميد عن محمد ابن مسلم عن الإمام جعفر ابن محمد الصادق ﴿؏﴾ “والله للذي صنعه الحسن ابن علي ع كان خيرًا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس -وفي رواية- أو غربت” (١٢)، – وهذا في الواقع لهو أجود تعبير عن عالمية الإمام الحسن ﴿؏﴾.
فهل رأيت الشمس تطلع على الشيعة فحسب،! أو فقط على المسلمين! أو تطلع على اليهود والمسيح وأهل الديانات الأخرى، أم أنها تطلع على النّاس كافة؛ البرّ والفاجر منهم على حدٍ سواء، نعم وكل يفيد منها بقدر سعته؛ فكما أن الإنسان يفيد من الشمس أكثر من غيره من الموجودات؛ كذلك حال الإنسان كلما كان مدركًا أكثر، وحياته ذات مستوى أعلى وسعة وجودية أكبر، حتمًا وبلا شك سيستفيد من هذه السعة في فهم أبعاد شخصية وسيرة الإمام الحسن ﴿؏﴾،
وهذا التعاطي يعطينا دلالة مهمة جدًا، فهذه القاعدة سارية عند الأئمة ﴿؏﴾ جميعًا؛ لكنها لدى الإمام الحسن ﴿؏﴾ أظهر وأجلى؛ فلو جاز لنا القول أن الأئمة ﴿؏﴾ قد أطروا الشيعة ببعض الأطر المذهبية الخاصة، وقبلوا منهم هذا النحو من التعاطي، لكن ذلك لا يعني حصرهم في زاوية، ومن ثم تهميشهم على الحاشية، فلو أن الأئمة ﴿؏﴾ فعلوا ذلك -أيّ أطروا الشيعة بإطار مذهبي- لرفضهم العقلاء، وبالتالي ما أصبحوا في صميم الأمة، ولن يغدوا في قلب المجتمع الإسلامي.
وهنا نقول إن من أطر الإمام الحسن ﴿؏﴾ ليس غير معاوية وبنو أمية -عليهم لعائن الله-، والتاريخ السيء، والظلم الذي وقع على الإمام ﴿؏﴾ عمومًا، وحصر دوره وفاعليته ﴿؏﴾ في زاوية؛ حتى تمكن منه أعداءه بقتله ﴿؏﴾.
وللأسف فإن البعض قد يفهم الأمور بنحو خاطئ؛ فيظن متوهمًا كونه بات لدينا -نحن الشيعة- إمكانيات وفضائيات أن الفرصة أصبحت متاحة بأن نطرح مذهبنا بالطريقة التي تحلو للبعض منا
ولكن في الواقع هذا أسوأ إفادة يمكن تصورها للفرصة التي أتيحت لنا في إظهار صورة ناصعة لمذهبنا، وهذه الظاهرة تحتاج إلى معالجة، فالفرصة الحقة هي التي تجعلك تعرف كيف ترسل رسائل للآخر، وبنحو عقلائي فيقبلها، وليس التي تضيق عليك الخناق وتحشرك في زاوية، وتجعلك تحمل مشروعًا مقيدًا من بين يديه ومن خلفه، الفرصة الحقة هي التي تخرجك من الحاشية إلى الصميم وإلى القلب.
إن الفرص الكبرى التي نمر بها اليوم من جهة عقلية وعقلائية معناها أن نكسر الحصار، وأن نستطيع أن نتصل بالآخر من جديد.
وأول من كسر هذا النمط من التفكير هو الإمام الحسن ﴿؏﴾، والشواهد التاريخية كثيرة؛ منها الرواية التي ذكرناها سالفًا عن الإمام الصادق ﴿؏﴾ “والله للذي صنعه الحسن ابن علي ع كان خيرًا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس -وفي رواية- أو غربت”، والتي فيها يبدأ الإمام ﴿؏﴾ قوله بالقسم، وقسم الإمام -بل كل إنسان- هو عندما يريد أن يقول أمر حقاني، يرى أن الآخر في غفلة عنه أو ليس له دراية به.
“كان خير لهذه الأمة” أيّ لكل الأمة؛ ولذا نجد أن الآخرين حتى المقربون من الإمام الحسن ﴿؏﴾ لم يتحملوا ولم يسع نفوسهم أن تدرك ذلك النور بتمام السعة.
سعة حلم الإمام ﴿؏﴾
وكما قيل أن أشدّ ظلم هو مظلومية ذوي القربى(١٣) وكما جاء في التاريخ أن بعض ما وقع على الإمام الحسن ﴿؏﴾ من ظلم إنما وقع من شيعته ومن المقربين منه.
فعبيدالله بن عباس وهو ابن عمّ الإمام الحسن ﴿؏﴾ كان الإمام ﴿؏﴾ قد أرسله في اثني عشر محارب إلى مواجهة معاوية؛ فأغراه معاوية بألف ألف درهم على أن يؤجل منه النصف، ويعطيه النصف الآخر، إذا فتح له المجال أن يدخل الكوفة، فانسل عبيد الله في الليل إلى معسكر معاوية، وقعدوا وأميرهم من طرف معاوية.
كل ذلك كان بسبب اتساع فاعلية الإمام الحسن ﴿؏﴾، واتساع دائرته ووجوده وحلمه؛ حلم عالم بمستوى العالم، حلم قد يغري السفهاء والجهال، ومن يحب الدنيا، ويغري من لا شعور ولا إحساس له، و يغري كل ضمير ميت.
حسبنا هنا أن نتصور عالمية حلم الإمام ﴿؏﴾، في مقابل عالمية الضدّ من الجحود والخذلان، وهم يعرفون “أنه سيّد شباب أهل الجنة”.
- ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ الأحزاب: ٣٣.
- ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ آل عمران: ٦١.
- ﴿هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾ الإنسان: ١.
- قال: “الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا” المناقب، ج٣ ص ١٦٣.
- عن حذيفة قال: قال لي النبي صلى الله عليه وآله: أما رأيت الشخص الذي اعترض لي؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: ذاك ملك لم يهبط قط إلى الأرض قبل الساعة، استأذن الله عز وجل في السلام على علي، فأذن له فسلم عليه، وبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. الأمالي، ص ٢٣.
- ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ آل عمران: ٧
- عن أمير المؤمنين ﴿؏﴾: “قول لا أعلم نصف العلم”. عن أمير المؤمنين ﴿؏﴾: “من أحسن السؤال علم”.
- ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ محمد: ٢٤.
- “فمن زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي. ومن زار فاطمة فكأنما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب فكأنما زار فاطمة، ومن زار الحسن والحسين فكأنما زار عليا، ومن زار ذريتهما فكأنما زارهما” [بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٣ – الصفحة ٥٨].
- تعرضت الأستاذة الفاضلة في البحث العاشورائي لعام 1443بعنوان (رسائل من كربلاء) إلى رسائل الإمام الحسين ﴿؏﴾ إلى الشيعة خاصة، وإلى سائر المسلمين عامة، ورسائله إلى سائر الديانات، ورسائله إلى العالم أجمع .
- بالإمكان الاستزادة في هذا المعنى من خلال مراجعة تفسير سورة الحمد.
- محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله للذي صنعه الحسن ابن علي (عليهما السلام) كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس والله لقد نزلت هذه الآية ” ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [الكافي ج٨، ص٣٣٠]
- وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً *** عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ [طرفة بن العبد].
0 تعليق