تقدم القراءة:

سهم وسبعون ١

الثلاثاء 17 نوفمبر 2015صباحًاالثلاثاء

الوقت المقدر للقراءة:   (عدد الكلمات:  )

0
(0)

مع الشعار

حديثنا في هذه الليالي الحسنيّة تحت شعار سهم وسبعون . ومعنى الشعار مشتق من رواية عن رسول الله (ص) أوردها كلا الفريقين : ” سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ: تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً، سَبْعُونَ مِنْهَا فِي النَّارِ وَ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَ هِيَ الَّتِي تَبِعَتْ وَصِيَّ مُوسَى. وَ تَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ وَ سَبْعُونَ ‏فِي النَّارِ وَ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَ هِيَ الَّتِي تَبِعَتْ وَصِيَّ عِيسَى. وَ أُمَّتِي‏ تَفْتَرِقُ‏ عَلَى ثَلَاثٍ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً، اثْنَتَانِ وَ سَبْعُونَ فِرْقَةً فِي النَّارِ وَ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَ هِيَ الَّتِي تَبِعَتْ وَصِيِّي. قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ فِرْقَة

مِنَ الثَّلَاثِ وَ سَبْعِينَ كُلُّهَا تَنْتَحِلُ مَوَدَّتِي وَ حُبِّي، وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ وَ ثِنْتَا عَشَرَةَ فِي النَّارِ(1)

لسنا بصدد الحديث عن العدد فالمسألة ليست عددية وإنما الكلام عن الكثرة، والرواية وأمثالها تشير إلى أن النحل التي تخلق لتكون موجهة ضد الملة والعقيدة الأساسية تزداد، بحيث كلما ازداد الحق وضوحا كلما ازدادت واتسعت حيل الباطل فهما خطان متوازيان.(2) فإذا قلنا بوجود فريق باطل يواجه أمير المؤمنين في أول تاريخ حياة رسول الله (ص) يمثل سهما،فإن هذا السهم قد تطور وتغير لباسه عبر الزمن بحيث يفتح المجال لآخر ثم آخر وهكذا .

ولكن الرواية تجعلنا نتساءل : لماذا تعتبر كل هذه الفرق في النار ، ونحن نعرف أن شفاعة رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) تشمل حتى أصحاب الكبائر؟

الجواب: لأن هذه السهام تصيب قلب الدين . أصحاب الذنوب والمعاصي والخطايا حتى الكبائر منها تصيب قشر الدين فقط، وهذا يمكن علاجه أما الذي يصيب بسهمه كبد الدين وقلبه، فإنه لا أمل في نجاته. وهذه السهام التي اجتمعت بمثابة سلسلة متتالية تتابعت في ظلم الإمام الحسن (ع)، وسوف نرى أن بني أمية كانت لهم الخطوة الأولى باتجاه ألف ميل في هذا الظلم .

القتل نوعان : قتل الشخص: وهذا ما قام به معاوية ، وقتل الشخصية : وقد شارك فيه الكثيرون. والسهام التي وجهت للإمام الحسن (ع) أنواع، الجهل بسيرته سهم، واتهامه بالجبن سهم، ونسبة الضعف له سهم، وكل تقصير في حقه هو سهم موجه لقلب الدين ، نقرأ في الزيارة :(المقصر في حقكم زاهق) (3) أي خارج عن الدين. فإذا أردنا أن نعرف السهام الموجهة للإمام الحسن نجدها تتجاوز الثلاث وسبعين سهما، فكلما كان هناك ظلم وجهل وتعتيم وتقصير في التعامل مع الإمام الحسن صلوات الله عليه، فهو تقصير في شأن الدين .. وفي المقابل هناك فرقة ناجية تعرف وتؤدي حق أهل البيت صلوات الله عليهم، (واللازم لكم لاحق).

إن السهم الأول الذي رمي على الإمام الحسن (ع) هو الذي جر بقية السهام وفتح لها الباب لأنه جاء مقنعا بقناع شرعي من شخص نسب نفسه لرسول الله(ص) ولذلك لم يأخذ منه المسلمون موقفا قويا كي يقطعوا الطريق ، ولأجل ذلك فتحت ضد الإمام الحسن جبهة واسعة جداً إلى هذا اليوم ، وإغلاقها ليس سهلاً وإنما يحتاج إلى الكثير من العلوم والمعارف، والتحقيق، والحلم، وطلب الحقيقة والواقع، والتجرد عن المسميات، خصوصا أنها السهام الأسوأ حيث أنها لا تقضي على الشخص بل على الشخصية .

(الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ) بين قراءتين

ومن أجل أن يتضح مفاد البحث بشكل أجلى سوف نعطف الحديث حول هذه الرواية التي نحفظها ويرويها الفريقان عن رسول الله(ص) «الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعدا»(4) ، وفي رواية ثانية (ابنايَ إمامان قاما أو قعدا)(5). هذه الرواية يمكن فهمها على منحيين :

المنحى الأول : وهو المعنى الشائع الذي يفهم الرواية على أن النبي يخاطب الأمة فيقول أن الحسن والحسين من شأنهما الإمامة، والإمام قد يكون قاعدا وقد يكون قائما، ويفهم من ذلك توزيع أدوار بين الحسنين (ع) فالحسن قاعد والحسين قائم، ومنشأ هذا الفهم نابع من المتابعة القشرية للأحداث الخارجية، فحينما رأينا الإمام الحسين (ع) جاهد وقام بالسيف قلنا أنه قائم، و حينما رأينا الإمام الحسن في مرحلة الصلح فقلنا الإمام الحسن قاعد، وكلا الدورين –وفق هذه القراءة – دوران متناقضان .

هذه القراءة هي حجر عثرة في فهم الإمام الحسن (ع)، علينا أن نزيحها فهو يمثل حلقة خاطئة في فهم سيرته (ع) وإدراك مقامه .

المنحى الآخر : وهو الذي ندعيه، هو أن رسول الله (ص) لا يخاطب الأمة لكي نفهم الإمام الحسن من الدور الذي قام به وإنما يتكلم عن حقيقة الإمامة وشأنها ويقول أن الحسن إنْ قام فهو إمام وإن قعد فهو إمام والحسين كذلك،فكلا الحسنين قد يقومان وقد يقعدان، وربما يؤيد هذا التوجه ما ورد عن الإمام الباقر (ع) للحكم بن أبي نعيم ” كلنا قائم بأمر الله” . حديث النبي عن شأن الإمامة وليس عن التاريخ أو الواقع الخارجي .

آثار الاختلاف بين القرآتين

إن قراءة سيرة المعصوم عبر التاريخ يكتنفها الكثير من التعثر، ومثاله ما نواجهه من إشكالات وشبهات حين نقرأ سيرة وشخصية الإمام الحسن (ع) .

وهو تماما مثل سيرنا في التعرف إلى الله سبحانه، فعندما نريد أن نتعرف على الله سبحانه من خلال خلقه فسنواجه شبهات كثيرة تحتاج إلى حلّ، إذ سوف نرى زلازل وفقرا وظلما وحروبا… فنحتاج حينذاك لإثبات عدله، ولكي ندرك ربوبيته لابد أن نخترق أسوار الشبهات الكثيرة التي تشكلت من خلال سيرنا في معرفة الله بخلقه . لكن هناك سير آخر تدعو له تعاليم أهل البيت يتمثل في ضرورة معرفة الله بالله . ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي ” إلهي بك عرفتك” أي لم أعرفك عن طريق مخلوقاتك وآثارك فهي معوّقة في إدراك حقيقة ربوبيتك.

كذلك في سيرة الإمام الحسن (ع) علينا أن نقرأ سيرته من خلال معرفة مقامه ، لا من خلال الأحداث والمجريات الخارجية والتاريخ، لأن التاريخ إنما يخدمنا في إثبات مصاديق للمقام بعد إحرازه وتحديده ومعرفته ، وحينها لن نقصر في معرفة حقيقة الإمام وستكون الانطلاقة نقطة قوة .

الفرق بين القراءتين للرواية : أن الفهم الأول يجعل من دور الإمام الحسن (ع) مبررا لقبول الضعف والتراجع ويفتح لكثير من التبريرات، بينما الفهم الثاني -الذي نتبناه- لا يعطينا وظيفتين مختلفتين وإنما يبين أن الإمام الحسن (ع) يتعاطى مع الأمة كما يتعاطى معها الدين ، الدين دائرته واسعة – وهذا سوف يتبين في الدرس التالي – والإمام الحسن حين قعد فإنما قعد رحمة بالأمة ، هذه القراءة تقول لنا : الإمام الحسن أرحم بكم ، إن قعدتم فهو معكم، وإن ضعفتم أو توانيتم هو معكم لم يكن قعوده إلا مراعاة لضعفكم .

الإمام لا يترك الأمة، فليس من شأن الإمامة أن تعتذر من الأمة. فهو لن يترككم عندما تكونون ناقصين أو محتاجين ، الإمام مع الأمة في كل أحوالها سواء كانت مطيعة أو مذنبة ، لا يرفض الإمام الأمة إلا إذا عادت أصل الدين ووجهت سهامها نحوه لأنها تكون هنا قد مرقت وخرجت من دائرة الدين .

إذن القراءة التي نذهب إليها تقول أن الإمام الحسن إمام في كل أحواله إن قام أو قعد وقعوده ليس بسبب فقده قدرته قدرته على القيام بل هو قاعد رحمة بكم لينهض بكم ويعالج نقصكم ويبعث فيكم الحياة .

 

الإمام الحسن خيركم لأهله

كانت أحد الجبهات الموجهة ضد الإمام الحسن (ع) في بيته متمثلة في زوجته جعدة بنت الأشعث. ومع ذلك فقد كان يتعاطى معها الإمام ممتثلا سيرة جده المصطفى (ص) إذ يقول (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) فمع ما كانت تضمر له من سوء بحيث كانت عينا لمعاوية عليه وتسببت في سمه إلا أن الأخبار تقول أنها بعد أن دست السم شعرت بالخوف والارتباك ولم تعرف من أين تفرّ، فما كان من الإمام إلا أن أشار لها إلى مكان الخروج والهرب ففرت بفعلتها .

إن إدراك هذا الحلم وهذه الرأفة من شأنه أن يصحح قراءتنا للإمام الحسن ، في حال نحن أحوج ما نكون لتصحيحها لكي نقضي بعض تقصيرنا تجاه الإمام الحسن (ع) نرجو بذلك بر رسول الله والصديقة الزهراء وأمير المؤمنين وبره صلوات الله عليه .


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي ؛ ج‏2 ؛ ص913

2- ورد في الفضائل لشاذان بن جبرئيل: بالأسناد يرفعه إلى سليم بن قيس قال: دخلت على عليّ بن أبي طالب عليه السلام في مسجد الكوفة و الناس حوله، إذ دخل عليه رأس اليهود و رأس النصارى. فسلّما و جلسا فقال الجماعة: باللّه عليك يا مولانا، اسألهم حتّى ننظر ما يعملون.قال عليه السلام لرأس اليهود: يا أخا اليهود. قال: لبّيك. قال:على كم انقسمت أمّة نبيّكم؟ قال: هو عندي في كتاب مكنون. قال: قاتل اللّه قوما أنت زعيمهم! يسأل عن أمر دينه فيقول« هو عندي في كتاب مكنون»! ثمّ التفت إلى رأس النصارى و قال له: كم انقسمت أمّة نبيّكم؟ قال: على كذا و كذا، فأخطأ. فقال عليه السلام:لو قلت مثل قول صاحبك لكان خيرا لك من أن تقول و تخطئ و لا تعلم. ثمّ أقبل عند ذلك و قال:أيّها الناس، أنا أعلم من أهل التوراة بتوراتهم، و أعلم من أهل الإنجيل بإنجيلهم، و أعلم من أهل القرآن بقرآنهم. أنا أعرف كم انقسمت الأمم. أخبرني به أخي و حبيبي و قرّة عيني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث قال: افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة، سبعون فرقة في النار و فرقة واحدة في الجنّة و هي الّتي اتّبعت وصيّه.و افترقت النصارى على اثنتين و سبعين فرقة، فإحدى و سبعون فرقة في النار و فرقة واحدة في الجنّة و هي التي اتّبعت وصيّه و ستفرق أمّتي على ثلاث و سبعين فرقة، اثنتان و سبعون في النار و واحدة في الجنّة و هي الّتي اتّبعت وصيّي- و ضرب بيده على منكبي-ثمّ قال: اثنتان و سبعون فرقة حلّت عقد الإله فيك، و واحدة في الجنّة و هي الّتي اتّخذت محبّتك و هم شيعتك. [كتاب سليم بن قيس الهلالي]

3- الزيارة الجامعة

4- عوالي اللآلي ج4، ص11

5- كشف الغمة ج1، ص533

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

كيف وجدت المقال؟ شارك الآخرين ذلك

معدل التقييم 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييم للمقال حتى الآن

اختر تصنيفًا

ما رأيكم بالموقع بحلته الجديدة

إحصائيات المدونة

  • 114٬722 زائر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فاجعة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير 5 (3)

من المعلوم أن الإمام الحسن (ع) قد قُتِل بالسم الذي قدمه له معاوية بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فهذه النهاية المؤلمة تكشف عن مقدمات وبوادر سيئة جدًا منذ أن استبدلت الذنابي بالقوادم(1)، واستبدل أمير المؤمنين خير البرية بشر البرية؛ حتى وصل الأمر إلى معاوية الذي خان وفجر وغدر وجاء بكل موبقة.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٣ 5 (2)

مما لا شك فيه أن السيّدة زينب ﴿؏﴾ المحتمل في قلبها وفي روحها لعلم أهل البيت ﴿؏﴾، ممن امتحن الله ﷻ قلبها للإيمان؛ لا يصلها ولا يعبث بها الشيطان بأيّ حال من الأحوال، ولذا كان لها أن تواجه تلك الحبائل التي يلقيها الشيطان وأتباعه في الخارج؛ بتلك الرؤية المتماسكة والروح القوية التي لا ينفذ إليها الباطل، والتي تشبه روح الأنبياء ﴿؏﴾ في السعة والقدرة على مواجهة الساحة الخارجية والميادين المشتركة بينها وبين أهل الشر.

الدور الاجتماعي للسيدة زينب ﴿؏﴾ رؤية قرآنية ١٢ 5 (1)

فكانت ﴿؏﴾  تخاطبهم وتوبخهم بقولها: “يا أهل الختل والغدر”؛ وحسب الظرف كان يجدر أن تنفر النّاس من قولها ولا تقبل بتلك التهم، لكن جميع من  كان حاضرًا قد همّ بالبكاء، الصغير والكبير والشيبة!

لأنها ﴿؏﴾ قلبت النّاس على أنفسهم المتواطئة مع الظالم والمتخاذلة والمتقاعسة عن نصرة الحق على ذاتها، فرأوها على حقيقتها رؤية الذي لا لبس فيه؛ فغيرت بذلك أحوالهم وأعادتهم لأنفسهم النورية حيث فقدوها